برلين سمير عواد: واجه مسلمو أوروبا في الأيام والأسابيع القليلة الماضية أكثر من اختبار. وكان مؤيدو الانتقاد الأعمي للإسلام والمسلمين في أوروبا يتوقعون أن تقود الاستفزازات الجديدة والتي كانت آخرها في صورة فيلم عنوانه(فتنة) أشرف علي إعداده السياسي الهولندي المتطرف غيرت ويلدرز، وهو الفيلم الاستفزازي الثاني الذي تم إعداده في هولندا بعد فيلم أخرجه تيو فان جوخ وكان سببا في اغتياله علي يد شاب مغربي ولد في هولندا ويحمل الجنسيتين المغربية والهولندية لم يتحمل هذا الاستفزاز مما دفعه إلي قتل المخرج الهولندي. في تلك الفترة أشار المتحاملون علي الإسلام إلي أن الفيلم الاستفزازي الذي تظهر فيه نساء شبه عاريات كتب علي أجسادهن آيات من الذكر الحكيم يندرج في إطار حرية التعبير عن الرأي. والجدير بالذكر أن طالبا في مدرسة بمدينة مراكش اعتذر عن هذه الجريمة خلال زيارة رسمية قام بها ولي العهد الهولندي فلهيلم ألكسندر وزوجته الأرجنتينية المولد ماكسيما. دافع المتحاملون أيضا عن فيلم (فتنة) وقالوا أيضا انه يندرج في إطار حرية التعبير عن الرأي. واستحق مسلمو أوروبا الثناء علي موقفهم عندما أثار ويلدرز حملته الحاقدة علي الإسلام والمسلمين لأن هذا السياسي الشعبوي يريد أولا وأخيرا هدفه من وراء هذه الحملة كسب أصوات الناخبين. هذا هو الوجه القبيح للديمقراطية الغربية. وهو بذلك يستخدم إستراتيجية مماثلة قام بها الحزب الجمهوري اليميني المتطرف في ألمانيا عندما قام في مطلع عقد التسعينيات بإعداد فيلم تظهر فيه سيدات تركيات محجبات في برلين وترافق الفيلم موسيقي جنائزية ومفاد الرسالة من وراء الفيلم أن برلين تحتضر نتيجة وجود الأجانب فيها. كانت النتيجة أن الحزب الجمهوري كان أول حزب يميني متطرف دخل برلمان ولاية برلين المحلي. كما يعود أصل هذا الأسلوب في تحميل العرق الآخر مسؤولية الفشل السياسي أو كسب تأييد الناخبين إلي إيديولوجية الحزب النازي في مطلع الثلاثينيات عندما حمل نظام هتلر اليهود مسئولية الفشل الاقتصادي في ألمانيا والارتفاع الكبير لأرقام العاطلين عن العمل. النازيون الجدد في ألمانيا وأوروبا يحملون الأجانب مسئولية انتشار البطالة رغم أن الدراسات أثبتت العكس وأكدت أنهم يسهمون في ازدهار الاقتصاد. مثلما تعامل مسلمو هولندا وأوروبا بتعقل واتزان تجاه السياسي الهولندي المتطرف ويلدرز وفيلمه، تعاملوا بنفس الوزن تجاه مسرحية تحمل العنوان الاستفزازي(آيات شيطانية) وهو عنوان الكتاب الذي ألفه الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي وكان نشره سببا في مقتل العشرات من المسلمين في مسيرات احتجاج صاخبة. لكن الأزمة بلغت ذروتها في فبراير 1989حينما أعلن آية الله الخميني الزعيم الروحي للجمهورية الإسلامية في إيران فتوي تدعو إلي هدر دم سلمان رشدي وتم تخصيص مكافأة مالية لمن يقوم بذلك. منذ إعلان الفتوي يختبئ رشدي ويحظي بحماية أمنية خاصة. فقد ثار ضجيج وصخب إعلامي كبير قبل العرض الأول لهذه المسرحية علي خشبة مسرح (هانز أوتو) في مدينة (بوتسدام) بولاية براندنبورغ بألمانياالشرقية السابقة. وقد كان واضحا أن أوفه إيريك لاوفينبيرغ مدير المسرح، أراد لفت الانتباه للمسرحية من خلال الحديث عن الخوف من وقوع تفجيرات يقوم بها متطرفون إسلاميون. وتقول الزميلة كريستيني فال المحررة في النشرة الإلكترونية(شبيغل أونلاين) أنها عندما استقلت سيارة في محطة القطارات الرئيسية بمدينة (بوتسدام) لم يعرف سائق سيارة الأجرة التي طلبت منه إيصالها إلي مسرح (هانز أوتو) سبب انتشار الشرطة في وسط المدينة فقال ان ذلك قد يكون بسبب مباراة في كرة القدم ولاحظت أن السائق لم يكن علي بينة بأن السبب هو عرض مسرحية (آيات شيطانية). في نفس اليوم تحدثت صحيفة (بيلد) الشعبية عن العرض وقالت هذه الصحيفة التي تستغل كل مناسبة للتحامل علي الإسلام والمسلمين، أن الذين يشاركون في المسرحية من مخرج وممثلين هم أشجع الألمان في هذه المرحلة. وتبين للصحافية الألمانية أن الحديث في المدينة يدور حول مباراة كرة القدم بين الفريقين المحليين (هيرتا برلين) و(كوتبوس) وليس مسرحية (آيات شيطانية) رغم ترويج صحيفة(بيلد) ومحطات التلفزة المحلية. أشارت كريستيني فال في معرض كلامها أنه عندما وصلت سيارة الأجرة إلي المسرح صدمت لأنها لم تتوقع أن يكون المكان بهذه الصورة. لا يافطات احتجاج ولا محتجين، باستثناء سيارتين للشرطة في كل منهما شرطيان فقط! الممثلون الحقيقيون هم مجموعة من الصحفيين الألمان الذين تسلح كل فرد منهم بقلم ودفتر وأحيانا بكاميرا. كل زائر للمسرحية كان ينقض عليه الصحافيون حالما يدخل الباب الرئيسي ودائما علي لسانهم السؤال التالي: هل تشعر بخوف وأنك أصبحت مهددا من قبل الإسلاميين المتطرفين؟ بعضهم نفي لكن البعض الآخر تجاوب مع رغبة ما يريد الصحافيون سماعه: نعم، أنا أشعر بالخوف. العدو دائما: المسلمون. الواضح أن الصحافيين تحولوا إلي كومبارس في حملة مخرج المسرحية لاوفينبيرغ لهدف نقل تصريحات مفادها أن الخوف مزروع في نفوس المدعوين. ماذا عن المسرحية نفسها؟ قالت كريستيني فال: بدأت المسرحية التي وضعها لاوفينبيرغ مع زميله ماركوس ميسلين بلقاء بين هنديين مسلمين يعيشان في بريطانيا، وتتعرض الطائرة إلي الخطف ويجري نسفها في الجو. اللافت للنظر أن إسلاميات محجبات قمن بهذه العملية. يتم التركيز علي دور النساء في المسرحية،يرتدين البرقع ويخفين تحت العباءة متفجرات، وهذا بحد ذاته استفزاز للمرأة المسلمة. ثم تظهر شخصيات جبريل عليه السلام وصلاح الدين الأيوبي ومحمد (صلي الله عليه وسلم) في صورة رجل أعمال تماما كما جاء في كتاب سلمان رشدي. هدف لاوفينبيرغ الإساءة لشخصيات إسلامية كما فعل قبله سلمان رشدي. تتضمن المسرحية أيضا سردا لعلاقات عاطفية لسلمان رشدي ويتم التركيز علي ظهور رجال ونساء نصف عراة علي خشبة المسرح. في الختام يتحول المسرح إلي جبهة للقتال بين الأمريكيين والمسلمين أولا أمام برج إيفل في باريس ثم أمام أهرامات الجيزة. هكذا بنظره يجري حسم صراع الحضارات. في النهاية اكتشفت الصحافية الألمانية أن مسرحية(آيات شيطانية) لا تدعو بأي شكل للحوار الإسلامي المسيحي وأنها لا تتعدي كونها حملة استفزاز جديدة ضد الإسلام والمسلمين رغم أن لاوفينبرغ قال قبل العرض ان المسرحية تسهم في تعميق الحوار بين الديانات. سقط لافينبيرغ في الامتحان فكذب واستفز وفشل ونجح مسلمو ألمانيا في اختبار جديد بتجاهلهم الاستفزاز الجديد والذي لن يكون الأخير دون شك.