لا يمر شهر وأحيانا اسبوع إلا ونقرأ خبر عبر وسائل الإعلام المتعددة منقول عن الصحف العبرية الورقية أو الإلكترونية أو نسمع عبر الفضائيات والراديوات بأن الجيش الإسرائيلي يجري مناورات واسعة النطاق تارة على الحدود مع لبنان وأخرى مع سوريا وثالثة في فلسطين ورابعة في رومانيا وخامسة في المجر وسادسة في مضيق جبل طارق، تحاكي أهدافا في ايران ولبنان وسوريا وفلسطين، ومع كل مناورة يختارون مسميات مثل كوبرا شجرة العرعر، نقطة تحول 1 و2 و3 وتوصيفات يختارها علماء نفس مختصين في التضخيم والتخويف والترهيب، ومن هذه التوصيفات المناورات الأوسع، الأضخم، الأكبر، غير مسبوقة، تمهيدا لاحتلال..؟؟، تحاكي حربا على..، استعدادا لضرب.؟؟، حتى تدريبات الإستعداد لمواجهة الكوارث الطبيعية حرفوها عن غايتها النبيلة ووظفوها في برامجهم الحربية والإستقواء بها كجزء من التباهي باستنهاض قدراتهم القتالية وسموها مناورات بدل تمارين او تدريبات. آخر هذه المناورات التي تتداولها وسائل الإعلام المناورات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في النقب تحت عنوان تمهيدا لحرب قادمة.. جيش الإحتلال يتدرب على احتلال مدن فلسطينية بغزة والضفة، وفي المتن يقول الخبر أن الجيش الإسرائيلي أعد لهذه التدريبات مسرحا مماثلا للأهداف المذكورة وبكلفة مالية بلغت ملايين الشواقل، وعلى رأي المثل "اللي ببلاش كثر منه " ففاتورة الحساب يدفعها الحلفاء والأصدقاء. لا أحد ينكر أن الوجود الإسرائيلي بذهنيته الإحتلالية التوسعية وكونه جسم غريب لايمكن له التأقلم في المنطقة ويرفض السلام وإعادة الحقوق يعتمد أساسا على القوة العسكرية ونهجهم السائد استمرارالعدوان وتكريس الاحتلال والسعي الدائم لاحراز التفوق وإضعاف الآخر، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من استمرارالإستعداد والتدريب واجراء المناورات والإكثار من التهديدات والتلويح بالحرب. هذه التدريبات والمناورات تقوم بها عادة الجيوش ضمن خطط وبرامج شهرية ونصفية وسنوية، فردية وجماعية، ليلية ونهارية، تحاكي الظروف والسيناريوهات الحربية كافة، لكن الفرق بين مناورات الجيوش والمناورات الإسرائيلية كبير من حيث عدم المبالغة في هذه المناورات وتوظيفها للتهديد والترهيب والتخويف في سياق حرب نفسية ودعائية وفي تعويم الغايات وتضليلها أو من حيث استغلالها لاستنفار الجبهة الداخلية وتحشيدها وراء قياداتها أو لتصدير الأزمات والتهرب من الإستحقاقات وخاصة استحقاق السلام، لذلك يلاحظ المتتبع بارتفاع وتيرة المناورات والتلويح بالحرب عند كل حديث عن السلام ومع ازدياد احكام الطوق والعزلة الدولية على اسرائيل وادانتها وفضح عورتها. كما لا يمكن النفي أو استبعاد احتمال قيام اسرائيل بالعدوان في أي زمان ومكان، والإعلان عن هذه المناورات وتضخيمها أكبر دليل، وهي جزء من تعزيز القدرات القتالية تمهيدا لذلك، لاسيما وقد سبقها تهديدات لقيادات اسرائيلية بحرب تدميرية تغير وجه المنطقه، أيدتها مراكز أبحاث ودراسات أمريكية، لكن هذه القدرات الإسرائيلية كانت تستخدم في الماضي بدون قيود أو محددات، وكثيرا من الإعتداءات السابقة لم تنسق بها اسرائيل مع حلفاؤها إلا عند البدء بتنفيذها، لأن الظروف الدولية والمحلية كانت مهيأة ومسخرة لخدمتها، وكانت تخرج لتقاتل جيوشا على أرضهم في مواقع ثابتة مثقلة بمعدات غير متكافئة تستخدم ضدهم أحدث المعدات ومن خلالها تسحق وتدمر وتنتصر، وهناك من يدعم ويغطي أي خلل أو إخفاق، نتائج اعتداءات اسرائيل الأخيرة في لبنان وفلسطين برهنت على أن هذه الظروف خاصة القدرات القتالية والتغطية الدولية لم تعد موجودة، ولن نبالغ عند القول بأن الجندي الإسرائيلي مهما تدرب ومهما شارك في مناورات سيبقى بحدود الإستقواء على المدنيين الفلسطينيين العزل الذي تعود عليهم على الحواجز والطرقات اوعبراقتحام البيوت والمداهمات، وضعيفا في ميدان القتال لأن ثقته بنفسه ومعداته تراجعت، وهذه نتيجة حتمية لكل جيش يحرف عن مهمته ويستخدم اداة للقمع والقهر، وهو ما يشكل عامل أساسي رادع عند اتخاذ قرار الحرب، من هنا يكثر جيش الاحتلال من التدريبات والمناورات للتعويض عن العجز الحاصل الذي تم التعبير عنه عبر ازدياد حالات الانتحار والتمرد في الجيش الإسرائيلي وتدني رغبة الخدمة عند جيل الشباب رغم ما يقدم لهم من اغراءات، ليس هذا هو المتغير الوحيد في معادلة الحرب فأطراف الحرب الأخرى تغيرت وتطورت (واسرائيل هي من يكثر الحديث عن ذلك مع ادراكنا لحاجتها وتعمدها المبالغة، لكن هذه المبالغة أصبحت في ذهن الجنود حقيقة عكست نفسها على سلوك قيادتهم، وهو ما دفعها للشكوى الى مجلس الأمن على أثر اشتباكهم الأخير مع الجيش اللبناني)، ومن هنا يعزي الجيش الإسرائيلي النفس عند حديثه عن التدريبات بأنها تتم على ظروف وطبيعة مماثلة من أنفاق وهياكل وابنية وطرق داخلية وأحياء مشابهة للأهداف، لاسيما وان الجيش الإسرائيلي يتدرب على ذلك (في المخيمات والأحياء والقرى الفلسطينية) ويطبق ما تدرب عليه بالرصاص الحي والقاتل على الشعب الفلسطيني الأعزل وبشكل دائم. من جانب آخر هي تعبير عن خوف وقلق حقيقين من خوض مواجهات ميدانية بهذه الأنماط القتالية، خاصة وأن الجندي الإسرائيلي تدرب عليها في ساحات التدريب لكنه لم يختبر نفسه في ميادين القتال الحقيقية، لذلك يحرص الجيش الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى على إخفاء نواياه في التوجه للحرب وإبقائها طي الكتمان، من أجل كسب عنصر المباغتة والمفاجأة للحصول على مبدأ التفوق وعدم تمكين الخصم من استيعاب الصدمة الأولى وليس العكس. لذلك يمكن الاستخلاص بأن: ظروف التدريب للجيش الإسرائيلي مواتية، لكنها غير مواتية عند القيادة لخوض حرب لأنها ما زالت تراهن على الوصول لمبتغاها بالوسائل الأخرى، بل وتفضل ذلك على المغامرة بالحرب لتوقعها الخسائر الكبيرة وخسارتها لمواقعها، أما الإعتداءات فهي مستمرة ولم تتوقف. خبير ومحلل عسكري