طرابلس:تحوّل مشروع قانون إنشاء هيئة وطنية للشفافية في ليبيا بعد رفض جهات رسمية عرضه على المؤتمرات لإقراره، إلى مجرد مشروع لتعزيز النزاهة تشرف عليه اللجنة الشعبية العامة (الحكومة) ومجلس التطوير الاقتصادي بالتعاون مع الأممالمتحدة.وجاءت مسودة القانون -الذي حصلت الجزيرة نت على نسخة منه ويعتبره الخبراء قانونا مهما- في 17 مادة تنظم الهيئة المختصة بمراقبة تنفيذ التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد المالي والإداري في أجهزة ومكونات الدولة، بما في ذلك الهيئات النظامية بالشعب المسلح والأمن والضبطية القضائية.
ولا تميز مواد القانون بين أي شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، ليبي أو أجنبي، يكون طرفا في جرائم الفساد، إضافة إلى جرائم الوساطة والمحسوبية وفساد الذمة المالية والرشوة واستغلال الوظيفة لتحقيق منفعة شخصية أو للغير.
كما تشمل الجرائم الواردة في اللائحة التسيب الإداري والإهمال والتحايل وغسيل الأموال والاتجار غير المشروع في المحرمات. خطوات غير مجدية وتوحي الجرائم العديدة التي شملتها المسودة بأن هناك أطرافا ليس في مصلحتها إقرار القانون، فذهبت به إلى أدراج المكاتب "الفاخرة" حسب رأي بعض المحللين.
ويرى الخبراء أن مشروع القانون الذي يعطي الهيئة الحق في الوصول إلى بيانات أي جهة عامة أو خاصة، يعتبر من أقوى القوانين لو تم إقراره وسيسهم إلى حد كبير في مواجهة الفساد في البلاد.
ويرى خبراء أن التطورات الأخيرة في ليبيا، وإرسال فريق من الحقوقيين إلى سنغافورة للإطلاع على تجربتها في مجال الحد من الفساد، تشكل خطوات غير جدية "ولذر الرماد في العيون". ويدعو الخبير عوض الحداد -وهو من أصحاب هذا الرأي- إلى حل تنظيم اللجان الثورية –المسؤول الأول عن الفساد- والتصدي بقوة للالتفاف القبلي، مؤكداً أن دور التنظيم الثوري ترسيخ سلطة الشعب وليس القبيلة.
ودعا في تصريح للجزيرة نت إلى إبعاد كل عناصر البيئة الحاضنة للفساد من أي لجان وطنية للشفافية، وقال إنه من" المعيب" تعيين شخص "فاسد" في لجنة معنية بالشفافية.
وأكد الحداد أن توسيع المساءلة الشعبية المصاحبة للديمقراطية الشعبية مع تفعيل القانون والإعلام والصحافة في الكشف عن الفساد الكبير في أعلى المواقع القيادية ومحاسبتها قد تؤدي إلى حصار الفساد. تجارب ناحجة لكن الهادي بوحمرة -أحد أعضاء الفريق الوطني المناظر لفريق الأممالمتحدة الذي يعمل حاليا في ليبيا- يؤكد في تصريح للجزيرة نت أن الزيارة كانت في إطار بحثي صرف بهدف التعرف على التجارب المقارنة في مجال مكافحة الفساد، وعلى الأنظمة القانونية وكيفية تفعيلها.
وأكد أن المسألة يجب أن لا تقتصر على دراسة تجربة سنغافورة، بل يجب أن تمتد إلى دراسة تجارب أخرى ناجحة، مشيرا إلى أن هناك إمكانية للاستفادة من تحول سنغافورة إلى دولة أقل فسادا بعدما كانت "من الدول الأكثر فساداً", لكنه قال إن هناك صورا للفساد لا توجد إلا في ليبيا.
وعزا ذلك إلى أسباب ناجمة عن طبيعة المجتمع الليبي، ومن نمط التطورات السياسية التي مر بها، مضيفاً أن المسألة تحتاج لإرادة واضحة محددة المعالم، والاعتماد على منهج عملي لإصلاح النظام الإداري والقضائي وضمان سيادة القانون.
من جهته يؤكد الباحث في مجال السياسة العامة أنس بعيرة أن تجارب تحسين النظم والسياسات المالية في دول مثل بوليفيا والإكوادور وجورجيا، وتجارب إصلاح الخدمة المدنية كما حدث في لاتفيا وألبانيا والتي أفضت إلى تغيرات جوهرية في أداء الإدارة الحكومية تقترب من الجماهيرية.
وذكر في تصريح للجزيرة نت أنه "لا ضير بعد إصلاح الجمارك وتحسين نظام الضرائب وضبط التعاقدات والإفصاح عن الممتلكات وتحسين المرتبات وتبسيط المعاملات من الانفتاح على تجارب الآخرين".
وقال إن محاربة ظاهرة التردي في أداء الإدارة العامة قد توافر لها ركن إعلان النية من أعلى المستويات في الدولة.