اختتام البطولة الوطنية للرياضات الإلكترونية لمؤسسات التكوين المهني    تونس تودع سنة 2025 بمؤشرات تعاف ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلى    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    مباراة الجزائر ضد بوركينا فاسو بكأس أفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة    البطولة العربية للاندية البطلة لكرة الماء: نادي السباحة بن عروس يحرز المركز الثالث    سامي الطرابلسي : ''ماندمتش على الخطة التكتيكية و ماندمتش لي لعبت بن رمضان في هذا المركز''    كيفاش باش يكون طقس آخر أحد من 2025؟    غزة: خيام غارقة في الأمطار وعائلات كاملة في العراء    جلسة مرتقبة لمجلس الأمن بشأن "أرض الصومال"    مدرب منتخب نيجيريا: "نستحق فوزنا على تونس عن جدارة"    ماسك: «الاستبدال العظيم» حدث في بروكسل    الاحد: أمطار متفرقة بهذه الجهات    انطلاق فعاليات المخيم الشتوي "نشاط بلا شاشات" بمركز التربصات ببني مطير    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قدم آداءًا ضعيفا أمام نيجيريا.. وكان عليه اللعب على إمكانياته منذ البداية    مراد المالكي: اللاعبون كانوا خائفين أكثر من اللازم.. وترشح المنتخب ب"أيدينا"    عبد الحق العلايمي: مباراة للنسيان.. وسامي الطرابلسي مطالب بمراجعة هذه النقاط    منخفض جوي قوي يضرب غزة.. خيام النازحين تتطاير أمام هبوب الرياح العاتية    تنظيم سلسلة من المعارض الثقافية ضمن فعاليات المهرجان الدولي للصحراء بدوز    خسارة تونس أمام نيجيريا    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    سيدي حسين: المنحرف الخطير المكنّى ب«ب بألو» في قبضة الأمن    انقطاع جزئي للكهرباء بالمنستير    قرقنة تكشف مخزونها التراثي .. الحرف الأصيلة تتحوّل إلى مشاريع تنموية    لجنة مشتركة تونسية سعودية    جهاز استشعار للكشف عن السرطان    تراجع خدمات الدين الخارجي المتراكمة ب 13،8 بالمائة    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    مسرحية "كحلة الأهذاب"... إنتاج جديد لفرقة مدينة تونس للمسرح احتفالا بذكراها السبعين    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز ليناهز 220،8 مليون دينار خلال سنة 2022    المستشفى الجامعي شارل نيكول يحقق أول عمليات ناجحة بالفيمتو ليزك بتونس!    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    خبايا الخطة..ماذا وراء اعتراف اسرائيل بأرض الصومال..؟!    وزارة النقل: شحن الدفعة الأولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين قريبا    عاجل/ مسجون على ذمة قضية مالية: هذه الشخصية تقوم باجراءات الصلح..    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    تقدم أشغال بناء المستشفى الجهوي بالقصرين مع توقع انطلاق استغلاله بداية السنة    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلامي التونسي غسان بن جدو: اتساع هامش الحريات في بلدان عربية رغم القبضة
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 12 - 2010


حاوره: أحمد برقاوي
قال مدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت، الإعلامي التونسي غسان بن جدو، إن هامش الحريات في العديد من البلدان العربية اتسع مع ظهور بعض القنوات الفضائية، لكن "القبضة الأمنية لا زالت قوية".
وأكد بن جدو في حوار معه على هامش ملتقى الإعلاميين الشباب العرب الذي عقد في عمّان بين 6 - 7 من الشهر الحالي، أن هنالك قبضة أمنية حديدية "غبية"، وقبضة أمنية حديدية "ذكية"، بحسب تعبيره، مبينا أن الأولى هي التي تقمع وتعذب وتسجن ولا تمنح هامشا من الحريات والنشاط السياسي، بينما "القبضة الأمنية الذكية" تسيطر على كل شيء، ولكنها في الوقت نفسه تسمح بهوامش إعلامية لانتقاد الحكومات، ولبعض أطراف المعارضة بالمشاركة في الانتخابات، وفقا للواقع القائم في العالم العربي.
بن جدو الذي يقدم برنامج "حوار مفتوح"، شدد على أن عهدا جديدا في الإعلام العربي بدأ مع انطلاق قناة الجزيرة عام 1996، لافتا إلى دخول المنطقة العربية في مرحلة سياسية جديدة عنوانها التسوية عقب حرب "عاصفة الصحراء"، ومؤتمر مدريد، وتوقيع اتفاقية أوسلو.
وفي الوقت الذي لا ينسى فيه بن جدو خلال مسيرته المهنية لحظة دخوله إلى قطاع غزة بعد أن منعته السلطات المصرية لمدة أسبوعين قضاهما في الانتظار، يؤكد أن الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو، والأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، من أبرز الشخصيات السياسية التي تركت انطباعا مؤثرا في نفسه بعد أن التقاها.
نص الحوار:
*تكريمك من قبل ملتقى الإعلاميين الشباب العرب الثالث، ماذا يعني لك على الصعيدين الشخصي والمهني؟
التكريم هو رسالة تشجيعية معنوية وأدبية أكثر منها شيئا آخر، فقد رأى المعنيون أن المكرمين قدموا شيئا ما إيجابيا خلال هذا العام يستحق التشجيع.
لكن أهمية الملتقى بحد ذاته تتجاوز مسألة التكريم وتقديم الجوائز، فهو وعاء للتواصل بين الإعلاميين أنفسهم، وبين الإعلاميين وزملائهم الشباب، وبين الشباب خصوصا، لا سيما أنهم قادمون من أكثر من بلد عربي. وربما من النادر أن تجد إعلاميين شبابا يلتقون بهذه الطريقة، لذلك أعتقد أن هذا التواصل هو المهم، لكونه يتجاوز قضية التكريم.
لكن تحميل الملتقى أكثر مما يحتمل قد يلحق به ضررا، إذ ليس متوقعا منه أن يصدر توصيات، ولا حتى مطلوبا منه إصدار توصيات أو تحديد برامج وأهداف كبرى، أما إذا اكتفى المشاركون بالتواصل وتبادل وجهات النظر والتجارب فهذا يجعل الملتقى يحقق أهدافه، وأكثر من ذلك ليس مطلوبا.
*في ظل محدودية فرص العمل المتاحة للإعلاميين الشباب العرب، برأيك، ما الذي يحتاجون إليه في ضوء التحديات التي تواجههم؟
الشباب بالمجمل، خصوصا إذا تحدثنا عن الإعلاميين، يعانون ازدواجية في الظلم، ازدواجية في البيئة التي ينتمون إليها أو ينحدرون منها أو ينشطون فيها، فالبيئات العربية إجمالا ليست رحبة ولا توفر مجالا واسعا للإعلاميين بشكل عام، ناهيك عن الشباب، لأن يطلقوا طاقاتهم وإبداعاتهم بشكل كبير، ودليل على ذلك أن عددا كبيرا من الإعلاميين لا تكتشفهم بلدانهم، ولكن عندما ينطلقون خارجها في فضائيات عربية أو في بعض الدول الغربية تكتشف أنهم طاقات وإبداعات وكفاءات هامة.
السؤال: هؤلاء من أين جاؤوا؟ هم لم يأتوا من المريخ أو من زحل أو من القمر، بل من رحم البلدان العربية، ورحم المعاناة والآلام العربية، فمنهم القادم من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق وغيرها، لكنهم عندما تجمعوا أوجدوا كفاءات ومادة إعلامية هامة عالميا، فالإعلام العربي الآن وصل إلى مستوى العالمية.
الظلم الآخر الذي يلحق بالإعلاميين الشباب أنهم لا يحظون بفرص جدية للعمل، فنحن نعاني من مشكلة "مغشوشة" في بلادنا العربية كما أعتقد اسمها "الخبرة"، بمعنى أنه لا يطلب الإعلامي للعمل إلا إذا امتلك الخبرة، وهذه الخبرة من أين سيحصل عليها، ألا يحتاج إلى نقطة صفر.
لذلك أعتقد أن على وسائل الإعلام، خصوصا الكبرى منها، التي أصبحت مدارس إعلامية بحدّ ذاتها بما فيها قناة الجزيرة والقنوات الأخرى أن تستقطب الإعلاميين الشباب وتستوعبهم، حتى إن كانت تعوزهم الخبرة؛ لأنه على الأقل في أحضان هذه القنوات والصحف العربية الكبرى أيضا يستطيعون التكيف مع مفردات ما تسمى المدرسة الإعلامية، لينطلقوا بها، وإذا استطاعوا من خلال عملهم أن يثبتوا جدارتهم وكفاءتهم يبقون فيها ليطوروا ويتطوروا، إما أن لم ينجحوا في اختبار العمل وإما لا، ولكل حادث حديث.
*في مسألة جدلية العلاقة بين الإعلام والسلطة، نلاحظ أن هناك وسائل إعلام ترتهن بالقرار السياسي، بينما نشهد طفرة إعلامية، ما هو تشخيصك لهذه المعادلة وما تتركه من ضعف عليها؟
وسائل الإعلام في معظمها تخضع دائما لصاحب قرار، وخلال العقود الأخيرة أصحاب القرار الوحيدون تقريبا هم السلطة والأنظمة، لذا كان الإعلام رسميا بنسبة 90 في المئة.
ومع ظهور بعض القنوات الفضائية، وإن كانت ممولة من قبل سلطات رسمية، التي أطلقت لنفسها عنان الحرية، وهامشا كبيرا للحديث بلا حدود، ضمن حوارات رحبة ومفتوحة، واتجاهات معاكسة في إطار من الرأي والرأي الآخر، ما استفز البعض إيجابيا وسلبيا، حتى إن صناع القرار أصبحوا يبادرون إلى إيجاد وسائل إعلام تنافس أو تضرب أو تعيق وسائل إعلام موجودة، وهم بذلك على الأقل أوجدوا مناخا من المنافسة الإعلامية، وهذا أمر جميل.
بيد أن صاحب القرار الذي نتحدث عنه ليس صاحب القرار السياسي أو السلطة، بل نتحدث عن صاحب رأسمال جديد بدأ يستثمر كثيرا في الإعلام، جزء منه للتجارة، وآخر للوصول من خلال الإعلام إلى السلطة، وهذا أيضا موجه، سواء في الإطار السياسي والاقتصادي والفني وغير ذلك.
باختصار شديد، وسائل الإعلام في بلادنا العربية، وتحديدا عند الحديث عن صاحب القرار، فهو ليس صاحب القرار السياسي والأمني فقط، وحتى صاحب القرار المالي الذي ارتبط بالسلطة بشكل غير مباشر لاحقا.
وفي كل الأحوال، إن الحديث عن استقلالية كافة وسائل الإعلام هو كلام مبالغ فيه، وبذلك نحمل هذه الوسائل أكثر من طاقتها، لكن ما يحصل من تنافس بين رجال السياسة والأنظمة ورجال المال والأحزاب وأصحاب العقائد يتيح لوسائل الإعلام هامشا من الحرية ضمن حدود معينة.
*شهدنا بعد حرب الخليج الثانية في تسعينيات القرن الماضي ظهورا قويا للفضائيات العربية، فهل مثلت هذه الحرب مفترقا فاصلًا لبروزها؟ وكيف شكلت معادلا لانطلاقة القنوات الإخبارية؟
بداية ينبغي القول إن الإعلام الغربي، خصوصا الأمريكي، قد سبقنا إلى هذا الأمر، ونحن كعرب اكتشفنا في حرب الخليج الثانية أو ما تعرف ب"عاصفة الصحراء" أن هناك فضائيات كبرى تخترق بيوتنا، في الوقت الذي كنا نعنى فيه بالإذاعات، لا سيما الأوروبية، التي اعتدنا على سماعها، ولم نكن نعتقد أو نفكر بأنها إذاعات تأتينا من الخارج وتخترق بيوتنا، إذ كنا نعتبرها من أهل الدار، وهذا أمر طبيعي.
ولكن خلال حرب "عاصفة الصحراء" اكتشفنا أن قنوات فضائية أخرى، لا سيما ال"سي أن أن" تتحكم في المعلومة وفي كل شيء، وهنا اكتشف أصحاب القرار أن هنالك إمكانية لإنشاء فضائيات عربية على غرارها، وأعتقد أن هذا أمر إيجابي.
صحيح أن الفضائيات العربية انطلقت بال"أم بي سي"، وكانت تجربة ناجحة ولا تزال، وبعد ذلك أصبح كل نظام عربي معنيا بإنشاء فضائية، عبرت في بدايتها عن الواقع الرسمي باعتبارها الوجه الآخر للقناة الرسمية، لكن بعدئذ دخل القطاع الخاص لمجال الإعلام من خلال قنوات "أوربت" و"أ. آر. تي"، وقناة الجزيرة.
وأعتقد أنه بدأ عهد جديد في الإعلام العربي عام 1996، حيث أصبحنا نتحدث عن مرحلة جديدة تؤرخ لعهد جديد في الإعلام العربي، الذي سيستمر لعقود قادمة.
*أتقصد أن العهد الجديد للإعلام العربي بدأ مع انطلاق قناة الجزيرة؟
أظن هكذا، نحن نتحدث عن أن الفضائيات العربية انطلقت بعد قناة "أم. بي. سي"، إلا أن الإعلام العربي بعقليته الجديدة وتأثيره الجديد انطلق مع قناة الجزيرة في العام 1996، وهذه التجربة لها ما لها، وعليها ما عليها، وهنا أتحدت كتوثيق تاريخي ومهني، ولا أقول إن الجزيرة جيدة أم لا، وهذا موضوع آخر.
*ألا تعتقد أن انطلاق القنوات الفضائية الإخبارية شكلت إحدى أدوات تعزيز الخلاف بين الدول العربية، وبالأخص دول الخليج العربي، وأنها جاءت حصيلة لخلافات بين دول عربية سعت لإيجاد منبر إعلامي لمناكفة الطرف الآخر؟
في بلادنا العربية كان هناك دائما تعتيم وصوت واحد، هو صوت السلطة والملتصق بها، وعندما انطلقت فضائية تحاول أن تتحدث بمدى أكثر من الشفافية، وأفسحت المجال أمام المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والنخب والشباب للحديث عن واقعهم السياسي الأليم والقمع وانعدام الحريات والإصلاح والانتخابات غير النزيهة، وعن أزمات اقتصادية ومآس اجتماعية وإنسانية، اعتبرت بعض الأنظمة العربية أن هذه القناة تريد أن تثير الخلافات، فيما هي حقيقة كانت تتحدث عما هو قائم في بعض البلدان العربية.
بلا شك، وبطبيعة الحال، نحن نتحدث في تلك المرحلة عن دخول الوطن العربي في عهد جديد ما بعد حرب "عاصفة الصحراء"، ومن ثم جاء مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، الأمر الذي يعني الدخول في مرحلة سياسية جديدة في البلاد العربية عنوانها التسوية التي هي ليس مجرد قرار أو توقيع وثيقة، بل تعني عقلية كاملة، وإعلاما وسياسة وثقافة وأدبا كاملا موجودا.
فعندما دخلنا في تلك المرحلة وجاء انطلاق قناة الجزيرة والفضائيات الإخبارية التي تشير إليها، تحدثت عن هذا الواقع في البلاد العربية، ما حدا بالبعض إلى اعتبارها تثير الخلافات، والسؤال هو بين من ومن تثير الخلافات، بين قطر والسعودية، وبين السعودية والبحرين، أم بين تونس والمغرب؟ هل قامت هذه القنوات الإخبارية بافتعال المشاكل بين الدول أم أنها قالت إن هنالك مشاكل وخلافات؟، وأنا أعتقد أن هذه الحجج بالية وتقليدية من قبل بعض الحكومات والمرتبطين بها.
ولكن على كل حال، إذا كنت تشير إلى أن كل دولة تريد إنشاء قناة، أقول بكل صراحة إنه لا يوجد لدي مشكلة في إنشاء كل نظام عربي قناة إخبارية حرة، فلتتحدث عن كل البلاد العربية ما عدا دولتها، فالشعب العربي سيستفيد، والإعلاميون والنخب كذلك، من مناخ المنافسة.
*من وجهة نظرك، ما أحوج ما يكون إليه الإعلامي العربي ليتحرر من عقلية الخوف من السلطات الرسمية وأجهزتها؟
هو ما الذي يمكن أن يفعله الإنسان والمواطن العربي حتى يخرج من عقلية الخوف؛ لأن القضية لا ترتبط فقط بالإعلامي والصحافي الذي هو من أكثر الأشخاص الذين يمتلكون الشجاعة بحكم أنهم إعلاميون لديهم على الأقل اللسان والقلم الذي يمكن أن يفضح، لكن المواطن العربي ما الذي يمكن أن يفعله ليخرج من حالة الخوف والرهبة والهلع الدائم؟.
بكل صراحة إن هامش الحريات اتسع في العديد من البلدان العربية، لكن في الوقت نفسه لا تزال القبضة الأمنية قوية أيضا، فهنالك قبضة أمنية حديدية "غبية" وقبضة أمنية حديدية "ذكية"، أما الأولى فهي التي تقمع وتعذب وتسجن ولا تمنح هامشا معينا من الحريات والنشاط السياسي والانتخابات، وهذه آلة أمنية حديدية "غبية" جدا، بينما "القبضة الأمنية الذكية" فهي تسيطر على كل شيء، على المنافذ والمفاصل التجارية والصناعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وحتى الثقافية، لكنها في الوقت نفسه تسمح ببعض الهوامش الإعلامية من خلال الإعلام الخاص الذي يمكن أن يتحدث وينتقد الحكومات، ولبعض أطراف المعارضة بالمشاركة في الانتخابات، وهذا هو الواقع القائم في العالم العربي.
أما بالنسبة لكيفية خروج المواطن العربي من حالة الخوف، فهذه مسؤولية مطروحة على الجميع، لكونها منوطة بالمواطن نفسه، والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام.
*على الصعيد المهني، وتحديدا مع عملك في قناة الجزيرة بمناطق البؤر الساخنة، ماذا شكلت لك هذه التجربة كإعلامي من المغرب العربي؟
أنا حَظِّي كبير أنني انتميت إلى قناة الجزيرة التي دشنت عهدا جديدا في الإعلام العربي، وأقول إن حظي وشرفي كبير أنني كنت من بين من دشنوا هذا العهد، فقناة الجزيرة منحتنا مجالا رحبا من الحرية، وأعطتني مواقع لأكون مراسلا في الميدان، ولأقدم برامج، وهذه التجربة أفادتني بشكل كبير.
وبالطبع العلاقة جدلية بين القناة وإعلامييها، فالقناة الكبرى تحتاج إلى إعلاميين كبار، والإعلاميون يحتاجون لقنوات كبرى حتى يصبحوا كبارا؛ لأن القناة الكبرى باسمها لا تستطيع التخلي عن الإعلاميين الأكفاء بشكل عام، ولا أتحدث هنا عن نفسي، ففي نهاية الأمر ليس الاسم هو المهم فقط، فهذه القناة أو الصحيفة إن لم يكن لديها إعلاميون وكتاب كبار ستصل إلى مرحلة "التكلس"، والإعلاميون أيّاً كان كبارهم ومستواهم وإبداعاتهم وكفاءاتهم ونباغتهم وثقافتهم إن لم تسمح لهم الظروف بأن يكونوا في وسائل إعلام محترمة وكبيرة ذات إشعاع فسيبقون في محيط معزول.
أعتقد أن تجربتي مع قناة الجزيرة حتى الآن ثرية وغنية، لا سيما أنني عملت في نقاط وميادين ساخنة، سواء في أماكن النزاعات والحروب، وحتى في أوقات السلم.
ويكفيني القول إن برنامج "حوار مفتوح" الذي أقدمه أعدت عنه ثلاث أطروحات ماجستير ودكتوراة، اثنتان في البلاد العربية، وواحدة في اليابان، ما يعني أن الإعلام أصبح موضع اهتمام الناس، ناهيك عما أعدّ عن قناة الجزيرة وبرامج أخرى تبثها.
ونحن من خلال قناة الجزيرة أصبحنا معروفين من أمريكا إلى كوريا الجنوبية، فقد حصلت على جوائز من واشنطن لكوريا الجنوبية، والفضل في هذا يعود لقناة الجزيرة بالنسبة لي ولزملائي.
*ما هو أكثر موقف ترك أثرا لديك كإعلامي وإنسان خلال عملك في مناطق البؤر الساخنة؟
ليست بالضرورة أن تبقى أحداث النزاعات والحروب راسخة في ذهن الإعلامي، ولكن من الممكن أن تبقى أحداث ومحطات مهمة في أوقات السلم راسخة لديه.
وفي حياتي الصحفية غير المرئية، لا زلت أتذكر حدث انتخاب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي الذي شكل مفاجأة كبرى وزلزالا كبيرا في إيران، لا سيما أن أحدا لم يتوقع فوزه، ووقتها كنت أعمل في صحيفة الحياة وقناة "بي. بي. سي"، وكنت قبل خمسة أشهر من الانتخابات أجزم بأن الرجل هو رئيس إيران المقبل، رغم أن الكثير كان يؤكد فوز المرشح المحافظ آنذاك الشيخ علي أكبر ناطق نوري، ولكن عندما فاز الرئيس خاتمي اعتبرت صحيفة الحياة أنها حققت سبقا مهما، حتى إن قناة ال"بي. بي. سي" كانت مسرورة جدا من هذا الأمر، ناهيك عن الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية، وهذا العمل كان وقت السلم.
لكن إذا أردت عن مناطق النزاعات، أقول إن من أكثر اللحظات تأثيرا في حياتي المهنية هي لحظة دخولي إلى قطاع غزة، بعد أن منعتني السلطات المصرية من دخوله لمدة أسبوعين، ومن ثم غادرت القاهرة إلى بيروت، وبعدها بأسبوعين قمت ببث حلقتين "أنا في غزة" مع المقاتلين ببزاتهم العسكرية والأسلحة، وعن قصة الحرب والحدود والخنادق.
المهم أنني دخلت بطريقة ما إلى غزة وخرجت منها، من دون أن يعلم أحد كيف تم ذلك، سوى زميلي المصورين الشجاعين اللذين رافقاني، وهما: "إيلي بخيا وعصام مواسي".
وبالطبع إن هذه الرحلة كانت من أهم رحلات العمر، ولا سيما منها رحلة العودة لما أحاق بها من مخاطر استثنائية، وعلى كل حال أنا لم أتحدث عن رحلة غزة ولا أريد في الوقت الراهن، ولكن ربما في وقت لاحق نتحدث عن كثير من تفاصيلها.
وفيما يتعلق بحرب تموز، فمجرياتها كافة بدون استثناء كانت يوميا تحمل شيئا جديدا، ومن اللحظات التي لا أنساها في هذه الحرب أنني اضطررت تحت القصف الجوي لدخول ضاحية بيروت الجنوبية على متن دراجة نارية؛ لأنقل للناس ما يحصل، وعملي هذا كان بالمقياس العادي جنونيا.
كما أن البعض اعتبر المقابلة التي أجريتها خلال حرب تموز مع الأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله، إنجازا مهنيا كبيرا، لكنني أعتبرها سبقا مهما.
أعتقد أن كل الأيام في هذه الحرب تستحق أن توثق وتؤرخ، وهنا لا بدّ أن أحيي زملائي الإعلاميين في قناة الجزيرة بشكل خاص، وفي وسائل الإعلام الأخرى، لما قدموه من عمل كبير خلال حرب تموز.
*قابلت صناع قرار وشخصيات سياسية عدة، ولكن من الشخصية التي تركت أثرا في نفسك؟
شخصيات عديدة من أبرزها الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو الذي ترك انطباعا مؤثرا جدا لدي، لا سيما أنني قابلته في مكتبه الخاص، واكتشفت تواضع الرجل وكيف يعيش في بيته، وكذلك السيد حسن نصرالله بلا شك.
ومن أهم الشخصيات السياسية التي أجريت معها مقابلات الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان؛ لأنني من أوائل الذين حاوروه قبل أن يصبح بهذه القوة والشهرة التي هو عليها الآن.
*على الصعيد المهني، هل من قدوة إعلامية أثرت في شخصيتك؟
كل زميلة وزميل يقدم عملا إيجابيا وكبيرا أستفيد منه سواء في السابق أو الآن، أعتبره قدوة ونموذجا لي في لحظتها، ولكن لا يوجد الشخص القدوة.
*من أقوالك أن القلم يبقى الملك المتوج بامتياز، ماذا تقصد؟ وما الذي يعنيه القلم لك؟
علّقت على جزم سمعته بأن الصحافة المكتوبة في تردٍّ وانحدار لحساب وسائل الإعلام الأخرى، واقعيا هذا الأمر صحيح، بمعنى آخر إن الإعلام المرئي أصبح أكثر تأثيرا وانتشارا، والدليل على ذلك أن صحفيا يعمل في قناة تلفزيونية، حتى لو كان من الدرجة الرابعة، يصبح معروفا لدى الناس بشكل أكثر من كبار الصحافيين، وأهم منهم بمسافات ضوئية، وهذا ظلم بحق الزملاء الصحافيين وكبار الكتاب في الصحافة المكتوبة.
ما أود قوله إنه مهما بلغ شأن الإعلام المرئي والمسموع يبقى القلم والكتاب والصحيفة، الملك المتوج بامتياز، فقبل سنوات قرأت كتابا ل"بيل غيتس" يوضح فيه أهمية الإنترنت ومايكروسوفت وتجربته في هذا المجال، وكيف أن المستقبل كله للشبكة العنكبوتية، ولكن عندما أغلقت الكتاب تساءلت، إذا كان هذا الأمر صحيحا، فلماذا يؤلف كتابا قد يقرأه الآلاف؟ مما يدلل على أهمية الشيء المكتوب رغم انتشار الإنترنت، وأنا لا أزال أعشق القلم بشكل كبير.
الثلاثاء, 14 كانون الأول 2010
السبيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.