الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة- إلياس بوكراع يكشف الدكتور إلياس بوكراع، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة:أن قوى غربية من بينها فرنسا ''تحاول إفشال جهود دول الساحل في حربها ضد القاعدة''. ويرى أن التدخل العسكري الفرنسي بمالي زاد الوضع الأمني تفاقما، وصعّد من التوتر بين باماكو ونواكشوط. ويعطي بوكراع معطيات هامة عن فرع القاعدة الصحراوي، ويقول بأن عدد الجزائريين في صفوفه ليس الأكبر كما يعتقد الكثيرون. صرحت بأن أي تدخل عسكري أجنبي عن أي منطقة يؤدي لا محالة إلى الفوضى والخراب. هل يعني هذا أن الوضع الأمني سيزداد تصعيدا في الساحل، بعد العملية العسكرية التي خاضتها فرنسا في مالي انطلاقا من موريتانيا؟ نعم، لقد قلت عدة مرات بأن التدخل الأجنبي يعقّد المعادلة الأمنية بالمنطقة أو البلد الذي يقع فيه. إن هذه المعانية لا تقوم على تخمينات ولكنها الحقيقة مدعمة بوقائع ثابتة. لنأخذ لبنان كمثال، لقد دخل البلد في حالة اضطراب منذ التدخل الأمريكي عام .1958 وكان التدخل الأجنبي سبب الحرب الأهلية (1975 1990) التي دمرت لبنان، وهو اليوم مهدّد بالعودة إلى العنف. وفي المقابل، لا يوجد مثال واحد يثبت أن التدخل الأجنبي عالج نزاعا.. بل بالعكس، وما حدث ويحدث بالعراق والصومال وأفغانستان دليل على الدمار الذي يخلّفه التدخل الأجنبي. وكل النزاعات (حروب أهلية، مجازر، إبادة..) بإفريقيا كانت التدخلات الأجنبية وراءها. كيف تقيّم حجم المخاطر بمنطقة الساحل جنوب الصحراء؟ لا ينبغي التهوين من خطر التهديدات في الساحل، كما لا ينبغي المبالغة في حجمها. ومصدر التهديد بهذه المنطقة، كتيبتان: كتيبة الملثمين بقيادة مختار بلمختار وكتيبة الفاتحين (طارق بن زياد سابقا). أما عناصر القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي فهم مزودون في غالبيتهم بأسلحة كلاشنيكوف وأسلحة رشاشة ثقيلة، وقاذفات صواريخ ومدافع هاون. وعكس ما يقال، ليس الجزائريون الأكثر عددا في هذه الجماعة التي تتكون من ماليين وموريتانيين وتشاديين ومن النيجر ونيجيريا ومغاربة وليبيين وبوركينابيين. وإذا كان حجم المخاطر ليس كبيرا حاليا، فإنه يمكن أن يتعاظم إذا لم يتم التصدي له حالا بفضل الإرادة السياسية والأدوات الضرورية. وفي اعتقادي، ليست القاعدة قوية وإنما مستوى التصدي لها هو الضعيف. والجزائر هي البلد الوحيد بالمنطقة الذي لايزال يخوض حربا صارمة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة. وهذه الحرب هي من دفعت الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى التنقل باتجاه الجنوبالجزائري. وتواصلت مطاردة عناصرها لما تنقلوا إلى الساحل خارج الحدود الجزائرية. لاتزال حادثة إعدام الرهينة الفرنسي ميشال جيرمانو تثير غموضا؛ هل قتلته القاعدة كرد فعل على العملية العسكرية أم توفي متأثرا بالمرض برأيك؟ دعني أشير إلى أن المعلومات التي قدمتها السلطات الفرنسية بهذا الخصوص كانت متناقضة. فالرئيس الفرنسي ووزيره الأول قالا بأن الرهينة توفي قبل العملية العسكرية على أساس أنه كان يعاني من أزمة قلبية وأن سبب وفاته انعدام الدواء والعلاج. ولكن هذه الفرضية تطرح إشكالا: إذا كان جيرمانو توفي قبل أسبوعين (من العملية العسكرية)، لماذا قررت فرنسا بمعية موريتانيا، ضرب معقل للقاعدة إذن؟ ولنفترض بأن الرهينة كان على قيد الحياة، لماذا غامرت فرنسا بحياته وهي تعلم طبيعة الميدان وخطورة الشبكات التي أقامتها القاعدة وسرعة تنقل الجماعات المسلحة.. وهي تعلم أيضا بأن الجهاديين لن يترددوا في قتل الرهينة بمجرد تلقيهم إنذارا. وتعلم خاصة بأن المعلومة حتى لو كان مصدرها مؤكدا مائة بالمائة هي في الواقع ليست مؤكدة بأكثر من 10 بالمائة. ولماذا غامرت بحياته وهي تعلم احتمال أن تقتله القاعدة أثناء العملية أو بعدها، على سبيل الثأر! كل هذه الملاحظات تفيد بأن العملية الفرنسية لا علاقة لها بتحرير الرهينة، وإنما لها أهداف تتمثل فيما يلي: أولا: محاصرة المسعى الجزائري في محاربة الإرهاب عن طريق عزله بالمنطقة. ثانيا: إعادة دمج المغرب في المعادلة الأمنية الجهوية. ثالثا: محاولة تحويل أنظار الفرنسيين عن فشل سياسة الرئيس ساركوزي. ورابعا: إقامة قواعد عسكرية بمنطقة غنية بالموارد مازالت فرنسا تعتبرها عمقها الاستراتيجي. كيف ترى تداعيات التدخل الفرنسي العسكري بالمنطقة؟ ستفرز عملية 22 جويلية الماضي في اعتقادي، نتيجتين؛ الأولى: تصعيد الخلافات بين دول المنطقة. فحسب الصحافة لم تكن السلطات المالية على علم بالعملية. زيادة على هذا، ليست فرنسا معنية بالاتفاق الموقع بين نواكشوط وباماكو الذي يسمح للدولتين بمطاردة الإرهابيين على أراضيهما. وقد كانت العلاقات بين هاتين الدولتين متوترة أصلا منذ أن أفرجت مالي عن الجهاديين بطلب من فرنسا. وفي الحالتين، نلاحظ بأن التدخل الفرنسي هو سبب التوتر بين البلدين. فلماذا هذه الإرادة في إثارة النعرات بين بلدان المنطقة؟ أما النتيجة الثانية، فهي أن العملية تخدم مصلحة القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي التي تتصرف وفق منطق المواجهة بين ''الهلال والصليب''. وهذا المنظور سيلقى تبريرا لدى أصحابه عندما تتدخل في شؤون المنطقة قوة غربية ''مسيحية''، وهي فوق ذلك قوة استعمارية سابقة. سيجد هؤلاء في ذلك الشرعية لتكفير الأنظمة التي تعتبرها القاعدة عميلة للقوى الغربية اليهودية والمسيحية. وبالمحصلة، تصبح قاعدة المغرب الإسلامي، بسبب هذا التدخل، المانع الوحيد لأهداف الهيمنة الغربية. لم نسمع للاتحاد الإفريقي موقفا حول التطورات الأخيرة. هل تعتقد أن ضعف أنظمة القارة وغياب التعاون السياسي والأمني بينها يرشح المنطقة لمزيد من التدخل الأجنبي؟ بالأمس فقط، حررت لجنة قادة ورؤساء حكومات العشرة، التقرير السابع لدورة ال15 العادية للاتحاد الإفريقي. ويتضمن التقرير بخصوص مشروع قرار حول محاربة الإرهاب الذي أعدته الجزائر، خطوتين؛ الأولى: عرض توصيات ملموسة على مفوضية الأمن والسلم تهدف إلى تعزيز قدرات الأفارقة في الوقاية ومحاربة الإرهاب. والثانية: رفع طلب لجنة الأمن والسلم بهدف إطلاق مشاورات والقيام بإجراءات لإيجاد دعم قوي، وإسهام فعال من المجموعة الدولية ضد الإرهاب في إفريقيا، بما في ذلك تجفيف منابع التمويل خاصة دفع الفدية. ومن الواضح إذن، أن دول إفريقيا واعية بحجم خطر الإرهاب وطبيعته العابرة للأوطان، وبضرورة القيام بعمل تشاوري ضده، دون استثناء دعم المجموعة الدولية. ولكن ينبغي على الأفارقة أن يقضوا بأنفسهم على هذا الخطر الذي يداهم الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي. شهدت المنطقة قيام قيادة أركان مشتركة في أفريل الماضي تحت إشراف الجزائر. لكن لم يلاحظ لها أي وجود في الميدان رغم تسارع الأحداث؟ ينبغي أن ننظر إلى الوضعية كما هي في الواقع؛ فالأمر يتصل بفضاء واسع جدا تزيد مساحته عن 650 ألف كلم مربع، ومنطقة صحراوية تربط بين عدة دول. والأمر يتصل أيضا بجماعات مسلحة لها سرعة كبيرة في الحركة؛ إذ بإمكان عناصرها قطع مسافة 100 كلم في ليلة واحدة. وهؤلاء ربطوا صلات وتحالفات وأقاموا شبكات عائلية وأخرى قائمة على المصلحة المادية، مع قبائل وأعيان وكبار المهربين المحليين. ولمواجهة هذا الوضع، ينبغي توفير وسائل ضربة عسكرية حقيقية، وقدرات حقيقية على التوقع والاستشراف، وتوفر إمكانات لوجستية عالية جدة. ولن تكون هذه القدرات كافية إلا بتوفر القدرة على الاستعلام، أقصد بذلك وسائل مراقبة ورصد معاقل القاعدة عن طريق الأقمار الصناعية وبواسطة الطائرات بلا طيار. زيادة على توفر القدرة على استغلال المعلومة الأمنية والتعامل وفقها في الوقت المناسب، قبل أن يغادر العناصر المستهدفون مكانهم. كما ينبغي توفير عامل هام وفعّال، هو شبكة من المخبرين، وهذا يتطلب عملا طويل المدى. أما عن المعوقات التي تواجهها قيادة الأركان المشتركة الجهوية، والتي تسببت في تأخر انطلاق عملها، فهي التوتر والخلافات بين دول المنطقة التي تثيرها التدخلات الأجنبية. وفي العموم، تبين الأحداث التي تجري على الأرض وجود إرادة سياسية أجنبية لإفشال المعركة التي تخوضها دول المنطقة ضد القاعدة. لهذا أعتقد أن ما ينبغي التركيز عليه، في الجانب الاستراتيجي، هو إحباط هذه الإرادة الكولونيالية الجديدة. المصدرالخبر:الجزائر: حوار حميد يس