دمشق(سوريا)ختم هيثم المالح كلماته باللقاء الذي أجرته معه السيدة سهير الاتاسي بالقول : "الله يرضى عن ابني إياس، فقد قام بعمل عظيم .. الله يرضى عليه". هذه الكلمات كان لها بالغ الأثر في نفسي، وموضع اعتزازي ليس لأنها صدرت عن أبي وهو يترضى على ابنه الذي هو أحوج ما يكون إلى هذا الرضا تقرباً إلى الله سبحانه ، ووفاء وعرفانا من الإبن لأبيه بالرضى عنه، مع أنني لم أقم بواجبي كما ينبغي تجاهه لما يقدمه هذا الأب العظيم لي وأسرتي وعائلتي وأقربائي، فهو الأب المثالي وهو الزوج المحبوب وهو الصديق المحترم. ولكن لأنّي أسمعها من هذا الرمز السوري الكبير، الذي أجمعت كل الأوساط على إكباره والإقتداء به، وجعله رمزاً من رموز الوطن الذين يعتز بهم شعبنا ، لينضوي تحت لائحة عظماء سوريا الوطنيين الذي ضحوا بالغالي والنفيس من أجل سوريا. معروف الدواليبي يُذكرني عناد أبي وتصميمه الكبير وقناعته وثقته بموعد انعتاق سوريا مما هي فيه من الظلم، ومحاولة التوجه إلى الحرية، بالمناضل الوطني الشهير معروف الدواليبي، الثابت على الحقوق والشرعية وهو يُشكل حكومة التحدّي بأمر من الرئيس هاشم الأتاسي الأكثر صلابة منه، والتي رفض فيها ربط الشرطة بالجيش الخاضع لسلطة مجموعة الضباط الذي يترأسهم الشيشكلي، بل بوزارة الداخلية التابعة للحكومة. وكذلك احتفظ هو بحقيبة الدفاع ورفض تسليمها للعسكر، وأيده عليها الآتاسي، مما اعتبرها الشيشكلي كإهانة متعمدة أدت إلى الانقلاب عليه وسجن الدواليبي الذي رفض التنازل عن رئاسة الوزارة الشرعة ولم يخرج من السجن إلا بعد خمسة أشهر. واعتبر انقلاب الشيشكلي العسكري غير شرعي ولم يتنازل عن الرئاسة إلا على إثر الانقلاب على الشيشكلي في شباط 1954 وعودة الرئيس الشرعي هاشم الأتاسي ليُسلمه حينها استقالة حكومته.
أب الوطن وكذلك الحال مع أبي المُحتفظ بكل الثوابت. بل أب الوطن بأكمله هذه الأيام، الرافض لأي تنازل عن الحقوق. وهو غير مُقر بهذه السلطة الغاشمة ولا بقوانينها ولا بإجرامها وتعسفها. وهو يدعو الجماهير للتهيئ والتخلص من هذا النظام والاستعداد لدفع الأثمان للتخلص من هذا الكابوس. وهو من يتقدم الصفوف رغم بلوغه الثمانين - وهو يُنكر هذا السن بل يعتبر نفسه ابن الأربعين- تدليلاً على أن المحنة لم تزده إلا ثباتاً وعزيمة وإيمانا وثقة بانتصار شعبنا على جلاده. ولن يتقاعد هو عن نصرة شعبه وقضاياه مادام فيه حياة وعرق ينبض ولكنه وعد بالتقاعد بعد موته. وأنا لا أظن حتّى بهذه لأنّ روحه ستبقى حاضرة ومُحفزّة على الحقوق والاستلهام الثوري، والشعب بكل فئاته سيردد ما قاله أبو الأحرار هيثم المالح " لمّا اعتقلوني – بعمره الثمانيني – واعتقالهم لطفلة مثل طل الملوحي وحكمهم عليها بخمس سنين، يؤكد أن النظام سقط خُلقياً وهو بالأساس ساقط تشريعياً، فهو لا يفهم بحقوق الإنسان ولا بالإنسان ، وسوريا تُحكم بالأوامر والتعليمات وليس بالقانون، وأنا اعتقلت بسبب رأي ومقالات منشورة".
طل الملوحي وأخريات وأبي لايختلف كثيراً عن أحرار سوريا المماثلين له في الوطنية والثبات على الحق، ومنهم قادة إعلان دمشق، وعلى رأسهم المناضلة الكبيرة فداء الحوراني وسهير الأتاسي اللتان أذكرهما بالحديد لأنهما مفخرة سوريا في مقامة الطغيان، ولأنهما يُمثلان العنصر النسائي الذي نُعول عليه كثيراً في ثورتنا الشعبية. كما رأينا العنصر النسائي في كل من تونس ومصر وليبيا في إسقاط هذه الأنظمة القمعية البوليسية المجرمة. والمثل الأكبر على ذلك الشابة الصبية طل في مقارعتها لتكميم الأفواه، فلم تأبه لطاغية حقير مما أثارت تعاطف الكثير من الفتيات الشابّات المُعول عليهن الوقوف إلى جانب زملائهن الشباب عند انطلاق الثورة الشعبية المُباركة بإذن الله في سورية يوم 15 مارس، وكما قال أبي وأبو الأحرار السوريين ، نقلاً عن سيد المرسلين " ( أشَدُّ النَّاسِ بَلاءًا الأنبِياء ثمّ الأمْثَلُ فَالأمثَلْ ).
أسير على ضفاف قبري والجدير بالذكر أن المناضل هيثم المالح قد أُعتقل سبعة أعوام في الثمانيات لنشاطه الحقوقي والنقابي ، وحكم عليه بثلاث سنوات لمجرد إبداءه الرأي في مقالاته المنشورة قضى منها سنة ونصف في السجن ومعظمها كان نومه على الأرض وبلا عناية ولا اهتمام. وصل في إحدى مرضاته إلى درجة الموت دون مُراعاة لسنه أو لأي ظرف إنساني -لأن مثل هذه الظروف تُعطى للمرتشين ولا تُعطى للأحرار- ولسان حاله يقول "ولست أبالي حينما أُقتل شهيداً على أي جنب كان في الله مصرعي" فيقول : "إنني أسير على ضفاف قبري، ولا اعرف متى سأسقط فيه". اذاعة هولندا العالمية/ كتب إياس المالح تاريخ النشر : 14 March 2011 - 11:37am