تعاملت السّلطة التونسيّة على مدار أكثر من أسبوع بشيء من التعتيم مع ردّة فعل الشارع التّونسي حول ظاهرة البطالة وحالة التهميش والتي كانت شرارتها الأولى إقدام شاب من حاملي الشهادات العليا على إحراق نفسه بعد أن صادرت أجهزة الأمن بضاعته التي كان يكتسب منها قوت يومه عندما حالت كلّ الأبواب الموصدة أمامه من تمكينه من عمل قار يحفظ له كرامته بعد قضاء أكثر من عقد ونصف على مقاعد الدّراسة ، غير أنّ الجماهير المدفوعة بالقهر والظّلم والحرمان استطاعت أن تكسّر حاجز الآمبالات متجاوزة بذلك القبضة الأمنيّة الحديديّة ، وتصعيد حركة الإحتجاج لتطال أغلب مدن القطر التّونسي تحت عدد من الشعارات كان من أهمّها : ياعصابة السرّاق التشغيل استحقاق شغل حريّة كرامة وطنيّة تونس تونس حرّة حرّة الطرابلسيّة على برّة لا لا للإستبداد ياحكومة الفساد يا حكومة عار عار الأسعار شعلت نار وهو ما يبرز حالة الإحتقان لدى الجماهير الشّعبيّة نتيجة حالة الفساد التي لم تعد تخفى على أحد . وأمام تعدّد حركة الإحتجاج واتساعها سارعت السّلطة التونسيّة كعادتها للبحث عن مخرج لهذه الأزمة بما يحفظ لها ماء الوجه ، فأشارت في البدايةإلى أنّ هناك أطرافا معادية للسلم والوئام المدني قد ساهمت في إشعال نار الفتنة وتشويه سمعة البلاد ، غير أنّ الكمّ الهائل من الصّور للأحداث والتي كانت تصل قناة الجزيرة تباعا ليتمّ بثّها لاحقا عبر الشّاشة دفع السّلطة وأحزاب الموالاة لشنّ هجوم عنيف على القناة واتهامها بالتآمر على حالة السلم المدني في تونس . ثمّ جاءت كلمة الرئيس بن علي والتي تمّ بثّها مساء الثلاثاء على القنوات التلفزيّة والإذاعيّة لتعكس بوضوح حالة التخبّط والإضطراب التي تعيشها السّلطة حيث اعتبر أنّ ما اتخذته الأحداث من أبعاد كان مبالغ فيها بسبب الإستغلال السيّاسي لبعض الأطراف الذين كما قال لايريدون الخير للبلاد ويلجؤون إلى بعض القنوات الأجنبيّة لبثّ الأكاذيب والمغالطات دون تحرّ بل باعتماد التهويل والتحريض والتجنّي الإعلامي العدائي لتونس ، ويضيف قائلا بأنّ الأحداث التي شهدتها البلاد كان وراءها أقليّة من المتطرفين والمحرّضين المأجورين ، وهو ما يدعوا إلى تطبيق القانون عليهم بكل حزم . غير أنّ تسارع مجريات الأحداث لتطال القطر التونسي من شماله إلى جنوبه بمشاركة كلّ أطياف المجتمع المختلفة من سياسيين وطلبة وفلاحين ومحامين ونشطاء حقوقيين وربّات بيوت قد عرّت رواية السّلطة القائلة بأنّ منطلق الأحداث كان حالة اجتماعيّة معزولة وكشفت عن خطاب أجوف يكرّر نفس العبارات التي لا ترمز سوى للتعنّت والعنجهيّة في التعامل مع الواقع .