اعتراف "شمعون بيرس" بأن إسرائيل غير قادرة على البقاء دون المساعدات الأمريكية، كلام سياسي يحاكي الواقع بخطورته، ولاسيما أن المقصود بالبقاء هو تواصل وجود هذه الدولة التي أقامها "شمعون بيرس" وأمثاله على كومة من عظام العرب، ولحمهم الممزق، لذا فإن زوال هذه الدولة من وجهة نظر رئيسها أمر ممكن إذا رفعت أمريكا عنها غطاء المساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية. الرئيس الإسرائيلي لم يتفوه بهذا الاعتراف المهين مجاناً، وإنما أراد من وراءه التأثير على القرار السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، وأراد أن يسحب بساط الدعم الجماهيري من تحت أقدام المتدينين اليهود؛ الذين صاروا يتكاثرون على حساب أمثاله من العلمانيين، وفي الوقت نفسه فإنه ينبه المتدينين اليهود إلى أنه يجرفون دولة إسرائيل إلى الهاوية. لم يكتف الرئيس الإسرائيلي بالتحذير اللفظي، والهجوم غير المباشر على المتطرفين، والتأثير على الائتلاف الحاكم، بل تحرك عملياً لتدارك الموقف، واجتمع مع زعيمة حزب المعارضة "تسفي لفني" يهدف التأثير عليها لإنقاذ دولة إسرائيل من تطرفها، ومن الأخطار التي تحاصرها إن استمر الجمود في المفاوضات مع الفلسطينيين، والذي راح ينعكس على الموقف الأمريكي ضعفاً عاماً في الشرق الأوسط، الأمر الذي يعزز من مكانه إيران، ويزعزع من ثقة إسرائيل بنفسها. الرئيس الإسرائيلي أفصح عن مغزاه بشكل يفرض على العرب أن يتقززوا من هذا الاستخفاف بهم، ولاسيما حين يقول: إن إسرائيل قادرة على مساعدة الولاياتالمتحدة بوقف الصراع مع الفلسطينيين، والتركيز على التهديد الإيراني. وهنا لا يقصد "بيرس" أكثر من تجميد مؤقت للاستيطان يرضي العرب، كي يتوقف الصراع مؤقتاً، إلى حين التعاون المشترك لحل المسألة الإيرانية. وبعد ذلك لكل حادث سياسي حديث. الرئيس الإسرائيلي يسعى إلى فرض التجميد المؤقت للاستيطان على الحكومة الإسرائيلية، كي تعود المياه إلى مجاريها على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، وهذا ما تعمل عليه المنظمات التي تلتقي في القدس لتناقش مستقبل اليهود، وجميعهم بات مقتنعاً أن الطريق إلى سلامة إسرائيل تمر من خلال ضم حزب "كاديما" إلى حكومة ائتلاف وطني بزعامة "نتانياهو"، حكومة إسرائيلية جميلة المنظر وحشية الجوهر