قضية التآمر على أمن الدولة: رفض مطالب الافراج واحالة 40 متهما على الدائرة الجنائية المختصة    روما: مكافحة الهجرة محور اجتماع وزراء داخلية تونس وإيطاليا والجزائر وليبيا    سعيّد يتلّقى دعوة من البحرين لحضور اجتماع مجلس جامعة الدول العربية    انتخابات جامعة كرة القدم.. قائمة التلمساني تستأنف قرار لجنة الانتخابات    طقس الليلة    منوبة: مشتبه به في سرقة المصلّين في مواضئ الجوامع في قبضة الأمن    باجة.. تفكيك شبكة ترويج مخدرات وحجز مبلغ مالي هام    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الممثل عبد الله الشاهد    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    حصدت مليار مشاهدة : من هي صاحبة أغنية ''أنثى السنجاب''؟    هذه الأغنية التونسية تحتل المركز الثامن ضمن أفضل أغاني القرن 21    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    التمديد في سنّ التقاعد بالقطاع الخاص يهدف الى توحيد الأنظمة بين العام والخاص    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    تواصل غلق معبر راس جدير واكتظاظ كبير على مستوى معبر ذهيبة وازن    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    تونس: مرضى السرطان يعانون من نقص الأدوية    لاعب سان جيرمان لوكاس هيرنانديز يغيب عن لقاء اياب نصف نهائي ابطال اوروبا    رالف رانغنيك يرفض رسميا تدريب بايرن ميونيخ الالماني    عاجل/ الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل أغلب الطلبة المعتصمين    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    وزارة التربية على أتم الاستعداد لمختلف الامتحانات الوطنية    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    بنزيما يغادر إلى مدريد    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    وزير الشؤون الاجتماعية يزف بشرى لمن يريد الحصول على قرض سكني    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    مايكروسوفت تكشف عن أكبر استثمار في تاريخها في ماليزيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف ناضل الشعب التونسي من أجل هويته العربية الاسلامية على مرّ السنين(الجزءالثاني

بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
بسم الله الرحمان الرّحيم
كيف ناضل الشعب التونسي من أجل هويته العربية الاسلامية على مرّ السنين
الحياة في ضلّ الهوية العربية الاسلامية والحريات الشخصية نعمة
و المحافظة عليها واجبة وضرورة
الحق في الاختلاف واجب واحترام المصالح العليا للبلاد والعباد ضرورة. حتى لا يتحول النقاش إلى مهاترات ومزايدات فلا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير..
قال تعالى" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا" صدق الله العظيم.
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
باريس في 15 أفريل 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
(الجزء الثاني)
حتى لا يتحول النقاش إلى مهاترات ومزايدات : عودة لحوار الشباب الذي يدعو إليه النظام ، بهدف إفراغ طاقات الشباب وحماسه في الكلام وهي طريقة نفسية لتنفيس ما يشتعل في داخل الشباب من غضب وحنق على النظام . فالشباب يروم "الخروج على ما هو رسمي "أو أنه يشعر بأن الخطاب الرسمي " خطاب لا يصدقه الناس "وقيل كلّ ذلك.
شباب عاطل عن العمل ،أو صدعته وسائل النقل من شدة اكتضاضها والمضايقات التي يعانيها داخلها ، كيف يمكن أن يستمع للوعود بوسائل الترفيه في دور الشباب والثقافة ولذلك فإن مشروع حوار الشباب هو شكل من أشكال الحلول المنقوصة للنظام وهو مشروع محكوم عليه بالفشل ما لم تتوفر الحرية الحقيقية التي تفجر الابداع وتدفع للمشاركة والنضال من أجل الوطن والتفاني في خدمته.
والحرية لا تتجزأ ،وفي مقدمتها حرية الصحافة ،وحرية تشكيل الأحزاب ، وحرية العبادة ، وحرية اللباس ، والتمهيد لكل ذلك بعفو تشريعي عام . إن العفو التشريعي العام والسماح بهامش من الحريات كمرحلة تدريجية هو الحل الوحيد لكسب ثقة الشباب ، فلا يمكن أن تكسب ثقة الجيل الجديد في تونس ، وأنت تقدم له نماذج يومية على خلاف ذلك ، من خلال ما يقرأه على شبكة الانترنت و يطلع عليه من خلال الفضائيات على واقع بلاده ، وقبل ذلك ما يلمسه ويشاهده في الشارع ، حتى أصبحت لوحات السيارات تحمل أسماء بلا مسمّيات .
أزمة الثقة بين الشباب والنظام مستفحلة ، اذ كيف يثق الشباب بالنظام وسلوك منتسبيه وبعض ممثليه مشينة سواء على الصعيد السياسي أوالفساد والنهب الاقتصادي أو السلوك الاخلاقي . مقربون من النظام يرفلون في الحلل ويسوقون السيارات الفاخرة ويحتكرون رخص الشركات ويسيطرون على التصدير والاستيراد ، والشعب يعاني من الفاقة والحرمان وحملة الشهادات بدون عمل .
الشباب والحرية : الشباب يريد أن يعترف به أولا ، وبحقوقه ، وأن يرى العدالة في توزيع الثروة بين الجهات وبين الافراد . الشباب يريد أن يرى حرية حقيقية تشجعه على المبادرة وعلى طرح الافكار دون مواضيع محرمة . ولكن عندما يكون جاره في السجن منذ 17 سنة وزميله في مركز البوليس لانه جلس مع زملاء له في المقهى ثم يطلب منه عدم الجلوس معهم ،وإلا أدخل السجن ، وعندما تكون احدى قريباته قد تعرضت للاعتداء في الشارع أو طردت من المعهد لأنها محجبة
كيف سيصغى لمن يقول " ليس هناك مواضيع محرمة " اعترفوا بالآخر قبل أن تحاوروه وقبل أن تطلبوا منه رأيه .اعترفوا بحق الشباب في التنظيم وحاوروه من هذا المنطلق .
معاناة المحجبات: تتعرض المحجبات في تونس لممارسات عير طبيعية تتميّزبالحقد على كل ما له علاقة بالاسلام ومن هذا المنطلق يمكن فهم الاستماتة في محاربة الحجاب واللحية وملاحقة الملتزمين بالاسلام في الدخل والخارج . وقد أفصح الكثيرعن ذلك بطرق شتى ، أنهم ضد رؤية الحجاب في الأماكن العامة داخل المدن والجامعات . فهم يريدون أن يكون الحجاب أو تغطية الرأس من شأن العجائز ومناطق الظل الفقيرة والنساء في البيئات غير المتعلمة ليكون ذلك قرينة ضد الاسلام وتعاليمه ،من وجهة نظرهم .
أما أن ترتديه الطبيبات والمهندسات والطالبات إلى جانب بقية فيئات المجتمع الأخرى ،فهو الفشل بعينه ،من وجهة نظرهم في إقناع القيم الأجنبي بمدى نجاحهم في تغريب شعبهم ولا سيما النساء .وقد يلاحظ الكثير أن اللباس التقليدي ، وأن الحجاب موجود في كل الدول التي تحارب الحجاب
السؤال المطروح هو هل أن الذين يطرحون اللباس التقليدي في تونس وتركيا كبديل للحجاب يلتزمون هم ونساؤهم به وهل ما يرتدونه من ملابس مستوردة متطابق مع ما يدعون المحجبات إليه ، وأما الذين يرفضون الحجاب في فرنسا وهولندا والنمسا و غيرها ، فهم يقولون إنه انتماء ديني وتعبير ثقافي يهدد هويتنا ؟!!!
وكلا القولان تعبير عن همجية جديدة ،ترى في التعدد تضادا ،وفي الحرية تهديدا ، وفي التعايش مساسا بالهيمنة التي تسكنهم ،إلى جانب الخوف المعبر عن الضعف ، وعدم الثقة في النفس .ومن خلال التعلات الغربية والحقيقة أنها جهات متنفذة يتبين لنا حجم الاجرام في حق الحجاب داخل تونس .
وأن رفض الحجاب ومحاربة حرائره هدفه محو الانتماء الديني والتعبير الثقافي عن الهوية داخل بلد عريق في اسلامه ،عرفه الصحابة والتابعون وعلماء أجلاء من أمثال أبي زيد القيرواني ،والامام سحنون ،وابن خلدون ،وابن عرفة ،وابن عاشور ،والشاذلي النيفر ،وعبد الرحمن خليف ، وغيرهم رحمهم الله جميعا .
ممارسات ممنهجة : لقد حاول الكثير من أصحاب النوايا الحسنة من خارج تونس ، ثني النظام التونسي عن ممارساته ضد المحجبات داخل المعاهد والجامعات ، ولكن كل تلك المحاولات ، لم تفت في إصرار النظام على مواصلة عدوانه وقد قامت عناصر الشرطة بخلع حجاب الطالبات بالقوة ، وإلقاءه أرضا ، وذلك أثناء توجههن إلى الدراسة ,وهن الآن تعيش حالة الصدمة والذهول .
ايذاءالفتيات المحجبات وترويعهم:لقد تسبب هذا المنشور منذ إقراره في مآس كثيرة داخل الكثير من الأسر التونسية ،فالآلاف من المحجبات طردن من المعاهد الثانوية وحُرمن من متابعة دراستهن الجامعية وأطردن من وظائفهن في الإدارات والمؤسسات التعليمية والمصانع وغيرها .وتتعرض المتحجبات إلى الايقاف والتحقيق والاهانة من قبل الشرطة أمام مرأى ومسمع من الجميع ،وليس لهذه الممارسات من هدف غير إقصاء المرأة الشريفة العفيفة المتحجبة ومحاربة التدين والقضاء على مظاهره .
ان الاستبداد تحول الى وسيلة ومقصد وانتج فئة من المنتفعين من ثماره من اجل تحويله الى ادوات قمعية وبذلك فشل الحلم العلماني الاستئصالي في بناء ديمقراطية بدون اسلام و بغياب الاسلاميين. وانتهى التحالف بين الدولة ونخب من اليسار الى الاحساس هذه النخب بالازمة منذ النصف الثاني من التسعينات فانقسمت بين الداعين الى الدفاع عن حقوق الاسلاميين الانسانية وبين الداعين الى تبني القضية سياسيا.
نجاح في الحفاظ على الخطّ رغم المعاناة : نجحت الحركة الاسلامية في الحفاظ على خطها السياسي الثابت المتمسّك بالثوابت، الا ان اجهزة الدولة ونخب الاستصاليين قد ساهموا في انتاج عكس ما ارادوا. وان رد فعل المجتع التونسي كان منذ النصف الثاني من التسعينات الى انتاج موجة جديدة من التدين ما فتأت تتسع و تكثرو تكبر مع الايام تناسبا مع اتساع المد الاسلامي الذي عم العالم العربي والاسلامي عموما.
علاقة الحركة الاسلامية بالسلطة : مثلت الحركة الاسلامية المشروع النقيض للمشورع العلماني بوجهيه الليبيرالي والاشتراكي على السواء، الا انها مثلت في نفس الوقت محاولة لاحياء السياق التاريخي الذي تواصل وحكم لفترة تجاوزت الاحدى عشر قرنا من الزمن.
ومنذ بروز الدولة الحديثة، التي تسلمت مقاليد شؤون البلاد من المستعمرو من المنظومة الدولية الحديثة منذ تاسيسها على يد النخب العلمانية المنتصرة، انتصارا للتيار العلماني على حساب التيار الاسلامي. الا ان هذا الانتصار لم يمثل قطيعة كاملة مع الارث الاسلامي للدولة من حيث النصوص التاسيسية وخاصة الدستور وكذلك المنظومة التشريعية التي قامت عليها الدولة.
الا ان هذه القطيعة التي حاولت الدولة تكريسها وفرضها على المجتمع تمثلت في الجانب السياسي وذلك ان نخبة الحزب البورقيبي التي سعت الى تكريس انتصارها من خلال تهميش ومنع كل من له نفس اسلامي او عروبي من خلال علاقته بالمشروع الزيتوني الذي حضن التجربة الاصلاحية الاسلامية في تونس و التيار اليوسفي الذي عبر في مرحلته الاخيرة عن الشعور القومي العربي المتحالف مع الخط الزيتوني من الحركة الوطنية.
كما عملت دولة بورقيبة على مد الاواصر مع النخب العلمانية الناتجة من المؤسسات التعليمية الفرنسية من اجل تجديد الدولة الحديثة وتركيز قواعدها واسسها. وقد اشتغلت هذه المعادلة لفترة لم تتجاوز عقدا من الزمن اذ سرعان ما انتج المجتمع التونسي جيلا من الشباب رفع راية الاسلام من جديد وبدأ العمل والنضال من اجل تحقيقه. ليس المجال للتوسع ولكن يمكننا القول بأن مشروع الاصلاح و التجديد الاسلامي ومنذ المنتصف الاول من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين عادة ما كان ينشط ويتسع كلما اتسعت رقعة الحرية النسبية في البلاد.
صحيح ان العلمانية هي انتاج لعملية التحديث في أوروبا من العالم المسيحي المرتبط بارث الامبراطورية الرومانية البائدة. الا ان هذه المعادلة لم تشتغل بنفس الطريقة في العالم الاسلامي بل ساهمت من حيث لا تدري في تجديد الفكرالاسلامي ذاته مع ما تنتجه من مساحات علمانية تشتغل وتنتعش في المنطقة الاسلامية بفعل تأثيرالمستعمرالأوروبي.
و يكفي القول ان التجارب التي مرت بها المنطقة ساهمت في تنشيط عملية الأسلمة وأن أنتجت علمنة ضيقة الانتشار مرفوضة من الشعب تناسبا مع حركية وانتشار التيار الاسلامي، ومن نتائج هذه الآلية باءت محاولات تهميش واستئصال التيار الاسلامي الى الفشل والى ضرب بنية الدولة الحديثة خاصة في علاقتها بالمجتمع اذ لم يعد التحديث ممكنا بالغاء وتهميش التيار الاسلامي الا ان يكون متمثلا في علمانية استبدادية منغلقة ومرتبطة بالأجنبي ثقافة ومنبت.
وقد بينت التجربة الاصلاحية منذ نهاية القرن الثامن عشرالى مرحلة تاسيس الدولة في الخمسينات ان الاسلام بصفته مشروعا حضاريا بأبعاده المختلفة لا تعرقله او تعطله عمليات التحديث بقدر ما تعينه وتوفر له ادوات للفعل والتاسيس. كما بينت التجربة انه ليس من الممكن تهميش المشروع الاسلامي الا من خلال تعطيل الدولة في مستوى علاقتها بالمجتمع ومن عملية النموالاقتصادي والاجتماعي.
ومن المهم القول بانه تبين بعد عشرين سنة من المواجهة للتيار الاسلامي ان المشروع الذي تأسس من اجل الوقوف في وجه نمو التيار الاسلامي، لم ينجح وان هذا المشروع وعاد ليعبر عن نفسه بطرق واساليب جديدة اكثر نجاعة للوضع الاستبدادي الذي تعرفه البلاد.
وان المشروع الاستئصالي ساهم عمليا في بناء شرعية نضالية عميقة وواسعة لرموز وقواعد الحركة الاسلامية الامر الذي سيشتغل لصالح هذه الحركة لعقود لاحقة بحيث اصبح الحجم الرمزي والموضوعي، اليوم واكثر من ذي قبل، بحيث يصعب مزاحمته أو تهميشه.
ولا شك ان هذا يطرح مجموعة من التحديات على الحركة ذاتها من اجل حسن التعامل مع هذا المكسب لصالح المشروع الاسلامي فهو رأس مال يجب استثماره وتنميته كي لا ينقلب مفعوله الى عكس نتائجه المفترضة، اذ من البين ان الحركة الاسلامية لم تعد حزبا سياسيا تقليديا بقدر ما هي تنظيما وتيارا اجتماعيا واسعا ومنتشرا بالبلاد.
ولا شك ان هذه الصيغة كي تكون عملية وناجحة وكي تضمن الاستقرار للبلاد فانه يجب ان تتجنب منطق الاستئصال و التهميش والا فان الوضع سيتجه لا محالة اما الى الانفجار او الى التحلل الكلي بحيث يستحيل وضع الدولة بما هي مؤسسة مديرة لمجموع المصالح المتوفر في رقعة جغرافية وبشرية.
علاقة الدولة بالحركة :ان الحواربين الحركة الاسلامية والسلطة في يد النظام اذ هو الذي يمسك بشروط حلّها وهو اطلاق سراح ماتبقّى من المساجين السياسيين وأوّلهم آخر رئيس للحركة المنتخب في داخل القطر و عودة المهجّرين. اذ لا يمكن ان يقع حوار بين الجلاد والضحية بدون توفير الشروط البديهية للحوار وأسسه الوّلية.
الحوارفي الشرع الاسلامي : و من حيث المبدأ الدعوة إلى الحوار بالتي هي أحسن هي الدعوة إلى حوار المخالفين بالحسنى، وذلك ما نستشرفه في قوله تعالى من سورة النحل: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(النحل:125)، فالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة – غالبا- مع الموافقين، والجدال بالتي هي أحسن – غالبا - مع المخالفين. فالمسلمون مأمورون من ربهم أن يجادلوا مخالفيهم،أيا كلنوا بالطريقة التي هي أحسن الطرق، أمثلها وأقرب إلى القبول من المخالف.
والجدال بالتي هي أحسن، هو الحوار الذي ندعو إليه مع المخالفين لنا، وهو الذي لا يسعى إلى إيغار الصدور، أو المباعدة بين القلوب، وإثارة ما يشعل الفتن، أو يورث الضغينة، بل يعمل على تقريب القلوب بعضها من بعض، عملا بقوله تعالى في سورة العنكبوت في مجادلة أهل الكتاب: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت:46). وقد أثبت القرآن أن هناك أخوة دينية بين أهل الإيمان أو أهل الدين الواحد، كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات: من الآية10)، { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(آل عمران: من الآية103).
أن المؤمن يعتقد أنه على الحق، وما عداه على باطل، وأن إيمانه هو سبيل النجاة، ومن لم يتمسك بعروته الوثقىو لم يهتد إلى طريق الخلاص، وأن من لم يؤمن بكتابه المنزل، وبنبيه المرسل، فهو ذاهب إلى الجحيم، ولا تنفعه أعمال الخير التي قد قدمها، لأنها لم تبن على الإيمان، فلا قيمة لها عند الله. كما قال تعالى في سورة النور: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} ( النور:39)، وكقوله تعالى في سورة ابراهيم: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ}(إبراهيم:18).
وهذه التصورات للآخرين قد تنشئ العداوة والبغضاء بين الناس بعضهم وبعض، و قد تؤدي إلى حروب دموية بين الطوائف والشعوب المختلفةً. إن الإسلام قد عالج هذه التصورات النظرية، والمشكلات العملية، من خلال ثقافة أصلية واضحة أسسها وأرساها، وعلمها لأبنائه، وهي ثقافة تؤسس: التسامح لا التعصب، والتعارف لا التناكر، والحب لا الكراهية، والحوار لا الصدام، والرفق لا العنف، والرحمة لا القسوة، والسلام لا الحرب. كما قال تعالى في سورة النحل:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97).
وقال تعالى في سورة الحجرات في التعددية العرقية:{ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات:13).و في التعددية اللغوية قال تعالىفي سورة الروم: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}(الروم:22). و في التعددية الدينية قال تعالىفي سورة هود:{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود:118،117)
و في التعددية السياسية والحزبية، وعلى غرار تعدد المذاهب في الفقه، يلزمنا أن نجيز تعدد الأحزاب في السياسة، فما الأحزاب إلا مذاهب في السياسة، وما المذاهب إلا أحزاب في الفقه وقد أعلن القرآن أن الختلاف هو واقع بمشيئة الله عز وجل كما قال الله تعالى في سورة يونس:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس:99) وقال تعالى في سورة الانعام:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (الأنعام:35). ولو شاء ربنا أن يجعل كل الناس مؤمنين مهديين مطيعين له، لجعلهم على صورة أخرى، كما خلق الملائكة مفطوريين على طاعته وعبادته و هذا ما خلّده تعالى في سورة الانبياء {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}(الأنبياء:20)،و قال تعالى في سورة التحريم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6).
لقد أثبت تعالى أن هناك أخوة قومية ووطنية، كالتي أثبتها بين الرسل وأقوامهم المكذبين لهم {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً }(لأعراف: من الآية65) ، {إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً}(النمل: من الآية45).
وهذه الأخوة هنا ليست دينية، وإنما هي أخوة قومية، ولهذا كان يبدأ كل رسول من هؤلاء نداءه بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }(لأعراف: من الآية59). فلا غرو أن يكون هناك أخوة إنسانية آدمية بحكم الانتساب إلى آدم أبي البشر، ومن هنا نودوا جميعا بقوله تعالى : {يَا بَنِي آدَمَ َ} في القرآن خمس مرات.
وما دام هذا الاختلاف واقع بمشيئة الله سبحانه، فمن ذا الذي يقف ضد مشيئة الله؟ ومن الذي يفكر في محو الأديان كلها إلا دينه؟ إنه لو فعل هذا لم يكن مصيره إلا الخيبة والإخفاق، والانتصار الأ لمشيئة الله الواحد القهار. وأن حساب المخالفين لنا في الديانة والمذهب والاتجاهات الأخلاقية التي نشأوا عليها، ليس إلينا، ولكن إلى خالقهم الجميعإ الله وحده في الدار الآخرة، يوم القيامة. وهذا ما قرره القرآن في مواضع شتى. يقول تعالى مخاطبا رسوله في سورة الحجّ : {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج:68،69).
وفي سياق آخر يقول الله في شأن أهل الكتاب في سورة الشورى:{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (الشورى:15). ويعدد الله تعالى في سورة الحجّ أصحاب الديانات المختلفة من كتابيين ووثنيين، ليبين لنا أن الله هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج:17).
وهذه الفكرة أو العقيدة، من شأنها أن تخفف من النظرة السوداوية للآخرين، مهما يكن اعتقاد المتديّن، ونظرته إلى نفسه، ونظرته إلى غيره، فكل متدين يؤمن أنه هو المهتدي، وغيره هو الضال، وهو المبصر، وغيره هو الأعمى، ولكن حساب ذلك إلى الله، يوم تبلى السرائر، وتنكشف الحقائق: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور:25).
أن الإسلام ينظر إلى البشرية كلها – أيا كانت أجناسها وألوانها ولغاتها وأقاليمها وطبقاتها- بوصفها أسرة واحدة، تنتمي من جهة الخلق إلى رب واحد، ومن جهة النسب إلى أب واحد، وهذا ما نادى به الله الناس كافة، فقال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)، وما أجدر كلمة {الأرحام} في هذا السياق أن تفسر بما يشمل الأرحام الإنسانية كلها.
فهده الآية الكريمة تركز على الجوامع المشتركة التي يؤمن بها الفريقان، لا على نقاط التمايز والاختلاف، وهذا من أصول الحوار بالحسنى. وبهذا من ضرورات الحوار بين المتخالفين، ولا نرى بحتمية الصراع كما يزعم البعضوهم الرافضين للمصالحة الوطنية التي نلح عليها ليلا نهاراّ.
تونس يجب ان تتغيّر نحو الأفضل : سؤالان مركزيان علينا الإجابة عليهما قبل أن تحديد ما يجب ممارسته سياسيا أولا: ما الذي تغير منذ 20 سنة حتى يكون التغيير حتميا ؟
ثم ما المطلوب توفره من شروط لتحقيق الآمال العظام في التخلص من الاستبداد وبناء دولة الحقّ والعدل والقانون الديمقراطية التي نصبوا اليها والتي لا زلنا عاجزين عن الاقتراب حتى من شروطها الدنيا ؟
يبدو التشخيص للوهلة الأولى متشابها مع الوضع الذي كنا فيه منذ 20 سنة مع شركائنا في البلاد ، لا يختلف عنه إلا في حدة الأزمات التي كانت البلاد تعيشها ولا تزال في ازدياد، وفي مدى ضغط القوى الداخلية والخارجية في تقلص على نظام ازداد انغلاقا وتمسكا بالسلطة، كما ازداد خبرة وقدرة على المناورة وشق الصفوف.
عاملان جديدان إنضافا لهذه المعادلة خلال السنة الأخيرة ليزيد من أمل النظام الحاكم في الحياة والتواصل دون حاجة لإحداث إصلاحات حقيقية أو تغييرات جوهرية هما:
1 انفضاض شمل المعارضة وانهيار محاولات العمل الوطني المشترك في الواقع وفي العقول وهذا أخطر وما رافق ذلك وما نتج عنه من ضرب لكثير من مكاسب النضال الوطني في العشريتين التي خلت على جميع المستويات السياسية والإعلامية، وعلى مستوى التواصل مع الرأي العام والتأثير فيه، في تقهقر واضح وفي عودة مخجلة إلى الوراء معاكسة للتيار العام في المنطقة والعالم.
2 خروج مارد الإرهاب من قمقمه، بشكل عفوي أو مفتعل، وما أدى إليه من إعطاء الحجة للسلطة للإمعان في الانغلاق وتضييق الحريات ومن إضفائها شرعية دولية جديدة غطت أو تكاد سجلها الحالك في انتهاك حقوق الإنسان .
ولعل من أبرز ضحايا فكر العمل المسلح الوليد منهج المعارضة الراديكالية حيث أصبحت دعوات المقاومة السلمية التي كانت في السابق أسمى تعبيرات الشجاعة والإقدام " لعب أطفال" أمام "نداء الجهاد" و"صوت البندقية" وصار هذا الخط محاصرا بين معسكرين كل يلفظه ويرمي المعسكر الآخر معسكر المواجهة بالتنطّع ومعسكر المشاركة بالتخاذل.
3 - لن نزايد على الفاعلين في الساحة إلا من استثنى نفسه من الاستئصالين المخالفين إيديولوجيا بضرورة نبذ الخلافات والتقاء المعارضة بمختلف أطيافها حول مشروع وطني مشترك، كعشرات التجارب الناجحة في العالم، يضمن لها في أقصى الحالات تحقيق التغيير المنشود وفي أدناها افتكاك بعض الحقوق ودفع السلطة للتراجع ولإحداث نوع من الإصلاح الذاتي لضمان تجددها وتواصلها.
وسيظل هذا هو مربط الفرس لأي تغيير منشود وهو يفترض تأسيس إطار جامع للتفكير والتقرير والتنزيل، وتقديما لمصلحة البلاد العليا على المصالح الفئوية والشخصية الضيقة، ومزاوجة في الممارسة المشتركة بين صلابة المواقف المبدئية ومرونة في التفاوض من أجل تحقيق الأهداف.
4 - يتطلب هذا خطوات أولها إيقاف حملات التشويه والتخوين المتبادلة المعلنة أحيانا و المبطنة أخرى. ثم إعادة بناء الثقة التي اهتزت. وإن صعب الأمر على الزعامات أن تقوم عمليا بهذه الخطوات، بل قد يستحيل الأمر نظرا لمخزون الخلافات والأحقاد الراكدة بينها، فلتترك أمر بناء الثقة وإحياء العلاقة إلى القيادات الشابة الخالي ذهنها من هذه الاعتبارات عندئذ يصبح الالتقاء ممكنا والعمل من أجل تحقيق الأحلام المشتركة واقعا.
و يمكننا القول، انطلاقا من تقديرنا لدقة المرحلة ووعينا بشروط الخروج منها، وأن العودة إلى ساحة الفعل والفعالية يتطلب إحداث تغييرات حقيقية منها:
إعادة بناء المؤسسات الداخلية للحركة في الداخل ووضع آلية قانونية لفض النزاعات وتنقية الأجواء الداخلية عبر استبعاد الحساسيات الشخصية المفرقة.
تطوير الخطاب من خطاب ثوري حاد يعبر عن الحقيقة ويغازل الوجدان الشعبي المائل بطبعه دوما للتصعيد إلى خطاب متزن يعرف حدوده ويحترم إمكانياته، يحافظ على ثوابته دون توتر أو تشنج، يناصر الأصدقاء ويلاطفهم دون تملق، ويتصدى للغرماء بحزم وصرامة دونما تهديد ووعيد.
إن مثل هذا الخطاب أقدر، بنظرنا، على طمأنة شركاء الماضي والمستقبل وعلى فتح قنوات اتصال مع القوى الداخلية والخارجية المؤثرة في وضع البلاد وعلى تفعيل طاقات كثيرة تتعاطف مع الحركة لجرأتها ولكن تخشى الاقتراب منها لنزوعها الصدامي وحديته.
السعي لإعادة بناء جسور الثقة مع إخواننا في المعارضة الوطنية الديمقراطية والإسلامية وخفض الجناح لها وتجاوز الخلافات ومن ثمة المساهمة في إعادة طرح مبادرات ومشاريع للعمل الوطني تبني على المشترك وتحترم الخصوصيات والتقديرات المختلفة.
بناء إستراتيجية جديدة للاتصال توصل أفكارنا وتصوراتنا الى فئات من المجتمع كنا نلحقها تعسفا بالسلطة من مثل الإدارة التي لولا وجود وطنيين مخلصين فيها لسقطت الدولة منذ زمان تحت وطأة الفساد والانفراد بالقرارومن مثل النقابة التي تشهد انبعاثا جديدا خصوصا في صفوف القيادات الوسطى القطاعية والجهوية ومن مثل الإعلام الذي بدأ ينفض عنه غبار التبعية والرقابة الذاتية الخانقة، إضافة الى فئات أخرى أهملناها سابقا من مختلف الأطر والتيارات والمهاجرين المتشبعين بقيم الديموقراطية والتداول في بلدان إقامتهم والحريصين على تقدم وازدهار بلدهم الأول تونس.
إدخال جرعات من المرونة في سلوكنا السياسي تمكننا من تقديم أهداف صغرى على الأهداف الكبرى كلما اقتضى الأمر ومن التحاور مع السلطة إن فتح الباب ومقايضة الاعتراف الواقعي بها بإجراءات إصلاحية حقيقية تصب في خانة الوئام الوطني المطلوب.
- التركيز على العناية بالتعليم والتعلّم والخلاق الفاضلة و نشر العفّة والفضيلة والحياء ويسهيل الزّواج والتشجيع عليه لضمان توازن الاسرة التونسية واستقرارها. مع التأكيد على أن تكون هذه المرونة مقيدة بضوابط مبدئية صارمة ترفض المساومة على الثوابت و سياسة اليد المرتعشة ، وتقف بعين المرصاد لمحاولات شراء الذمم وتمييع القضايا.
فشل الحلول الامنية : أما الحلول الأمنية فلو كانت كفيلة بتجفيف المنابع لجففت منابع الإسلام بعد ما بنت السلطة التونسية مشروعها بالكامل على مقتضى ذلك ورصدت له أجهزة الدولة وما تيسر لها من أرصدة المجتمع ولو كانت الحلول الأمنية كفيلة بتحقيق الأمن نفسيا وغذائيا لفعلت ذلك عندما سلطت آلة القمع البوليسية ضد حركة النهضة تطاردها حتى في نخاع كوب من الحليب معد لرضاعة طفل صغير تخفيه أرملة الشهيد والسجين و حتى في المنفي.
الاستعمار الجديد: ان العرب في هذه الأيام سائرون بدولهم إلى تقسيم المقسّو وتجزأة المجزئ لدويلات وإمارات أندلس جديدة وعلى القادة العرب أن يقفوا وقفة تأمل عميقة ويستخلصوا العبر والدروس للخروج بموقف عربي جماعي يصدّ عنهم الخطر وبروح المسؤولية التاريخية نغادر أوطاننا مهاجرين حقيبة في اليد وأخرى فوق الظهر أومهجرين أو لا جئين بلا حقيبة نرحل بحثاً عن وطن جديد ننشد أمنا،و راحة البال عملاً وبعض المال. ويتسع الوطن الجديد لنا، نتكيف نختبر خفاياه ونعيش تفاصيله اليومية في كل ما له علاقة بأعمالنا.يأتي المساء ندخل منازلنا ويأتي صوت مذيع نشرة الأخبار باللغة العربية. نسارع لمشاهدة أهم الأنباء. ننزعج نتناول بعض المهدئات ونلعن ساعات الغربة والبعد عن الوطن. يأتي صباح جديد ننتظر بعده مساء ونشرة أخبار جديدة.
حياتان منفصلتان بين وطنين، نعيش الوطن الجديد بكل آثاره العملية ونؤكد مواطنيتنا في كافة المجالات. ندفع الضرائب، نشارك المجتمع كافة نشاطاته. نرسل أولادنا إلى المدارس يتعلمون الفرنسية ويمارسون كافة هواياتهم الرياضية. ولكن بالمقابل نحن أبناء ذلك الوطن. نقرأ جرائده الالكترونية نسمع فقط نشرات أخباره ونتابع أحوال الطقس اليومية.
وبين وطنين ننسى أننا ما عدنا فاعلين في الوطن الأصلي وليس لدينا القدرة على التغيير بل أنهم حرموا من حقهم في المشاركة في أي عملية انتخابية. وفي الوطن الجديد نتناسى أو ننسى أهمية العمل لتكوين الهوية خاصة داخل المجتمع الجديد ظنا منا أننا نحفظ هوية الوطن الأول.
وبذلك يصبح الوطن التباساً وتسقط المواطنية الفعلية في كلا الوطنين. طبعاًأننا نؤمن جميعا بأننا قد نترك الوطن ولكن الوطن لا يتركنا. اذا كان الوطن لا يتركنا فحري بنا اذا أن نقيم في الوطن الجديد الأسس التي تشدنا. أليس من الضروري التنبه الى أننا ندفن رؤوسنا في رمال وطننا الام. نشتاق للضفة الأخرى وننسى أننا تركنا أولادنا دون تعلم العربية فكيف سيتواصلون هم مع ذلك الوطن؟
تطالعنا كل يوم العديد من المشكلات التي تطالنا بشكل خاص ولكننا نمر بجانبها وكأنها لا تعنينا. فنحن نهتم فقط بسياسة ومشكلات الوطن الأول ولكن نحن نعيش هنا ألم يحن الوقت لنفهم أهمية الانتباه الى المشكلات اليومية التي نعيشها هنا؟
لا ننتبه الى ضرورة إقامة مدرسة إسلامية تعلم أبنائنا العربية رغم أنها باتت ضرورة ملحة لأنها الطريق المؤدي لربط أولادنا بوطنهم الأم دون أن يعني ذلك انفصالهم عن الوطن الجديد. تكثر في أوساط الجالية السهرات الاجتماعية وهي ضرورية ولكن أليس من الضروري أن نفكر وأن نسأل اين هي المؤسسات التي يمكنها أن تحمي مصالح جالية؟
في الوطن الجديد حافظنا على الكثير من عاداتنا حتى ولو البسيطة فهل فكرنا بإنشاء دار للمسنين تحترم تلك الخصوصية وتلك العادات ويبقى الوطن التباسا حتى يشعر من ينتسبون اليه بأهمية العمل لإعطاء صورة مشرقة عن ذلك الوطن. سواء كان وطن المولد أم وطن الإقامة. لأن قيمتنا كمواطنين تتوقف على حجم الدور الذي نؤديه اذا ما اعتبر بعضهم بأنهم يستوردون عاطلين عن العمل واعتبر آخر انهم يستوردون أشخاصا يعيشون على المساعدات الاجتماعية.
وماذا بقي التسليم بحقهم بالمواطنة وعدم الاكتراث لكل المشكلات الناجمة عن طريقة إدارتهم لشؤون وطن المولد أم وطن الإقامة فهم مهاجرين وسوف نؤكد لهم يوماً بعد يوم بأننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن العمل من أجل المواطنية بدون التباس. ان الوطن يسهل تعريفه من الناحية التاريخية أو الجغرافية أو القانونية يمكن ربط تعريف واضح لكلمة وطن فكيف يصبح الوطن التباساً؟
قمة دمشق الاخيرة: لقد كانت القوات الأميركية في حربها التي أخرجت العراق من الكويت في التسعينيات من القرن الماضي، كانت القوات الأميركية- ترددّ بالفعل في استكمال الطريق إلى بغداد، اذ أن "عاصفة الصحراء" لم تكن مصمَّمة في الأصل لتحرير الكويت، بل لاختبار ردّ فعل العربي شعوباً وحكومات حيال نمط جديد مخيف في استخدام القوة في حال تمّ عند غزو العراق.
نتائج احتلال العراق وما بعده: لقد بيَّنت السنوات المنصرمة منذ وقوع هذا البلد العربي في قبضة الاحتلال العسكري الأميركي المباشر، وما أسفر عنه من أوضاع إنسانية وسياسية مرّوعة، أن المنطقة بأسرها باتت على أعتاب «عصر استعماري جديد»، ستكون سمته الغالبة تعميق أشكال التفتيت و «التقسيم» والتمزّق الاجتماعي والثقافي.
وها نحن اليوم، مرّة أخرى أمام اختبارات أشدهاّ هولاً اذ أن إن الملف العراقي من بين أكثر الملفات التي وضعت على طاولة المؤتمرين في قمة دمشق، سخونة و «أهمية»، وربما أكثرها إلحاحاً. إن هذا الملف يشكل نوعاً من تحدٍّ جديد أمام القادة العرب على مستوى إمكانية تقديم مقاربة سياسية صحيحة، تكفل الخروج بهذا البلد العربي من دوامة الفوضى والتمزّق واحتمال الانهيار، وتسمح بتطويق النتائج والتداعيات الخطيرة الناجمة عن تفاعلاته، وهي تفاعلات تتخطى بقوة زخمها حدود هذا البلد تعيس الحظ، لتبلغ أطراف العالم العربي البعيدة لا البلدان المجاورة له فحسب.
وكما تبيَّن أن النموذج العراقي ليس نموذجاً مقطوعا عن المخططات النظرية التي يراد تطبيقها أو تسويقها، بل هو مصمم للتعميم كنموذج، يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تختبر من خلاله قدرة وطاقة العرب وشعوب المنطقة العربية- الإسلامية على قبوله أو تحديه.
إن مواجهة هذا التحدي لم تعد رهن مواقف منفردة هنا أو هناك، من هذا البلد العربي دون ذاك، بل أضحت رهن موقف عربي جماعي يتأسس على «وعي اللحظة التاريخية» للأمن القومي العربي، وللمخاطر التي تهدده. ومن المؤكد في هذا الإطار، أن النموذج العراقي وبكل ما ينطوي عليه من موضوعات صراعية، اتخذت –ولاتزال- طابعاً دموياً صارخاً في بشاعته، يشخص أمام العرب تجسيد حقيقي لنمط المخاطر التي تهدد وجودهم.
الخلاصة: إن أية مقاربة سياسية لحالة العراق يجب أن تراعي حقيقة الترابط بين محددات الأمن القومي العربي وبين مصادر التهديد المباشرة، وأن تلاحظ أن التصدي لمخاطر الفرقة والاختلاف والانقسام والتباين في مواقف البلدان العربية حيال قضيته، لم تعد -في حقبة ما بعد الاحتلال- مجرد مخاطر قابلة للسيطرة عليها أو تطويقها بشكل منفرد، أو من خلال هذا الموقف الدبلوماسي أو ذاك، لأن النتائج المخيفة التي أسفر عنها والتي يمكن أن تتواصل مع استمرار الوضع الراهن، فهي لن تتوقف عند حدود العراق، وأنما على العكس من ذلك، ستصبح وبأسرع مما كان يُعتقد حتى الآن، سلسلة من المخاطر المحدقة والمتطايرة في سماء المنطقة.
ونظراً لشدّة إلحاح هذا الملف وارتباطه بجملة الأوضاع والتطورات السياسية المحتملة، فإن التحدي سيكون حقيقياً وشاملاً وقد يصعب تخطيه أو تجاوزه. إن الحالة العراقيةً ، تتطلب التأمل من العرب في مصائبه وجراحه وتمزّقاته، وقد يطرح عليهم أكثر أنماط التحدي خطورة منذ نكبة فلسطين عام 1948، لا من حيث أعداد النازحين من هذا البلد داخل بلادهم ولا من حيث أعداد المهجرين منه خارج بلادهم والمتكدسين في بلدان الجواروحسب، وإنما كذلك بسبب تفاقم مخاطر التقسيم والتفتت والتفكّك التي تواجهه، وربما أيضا بسبب ظهور بوادر مخيفة تدلل على نوع وطبيعة التمزق السياسي الخطير الذي يتجه إليه هذا البلد.
إن تصنيف أنماط التحدي المطروح على القادة إما أن يقفوا وقفة تأمل عميقة بروح المسؤولية التاريخية، ويستخلصوا العبر والدروس للخروج بموقف عربي جماعي يصدّ عنهم الخطر، وإما أن يعاملوا نتائج هذا الملف وتداعياته بلا مبالاة أو باستخفاف وفي هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة الأميركية وغيرها سوف لن يرددوا، على البقاء في احتلال العراق وافغانستان والباقي أعظم وهي تكتشف ردّ فعل العرب السائرين بدولهم إلى دويلات وإمارات أندلس جديدة. فهل يتعلم العرب من درس العراق؟
ان تونس بعد عشرين سنة من ضرب الحركة الاسلامية و هي مقدمة لمرحلة سياسية جديدة تحتاجها الدولة من اجل تجديد نفسها بصيغة او باخرى ولا يعني تجديد الدولة حتمية تغيير قيادتها السياسية ولكنه يعني ان الدولة تحتاج الى شعارات جديدة وايديولوجية جديدة للحكم.
الا ان الوضع ان تواصل على ما هو عليه فانه سيصل الى مرحلة تعجز فيها الدولة عن تجديد نفسها حتى ان رغبت وسعت الى ذلك وذلك لان الانحلال الذي سيصيبها سيزيد في عمق تناقضاتها ويخل من قواها بحيث تعجز عن التجديد المنشود. وان صعوبة التجديد في هذه المرحلة من خلال تطعيم اجهزتها بالنخب العلمانية و الجانب الاستئصالي منهابالخصوص وذلك لانه قد وقع استهلاكها بادوات القمع والاستبداد، وستحتاج الدولة الى الاستعاضة عنها بنخب اقل ما يقال فيها انها مختلفة عن سابقتها ان لم نقل انها نخب تستند الى الاسلام في اي من وجوهه كمرجعية.
و بالتالي سيكون من الصعب على اي نخبة حاكمة تجاهل او تهميش الحركة الاسلامية هذه الحركة التي اكتسبت راس مال رمزي وموضوعي واسع يضعها في مقام اوسع من الاحزاب التقليدية ولكن ضمن دائرة المجتمع. ان الافلاس الذي اصاب المشروع العلماني نتيجة التصاقه وتحالفه مع الاستبداد فان وضعه لن يكون يسيرا خاصة اذ ما وقع في تناقض جذري مع الحركة الاسلامية ومع الاسلام عموما لذلك فان العلمانية ستحتاج الى ارضية اسلامية ترتكز عليها كي تضمن حيويتها وحياتها في المجتمع كما ستحتاج على المستوى السياسي الى علاقة اقل ما يقال فيها انها تصالحية كي لا تهمش نفسها عن المشهد السياسي والاجتماعي.
وفي رد على سؤال للمناضلة الحقوقية سهام بن سدرين على سؤال لصحفي في قناة " الحوار "يوم السبت 29 مارس2008 حول موقفها في الخيار بين النظام الحاكم والاسلاميين، قالت " لا يهمني الأشخاص ، تهمني دولة المؤسسات " هذا المستوى من الوعي لم يكن موجودا في وقت مضى وقد كانت المقولة الرائجة أن " النظام أقرب إلينا من الاسلاميين " وأن " النظام قد يسجننا وأن الاسلاميين سيقتلوننا " وهذه المقولة لا أساس لها من الصحة .
وهي حالة مرضية ، تختزل درجة الهلع والهول في مخيلة بعضهم ولو أنهم تواضعوا وجنحوا للحاور لتوصلوا للنتيجة التي وصل إليها غيرهم وهم كثيرون اذ أنهم حجبتهم تلك الاحكام والتصورات التي لا تعكس الحقيقة ، أو المستندة لوقائع تم إنزالها في غير موضعها ، وأن انغلاق المرء واعتبار الآخرين جميعاً خصومه وأعداءه، وتوجس الشر منهم، وإضمار السوء لهم، وإشاعة جو من العنف والكراهية لهم، مما يفقد الناس العيش في أمان واطمئنان. والأمن نعمة من أعظم نعم الله على الإنسان، لهذا امتن الله على قريش فقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش:4،3). واعتبر القرآن في سورة الحجر الجنة دار أمن كامل: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} (الحجر:46).واعتبرالله شر ما تصاب به المجتمعات هي الجوع والخوف، فقال تعالى في سورة النحل: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل:112). و تلك الاحكام تدل على مدى تخلف الثقافة السياسية وما أدت إليه من كوارث على المستوى الانساني وعلى النسيج الاجتماعي في البلاد وكذلك على مستقبل التعايش الفكري والثقافي والسياسي في تونس .
وأن الاسلاميين لا يمكن تجاوزهم ولا إخراجهم من المعادلة وهو طوق النجاة للمعارضة وللنظام الحاكم معا، كما أن للاسلاميين شروط حتى لا يلدغوا من نفس الجحر مرتين ، فهم لن يعقدوا صفقة مع النظام دون اشراك المعارضة ، ولن يعقد الاسلاميون اي صفقة مع النظام او مع غيره دون استراتيجية وطنية لاخراج البلاد من الحكم الفردي ولو بعد حين .
وهذا وقد أكّد الله في سورة الحجرات{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13) . فالمراد بالذكر والأنثى في الآية: آدم وحواء، وهما أبوا البشر. وكما قال الشاعر المسلم: إذا كان أصلي من تراب فكلها بلادي وكل العالمين أقاربي! وقد أعلن رسول الإسلام في الحديث الذي رواه احمد انّ وحدة الأسرة البشرية- أمام الجموع الحاشدة في حجة الوداع، قائلا: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وقال مخرّجوا الحديث إسناده صحيح. و هذا تأكيد لما جاء في الآية الكريمة من سورة الحجرات{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13) . فالمراد بالذكر والأنثى في الآية: آدم وحواء، وهما أبوا البشر.
وما دام هذا الاختلاف واقع بمشيئة الله سبحانه، فمن ذا الذي يقف ضد مشيئة الله؟ ومن الذي يفكر في محو الأديان كلها إلا دينه؟ إنه لو فعل هذا لم يكن مصيره إلا الخيبة والإخفاق، والانتصار الأ لمشيئة الله الواحد القهار. وأن حساب المخالفين لنا في الديانة والمذهب والاتجاهات الأخلاقية التي نشأوا عليها، ليس إلينا، ولكن إلى خالقهم الجميعإ الله وحده في الدار الآخرة، يوم القيامة. وهذا ما قرره القرآن في مواضع شتى. يقول تعالى مخاطبا رسوله في سورة الحجّ : {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج:68،69).
وفي سياق آخر يقول الله في شأن أهل الكتاب في سورة الشورى:{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (الشورى:15). ويعدد الله تعالى في سورة الحجّ أصحاب الديانات المختلفة من كتابيين ووثنيين، ليبين لنا أن الله هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج:17).
وهذه الفكرة أو العقيدة، من شأنها أن تخفف من النظرة السوداوية للآخرين، مهما يكن اعتقاد المتديّن، ونظرته إلى نفسه، ونظرته إلى غيره، فكل متدين يؤمن أنه هو المهتدي، وغيره هو الضال، وهو المبصر، وغيره هو الأعمى، ولكن حساب ذلك إلى الله، يوم تبلى السرائر، وتنكشف الحقائق: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور:25).
أن الإسلام ينظر إلى البشرية كلها – أيا كانت أجناسها وألوانها ولغاتها وأقاليمها وطبقاتها- بوصفها أسرة واحدة، تنتمي من جهة الخلق إلى رب واحد، ومن جهة النسب إلى أب واحد، وهذا ما نادى به القرآن الناس؛ كل الناس، فقالتعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)، وما أجدر كلمة {الأرحام} في هذا السياق أن تفسر بما يشمل الأرحام الإنسانية كلها.
ان الاسلام السياسي قد عرف خلال منذ النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن تحولات جذرية في المجتمع حوّله من مرحلة الدفاع عن النفس وعن الهوية الاسلامية للمجتمع الى مرحلة الوقوف على اعتاب الدولة. وقد تمكن الاسلام من اخذ مواقع في هذه الدولة او من الجلوس على كرسيها او من الوقوف عند بابها ولكنه موجود هناك عند تلك النقطة.
ضرورة القيام بحملة مكثّفة لتعبئة الرأي العام حول الإصلاحات الجوهريّة التي يجب القيام بها بمناسبة استحقاقات 2009 ، لضمان شروط انتخابات نزيهة وشفافة وتعدّدية في كل مراحل العمليّة الانتخابيّة من تحديد إطارها القانوني إلى الإعلان عن النتائج مرورا بمختلف المراحل و تنقيّة المناخ السياسي من التجاوزات والممارسات المنافية للحقوق الفرديّة والعامة للمواطنين، والحق في الترشّح بدون شروط تعجيزيّة.
ضرورة إعادة النظر في القانون الانتخابي الي كرّس منذ أكثر من 50 سنة احتكار الحزب الدستوري على كل المؤسسات، وتوفير ظروف القيام بحملة انتخابيّة تضمن حياد الإدارة وتكافؤ الفرص على المستوى الإعلامي والميداني بين كل الأطراف المتنافسة وقيام سلطة مستقلّة تشرف على العمليّة الانتخابيّة نفسها بحضور ملاحظين تونسيين ودوليين خلال كل أطوار العمليّة الانتخابيّة.
ضرورة دعوة كل الأطراف السياسيّة الوطنيّة والديمقراطية وكل مكوّنات المجتمع المدني لتظافر الجهود من أجل تجاوز الانقسامات للقيام بحملة ناجعة لرفض كل الجوانب السلبيّة المذكورة، وإعادة الاعتبار لصندوق الاقتراع.
ضرورة إصدار موقفا مشتركا يستنكر تكريس الحكم الفردي من خلال الرئاسة مدى الحياة، ومشروع التنقيح الدستوري المقترح نظرا لصبغته الاقصائيّة السافرة وهو يمثّل تنقيحا إضافيّا لدستور فقد عبر عشرات التنقيحات هيبته كقانون أساسي طالبت به الحركة الوطنيّة منذ عقود قبل الاستقلال وخاصة بمناسبة الأحداث الداميّة ليوم 9 أفريل 1938 التي ذهبت ضحيتها عشرات التونسيين من أجل "برلمان تونسي" والتي نحيي ذكراها السبعين
و اننا نسجل و نشهد الرأي العام على سياسة السلطة الاحتكارية و الإقصائية و الانتقائية و ندافع بقوة عن حق جميع الأحزاب و الشخصيات الوطنية في المشاركة و المنافسة السياسية في كنف المساواة و العدل و تكافؤ الفرص و نجدد دعمها الكامل لحق الجميع في الترشح للرئاسة و مساندتها التامة لكل الجهود و النضالات الهادفة إلى حمل السلطة على فتح الأبواب أمام المنافسة الحقيقية.
ونتوجه إلى سائر مؤسسات الدولة لمطالبتها بضمان احترام الدستور والقوانين ووضع حدّ لهذه الممارسات والتحقيق فيها وإرجاع الحقوق إلى أصحابها وتغليب مصلحة الوطن. كما نعتبر إن مشكلة البلاد هي الاستبداد و الفساد و من ثم فان المهمة الرئيسية لكل القوى الوطنية هي توحيد الجهود و تصعيدها بكل الوسائل السلمية من اجل تحريرالحياة السياسية و إطلاق سراح المساجين و حرية الإعلام و التنظم و استقلال القضاء و حياد الإدارة و الإشراف المستقل على الانتخابات "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِين َتَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِك َلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "( آل عمران 104.105)
باريس في 15 أفريل 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.