تونس رشيد خشانة:قوضت تقييدات جديدة قررتها وزارة الداخلية والهجرة الفرنسية للحد من منح التأشيرات للمواطنين المغاربيين، وخاصة الجزائريين، خطوات التقارب الخفرة التي تكرست بين باريس والجزائر في الفترة الأخيرة، ما حمل المراقبين على توقع عودة التوتر بين العاصمتين إلى نقطة الصفر.وكانت الجزائروفرنسا اتفقتا على عقد اجتماع للجنة القنصلية المشتركة في مطلع العام الجاري، في سياق التحسن المسجل في العلاقات الثنائية، إلا أن "الحركة الإستباقية" التي قام بها الوزير الفرنسي اليميني بريس هورتوفو اعتُبرت إجهاضا للإجتماع المقرر. وقالت مصادر جزائرية ل إن هورتوفو المعروف بمناهضته للمهاجرين أوصى ب''التشدد'' في منح التأشيرة لرعايا دول المغرب العربي حتى لا تتحول ''التأشيرة قصيرة المدة إلى جواز سفر'' يعبر به المهاجرون من دون وثائق إقامة على حد تعبيره. وتواصل التضييق مجددا بفرض شروط اعتبرها الجزائريون ''مهينة'' على رجال الأعمال والتجار الجزائريين الذين طُلب منهم تقديم شهادة حسن السلوك تفيد الالتزام بعدم الإقامة أو العلاج في فرنسا للحصول على التأشيرة. ويخشى مراقبون أن تؤدي الإجراءات الجديدة إلى بناء جدار يحول دون تنقل الجزائريين باتجاه فرنسا، ما يعني إثارة أزمة جديدة في العلاقات بين البلدين. وكان الجزائريون ينتظرون استخلاص النتائج من التحقيق الذي قامت به منظمة ''سيماد'' المتخصصة بمساعدة المهاجرين، بخصوص تحديد أوجه سوء المعاملة ومعرفة أسباب رفض منح التأشيرة لطالبيها من الجزائريين في القنصليات الفرنسية في كل من عنابة ووهران والعاصمة الجزائر، وينتظرون من الأجهزة القنصلية الفرنسية تصحيح النقائص التي جاءت في الدراسة. انتكاس التقارب الإقتصادي تأتي هذه الإجراءات الفرنسية الجديدة غداة عودة الدفء للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهو ما يعني أن السرعة التي تريدها حكومة ساركوزي في معالجة ملف التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي، لن تتحقق، بل على العكس. فقد تفقد باريس فرصها في الفوز بحصة من الصفقات المقررة في الخطة الخماسية المقبلة في الجزائر والمقدرة ب300 مليار دولار.ولا يمكن فهم الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الداخلية والهجرة الفرنسية، في مسألة منح التأشيرة للجزائريين، سوى من باب أن باريس لم تحصل على ما أرادته بشأن مستقبل مصالحها الاقتصادية، بعد زيارة رئيس الحكومة الأسبق بيار رفاران إلى الجزائر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وبالتالي ردت وزارة داخليتها، في الشهر الماضي، بفرض قيود جديدة على تنقل الجزائريين، في محاولة للحصول على تنازلات لفائدة الشركات الفرنسية العاملة بالجزائر، على غرار شركة ''رونو'' التي اشترطت توقيف استيراد السيارات من الخارج لقاء إقامة مصنعها بالجزائر. لكن، مع ذلك يبقى من الصعب على الجزائريين ''تفهم'' هذه الإجراءات الجديدة بشأن التأشيرة. وذهب ىخرون إلى أن اللوبي المعادي للجزائر يريد نسف الخطوة المحققة في التقارب بين البلدين المسجلة في الأشهر الأخيرة، خاصة أن وزير الداخلية هورتوفو المعروف بمعاداته للأجانب يريد اللعب في ساحة اليمين المتطرف لكسب أصواته تحسبا لرئاسيات 2012، ولن يتحقق له ذلك من دون طرد أكبر قدر من المهاجرين من فرنسا والسماح بدخول أقل عدد ممكن من الأجانب إليها. كما اعتُبر تصدّر الجزائر قائمة دول العالم في عدد التأشيرات المرفوضة للجزائريين بوصفه "محاولة من قصر الإليزي لكسب معركته مع اليمين المتطرف على ظهور الرعايا الجزائريين". الخارجية تنتظر ''تفسيرات رسمية'' ورجحت وزارة الخارجية الجزائرية فشل المفاوضات المقررة حول ''التعاون القنصلي'' بين الجزائر وباريس، في حال التأكد، بموجب مراسلات رسمية فرنسية مرتقبة، من اتخاذ باريس للإجراءات القنصلية الجديدة إزاء التجار ورجال الأعمال. وأفاد مصدر حكومي أن "وزارة الخارجية ستوجه مراسلة للحكومة الفرنسية حول مدى صحة ما نقل عن وزارة الهجرة الفرنسية". ولفتت المصادر أن "الجزائر لاحظت منذ فترة توجها فرنسيا على الصعيد القنصلي قد لا يخدم بالمرة أية محادثات يجري الإعداد لها بين الدولتين بخصوص ملف تنقل الأشخاص". وتأتي توضيحات المصدر في سياق معطيات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، عن مصدر وصفته بالمقرب من وزارة الشؤون الخارجية، يشير فيها إلى أن الوزارة "لم تعلم ولم تستشر" في شأن الموضوع المتعلق بالإجراء الجديد. وقال نفس المصدر إن هذا الإجراء "يحكم مسبقا على نتيجة المحادثات القنصلية التي ستبدأ في المستقبل القريب".