لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    تونس تعمل على جمع شمل أمّ تونسية بطفلها الفلسطيني    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    الليغ 2: علي العابدي يرفع عداده .. ويساهم في إنتصار فريقه    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    جندوبة : تطور أشغال جسر التواصل بين هذه الولايات    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    يهم التونسيين : اليوم.. لحوم الأبقار الموردة موجودة في هذه الاماكن    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    محاكمة موظفين سابقين بإدارة الملكية العقارية دلسوا رسوم عقارية تابعة للدولة وفرطوا في ملكيتها لرجال أعمال !!    مبعوث ليبي ينقل رسالة خطية إلى الملك محمد السادس    حزب الله يعلن استهداف موقع إسرائيلي بعشرات الصواريخ..#خبر_عاجل    أمام وزارة التربية: معلمون نواب يحتجون حاليا ويطالبون بالتسوية العاجلة لوضعيتهم.    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    عاجل : منع بث حلقة للحقائق الاربعة ''فيقوا يا أولياء    نموذج أوروبي: الأمطار متواصلة في تونس الى غاية الأسبوع القادم    تجاوزت قيمتها 500 ألف دينار: حجز كميات من السجائر المهربة برمادة..    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الاقتصاد في العالم    القطاع الصناعي في تونس .. تحديات .. ورهانات    تنبيه: تسجيل اضطراب في توزيع مياه الشرب بعدد من مناطق هذه الولاية..    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    مشاركة تونس في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي .. تأكيد دولي على دعم تونس في عديد المجالات    بورصة تونس: بورصة تونس تبدأ الأسبوع على ارتفاع مؤشر «توننداكس»    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    عاجل/إصابة 17 شخصا بجروح في حادث انقلاب حافلة لنقل المسافرين في الجزائر..    لن تصدق.. تطبيق يحتوي غضب النساء!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    جربة: جمعية لينا بن مهني تطالب بفتح تحقيق في الحريق الذي نشب بحافلة المكتبة    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    مهرجان هوليوود للفيلم العربي: الفيلم التونسي 'إلى ابني' لظافر العابدين يتوج بجائزتين    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قبل أن ينفذ الحوار!!!: د. أكرم حجازي
نشر في الفجر نيوز يوم 18 - 03 - 2011

ليست النظم العربية ديكتاتورية بالمعنى التقليدي الذي عرفناه لدى نظم أخرى في العالم. ففي كثير من التجارب تبيَّن أن هناك نظم ديكتاتورية ذات طموح سياسي، ومشروع نهضة، ولو بوسائل قسرية واستبدادية. لكن النظم العربية امتازت على الدوام بنزعة التملك الشامل للدولة والمجتمع والأمة إلى حد الربط المصيري بينها وبين الحاكم. فالدولة .. المجتمع .. الأمة .. باقية ما بقي الحاكم .. وآمنة ما أمن الحاكم. فإذا زال أو شعر بالتهديد كان على الآخرين أن يزولوا، أو يدفعوا الثمن معه، أضعافا مضاعفة!!! طبقا لمعادلة « أنا ومن بعدي الطوفان» .. معادلة قائمة وشائعة منذ زمن بعيد عبر عبارات نسمعها في أغلب البلدان من نوع: « أخذناها بالسيف! فمن عنده زود فليتفضل»!!! أو « جئنا إليها صحراء خربة .. ونخرج منها كذلك»!!!
ميزة الدول العربية بالذات أنها الأضعف في العالم، والأحط مكانة بين الأمم، والأشد استباحة للحرمات والكرامات والأنفس. فما من دولة عربية، مهما بلغت من القوة، المادية والمعنوية، قادرة على حماية نفسها من أي تهديد داخلي أو خارجي. وما من نظام سياسي عربي إلا ويتعامل مع شعبه وكأنه لحظة من الرفاهية المسخَّرة لاستمتاع السلطة وتلبية احتياجاتها. وما من نظام إلا حارب الدين وأهله أو سخره لطغيانه أو صادر الحقوق والحريات أو رهن البلاد والعباد لألد الأعداء أو استولى على المال العام والخاص وصادر الثروات واستحوذ على الموارد وأخرجها من البلاد ليودعها في حسابات سرية أو علنية أو بنى بها القصور وأقام الشركات واشتري العقارات وخاض كل مخاض.
سبحان الله!! كل الدولة آمنة إلا دولة الحاكم .. وكل الشعوب مثقفة ورقيقة إلا شعب الحاكم، مهلوس وحشاش .. وكل أهل الأوثان والأديان كِرام إلا أهل الإسلام فإرهابيون أوباش .. وكل القوانين واجبة الاحترام إلا بلاد الحاكم فهي بلا قوانين .. وكل الحقوق مهدورة إلا حقوق الحاكم فمصانة .. وكل الحريات، العامة والخاصة، متاحة للحاكم إلا الشعب فليس له حتى من الحريات الخاصة نصيب .. كل البلاد والعباد مشاع للحاكم ..
لما لا يبقى للحاكم ما يحكمه فإننا نكون ضحية الطغيان .. لكنه طغيان ما بعده ولا مثله طغيان .. سواء في السياسة أو الإدارة أو الأمن أو الاجتماع أو الاقتصاد أو الثقافة أو العلم ... ولعل أطرف ما في النظم العربية أن أغلبها تحولت إلى أسر وعائلات حاكمة بقطع النظر عن طبيعة النظام أكان ملكيا أو جمهوريا أو سلطانيا أو أميريا. وأعجب ما في الدول العربية أنها صارت تنسب إلى حكامها أو تُعرف بهم!!! فليبيا المختار صارت ليبيا القذافي وأبناؤه ومرتزقته، وسوريا الشام صارت سوريا الأسد وابنه، ومصر الكنانة صارت مصر مبارك وعائلته وعصابتهما، وبغداد الرشيد صارت بغداد الروافض واللصوص .. ويمن الحكمة صارت يمن الشاويش علي عبد الله صالح وإخوته وأبنائهم وأحفادهم، وأرض الحرمين صارت أرض السعوديين، وتونس ابن خلدون صارت تونس بورقيبة وزين العابدين، وبلد المليون شهيد صارت بلد بوتفليقة وعصابة العسكر المتفرنسة .. ومراكش غدت مغرب الخامس والسادس ... والقائمة تطول.
كل واحد من الحكام العرب استأثر بعشرات الألقاب والكنى التي تمجده وتجعل منه نابغة العصر والزمان، والذي بدون توجيهاته السديدة وحكوماته الرشيدة وفطنته وحكمته وشجاعته وحزمه وعطفه ولطفه وأعطياته ما كان للأمة أن تأكل أو تشبع أو تعيش أو تأمن على نفسها أو تتعلم أو تكتشف محيطها أو تنهض أو تتقدم أو حتى توجد على سطح الأرض.
استقرار البلاد بالنسبة للحكام يعني فقط استقرار النظام، ودوام الحال، وحسن المآل، وفرح البال. وطالما ظل النظام مستقرا فالناس يتنعمون بنعمة الأمن والأمان، حتى لو امتلأت السجون بالمظالم، وشاعت الفحشاء، وانتشر الفساد في البر والبحر، وبيعت الأوطان .. فدون ذلك، ولو بالأنين، الفتن والخراب والدمار والخروج عن الطاعة والتسبب بسفك الدماء البريئة، مع أنه ما من نظام نشأ أو استمر إلا وسط بحر من الدماء، وانتهاك للحريات، واستباحة للأعراض، وقهر للعباد.
الحاكم معصوم، لا يُسأل عما يفعل، والكل مسؤول!!! حتى لو أتى بالكبائر، ووقع في المحارم، وقتل من قتل، وظلم من ظلم، وسلب من سلب، وقال ما قال، وفعل ما فعل .. وحتى لو خرج من الملة .. أو كان من خارج الملة .. ومن الغزاة بعينهم .. لا بأس!! فكرامته مصانة حتى لو أهدر كرامة أمة، وولايته شرعية حتى لو نقضها ألف ناقض، ولسانه صادق حتى لو استمرأ الكذب، والاحتفال به واجب .. والنصيحة العلنية له محرمة .. والسرية تطاول ومس في الهيبة .. والاحتجاج على الظلم والجور والفساد وخراب البلاد والعباد وانتهاك حرمات الله فمحرم .. أما التخريب والبلطجة وسفك الدماء والقمع فمن حق الحاكم .. لكن التظاهر السلمي يستوجب قطع الأصابع!!! أو، بالمرة، سحق الجماجم!!! ومن لم يعحبه؛ فإعلان الحرب على الأمة، وسحقها بالدبابات والطائرات وراجمات الصواريخ والبوارج الحربية، واتهامها بالهلوسة والتحشيش .. أو المندسة على الحاكم!!!
لما حان مصيره تبين أن الحاكم لا يستحي .. حتى لو تعرض لطوفان من الإهانات .. وحتى لو انكشف كل ستر فيه .. وحتى لو استنفذت اللغة كل مفردات السباب والشتائم والسخرية بحقه .. وحتى لو صار سيمفونية ساخرة تتغنى بها الأمم والشعوب في كل شبر وبيت ودار وزنجة .. لا يستحي حتى لو قال له كل فرد من شعبه: إرحل .. إرحل .. لا يستحي حتى لو صار مضربا للأحذية من كل حدب وصوب!!! تُرى: من أي طينة أخلاقية خلق هؤلاء الحكام كي يحتملوا كل هذا البغض والكره والتحقير حتى من قبل من هم أشد منهم وضاعة؟ ولأجل ماذا؟ وأي كرامة بقيت لحاكم يقول له شعبه: اتفووو عليك؟!!! لا شيء. فلو كان يستحق الاحترام سابقا لما كانت نهايته مذلة على هذا النحو. لذا فالسؤال المطروح: ماذا فعل خلال ولايته حتى يستحق هذه النهاية المخزية؟
سقط الحاكم!!! لكن قبل إحالته إلى سيرة كان يا ما كان في قديم الزمان !!! بدأت الدفاتر تكشف في الأحرف الأولى من صفحاتها عن كوارث ومصائب كانت قبل قليل، عند الحواشي الفاسدة والمفسدة، مجرد إشاعات مغرضة من مندسين ومهلوسين وفوضويين ومخربين خرجوا على ولي الأمر بغير حق!!! ولي أمر لم يكن في يوم ما ليحترم دين، أو خلق، أو قيمة، أو يفكر بحلال يحفظ له نهاية كريمة، أو بحرام قد يخلع عنه، في يوم ما، كل فضيلة .. ولم يكن أمثال هؤلاء المرقعون للظلم أكثر من خِرَقٍ نجسة لم تعرف طهارة ولا عفة.
أي مصداقية يتمتع بها الحكام العرب؟ وأية ثقة أبقاها هؤلاء للحوار؟ وعلى ماذا تتحاور الشعوب مع مثل هذه النظم؟ فهل كذبت صحيفة الغارديان البريطانية لما قالت بأن ثروة الرئيس المصري المخلوع تقدر بنحو 70 مليار دولار؟ وهل كذب الأمريكيون لما أعلنوا وحدهم عن أكثر من 31.5 مليار دولار على ذمة مبارك وأسرته فقط في المدن الأمريكية!! فكم بحوزتهم من المليارات الخفية في دول العالم؟ وكم هي ، إذن، المليارات المنهوبة من قبل الرئيس التونسي بن علي بعد أن اكتشف التوانسة خزائنه الخفية في ضاحية سيدي بو سعيد وهي معبأة بالمليارات من الدولارات والنفائس والمخدرات والخمور الفاخرة؟ وكم بيد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي أرسل حفيده للولايات المتحدة محملا بأربعين مليار دولار على ذمة العائلة، وقبل أن ينخلع بقليل؟
هل يظن المشرعون، زورا، لولاية الأمر، والمهددون بسحق الجماجم أنهم بمنأى من ساعة الحساب لقاء ما فرطوا به من حقوق الأمة والدين؟ أو لقاء التحريض الصريح والمجنون على القتل؟ أو لقاء ما ضللوا بفتاواهم الأمة؟ أو لقاء إعانتهم للظالم على ظلمه؟
ثم أي دجل هذا المسمى بالانتقال السلمي للسلطة؟ بالأمس يفتن مبارك الأمة، ويفتك بها، ويزور انتخابات على الملأ، ويذلها بين الأمم، ثم يتحدث، بصفاقة، عن حوار وإجراءات وانتقال سلمي للسلطة بلا ترشح أو توريث لها!!! ومن بعده يطل علي صالح على الشعب اليمني بدستور مفصل على مقاسه كرئيس للأبد؛ واليوم يكرر ذات الاسطوانة حرفا حرفا !!! كيف يمكن للشعب اليمني أن يثق بمن ليس له أي تاريخ إلا التاريخ الساقط أخلاقيا مذ كان شاويشا يقدم خدماته المنحطة لضباطه الذين نصبوه، أميا لا يقرأ ولا يكتب، في قمة رأس السلطة، وتواروا خلفه إلى حين، فإذا به يغدر بهم؟ كيف يثقون بمن هو أفسد الزعماء الذين يتربعون على واحد من أفسد النظم السياسية في العالم؟
حتى الآن سقط اثنين من الحكام، وثمة اثنين في الطريق إلى السقوط. والحكام الأربعة أخرجوا ثروات بلادهم من حيز الانتفاع والتداول بين شعوبهم واستأثروا بها في الخارج. وأبقوا شعوبهم تحت خط الفقر يتجرعون القحط والمهانة والظلم. السؤال: هل بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح أنجاس وغيرهم أطهار؟ وهل يظن هؤلاء أن شعوبهم أقل غضبا من غضب الليبيين الذين فضلوا التعرض لمذبحة على البقاء تحت حكم القذافي؟ فليتعظ من لم يتعظ قبل أن ينفذ الحوار!!!
18/2/2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.