يرى الدكتور مهدي مبروك أن: "الحوار الذي جاء ضمن أجندة سياسية وحزبية واضحة المعالم ،يجرى في فضاءات لا تبدو عمومية كما يحلو لبعضهم الترويج والدعاية لها، فالشباب التونسي يعاني من خشية وتخوّف من دور الشباب والثقافة والفضاءات الجامعية التي تعتبر بالنسبة إليه مجالات موظفة من الحزب الحاكم وهي تكون عادة محلّ تتبعات أمنية تغيب فيها أبسط مقومات الحرية والشفافية". ويضيف "مبروك" قائلاً: أن تعقد الحوارات في هذه الفضاءات على أنها مريحة بالنسبة إلى الشاب، فإن ذلك يعني إمعانا في إقصاء الآلاف من هذه الفئة العمرية ، وهو ما سيفضي في نهاية المطاف إلى حوارات بصوت واحد لكن بعزف على مقامات مختلفة ، ولا ننسى أن الكفاءات التي تديره هي كفاءات معينة بالضرورة وتنتمي الى جهة سياسية واحدة ومعروفة وهي الحزب الحاكم، الأمر الذي سيعزز الفرضية التي رسمناها حول النتائج المرجوة من هذا الحوار الذي تغيب عنه مبادئ الحياد العلمي الذي يجب على من يدير مثل هذه الحوارات أن يتحلى به".
غالبية الشباب... لا تبالي
إيلاف التقت عددًا من الشباب وطلبة الجامعات في تونس، للبحث في مدى استعدادهم وإقبالهم للمشاركة في الحوارات التي خصّصت لهم، فتعددت الآراء وتضاربت التصريحات. وترى الآنسة بشرى 23 سنة طالبة الاقتصاد أن الحكومة لم تستشر الشباب في طريقة إدارة الحوار ومن سيشرف عليه وتقول :لو طلب منا نحن معشر الطلبة أن نحدد الطريقة التي سنتحاور بها والمكان الذي سنتحاور فيه ،لاخترنا الحياد الحقيقي للحزب الحاكم، مقابل إعطاء الحرية المطلقة للشاب في التحدث في ما يرغب فيه ، لا أن تفرض عليه مواضيع النقاش بصفة مسبقة." أما زياد 26 سنة وهو أحد المتطوعين لتنشيط الحوارات الشبابية فيقول لإيلاف: ندرك أن بعض الشباب لا يزال يحترز من النقاشات الدائرة، منذ أيام اتصل بي أحدهم واتهمنا بالتعامل مع الجهاز الأمني في الوشاية بالشباب الذي يطرح مواضيع وصفها بالجريئة والمسكوت عنها، أقول لمن تخلف عنّا حتى اللحظة: الحوار حرّ بالفعل التحقوا بنا وستدركون مدى جدية وشفافية النقاشات عندنا،ثم إن النقد والإصلاح لا يكون إلا بالجلوس بيننا ومصارحتنا بالعيوب والبناء على الايجابيات". من جهة أخرى يؤكد السيد أحمد بوعزي القيادي بالحزب الديمقراطي التقدمي المعارض والمسؤول عن مكتب الشباب فيه لإيلاف أن" لشباب حزبه -الذي لم توجه له الدعوة إلى المشاركة في النقاشات الدائرة - فضاءاته الخاصة في مقرّات الحزب حيث يستطيع أن ينشط في الميادين الثقافية والسياسية المختلفة،كما يمكنه أن ينظّم جلسات حوارية في المسائل التي تخص تونس وتخص مستقبله في الميادين التي يريد، لأن شبابنا له من الاستقلالية الذاتية ما يمكّنه من ذلك. وبما أن فضاءات "الحوارات الحكومية" مغلقة في وجه شباب المعارضة فإن لهم فضاءات مفتوحة للحوار الحر النزيه دون خلفيات أو إقصاء" كما نفت مصادر بالاتحاد العام لطلبة تونس (المنظمة النقابية الطلابية القانونية الوحيدة في تونس) بشدة لإيلاف، مشاركة منخرطيها في النقاشات والحوارات الدائرة، وكشف بعض النقابيين الشبان عن وجود إقصاء متعمد للاتحاد عن هذا الحوار . ويقول وسام الصغير عضو الهيئة الإدارية للاتحاد الطلبة : "هذه الحوارات هي بروبوغندا سياسية تهدف الحكومة من خلالها لتغطية عجزها عن تلبية المطالب الشباب الطلابي الأساسية والحقيقة كالمنح الجامعية والسكن والشغل. كما أن للأمر علاقة مباشرة بقرب استحقاق 2009 الانتخابي وهو ما يفسّر الرغبة في كسب أصوات الشباب ، هذا إن كنا نتحدث طبعًا عن انتخابات شفافة ونزيهة بأتمّ معنى الكلمة". ويضيف الصغيّر: "الإقبال المحدود يكشف بوضوح عدم جدوى هذه الحوارات الحزبية التي تشارك فيها فئة وحيدة من الشباب هم "التجمعيون "(نسبة الى الحزب الحاكم)،أما مواضيعهم فليست معمقة بما فيه الكفاية، سمعتُ أنها تحوم حول جوهر المشاكل ولا تحاول الغوص ".
مواضيع غير جريئة
ولعل ما أشار إليه النقابي الشاب حول عدم جرأة المواضيع المطروحة قد تردد في أكثر من مناسبة، إذ أفاد عدد من المشاركين في الحوارات بأن بعض القضايا الحساسة لم تجد لها سبيلاً بين الشباب على غرار قضايا المخدرات والجنس و الفكر المتطرف .
ويقول الدكتور مهدي مبروك في هذا الصدد:"هندسة الاستمارة التي تقدم للشباب في هذا الحوار – والتي اطلعنا عليها- تظهر غلبة الطابع التوجيهي على مختلف الأسئلة والمواضيع المطروحة، وبالتالي فالأجوبة ستكون معروفة بصفة مسبقة وهو ما يعني رسم الصورة التي تطمح إليها الحكومة من خلال هذا الحوار وهي أن شباب تونس هو شباب نابذ للتطرف والعنف علاقته بهويته ضعيفة للغاية، غير معني بالشأن العام، وراغب في العلاقات المفتوحة". أما السيد أحمد بوعزي فيقول في هذا الصدد:لا اعتقد أن الشباب المشارك قادر على الخوض في كل المواضيع التي يرغب فيها ، هنالك عدد ضخم من المحرمات أو ما نسميه هنا بالتابوهات، كمشكلة الفساد المالي المتفشّي في البلاد والذي يتحدّث عنه الشباب في حلقاته الخاصّة للغاية، وبيع أراضي الدولة إلى القطاع الخاص وتمويل مشاريع خاصة بالمال العام بصورة غير قانونية إلى غير ذلك .. وأعتقد شخصيًا أنه إن لم يقع الحديث في هذه المحرّمات بكل شفافية، فإن الشباب سوف يفهم أن "الحوار" ليس إلاّ محاولة تخدير ومغالطة لامتصاص الكبت السياسي الذي يعاني منه."
وبخصوص قضية الفكر السلفي الجهادي الذي بدأ في التسلل الى ذهنية الشباب التونسي شيئًا فشيئًا، يقول الدكتور مهدي مبروك أستاذ علم الاجتماع :"سبق لرئيس الجمهورية اثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد في 2006 في ما بات يعرف بقضية سليمان أن اتهم أحزاب المعارضة بضعف تأطيرها للشباب ، لا أظن أن ذلك صحيح ، إذ إن الحل الأمني الذي ينتهجه الحكم في تونس ومدى تأثيره على حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة هو ما ينفرّ الشباب عن العمل السياسي والتنظم ضمن الأطر الحزبية والجمعياتية، الأمر الذي يؤدي بدوره الى ظهور ما يشبه الفردانية المتورّمة لدى الشاب التونسي الرافض للتنظم أو التنازل أو التفاوض .
إسماعيل دبارة من تونس الخميس 17 أبريل 2008 المصدر:ايلاف