تونس:احتضنت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أمس شهادة تاريخية هامة حول مسار التعليم العالي والجامعة التونسية قدّمها الأستاذ علي الحيلي العميد السابق لكلية العلوم والذي كان أول مدير للتعليم العالي في عهد الدولة التونسية الحديثة كما تولى في الفترة من 1989 الى 1992 الإدارة العامة للمؤسسة الوطنية للبحث العلمي. يقول الأستاذ علي الحيلي انه التحق للتدريس بنهج روما في أكتوبر 1967 في تخصص الفيزياء وأضاف ان التونسيين في هيئة التدريس كان عددهم لا يتجاوز ثلاثة، وهم المتحدث وأحمد المراكشي وعدنان الزمرلي في اختصاص الفيزياء وكانت هناك هيمنة للمتعاونين الفرنسيين. * تعيين وتسميات وأضاف الحيلي انه وقبل تولّي احمد بن صالح كتابة الدولة للتربية القومية كان الدكاترة يعينون كأساتذة محاضرين من قبل الوزير، ومع بن صالح تغيّر الكثير وأصبحت هناك إدارة واضحة لتونسة الجامعة بسرعة. ونوّه المتحدث بخصال الوزير احمد بن صالح الذي قال عنه انه ينظر الى بعيد وأنه يتخذ في العديد من الأحيان قرارات تتنافى وتتعارض مع رأيه هو الشخصي «بن صالح كان يقبل الاقناع، وهذا الأمر نادرا عن الوزراء الآخرين». وأفاد المتحدث ان الجامعة التونسية كانت مسيّرة بصفة مباشرة من قبل وزارة التربية القومية وكان الوزير آنذاك محمود المسعدي يراقب كل شيء وكانت كل القرارات تتخذ في ديوان الوزير دون مشاركة او استشارة من أحد. وتحدّث السيد الحيلي الى أول المشاكل التي اعترضتهم في اكتوبر 1967 عندما تم تعيين زهرة عكروت المجازة في مادة الفيزياء للتدريس في الثانوي وقد تم طلب اللقاء مع المسعدي للدفاع عن «زميلتهم» عن طريق وفد ضمّ الى جانب الحيلي كلا من الزمرلي والمراكشي والباوندي وتمّ الاتفاق على خروجها لفرنسا لمواصلة دراستها العليا مع منحها المنحة الجامعية. وعند تولي احمد بن صالح الادارة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي تم الالتجاء الى إطارات من الجامعة ويقول الحيلي انه حاول اقناع بن صالح بضرورة ارسال طلبة المرحلة الثالثة الى فرنسا وقبل هذه الفكرة وتم ارسال كل المتعاونين الى فرنسا لمواصلة الدكتوراه. وذكر الحيلي ان بن صالح ومنذ اليوم الأول للتعيين في وزارة التربية القومية عقد ندوة صحفية قدّم فيها بعض الآراء وخاصة حول المتعاونين الذين كان العدد الكبير منهم كذلك في التعليم الابتدائي، وبادر بن صالح بإعداد أول نص قانوني للتعليم العالي تمّت المصادقة عليه في 22 جويلية 1968 وصدر بالرائد الرسمي بتاريخ 4 جانفي 1969 وأقرّ هذا القانون بالخصوص مبدأ الانتخاب، داخل هياكل التسيير الجامعي وكان حتى الطلبة لهم الحق في المشاركة في انتخاب رؤساء الأقسام التي يدرسون بها. * فعل «العكس» وقال السيد الحيلي انه عاين كيف ان الوزراء الذين عقبوا احمد بن صالح سعوا الى فعل عكس ما كان يرغب فيه احمد بن صالح وكانوا على خلافه لا يريدون سماع اي شيء وذكر من هؤلاء السادة احمد نور الدين والشاذلي العياري وادريس قيقة، ولم تعد للطلبةنفس المكانة في قرارات الجامعة وأصبح رؤساء الأقسام في الجامعات والكليات معينين من الوزير! أي انه تمت العودة بالحالة الى ما كانت عليه قبل بن صالح حيث كانت التسميات تصدرمن الوزارة. وعن خروجه من الإدارة العامة للتعليم العالي سنة 1973قال الأستاذ علي الحيلي: «حدثت خلافات مع الوزير آنذاك الشاذلي العياري حول العديد من الملفات التي لم نكن محلّ اتفاق حولها فطلبت المغادرة وأصررت على ان يتم التأكيد في وثيقة إنهاء المهمة على انها تمت بطلب ورغبة من المعني وخلفه آنذاك احمد بوراوي الذي دعاه العياري لتلك المهمة! * ال Campus : ريادة وعاد الأستاذ الحيلي بالحديث الى مرحلة بناء المركّب الجامعي بتونس (Campus) عندما توقفت الأشغال في صيف 1968، فطلب بن صالح اجتماعا بعبد الحميد ساسي مدير المشاريع بوزارة التجهيز وعبد الرزاق الرصّاع كاتب الدولة للمالية وحضره «صاحب الشهادة التاريخية» الى جانب المقاول علي مهني، وطلب بن صالح دفع كل المتخلدات والديون ووضع برنامج لتوريد التجهيزات من الخارج، ووصلت أولى التجهيزات في فترة 1969 1970، ووقع التعجيل في التجهيز دون طلب عروض، يقول الحيلي: «استقدمت زميلين من امريكا وضبطنا معهما قائمة بالتجهيزات بقيمة بلغت 500 مليون دولار. وعدّد المتحدث اسهامات الامريكيين في بناء عديد المؤسسات الجامعية على غرار معهد التغذية ومدرسة شط مريم وكلية الحقوق في حين ان الروس موّلوا بناء المدرسة القومية للمهندسين (ENIT) في حين كان تمويل كلية العلوم تونسيا 100 والتصميم فقط كان من قبل اليونسكو، وكانت كلية العلوم معدّة لاحتضان 2000 طالب وقد اقترح المقاول علي مهني عند انتهاء القسط الأول وبحكم ما له من تجربة ان ينجز القسط الثاني من الكلية الذي كان مبرمجا بنفس قيمة القسط الأول لكن الحكومة رفضت ذلك بتعلّة عدم وجود التمويلات وقال المتحدث «لو كان بن صالح موجودا لقبل الفكرة» وأكد السيد الحيلي ان البعثات الى الخارج التي أقرّها بن صالح في كل الاختصاصات مكّنت تدريجيا من الاستغناء عن المتعاونين الفرنسيين بدءا بالفيزياء والكيمياء ثم لاحقا الرياضيات. * أحداث وتحرّكات وتحدث الأستاذ الجيلي عن عودته إلى التدريس بكلية العلوم بداية من سنة 1973 واسهاماته في تطوير البحث العلمي عبر مختلف الأقسام وبدأت المخابر تشتغل في أواسط سبعينات القرن الماضي في اختصاصات عديدة كالبيولوجيا والكيمياء والفيزياء ونوّه المتحدّث بالريادة والدور الكبير الذي كان لكلية العلوم على مستوى كامل الجامعة التونسية وموّلت بقية المؤسسات الجامعية بالكفاءات وإطارات التدريس وتخرّجت سنة 1978 1979 أول دفعة من المهندسين بين التونسيين (اختصاص إعلامية) وحضر الوزير الأول الهادي نويرة وعديد الوزراء حفل التخرّج وتسليم الشهائد وفي حضور طلابي، وقال الحيلي ان الأمن لم يكن يقبل ذلك الأمر خوفا من حدوث اضطرابات بحضور أعضاء الحكومة والوزير الأول وقال الحيلي انه اتفق مع الطلبة على عدم احداث أيّة فوضى أو اخلالات وتم الالتزام بذلك. وانتهى الأستاذ الحيلي في شهادته بالحديث عن التحركات الطلابية في الجامعة التي حصلت سنوات 1979 و1980 و1981 وخاصة تلك التي كانت في فيفري 1981 لما كان عميدا لكلية العلوم. وقال في هذا الصدد: «سعيت إلى معرفة هذه التحركات عن كثب والبقاء على علاقة جيدة مع الطلبة، وكنت أطالع المعلقات الحائطية لمختلف التيارات السياسية وكنت لا أتوانى في إصلاح الأخطاء اللغوية الموجودة بها وأمضي على ذلك!». وأكد المتحدث أن وزير الداخلية أحمد بنّور قام بتجنيد طلبة للوشاية والأخبار عن تحركات زملائهم من الأطراف السياسية. وأضاف: «اليساريون كانوا معروفين.. أما الاسلاميين فكانوا غير معروفين خاصة من القيادات وكان «أميرهم» غير معروف بالمرّة وكان دوما من كلية العلوم (ربما من سوء حظ صاحب الشهادة)، وقال السيد الحيلي أنه حضر اجتماعات عامة للطلبة وتمكّن من معرفة «أمير الاسلاميين» ولمّا قدم هؤلاء الطلبة لمناقشته في أمور نقابية ومطلبية طلب منهم أن يرسلوا «أميرهم.. فلان..»؟ وعن أحداث فيفري 1981 قال السيد الحيلي أن المتسبب فيها هم «الإسلاميون» وكانوا من طلبة منوبة ومدرسة المهندسين (ENIT) والبعض فقط من طلبة كلية العلوم. وتحدث الحيلي عن عملية احتجازه في مكتب الكاتب العام لكلية العلوم من قبل طلبة هذا التيار الطلابي، وأن أحدهم وضع خلف عنقه حبلا.. وتم تهديده، وذكر الحيلي تفاصيل عن التفاوض لساعات طويلة حول إطلاق سراح زملاء لهم في الإيقاف. * التزامات ومهمّة أساسية وأكد الحيلي أنه رفض تدخل قوات الأمن في تلك الأحداث وتم الالتزام بذلك برغم أن قوات الأمن كانت تحاصر كلية العلوم وقال المتحدث أن وزير الداخلية آنذاك ادريس قيقة كان غائبا عن مكتبه في تلك الأحداث وأن الاتصالات كانت تجري مع قاعة العمليات التي يرأسها (حمدة بن موسى: الحاج) والمدير العام للأمن الوطني عبد الحميد السخيري وفي نهاية الأحداث تم الاتفاق على عقد اجتماع عام بمدرج الكلية حضره الطلبة وإطار التدريس وتمّ قرار التفرق وإنهاء الأحداث. وقال صاحب الشهادة أنه رفض تقديم شكوى برغم أنه كان يعرف أسماء من قاموا باحتجازه وتهديده، وأضاف أن «أميرهم» لم يشارك في الأحداث المذكورة وانه اتصل به بعد الأحداث وطلب مساعدته للسفر إلى فرنسا عبر الحصول على ترسيم باحدى الكليات في باريس وقال السيد الحيلي انه ساعده على ذلك وان سفره كان عبر مطار تونسقرطاج عبر تسهيلات من عاملين في المطار موالين لذلك «التيّار»! وقال الحيلي ان وزير الداخلية احمد بنّور اتصل به بعد فترة ليسأله عن «ذلك الأمير» هل رآه بالكلية أم لا فقال له: «انه في باريس!». وأضاف المتحدث ان لذلك التيار عديد من المناصرين في العديد من المواقع الادارية والأمنية وفي مصالح الديوانة، وذكر انه سافر ذات مرّة الى باريس وفجأة رنّ جرس الهاتف فوجد «الأمير» المذكور آنفا (واسمه محمود) على الخط وطلب لقاءه وشكره، وذكر الحيلي انه سأل الأمير: «كيف عرفت انني في باريس 15 فأجابه: «حارس النزل انه من جماعتنا!!!». وقال الحيلي انه قام بواجبه كعميد وانه تدخل لإنهاء الأزمة التي احدثها «الاسلاميون عندما أرادوا منع زملائهم من «الوطد» (الطلبة الوطنيين بالجامعة) تيار يساري من اجراء الامتحانات. وقال انه نادى «الأمير» وطلب منه السماح لزملائه باجتياز الامتحانات لأن ذلك غير معقول بالمرّة... فتمّت الاستجابة وتمكّن طلبة الوطد من اجتياز مختلف الامتحانات دون أية مشاكل). * تغطية خالد الحدّاد