فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    غزة: إستشهاد 15 فلسطينيا على الأقل في قصف صهيوني استهدف منزلا    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    كيف سيكون الطقس اليوم..؟    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    انطلاق امتحانات ''البكالوريا التجريبية'' اليوم بمشاركة أكثر من 143 ألف تلميذ    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    لدى تلقيه مكالمة هاتفية من السوداني..سعيد يجدد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    وزارة العدل توضّح    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راي في الرؤية (4) مغاصة مظلمة وجب التحرز عنها : عماد الطرابلسي
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 10 - 2010

نواصل في هاته الحلقة على بركة الله التعرض الى الفقرة التي وردت في بداية الرؤية الفكرية لحركة الاتجاه الاسلامي و كان هذا نصها:
"وعليه، فإننا لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وتوابعها مما سبق ذكره، وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض برأي أو معصية، إلا أن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل لا يحتمل تأويلا غير الكفر."

و قد ارتايت ان اتوقف هنيهة عند قيد " و ادى الفرائض" لنحاول ادراك الدافع من وراء وضعه و القصد من تثبيته رغم شذوذه في هذا السياق.
و بما اني كنت قد اكدت على ان وضعه لم يات الا من باب النقل عن الامام البنا و هو ما لا يمكن نكرانه البتة فان الاستئناس براي شراح الاصول العشرين للبنا من كبار مشائخ الاخوان و علمائهم لم يعد لي منه بد خاصة بعد تبريرواحتجاج البعض لما تعرضت له من نقل حرفي دون عزو بان حركة النهضة ليست الا جزء من حركة الاخوان المسلمين و امتدادا لافكار البنا و قطب مما قد يوفر ظروفا للتخفيف من قسوة الاحكام السلبية المتعلقة بموضوع العزو.
من وجهة نظر البحث العلمي الموضوعي البحت فانه لا يمكن الزام حركة الاتجاه الاسلامي بشروح و آراء العلماء من التيار الاخواني و ان كانوا من العيار الثقيل , لكن حقيقة تبني هاته الحركة لاحد هذه الاصول و اعتبار نفسها امتدادا لافكار صاحبها قد يساهم في اعطاء فكرة و لوكانت غير ملزمة عن تضاريس هذا القيد المثير للجدل.
كما هو معلوم فان الاصول العشرين للبنا قد تحمل اعباء شرحها ثلة من الدعاة منهم الشيخ محمد الغزالي في كتابه " دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين" و الدكتور عبد الكريم زيدان في "الشرح العراقي للاصول العشرين " و سعيد حوى في" آفاق التعاليم" والاستاذ جمعة امين عضو مكتب الارشاد في " فهم الاسلام على ضوء الاصول العشرين".
كما تعرض الدكتور يوسف القرضاوي لهاته الاصول العشرين في كتب مختلفة و يوجد كذلك شرح غير معزو في موقع الاخوان الالكتروني فيما يبدو انه الشرح المعتمد من طرف الاخوان المسلمين.
المطلع على هذه الشروح بتامل لن يصل الى نتيجة حاسمة عن معنى هذا القيد و حده " و ادى الفرائض" نظرا لاضطراب المواقف منه و انما سيصل حتما الى نتيجة ان هذا القيد ليس فقط مثيرا للجدل بل و انما مجلبة للمتاعب .
افترق الشراح فيه على خمسة مذاهب:
الفريق الاول ذكر القيد و لم يتعرض له بالشرح اي اهمله بل و اهمل معناه اي اكد ان تارك الفريضة لا يكفر لكنه لم يتعرض الى مسوغ ذكره ما دام اداء الفرائض ليس بقيد لعدم اكفار المسلم و هو ما يعني انهم لا يملكون جوابا دقيقاعلى هذا التساؤل و يراهنون بذلك على تسليم القارئ لشرحهم الموافق لراي السواد من الامة او انهم يخالفون امامهم البنا دون القدرة على التلفظ بذلك . و من هؤلاء الشيخ محمد الغزالي رحمه الله .
الفريق الثاني و منهم سعيد حوى رحمه الله ذكر القيد بامانة كالفريق الاول و كان اكثر امانة عندما اكد انه قد يتبادر للذهن اكفار هذا الاصل لتارك الفرائض فقال" هل يفهم من كلام الاستاذ البنا ان الانسان الذي لا يؤدي الفرائض او لا يعمل بمقتضى الشهادتين كافر و لو نطق بالشهادتين و لو آمن بالاسلام كله ؟ قد يفهم فاهم هذا الفهم...".
و حتى لا يعلق القارئ الكثير من الامل حول هذا الاقرار و ما يتبعه من شرح لسبب ذكر القيد فان المغفور له لم يقل شيئا مفيدا حول هذا الامر غير نفيه لقصد الامام البنا لما يمكن ان يفهمه الفاهم من مفهوم المخالفة بحجة ان البنا بنى اصوله على فهوم اهل الحق الذين لا يكفرون تارك الفرائض. و هو ما يعني بالفاظ اخرى انه لا يستطيع ان يضع هذا القيد برغم ظاهر دلالته علي اكفار تارك الفرائض في اطار اقوال اهل الحق الذين لا يقولون به و قد علم ان البنا من اتباعهم دون ان يقدم قرينة لغوية واحدة يصرف بها المعنى الظاهر من اللفظ باقراره الى معنى يتاوله غير ثقته في اتباع الامام البنا لمنهج اهل الحق الذي لا يسع هذا المتبادر الى الذهن من المعنى .
و ياليته وقف عند هذا "التوضيح" النافي لتكفير تارك الفريضة و لكنه نقض غزله من بعد قوة انكاثا عندما استثنى قول الحنابلة في اكفار تارك الصلاة و عساه بذلك يحاول شرح هذا القيد بما يعني ان الامام قد يكون اخذ باحد الرايين في مذهب احمد فيكون قد قصد بالفرائض بعضها. هذا و قد زاد المرحوم سعيد حوى الطين بلة عندما حاول تقديم معنى آخر لهذا القيد فزاد المعقد تعقيدا و الخفي خفاء عندما قال :" ... نخرج (من الاسلام من فعل واحدا من تلك المكفرات الاربع) من اقر بالشهادتين و عمل بمقتضاهما و ادى الفرائض فمن باب اولى اذا كان لا يقر بالشهادتين و لا يعمل بمقتضاهما و لا يؤدي الفرائض ".
فريق ثالث ذكر القيد بامانة كما ذكره البنا في اصوله و حاول صرفه عن معناه الظاهر ليا لعنق النص و تاويلا يخرجه عن منهج الخوارج في التكفير حيث ورد في شرح موقع الاخوان ما يلي:"قصد ان ينكر على الغلاة في التكفير تكفيرهم لمن وحدوا الله و آمنوا برسوله و رضوا بالاسلام دينا و ادوا فرائض الله و مع ذلك حكم عليهم بالكفر لاسباب اهون من ان تخرج صاحبها من الاسلام كالخطا في راي اجتهادي او معصية دون الكفر الاكبر."
و هنا لا بد من الاقرار ان القيد قد يرد للتهويل او التنفير دون ان ينتفي الحكم عند انتفاء القيد كقوله تعالى:"لا تاكلوا الربا اضعافا مضاعفة " فانه لا يعني استباحة القليل من الربا بيد ان ذلك لا يكون الا في كلام المشرع كما ذكرنا في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة . ثم ان الاصول العشرين قد وضعت موجزة من قبل الامام البنا حتى تنقل كل ما يلزم حركة الاخوان من الاجمال الى التفصيل و من الغموض الى الوضوح (كما قيل عنها) بما لا يدع مجالا للادعاء بان لها حادثة قد قيلت بمناسبة ما خاصة و قد عطف القيد على قيد آخر لا مناص منه الا و هو الاقرار بالشهادتين.
الفريق الرابع و منهم الدكتور عبد الكريم زيدان المراقب العام السابق للاخوان المسلمين بالعراق نقل القيد بامانة و كان اكثر الشراح وضوحا حيث تبنى هذا القيد وشرحه بقوله:" و من الجدير بالذكر اننا نطلق على بعض الافعال او ترك بعض الافعال اسم الكفر كما جاءت بها النصوص الشرعية مثل : ترك الصلاة كفر اما تكفير شخص معين بالذات فلا بد من صدور ما يكفر به يقينا مثل جحوده فرض الصلاة او استتابته و القول له : اذا لم تصل نقتلك و يصر على الترك و يؤثر القتل فهذا دليل خلو قلبه من الايمان و يموت كافرا.".
هكذا و بهذا الوضوح و بغض النظرعن التركيب اللغوي فان السيد المرشد يريد ان ينصب المشانق لكل من يرفض اقامة الصلاة دون ان يمن عليهم بعدها بصلاة الجنازة او الدفن في مقابر المسلمين.
و لست ادري باي مشروع نبشر و اي لعنة سوف تحل على الشعب التونسي اذا قدر الله ان يبتليه بمن يتبع منا افكار المرشد و ابداعاته في شرح الاصول العشرين .
و لا يمكن لاحد في هذا المقام ان ينكر القيمة العلمية ولا التنظيمية للدكتور فلا اعلم مرتبة اعلى من المراقب العام. و لم يكن غيره من الشراح اكثر اقتصادا في الدعوة الى القتل حتى قال سعيد حوى ( رحمه الله) في شرحه للاصل العشرين:"هناك كفر بمعنى ترك الشكر و يستحق صاحبه في بعض الحالات القتل حدا..". بما يعني انه لم يفرط حتى في قتل بعض من ترك الشكر(اي الكفر اللغوي لا الشرعي) و لا اظن حتى القطري بن فجاءة اشد زعماء الازارقة قد تخطر بباله هذه الافكار.
الطريق الخامسة سلكها الدكتور يوسف القرضاوي في مجانبة الامانة العلمية حيث حذف هذا القيد عندما قال في سياق ذمه للغلو في التكفير مستشهدا بالامام البنا:"لهذا نص في الاصول العشرين من رسالة التعاليم...على هذا الاصل بهذه العبارات الواضحة: لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاها برأي أو معصية، إلا أن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ".(كتاب ظاهرة الغلو في التكفير في مقدمة الطبعة الثالثة)
هكذا يفضل الدكتور يوسف القرضاوي التخلص من هذا القيد " جالب المتاعب" و قد رجح على ما يبدو مقصد دفع ما فيه من مفسدة التكفير بترك الفرائض على نهج الخوارج على ما في نقله كما هو من جلب لمصلحة تسمى الامانة العلمية و قد يكون قد اصاب في ذلك و لكني لا اعلم مصلحة واحدة يقدمها العلما ء على امانة النقل و قد شُنع من قبل على الامام الكوثري رحمه الله في حذفه لعبارات اللعن في حق خصمه ابن قيم الجوزية رحمه الله اثناء تخريجه لكتاب السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل للامام السبكي الذي رد فيه على نونية ابن القيم و هو كتاب ذو صلة بموضوعنا هذا قد نتعرض اليه في احدى الحلقات القادمة.
يتبين من عرضنا هذا ان قيد " و ادى الفرائض" قد اعيى الشراح فادى ببعضهم الى تجاهله و البعض الاخر الى لي عنقه اما البعض فقد وقع به في التوسع في تكفير بل و قتل المصرين على ترك بعض الفرائض .
قد يحارالقارئ من غير المتابعين لكتابات الاخوان في فهم سبب تحاشي هؤلاء الدعاة و غيرهم كثير التعرض لنقد هذا القيد بل والتنبيه على مثارات الغلط في اغلب ماورد في الاصل العشرين من مكفرات سنتناولها في الحلقة الخامسة ان شاء الله وقع بها صاحبها في مغاصة مظلمة كان التحرز عنها اولى من التوسع فيها فان الحيرة تبلغ ذروتها عن سبب تمسك الاخوة المصنفين للرؤية الفكرية بهذا القيد المثير للجدل و قد كانوا في حل من نقله خاصة و قد تعثر فيه غيرهم من قبل بل ان الدكتور القرضاوي قد اسقطه مضحيا بامانة النقل, فكيف يسع الناقل في الحذف و الاسقاط ما لا يسع المؤلف؟
كان يكفي الاخوة المصنفين الانتباه الى تخلص الدكتور القرضاوي من هذا القيد ليحذوا حذوه اذا كانوا لا يرون لغير النقل سبيلا و تجدر الاشارة الى اني لا اعلم التاريخ المحدد لتاليف الدكتور القرضاوي لكتابه القيم " ظاهرة الغلو في التكفير" لكني اجزم بانه الف في سبعينيات القرن الماضي حيث ان الشيخ الغزالي قد ذكره في كتابه "دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين " الذي نشره سنة 1980 م مما يعني صدورهما قبل صدور وثيقة الاتجاه الاسلامي.
علما و ان الدكتور يوسف القرضاوي رفض او ربما اصبح يرفض هذا المنهج في مجانبة الامانة العلمية و قد تجلى ذلك في محاورته لمترجم الظلال الى اللغة الانجليزية الاستاذ عادل الصلاحي حول اثبات القرضاوي لتكفير سيد قطب لمسلمي اليوم و كان الشيخ قد حاجج الاستاذ المترجم بقوله له:" كيف تترجم العبارات التي تحمل دلالة واضحة على تكفير مسلمي اليوم؟" فقال :"بصراحة انا لا اترجمها حرفيا بل اذكر معنى عاما يقرب من مدلولها الى القارئ و ان لم ينقل اليه المعنى المراد". فرد الشيخ مفحما للمترجم انه بهذا يكون قد اخل بامانة الترجمة خاصة ان جاء معقب عليه و اخبره بان الحل هو الصدق و مواجهة الحقائق مكشوفة. بل انه رفض محاولة تاويل صريح كلام سيد قطب قائلا:" و اني والله يعز علي ان ان يتصف سيد بصفة تكفير المسلمين و لكن ما حيلتي و الشواهد تدمغني و النصوص الواضحة المتكررة لا تدع لي مجالا و ليست الامور بالتمني.".(كلمة اخيرة حول سيد قطب للدكتور القرضاوي)

لا ريب ان هذا الاصل العشرين وقيوده و استثناءاته في عدم تكفير المسلم ساهم بشكل او بآخر في تغذية بذرة تكفير المجتمعات المسلمة التي اهتزت و ربت لتنبت افكار الشهيد سيد قطب رحمه الله كما شهد بذلك الاستاذ محمد قطب اخو سيد و صاحب كتاب جاهلية القرن العشرين في حوار اجراه معه كمال حبيب في مكة سنة 2002 قال فيه:"فكر سيد قطب هو الامتداد الحقيقي لفكر حسن البنا , فحسن البنا في رسالة التعاليم يقول:و لا نكفر مسلما بذنب متى نطق بالشهادتين و عمل بمقتضاها و سيد قطب يتحدث عن قيد او شرط: ". ولا اظن كلاما اوضح من هذا في مدى تاثير هدا الاصل و قيوده في فكر الشهيد قطب الذي يقول عنه الدكتور محمد سليم العوا ان الاسلام عنده" لا يعرف الا نوعين من المجتمعات ,مجتمع اسلامي و مجتمع جاهلي . المجتمع الاسلامي هو الذي يطبق فيه الاسلام عقيدة و عبادة و شريعة و نظاما و خلقا و سلوكا.و المجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الاسلام و لا تحكمه تصوراته و قيمه و موازينه و نظامه و شرائعه و خلقه و سلوكه . ليس المجتمع الاسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون انفسهم مسلمين."
كما تحدث الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته بعد تاكيده على محاولته التخفيف من عباراته ما استطاع عما تحمله المرحلة الاخيرة من حياة سيد قطب الفكرية من ميل الى تكفير مسلمي اليوم و نقل اثباتات سماها نصوصا صريحة لدعواه بتكفير سيد قطب لمسلمي اليوم من ثلاث كتب بعد ان طالبه قراء المذكرات بذلك.
انه من المالوف ان يلجا العالم او الشارح الى تاويل الفاظ غيره ليلتمس معانيه ويصرفها عما شاب ظاهرها كما فعل المدافعون عن سيد قطب وان كان الدكتور يوسف القرضاوي قد رفض في "كلمة اخيرة حول سيد قطب" كتبها سنة 2004 هذا النهج التاويلي التبريري للمدافعين عن سيد قطب و الرافضين لاتهامه بالايغال في التكفير حيث قال:"و لكن الذي اخالفهم فيه هو اعتبار الادب او التعبير الادبي سببا في غموض الكاتب و ضبابية ما يكتب, و التباسه على قارئه,فالكاتب الاصيل اذا كتب في اي علم اضفى عليه من اشراق يراعه ومن نصاعة بيانه ما يجليه و يقربه الى القارئ و يزيح عنه اي لون من الغموض.... و لم يكن سيد قطب من دعاة الرمزية او السريالية او غيرها من المذاهب الادبية التي تعمد الى الغموض و تغلف مقولاتها و افكارها باغلفة تحجب معانيها عن جماهير القراء و لم يكن سيد كذلك من دعاة الباطنية... بل كان رجلا صريحا بينا لا يحب الظلام و لا الضبابية فيما يقول و لا فيما يفعل. و القضية التي نتحدث عنها قضية تكفير مسلمي اليوم ليست قضية فقهية بعيدة عن اختصاص سيد كما يصور او يتصور بعض الاخوة المتحمسين بل هي قضية فكرية محورية اساسية او قل هي قضية اصولية اعتقادية هي الصق بعلم العقائد و الكلام منها بعلم الفقه و الفروع و لانها قضية فكرية محورية مركزية عند سيد رايناه يلح عليها و يكررها و يؤكدها باساليبه البيانية الرائقة و الرائعة حتى تتضح كالشمس في رابعة النهار...".
اما ان يلجا المرء الى هذا الاسلوب مع قوله وهو ما سيضطر اليه مصنفو الرؤية اذا تكرموا بشرح هذا الاصل و قيوده و تحديدا قيد تادية الفرائض فهو مما يصدق فيه قول الامام الغزالي في كتابه محك النظر في فصل "من محك الحد في الامتحانات" عندما قال:" فاعلم ان من طلب المعاني من الالفاظ ضاع و هلك و كان كمن استدبر المغرب و هو يطلبه . و من قرر المعاني اولا في عقله بلا لفظ ثم اتبع المعاني الالفاظ فقد اهتدى" .
( يتبع باذن الله الجزء الخامس)

ملحوظة:
اعتذر من الاخوة القراء كثرة النقل في هذه الحلقة كما اعتذر عن عدم تمكني للوفاء بالتعرض الى النقاط التي وعدت بالخوض فيها في الحلقة السابقة و قد اضطرني لذلك الارتجال في الكتابة و كذلك حب الايجاز و عدم الاطالة المثيرة للملل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.