قريبا جدا علي ما يبدو سنري عددا من السفارات العربية في بغداد تعيد فتح أبوابها ولكن ليس في مقراتها المعتادة وإنما في مقرات جديدة أعدت لها في المنطقة الخضراء عالية الحماية أين تقيم القيادات العسكرية الأمريكية وسفارة كل من الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسائر أعضاء حكومته ومقر البرلمان أي باختصار كل الهيئات والشخصيات التي لا تأمن علي نفسها إن هي وجدت خارج هذا الحصن الذي يريد عبثا أن يكون منيعا بالكامل. القرار لم يعلن جماعيا في اجتماع المنامة الأخير بعد أن طالبت به صراحة وزيرة الخارجية الأمريكية نظراءها في دول مجلس التعاون الخليجي الست زائد مصر والأردن وإنما ترك للدول فرادي أن تعلنه. فقامت بذلك فعلا كل من البحرين والكويت. هذه الأخيرة لم يتحرج رئيس دبلوماسيتها من التصريح بأن بلاده ستعين قريبا سفيرا لها في بغداد وتخطط لإقامة سفارتها في المنطقة الخضراء التي أطلق عليها فجأة وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري اسم المنطقة الدولية في سياق طمأنته للدول المقبلة علي إعادة فتح ممثلياتها الدبلوماسية هناك حيث وعد بتقديم ضمانات أمنية وتأمين مقرات. وإلي جانب هذين الدولتين العربيتين هناك أيضا تعهدات إيجابية من كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وفق ما ذكره زيباري لوكالة رويترز . إن لاختيار المنطقة الخضراء مقرا جديدا للسفارات العربية دلالة رمزية خطيرة للغاية لأنها تعني ببساطة أن قيادة قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق والحكومة الموالية له وبرلمانها المترنح يشكلون مع الدول العربية جبهة واحدة أو أبناء حي واحد يتعرضون ل إرهاب واحد يطلق قذائفه عليهم فلا يتركهم ينعمون بالأمان وراحة البال حتي أنهم قد يتحولون مستقبلا ضمن نفس فئة الدبلوماسيين الأمريكيين الذين زارتهم كوندوليزا رايس مؤخرا في المنطقة الخضراء لإظهار امتنانها لهم بعد أن تحدوا إطلاق الصواريخ وبقوا هناك رغم كل شيء، علما وأن الخارجية الأمريكية تعاني الأمرين للعثور علي موظفين يقبلون بالعمل والعيش كالفئران التي لا تغادر جحورها أبدا. أما القول بأن الوضع الأمني في العراق صعب ولكن محتمل كما ذكر زيباري في سياق إغرائه للسفارات العربية بالعودة فقول مردود عليه في أية لحظة ومع أي تفجير مقبل. وهنا أستذكر بوضوح ما قاله لي في حي المنصور في بغداد ديبلوماسي عربي في حزيران (يونيو) 2003 من أن الوضع هناك ليس بالسوء الذي يصور للناس في الخارج، هذا الدبلوماسي ليس سوي حسان مال الله الأنصاري القائم بالأعمال البحريني الذي تعرض في تموز (يوليو) 2005 إلي محاولة اغتيال في بغداد كادت تودي بحياته. وإذا ما كان الهدف من وراء عودة السفارات العربية إلي بغداد هو نقل صورة حقيقية لواقع لا أحد ينكر صعوبته والحاجة لإسناد عربي له وفق تعبير علي الدباغ الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية فإنه من المستحيل نقل مثل هذه الصورة من قبل دبلوماسيين عاجزين عن التحرك في الشارع والاختلاط بالنبض الحقيقي للناس ومزاجهم، أما أسخف ما يقدم لتبرير عودة هذه السفارات فهو الزعم بضرورة الحد من النفوذ الإيراني في العراق وهو نفوذ تركت له قوات الاحتلال الحبل علي الغارب ثم بدأت تولول بشأنه مستنجدة بأناس غير قادرين علي حماية أنفسهم فكيف بإيقاف نفوذ يستمد قوته من التاريخ والمذهب وتشعبات المال والمخابرات. ومع أن وزير الخارجية الكويتي نفي أن يكون قرار بلاده إعادة سفارتها إلي بغداد ناتجا عن ضغوط أمريكية قائلا بنوع من الامتعاض لا أحتاج لأجنبي ليقول لي عن أهمية فتح سفارة في بغداد فإن ذلك لا يبدو مقنعا لكثيرين حتي أن أحدهم لم يجد في أحد منتديات الحوار علي شبكة الإنترنت أبلغ من هذا التعليق علي هذه العودة للسفارات العربية : لبيك تشيني ويقصد نائب الرئيس ديك تشيني. وإليه يمكن أن نضيف لبيك بوش ورايس!! .