طرابلس:اتخذت جهات الرقابة في ليبيا مؤخرا جملة من التدابير لمكافحة أساليب الفساد عبر منظومة متطورة لفحص ونشر التعاقدات والمصادقة عليها، قبل التعاقد بين كافة المؤسسات والشركات.كما أُطلق موقع إلكتروني يرصد كافة القضايا والمعلومات، بالإضافة إلى وضع إستراتيجية وطنية تعزز النزاهة والشفافية.وتزامنت هذه الخطوات مع إطلاق حملة كبيرة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" ضد الفساد. وأكد مدير المكتب الإعلامي في جهاز الرقابة عبد العاطي المهدي أن المبادرة الأخيرة تهدف إلى تضييق الخناق على المنحرفين، وتفويت الفرصة على "المفسدين" في إطار خطة شاملة لمواجهتهم. وأكد المهدي أن المسؤول الحقيقي لا يحال على القضاء، مشيراً إلى أن منظومة الرقابة الحديثة تسعى لتسهيل مراجعة العقود ودراسة أسباب تأخيرها. ورجح المسؤول الليبي أن هذه العراقيل قد تكون ناجمة عن الفساد، لكنه برر عدم إدانة أي مسؤول بانشغال القضاء، مؤكدا إحالة مئات المتهمين على القضاء لمحاسبتهم. الرغبة غائبة من جهته، اعتبر الخبير في مجال الشفافية أبو بكر بعيرة أن المشكلة تكمن في الإدارة الليبية، فرغم إشادته بالقوانين الموجودة والتي "تغطي كل صغيرة وكبيرة إلا ما ندر"، فإنه حصر الداء في "غياب القدرة أو الرغبة في وضع تلك القوانين موضع التطبيق". وانتقد أبو بكر بعيرة عمل الرقابة، وأكد أنها تعاني من مشكلة منهجية تتمثل في عدم وجود أسس موضوعية يتم على أساسها اختيار قيادات الجهاز التي لم تجد قاسما مشتركا واحدا بينها خلال السنوات العشر الماضية سوى "عنصر الولاء". ويترتب على ذلك -حسب الخبير الليبي، في تصريح للجزيرة نت- غياب سياسة عامة وثابتة تحكم قيام الجهاز بمهامه، بل "نجد أن الأمر لا يعدو كونه نوعا من المبادرات الفردية التي تقوى وتضعف وفقا للإدارة الشخصية لمن يقوم بذلك". ومن أجل التصدي للظاهرة، اقترح الباحث في مجال الحد من الفساد إبراهيم قويدر، ضرورة الفصل بين الدور الرقابي والتنفيذي. وقال إنه مهما كانت قدرة المراجعين فلن تجد مراجعا شاملا لكل التخصصات مما يتسبب في وقوع هفوات وأخطاء، حيث يوضع العاملون في الرقابة بموقع مساءلة، داعيا الرقابة إلى المتابعة الكفيلة بتنفيذ القرارات ومتابعة المخالفين. ونصح إبراهيم قويدر صناع القرار بضرورة استحداث نيابة خاصة لمكافحة الفساد تختار لها مجموعة من القضاة المؤمنين بهذه القضية. هرطقة إعلامية على صعيد آخر، رحب الصحفي ورئيس التحرير التنفيذي السابق لصحيفة أويا الاقتصادية، أحمد الخميسي بفحص التعاقدات قبل عملية التعاقد، مشيرا إلى أن هذه الخطوة دليل واضح على أن هناك تجاوزات مالية كثيرة. وطالب -في تصريح للجزيرة نت- بالكشف عن التجاوزات الموجودة وعن صلاحيات الأجهزة التنفيذية إذا كانت الرقابة تدخل معها قبل التعاقد ومن ثمة تصادق على عقودها. وأضاف أحمد الخميسي "نحن لسنا بحاجة إلي مثل هذه الإجراءات، ولكننا لم نسمع قط بأن مسؤولا تمت إحالته إلى القضاء بسبب الفساد". وكشف الخميسي عن استجوابه أثناء عمله في أويا، الصحيفة المحسوبة على نجل القذافي سيف الإسلام، بعد نشره تقريرا عام 2009 عن الفساد والمفسدين، متأسفا لتجاهل التحقيق مع المتورطين، وملاحقته لمعرفة مصدر المعلومات ومن سمح له بنشر التقرير. ولم يُنكر الخميسي الجهود الحالية لمواجهة الفساد، لكنه تساءل عن مصير إقرارات الذمة المالية التي بلغت 14085 إقرارا خلال 2008، واصفا تلك الإقرارات "بالهرطقة الإعلامية".