إن الأصل في الديمقراطية أن تكون ممارسة سياسية وليست نظرية فحسب فيكفي انه لدينا من النصوص في الدستور التونسي والتشريعات التي وافقت عليها الدولة في المواثيق الدولية ما يكفي لو طبقت على حقيقتها لكان المشهد السياسي اليوم في تونس أفضل بكثير على ما هو عليه الآن . فالتنقيحات لدينا بدأت ولم تنته بعد. فيكاد يكون كل بداية استحقاق سياسي في الانتخابات الرئاسية والتشريعية إلا ويعلن عن تنقيحات بعضها يلغي البعض وكلها استجابة لنظام الحكم في تأكيد سلطته من جهة يقابله انفتاح شكلي على المعارضة والبعض من النخب السياسية من جهة أخرى . ولعل آخرها التنقيح الذي أذن به رئيس الدولة بمناسبة 20 مارس 1956 والجديد في هذا التنقيح هو إفساح المجال لأحزاب المعارضة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية حتى الغير ممثلة في البرلمان إلا أن ذلك كان كالعادة مشروطا و اقصائيا وهذا ينم عن تدخل في شؤون الأحزاب وخاصة فيمن يرونه مناسبا لهم لتمثيلهم في الانتخابات الرئاسية. فكان من الطبيعي لنظام يعتبر نفسه ديمقراطيا ويحرص على الممارسة الديمقراطية أن لا يحشر نفسه في هذا المستوى من الفعل ورد الفعل وخاصة إذا كان المقصود من هذه التقيحات ليست أحزاب الديكور والواجهات بل هي الأحزاب المستقلة والمناضلة . وهذه تعتبر عملية إقصاء مقننة لا تخدم الواقع السياسي والهدف منها بقاء دار لقمان على حالها وهو إقصاء للديمقراطية باسم الديمقراطية . والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو : فإذا كنا نعلم علم اليقين أن الشعب التونسي قد بلغ من النضج والوعي ما يؤهله بان يعيش حياة ديمقراطية حقيقية يجري فيها التنافس النزيه على أرضية حب الوطن ولا ولاء لغير الوطن فلماذا لا نعطيه الفرصة الجدير بها حتى نمكنه من ممارسة حقه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة بكل وعي ومسئولية ونوفر له فرصة الاختيار النزيه لمن يأنس في نفسه الكفاءة والمقدرة العالية للترشح خاصة لرئاسة الجمهورية ؟ نقول ذلك ونحن نعلم انه طوال هذه السنين الطويلة لم نخض كشعب تونسي تجربة ديمقراطية حقيقية سواء فيما يخص الانتخابات الرئاسية أو التشريعية تجعل من المواطن شريكا بالفعل في صنع القرار ومسئولا عن اختياراته. فمتى سيحين الوقت لنحيا حياة ديمقراطية سليمة؟ فمتى سيسمح لنا كشعب بأن نعيش الصراع الديمقراطي من اجل البدائل والمضامين والبرامج المتنافسة والمختلفة حقا عما هو سائد ؟ فألي متى نجتر تجارب الماضي البعيد والقريب وكأن العالم من حولنا لا يؤثر فينا ولا نتأثر به ؟ وكأن العالم من حولنا لا يتغير ؟ فمتى سنصبح جديرين بان نرتقي بأنفسنا إلى رتبة الإنسان الكامل الحقوق ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟ فهل محكوم علينا بتطبيق الواجبات فقط دون ممارسة حقوقنا المدنية والسياسية والتي لا تتم المواطنة إلا بها فمتى سندرب أنفسنا كشعب على الصراع الديمقراطي الأفقي وعلى الجدل الاجتماعي ؟ إن أي شعب في الدنيا لا يسمح له بأن يكون سيد نفسه وصاحب مصيره بواسطة أسلون الحكم الديمقراطي في المشاركة في صنع اختياراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولا يسمح له في اختيار من ينوبونه في الحكم عن طريق التداول السلمي على السلطة لا يستطيع أن يتحمل تبعات سياسات واختيارات لم تكن نابعة منه بصفة ديمقراطية إيمانا منا بأن السلطة شعبية أو لا تكون؟ النفطي حولة :6افريل 2008 المصدر بريد الفجرنيوز