قول المسؤولون السويسريون المشتغلون في مجال مساعدات التنمية إن اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية في السنوات الأخيرة قد أدى إلى تقويض التقدم الذي أحرز في إنجاز أهداف الألفية التي أعلنتها الأممالمتحدة قبل عشر سنوات.ويجتمع قادة العالم في مؤتمر قمة بنيويورك يوم الاثنين 20 سبتمبر 2010 يستمر ثلاثة أيام يبحثون خلاله السبل الممكن اتخاذها لمضاعفة الجهود من أجل تحقيق تلك الأهداف التي تسعى إلى خفض نسب الفقر المدقع، ووفيات الأطفال بمعدل 50% وإلى عكس اتجاه تطور نسب انتشار فيروس نقص المناعة المكتسب (سيدا/إيدز) بحلول 2015. وأوضح بان كي- مون الأمين العام للأمم المتحدة خلال نداء وجهه قبل أيام أن الأهداف الثمانية المتضمنة في إعلان الألفية "صعبة وطموحة، لكنها قابلة للتحقق والتنفيذ" بحلول 2015 بشرط توفّر انخراط سياسي قوي ومليارات من الدولارات الإضافية. لكن الأمين العام حذّر من أن "العديد من الدول، وخاصة في القارة الإفريقية، تشهد قصورا في تحقيق هذه الأهداف. فالتفاوت بين فئات هذه المجتمعات، وبين الدول في ما بينها يزداد باضطراد". ويشير تقرير أصدرته سويسرا في شهر يونيو 2010 بشأن أهداف الألفية إلى أن التقدم الذي أحرز خلال السنوات العشر الأخيرة "يمزج بين النجاح والفشل". فقد تحقق الكثير من التقدم على عدة مستويات، ويضرب مارتين داهندن، مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مثالا على ذلك بالحد بنسبة 50% من عدد الأشخاص الذين يعيشون على ما دون دولار واحد في اليوم، وكذلك ازدياد نسبة المستكملين لمرحلة التعليم الابتدائي، وتضييق الفوارق بين الجنسيْن خلال مرحلتيْ التعليم الابتدائي والثانوي، والحصول على الماء الصالح للشرب. لكن المسؤول السويسري وخلال ندوة صحفية عقدها ببرن الأسبوع الماضي يضيف: "هذه التطوّرات الإيجابية التي شاهدناها حتى عام 2007، عانت من التأثيرات السلبية للأزمة الاقتصادية والمالية اللتيْن شهدهما العالم خلال عاميْ 2008 و2009". وذكّر مدير الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون أنه حتى العام الماضي (2009)، لا يزال مليار من البشر يعانون من الجوع ، جزئيا على الأقل بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واستبعد كذلك أن تتحقق الأهداف التي ضبطت في مجال وفيات الأطفال وصحة الأمهات بحلول 2015، ناهيك أن الأوضاع البيئية قد تدهورت وزادت سوءً. لكن دانيال بولوماي، أمين عام منظمة العفو الدولية بسويسرا يرفض إرجاع الفشل في تحقيق أهداف الألفية إلى عامل الأزمة الإقتصادية العالمية، وبالنسبة إليه: "هذا الفشل لا يعود إلى النقص في الموارد، بل إلى فقدان الإرادة السياسية". وإذا كان تقدما قد سجّل في الصين، والهند، وجنوب شرق آسيا، فإن بلدان جنوب الصحراء، والتي يقطنها حوالي 1.4 مليار نسمة لا تزال تعاني من ظاهرة الفقر المدقع. ووفقا لإحصاءات نشرتها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون إنضاف 92 مليون إفريقي إلى قائمة 1.4 مليار سابقي الذكر خلال الفترة المتراوحة بين 1990 و2005، وكانت إفريقيا من أكثر القارات تضررا من الأزمة المالية ما أدى إلى توسع ظاهرة الفقر الشديدة (28 مليون نسمة في 2008 فقط). مسودة ناقصة سيكون على البلدان الأعضاء في الأممالمتحدة في ختام هذه القمة الاتفاق على نص إعلان ختامي يشرح بالتفصيل الإجراءات التي يجب اتخاذها لتسريع تنفيذ أهداف الألفية خلال السنوات الخمس القادمة. لكن المنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات التنمية انتقدت النص المعروض على قمة نيويورك واعتبرت أنه "عام ويفتقر إلى إجراءات عملية". ويشرح لويس بيلنغر، الناطق بإسم "أوكسفام" موقف منظمته من هذا الإعلان فيقول: "المشكلة الأساسية التي تراها اوكسفام في هذا البيان انه يفتقد إلى الطابع العملي"، ثم يضيف: "الإعلان لا يشرح الكيفية التي سوف يتم بها تحقيق الالتزامات المنصوص عليها". في المقابل، يدافع أمين عام الأممالمتحدة عن مسودة البيان الختامي للقمة ويقول: "إنه نص يقترح إجراءات ملموسة ومفصلة، ويقدم خطة عملية". ويضيف بان كي- مون: "علينا أن نتحلى بالواقعية. هذه الوثيقة هي أقصى ما يمكن أن ننتظره، وهي أفضل ما يمكن ان نحصل عليه في هذا الوقت..نحتاج دوما إلى أن نضع سياساتنا وأولوياتنا استنادا إلى الوقائع الميدانية". المزيد من الأموال والإصلاحات تقول الأممالمتحدة إن الإعانات الخارجية من أجل تحقيق التنمية المخصصة فقط إلى إفريقيا يجب أن تزيد بنسبة 20 مليار دولار على الأقل في السنة من أجل التوصّل إلى إنجاز أهداف الألفية. لكن الجميع ينتظر ان تبقى قرارات القمة بشأن التمويل عامة وغير محددة. في سياق متصل، أعلنت الحكومة السويسرية يوم 17 سبتمبر الجاري أنها بصدد صياغة مشروع قانون يهدف إلى زيادة إعانات التنمية لكي تصل إلى 0.5% من إجمالي الناتج الداخلي. وتقول برن إن "مبلغ 404 مليون فرنك الإضافية في السنتيْن المقبلتيْن ستخصص للمشروعات البيئية والمتعلقة بتوفير المياه للمحتاجين". ويتفق هذا الإعلان مع ما يسعى إليه بيتر نيغلي مدير مجموعة العمل في "Alliance Sud" وهو أوسع تحالف لمنظمات التنمية والإغاثة السويسرية الذي صرح سابقا أنه سيمارس ضغطا على الحكومة السويسرية لكي تزيد في مساهمتها في إعانات التنمية، وأن تمنح القسم الأكبر منها إلى البلدان الأشد فقرا. وأضاف نيغلي متحدثا إلى swissinfo.ch: "من الأكيد أن الخطط السويسرية في مجال المساعدات من أجل التنمية والطريقة التي توزع بها تلك المساعدات هي أفضل من العديد من التجارب الأخرى، لكن حجم الإعانات التي تقدمها سويسرا للبلدان الفقيرة ظلت على نفس المستوى الذي كانت عليه في عام 2000". غير أن دانيال فينو، أحد الخبراء في مجال المساعدات من أجل التنمية بمعهد الدراسات الدولية العليا والتنمية (IHEID) في جنيف يعتقد أن التركيز في المستقبل "يجب أن ينصب على السياسات الوطنية، وعلى الإصلاحات والحوكمة الرشيدة في البلدان الفقيرة، بدل الانشغال بتدبير التمويلات الخارجية". ويضيف فينو: "الموارد المالية مهمة، ولكن إذا كانت السياسات الوطنية غير مدروسة، فلن تتحقق تلك الأهداف في كل الأحوال". دعوة إلى التركيز والتناسق كذلك يدعو الخبراء إلى المزيد من التناسق في السياسات التي تتبعها سويسرا في مجال مساعدات التنمية ويشدد خبير معهد الدراسات الدولية العليا والتنمية: "سياسة التعاون الدولي التي تتبعها سويسرا مهمة جدا، لكن عندما ننظر للقسط الذي يخصص منها إلى تحقيق أهداف الألفية، نجد أن 25% منها فقط يذهب إلى البلدان الفقيرة. ثم مع ظهور العولمة، أصبح إهتمام الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون يذهب أكثر فأكثر إلى الدول الصاعدة وإلى الصين". كذلك يعتقد نيغلي أن البلدان الفقيرة بالأمكان أن تستفيد بشكل أكبر لو خففت سويسرا من القواعد المتشددة التي تحمي براءات اختراعاتها في قطاعات كقطاع الصحة، أو أن تبرم اتفاقات ضريبية أكثر عدالة مع تلك البلدان. ولدعم ما سبق، يقول نيغلي: "تسود توقعات بأن البنوك السويسرية تحتفظ بأرصدة مالية من البلدان النامية تناهز 360 مليار فرنك، ولو استخلصت الضريبة عليها، لحصلت تلك البلدان على 6 مليارات فرنك في السنة، وهو ما يعادل ثلاث مرات المساعدات التي تقدمها سويسرا لتلك البلدان حاليا". أما بالنسبة لدانيال بولوماي: "لا يمكن تحقيق أهداف الألفية، إلا إذا وضعت خطة عمل تحتوي على آليات رقابة تضع الدول أمام إلتزاماتها، وتقدر على محاسبتها إذا أخلت بتلك الإلتزامات". وفي نفس الاتجاه، تضيف كريستين فون غارنيا، المديرة التنفيذية للفرع السويسرية لمنظمة "شبكة إفريقيا- أوروبا، العدالة وحسن النية" غير الحكومية: "لقد حان الوقت لتحمل سويسرا مشعل "المقاربة الشاملة" في المجال التنموي". وفي الآونة الأخيرة، كتبت فون غارنيا مقالا بصحيفة "لوتون" (تصدر بالفرنسية في جنيف) أشارت فيه إلى أن "بعض البلدان مثل السويد وألمانيا أنشأت هيئات لرصد تأثير قراراتها السياسية والاقتصادية والتجارية والضريبية والبيئية على قضايا التنمية وحقوق الإنسان". ثم ختمت مقالها بنبرة لا تخفي إستياءها: "فماذا تنتظر سويسرا، المشهورة بتقاليدها الإنسانية؟" لتنهج على منوالها.. بقلم : سايمون برادلي, swissinfo.ch ( نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)