خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملامح العامة لوضعية حقوق الإنسان في العالم العربي
نشر في الفجر نيوز يوم 30 - 03 - 2011


موجز التقرير
ظلت وضعية حقوق الإنسان في البلدان العربية محل الدراسة تعاني من تدهور هائل، سواء في البلدان التي تنعم ظاهريا بدرجات من الاستقرار السياسي أو التي تعيش تحت وطأة النزاعات المسلحة مثل العراق واليمن والسودان، أو في ظل الاحتلال والانقسام السياسي الحاد، كما في الحالة الفلسطينية، أو في ظل الوضع الفريد لازدواج السلطة في لبنان.
ويسجل التقرير في هذا السياق استمرار الافتقار إلى الإرادة السياسية لدى نظم الحكم المختلفة في النهوض بأوضاع حقوق الإنسان في بلادها، وهو ما يعبر عنه -على وجه الخصوص- جمود التطورات على مستوى التشريع، بل واتجاه غالبية التدابير التشريعية ذات الصلة إلى المزيد من تقييد حقوق الإنسان والحريات العامة، فضلا عن استمرار النهج السلطوي في تأمين الحصانة، والإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبخاصة عبر أعمال للقتل خارج نطاق القانون والاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب. ويلاحظ التقرير كذلك تزايد حدة الاحتقان الطائفي والمذهبي في عدد من البلدان، وبخاصة في البحرين والمملكة السعودية ومصر، بصورة تنذر بتزايد معدلات العنف، في ظل سياسات تكرس التمييز والإقصاء للأقليات، وتتنافى مع مسئوليات هذه الدول في حماية حقوق الأقليات والحريات الدينية.
كما يسجل التقرير استمرار التراجع في وضعية حقوق الإنسان، حتى في بلدان كانت مرشحة قبل بضع سنوات لإحداث بعض الإصلاحات، مثل المغرب والبحرين، وهو الأمر الذي لا يبدو منفصلا عن تراجع قوة الدفع -على المستوى الدولي- باتجاه المقرطة في المنطقة العربية، بل أيضا واتجاه الأطراف الدولية ذات القدرة على التأثير –الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- بصورة متزايدة إلى تغليب اعتبارات المصالح النفعية على حساب اعتبارات حماية حقوق الإنسان والدفع باتجاه الديمقراطية.
وقد تمثلت أبرز ملامح التدهور في وضعية حقوق الإنسان خلال الفترة من سبتمبر 2009، حتى منتصف ديسمبر 2010 فيما يلي:
أولا: اتجاهات التدهور على الصعيد التشريعي والمؤسسي
ظلت السلطات في أغلبية البلدان العربية متمسكة ببنية قانونية قمعية، تصادر الحريات الأساسية، وتؤمن احتكار السلطة والتلاعب بإرادة الناخبين في انتخابات يفترض أن تجري بحرية.
وجاءت غالبية التطورات في هذا السياق تدفع بنصوص تشريعية أكثر انتقاصا لحقوق الإنسان.
وظلت حالات الطوارئ الاستثنائية والمعلنة سارية في كل من سوريا والجزائر وشمال السودان وإقليم دارفور، بينما جددت الحكومة المصرية سريان حالة الطوارئ لعامين إضافيين.
كما مررت الحكومة المصرية تعديلات خطيرة توسع من اختصاصات المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، من دون الحاجة إلى صلاحيات الطوارئ، وبموجب هذه التعديلات أحيل -لأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود- عمال للمحكمة العسكرية مارسوا حقهم في الاعتصام السلمي.
وعلاوة على ذلك تعتزم الحكومة المصرية تمرير قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية، يزيد من القيود الهائلة الواقعة على الجمعيات، ويضيف هيئة رقابية ثالثة، ممثلة فيما يسمى ب"الاتحاد العام للجمعيات" شبه الحكومي والاتحادات الإقليمية التابعة له، تمارس -جنبا إلى جنب أجهزة الأمن ووزارة التضامن الاجتماعي- مزيدا من التدخلات التعسفية في شئون العمل الأهلي.
وفي السودان استبقت السلطات الانتخابات العامة باستصدار قانون جهاز الأمن الوطني، الذي منح صلاحيات واسعة النطاق في القبض والاعتقال والتفتيش، ومصادرة الأموال والممتلكات، من دون أي رقابة قضائية، وأضفى حصانة تكاد تكون مطلقة لأعضاء الجهاز حيال أي تجاوزات أو انتهاكات يمارسونها في إطار هذه الصلاحيات.
واعتمدت السلطات السورية تشريعا إضافيا، يعزز قبضتها على الإعلام الإلكتروني، ويفرض مزيدا من العقوبات بالحبس على الصحفيين والمدونين.
وفي البحرين استهدف مرسومان تشريعان إحكام القبضة على وسائط الإعلام الإلكتروني، بينما تسعى السلطات في لبنان لتمرير مشروع قانون يفرض رقابة صارمة على تداول المعلومات على الإنترنت.
وفي تونس استهدفت السلطات المنظمات الحقوقية -وعلى وجه الخصوص تلك التي تنشط وتنسق جهودها مع آليات إقليمية أو دولية- بإجراء تعديلات قانونية، تعاقب بالسجن لفترات تتراوح بين 5 و20 عاما أي شخص يقوم بالتحريض عمدا عن طريق اتصالات خارجية للإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد.
وتمهد حكومة حركة حماس في غزة لاستصدار قانون يستهدف إحكام السيطرة على الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان. كما أصدرت وزارة الداخلية تعليمات يحظر بموجبها على الجمعيات أن تضم في صفوفها أعضاء ممن تقاعدوا أو استنكفوا عن العمل في وظائفهم، على خلفية مواقفهم السياسية تجاه انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية.
ويمكن القول إن أبرز التطورات الإيجابية التي شهدتها البلدان محل الدراسة، تتمثل في اعتماد قانون جديد للمنظمات غير الحكومية في العراق، بصرف النظر عن أن القانون قد جاء في بعض نصوصه مجافيا للمعايير الدولية، وخاصة فيما يتعلق بإجراءات التأسيس للجمعيات، إلا أنه يظل –بصرف النظر عما يمكن أن تقود إليه التأويلات والتفسيرات في التطبيق- الأفضل عربيا، حيث تتضاءل في نصوصه إلى حد بعيد فرص التدخل الإداري التعسفي، ويتيح للمنظمات غير الحكومية الحق في التصرف بحرية في تنمية مواردها، وفي تلقي التبرعات والمنح الخارجية، والحق في الانضمام إلى شبكات أو اتحادات، سواء داخل العراق أو خارجه.
كما أقدم لبنان على إدخال تعديلات طفيفة على قانون العمل تحد –ولو قليلا- من مشكلات العمل بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المسجلين رسميا بلبنان. وتقدمت الحكومة اللبنانية كذلك بمشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري.
ومع أن البحرين قد اتخذ التدابير التشريعية اللازمة لتأسيس هيئة وطنية لحقوق الإنسان، فإن الهيئة تظل محلا للانتقادات التي تطعن في استقلاليتها، وخاصة بالنظر إلى طبيعة تشكيلها ذي الطابع الحكومي، فضلا عن صمتها تجاه الانتهاكات التي تشهدها المملكة بصورة متزايدة.
ثانيا: المدافعون عن حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني
حافظت سوريا على موقعها الأمامي في قمع المدافعين عن حقوق الإنسان، وطالت محاكمات تفتقر لمعايير العدالة عددا كبيرا من النشطاء الحقوقيين، وكان أشدها وطأة عقوبات بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق اثنين من أبرز مدافعي حقوق الإنسان في سوريا، وظل الغموض يحيط بمصير الحقوقي البارز نزار رسنتناوي، وتزايدت المخاوف حول احتمالات أن يكون قد لقى مصرعه داخل محبسه بسجن صيدنايا، إبان المذبحة التي جرت قبل نحو ثلاثة أعوام داخل السجن. كما تواصل حرمان المنظمات الحقوقية من المشروعية القانونية، مثلما تواصلت إجراءات المنع من السفر بحق عدد واسع من قيادات وأعضاء هذه المنظمات.
وفي البحرين بات المدافعون عن حقوق الإنسان هدفا لصور شتى من القمع، شملت اعتقال العديد منهم، وتعرضهم للتعذيب، وتزايد الحملات الأمنية والإعلامية، التي تستهدف التشهير بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وتسعى إلى وصمهم بدعم الإرهاب. كما قامت السلطات بحل مجلس إدارة الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي كان ينظر إليها باعتبارها المنظمة المستقلة الوحيدة المعترف بها قانونا، واضطرت اثنتان من المنظمات الحقوقية المستقلة -تحت وطأة القمع الراهن- إلى نقل مكاتبها إلى أوروبا.
وتواصلت بشكل روتيني في تونس إجراءات الحصار الصارم على مقار كبريات المنظمات التونسية، مثلما تواصلت الإجراءات البوليسية، للمراقبة اللصيقة للحقوقيين وأشكال مختلفة من التحرش والاعتداءات، فضلا عن التهديدات المتواصلة التي تصل إلى حد التهديد بالقتل، والتضييق المستمر على أنشطة المنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى تصاعد حملات تشهير واسعة النطاق، تصم رموز حركة حقوق الإنسان بالخيانة.
وفي المغرب تواصلت الضغوط شديدة الوطأة على المدافعين عن حقوق الإنسان في الإقليم الصحراوي، لتشمل اعتداءات بدنية واختطاف وإحالة إلى محاكمات جائرة، وظلت كبرى المنظمات الصحراوية محرومة من التسجيل القانوني. كما واصلت السلطات ضغوطها على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بسبب انخراط أعضائها في أشكال مختلفة من الحراك الاجتماعي، ووصل الأمر إلى حد إطلاق حملات رسمية تحرض على إغلاقها.
وفي مصر تزايدت الضغوط الإدارية على مؤسسات العمل الأهلي، بما في ذلك تلك التي تعمل تحت مظلة قانون الجمعيات الأهلية، وخاصة الحقوقية منها، وعطلت الحكومة بصورة تعسفية عقد جمعيات عمومية لبعضها، وعلقت أو رفضت طلبات عدد كبير من الجمعيات لاستلام المنح الخارجية لبرامج وأنشطة هذه الجمعيات؛ الأمر الذي أفضى في بعض الحالات إلى تقليص أو تجميد كلي لأنشطة بعض الجمعيات. وكادت إحدى المؤسسات الحقوقية تخلي مقرها في إطار الحد من الإنفاق. كما كانت دار الخدمات النقابية والعمالية بشكل خاص هدف لتحرشات إدارية استثنائية من الحكومة ولحملات تشهير واسع؛ بسبب دورها في كشف عوار تشريعات النقابات العمالية أمام المؤتمر الدولي لمنظمة العمل الدولية. كما عمدت السلطات إلى الحد من أو حرمان بعض المنظمات الحقوقية من مراقبة الانتخابات الهزلية لمجلسي الشعب والشورى.
وتنامت خلال العام الحالي ضغوط أمنية واستخباراتية على عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان في لبنان، ووصل الأمر إلى حد التهديد بالتعذيب بحق رئيس المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق).
وقد وقعت أكثر الاعتداءات خطورة على مدافعي حقوق الإنسان في اليمن، وبات الاختطاف والاختفاء القسري والتعذيب ممارسة روتينية تطال أعدادا غير قليلة من الحقوقيين، كما جرى تقديم بعضهم لمحاكمات استثنائية، استند فيها إلى دعاوى الحرب على الإرهاب. وأفضت واحدة من هذه المحاكمات إلى معاقبة حقوقي بارز بالسجن لمدة ثماني سنوات، كما طالت اعتداءات بدنية وتهديدات عددا آخر من الحقوقيين، وأبدت السلطات موقفا متعنتا تجاه دخول شخصيات حقوقية نشيطة على الصعيد الإقليمي والدولي للبلاد، سواء في إطار بعثات لتقصي الحقائق أو للمشاركة في بعض أنشطة منظمات يمنية.
وظلت السلطات الجزائرية على مواقفها المتصلبة تجاه النشاط الحقوقي، وبخاصة تجاه الجمعيات أو الأشخاص الذين يطالبون بالمحاسبة على الانتهاكات، أو إجلاء مصير المختفين والمفقودين إبان المواجهات الدامية التي شهدتها تسعينيات القرن الماضي بين السلطات الجزائرية والجماعات الإسلامية المسلحة.
وظلت السلطات السعودية على موقفها المتعنت في رفض الترخيص بإنشاء مؤسسات حقوقية مستقلة، واستمرت في ملاحقة وسجن العديد من الناشطين في كشف انتهاكات حقوق الإنسان عبر شبكة الإنترنت، والداعين إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية. كما تعرض ناشطون سعوديين للاعتقال أو الاستدعاء لأجهزة الأمن على خلفية لقاءات مع وفود أجنبية، للتعرف على وضعية حقوق الإنسان.
في السودان كان المدافعون عن حقوق الإنسان هدفا للاعتقال التعسفي أو الملاحقة القضائية التي أفضت -أثناء مثول التقرير للطبع- إلى صدور حكم بالسجن لمدة عام بحق رئيس منظمة السودان للتنمية الاجتماعية "سودو".
وفي العراق، ورغما عن صدور قانون المنظمات غير الحكومية، فإن تطبيقاته حتى الآن تظهر سلبيات كثيرة، حيث لا يوجد سوى مكتب واحد بالعاصمة لتلقي طلبات التأسيس، كما رصدت حالات عديدة لقيام أجهزة الأمن بزيارات مفاجئة –دون سند من القانون- لمقار المنظمات غير الحكومية، للاستفسار عن أنشطتها أو طلب معلومات وصور لأعضائها! وتستمر السلطات العراقية في رفض طلبات المنظمات الحقوقية لزيارة السجون ومراكز الاحتجاز.
وفي الأراضي الفلسطينية واصلت سلطات الاحتلال إجراءاتها التعسفية بحظر سفر مدير منظمة الحق في رام الله، وطالت إجراءات الاعتقال الإداري من قبل سلطات الاحتلال للمرة الثانية حقوقية فلسطينية، وكاتبة في مجال الدفاع عن حقوق الأسرى.
وظلت وزارة الداخلية في الضفة الغربية تمانع في تسجيل عشرات من المنظمات غير الحكومية. واقتحمت الأجهزة الأمنية مقار عدد من الجمعيات وقامت بتفتيشها. كما تدخلت وزارة الداخلية بصورة تعسفية في تعيين لجان مؤقتة لإدارة بعض الجمعيات. وقدرت تقارير "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان" أن إجراءات حل الجمعيات قد طالت نحو 35 جمعية. وطالت الاعتقالات باحثين وعددا من أعضاء بعض المؤسسات الحقوقية، بينها مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان، ومؤسسة راصد، ومركز دراسات متخصص في شئون الأسرى.
وفي قطاع غزة قامت شرطة حكومة حركة "حماس" باقتحام مقر جمعية الهلال الأحمر وتفتيشه واحتجاز بعض العاملين بها، وإجبارهم على التوقيع على تعهدات بالالتزام بالقوانين المعمول بها في غزة، كما تم منع "الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان" من عقد ورشة عمل داخل القطاع، ومنعت شرطة حركة "حماس" أيضا اعتصاما رمزيا دعت إليه شبكة المنظمات الأهلية. وتوسعت عمليات الاقتحام لتشمل أيضا مقر مؤسسة الضمير ومقر شبكة المنظمات الأهلية ومكتب الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، التي تسعى حكومة حركة "حماس" لإخضاعها لها.
ثالثا: حرية التعبير
تزايدت الضغوط على حرية التعبير وعلى مختلف وسائل الإعلام -التقليدي منها والحديث- وبخاصة في اليمن ومصر والسودان والبحرين ولبنان، بينما حافظ المغرب على ممارساته المتشددة في التنكيل بالصحافة، وبخاصة إذا ما مست التابوهات الرسمية الثلاثة، أي الملك والأسرة الملكية والإسلام، وفي حالة تبني مواقف تجاه النزاع في الصحراء الغربية تتعارض مع الموقف الرسمي، باعتبار الصحراء جزءا لا يتجزأ من المغرب. غير أن عددا من القضايا التي نظرتها المحاكم هذا العام اتصلت أيضا بنشر وقائع تتعلق بالفساد، أو تتعلق بتضامن مدونين مع الحراك الاجتماعي.
واستمرت الدولة البوليسية في تونس على نهجها المعتاد في إخضاع الحريات الصحفية والإعلامية للمصادرة بصورة مطلقة، سوءا بحظر إنشاء وسائط إعلامية مستقلة، ومواصلة سياسات الحجب للمواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وتوظيف وسائل تكنولوجية متقدمة في مراقبة الإنترنت والبريد الإلكتروني، أو من خلال ملاحقة الصحفيين والزج ببعضهم في محاكمات بتهم ملفقة، أو من خلال أشكال مختلفة من التحرش والاعتداءات البدنية والمراقبة اللصيقة، التي تستهدف صحفيين ومراسلين ومصورين بصورة روتينية.
كما حافظت سوريا على موقفها العدواني الذي لا يعرف أدنى تسامح مع حريات التعبير. وظلت الترسانة القانونية المعادية لحرية التعبير، كفيلة بملاحقة وسجن الصحفيين والنشطاء السياسيين. وقد منعت توزيع عدد من الصحف والدوريات، وواصلت إجراءاتها في مصادرة المطبوعات، وحجب المواقع الإلكترونية على نطاق واسع.
وظلت وسائط الإعلام المختلفة وكذلك العاملون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هدفا لضغوط مزدوجة، سواء من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أو في إطار تداعيات الصراع بين حركتي "فتح" و"حماس". ويرصد التقرير عشرات من الاعتداءات على الصحفيين على يد سلطات الاحتلال في الضفة الغربية، استهدفت صحفيين ومراسلين ومصورين، وطواقم فضائية، وبشكل خاص خلال أدائهم لواجبهم المهني في تغطية احتجاجات سلمية أو مصادمات مع السكان المحتجين على الجدار العازل. كما تواترت المعلومات حول ملاحقات واعتقال مؤقت من جانب سلطات الاحتلال تجاه عشرات من العاملين في الصحف ووسائط الإعلام المختلفة. وواصلت السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية ملاحقة واعتقال عشرات من الصحفيين والمشتغلين في قنوات فضائية محسوبة على حركة "حماس"، واستهدفت محاكمة عسكرية استثنائية مراسل لفضائية الأقصى، تلقى حكما بالسجن لمدة عام ونصف العام. كما جرت اعتقالات مماثلة واعتداءات من قبل سلطة حركة "حماس" في غزة للعشرات من الصحفيين. كما سجلت التقارير تعرض الموقوفين من الإعلاميين، سواء في الضفة أو القطاع لمظاهر شتى من سوء المعاملة قبيل إطلاق سراحهم. كما استمر منع دخول عدد من الصحف التابعة لحركة "حماس" إلى الضفة الغريبة، في مقابل منع عدد من الصحف الموالية لحكومة "فتح" في الضفة من الدخول أو التوزيع في غزة.
وظل الصحفيون هدفا للاعتقال أو الاختطاف في مناطق شتى من العراق، بما في ذلك الإقليم الكردي. ورغم تراجع عمليات قتل الصحفيين، فإن هذه العمليات لم تتوقف، وأسفرت واحدة من العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم القاعدة عن مصرع ثلاثة من الإعلاميين في هجوم على مكتب قناة العربية.
وفي الجزائر ظلت السلطات تحتكر وسائط الإعلام السمعي والمرئي، فيما ظلت النصوص العقابية تمارس دورها عبر المؤسسات الصحفية، التي تجد نفسها مدفوعة إلى فرض رقابة ذاتية صارمة على كل ما ينشر، وقد طالت حكما بالسجن –مع وقف التنفيذ- مناهضا بارزا للفساد. كما استمرت السلطات في تعقب وحجب مواقع إلكترونية، ومواقع إذاعية مستقلة على شبكة الإنترنت. وفي ظل التوترات التاريخية بين المغرب والجزائر على خلفية معالجة قضية إقليم الصحراء الغربية، طال الاعتقال اثنين من الصحفيين المغاربة.
وفي المملكة السعودية التي تفتقر لوجود إعلام مستقل، تستمر السلطات في ملاحقة واعتقال مدونين لفترات طويلة، دون تهمة أو محاكمة، وتتواصل بصرامة أعمال مراقبة البريد الإلكتروني وغرف الدردشة على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى الحجب على نطاق واسع للمواقع الإلكترونية.
وبدا واضحا في لبنان تصاعد نزعة عدم التسامح مع الكتابات الناقدة للجيش أو لسلطات الحكم أو لرئيس الجمهورية، عبر عنها عدد من الملاحقات القضائية بحق صحفيين ومدونين، ودخول أجهزة الاستخبارات إلى جانب أجهزة الأمن في ممارسة الضغوط على الصحفيين وعلى الإبداع والأنشطة الثقافية. وتسعى الحكومة اللبنانية إلى تمرير مشروع قانون لتنظيم الإنترنت يرتب –في حال إقراره- انتهاكا شديدا للحق في الخصوصية، وقيودا واسعة على حرية تداول المعلومات وإخضاعها للمراقبة.
وفي السودان يسجل التقرير اتساع الهجوم على الحريات الصحفية، وبعض وسائط الإعلام المرئي والمسموع من قبل شريكي الحكم في الشمال والجنوب، وطال الاعتقال معارضين سياسيين وقيادات حزبية معارضة لنظام البشير، أو منشقة عن الحركة الشعبية لتحرير السودان، كما طال الاعتقال والتعذيب عددا من الصحفيين. وعادت سطوة الرقابة المسبقة على الصحف من قبل أجهزة الأمن. ورغم الإعلان عن إنهائها في أغسطس، فإن مسئولي جهاز الأمن الوطني والمخابرات أعلنوا أنهم يحتفظون ب"حقهم الدستوري في إعادة فرض الرقابة كلية كانت أم جزئية". وواصلت سلطات الخرطوم ممارساتها في حجب عدد كبير من المواقع الإلكترونية.
وفي مصر التي ما زال صحفيوها ومدونوها هدفا لعقوبات سالبة للحرية، شهدت الحريات الصحفية والإعلامية تدهورا نوعيا كبيرا، وبشكل خاص قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية، عبرت عنه ضغوط شتى، استهدفت الإجهاز على أبرز وأكثر الصحف المستقلة جرأة، وتوقفت في ظلها برامج حوارية سياسية تحظى بأكبر قدر من المشاهدة، وطالت قرارات بالإنذار والإغلاق المؤقت عددا واسعا من الفضائيات الخاصة، وصدرت تعليمات مشددة تحظر عمليا على الفضائيات البث المباشر للأحداث، من دون موافقة مسبقة. كما امتدت هذه الضغوط لتصل إلى الرسائل الإخبارية القصيرة عبر أجهزة المحمول، وبات من المتعين على مقدمي خدمة هذه الرسائل الحصول على ترخيص مسبق من قبل وزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة.
كما استبقت سلطات البحرين إجراء الانتخابات النيابية بحملة اعتقالات واسعة النطاق، استهدفت معارضيها السياسيين، ومنعت في ظلها نشرات لجمعيات سياسية. وطالت إجراءات الاعتقال مدونين، كما أغلق المزيد من المواقع الإلكترونية.
على أن أوسع الانتهاكات لحرية التعبير هى تلك التي شهدها اليمن، حيث شملت المحاكمات الجائرة عشرات من الصحفيين، وصدور أحكام مغلظة بالسجن بحق غالبيتهم، والحرمان المؤقت أو الأبدي لبعضهم من مزاولة مهنة الصحافة. وقد تواصل في الوقت ذاته اقتحام مقار صحفية وإيقاف بعض الصحف، واعتداءات بدنية واسعة النطاق على صحفيين ومراسلين، ومحاولات اغتيال استهدفت عددا من الصحفيين. كما تعرض بعض الصحفيين للاختطاف والاختفاء المؤقت، وكان بعضهم هدفا لتعذيب وحشي، وصل إلى حد إخضاع أحدهم لعمليات إعدام وهمية أكثر من مرة. وعلى الرغم من العفو الرئاسي الصادر في النصف الثاني من العام، فقد سجلت التقارير أن بعضا من الصحفيين اليمنيين المشمولين بالعفو ظلوا هدفا لاستمرار الاحتجاز أو الملاحقات القضائية بحقهم. ولم يمنع هذا العفو من تواصل اعتقال صحفيين آخرين وإخضاعهم لمحاكمات استثنائية.
رابعا: الحق في التجمع والاجتماع السلمي
ظلت أشكال الحراك السياسي أو الحراك الاجتماعي هدفا لصنوف شتى من القمع في معظم البلدان.
ومع أن مصر عرفت خلال السنوات القليلة الأخيرة، قدرا من التسامح تجاه الحراك الاجتماعي، إلا أن عام 2010 شهد تشددا ملحوظا، وصل إلى حد تحريض بعض نواب الحزب الحاكم في البرلمان وزارة الداخلية على إطلاق الرصاص على المتظاهرين. كما تجسد أيضا في إحالة عمال لأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود إلى المحاكمة العسكرية؛ بسبب ممارسة حقهم في الاعتصام السلمي. وتزايدت في الوقت ذاته وقائع قمع العديد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، سواء في إطار احتجاجات عمالية، أو في إطار الاحتجاجات الواسعة ضد جرائم التعذيب، أو عبر تجمعات لشباب 6 أبريل والجماعات السياسية الداعية لتبني إصلاحات دستورية وتشريعية.
وفي السودان استخدمت السلطات في أكثر من مناسبة القوة المفرطة في قمع مظاهرات، تطالب بإصلاحات وتوفير ضمانات مناسبة لإجراء الانتخابات العامة. كما مورست ضغوط شديدة على الحركة الإضرابية للأطباء، اعتقل خلالها عدد من الأطباء ومن طلاب كلية الطب الذين تضامنوا معهم.
وفي تونس -على الرغم من العفو الرئاسي عن عشرات من النقابيين في قضية الحراك الاجتماعي والنقابي بالحوض المنجمي- فقد أعيدت محاكمة اثنين من المتهمين في هذه القضية، وصدرت بحقهما أحكام مغلظة بالسجن. وواصلت السلطات التونسية خلال العام ضغوطا مختلفة على عدد من النقابيين ممن شملهم العفو. كما استخدمت السلطات القوة في قمع بعض أشكال الاحتجاج الطلابي، وأحالت بعض الطلاب لمحاكمات طالت فيها عقوبات بالسجن 17 طلبا. كما استخدمت أجهزة الأمن القوة في مواجهة فعاليات تضامنية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية. وطالت اعتقالات نحو 150 شخصا إثر احتجاجات اجتماعية، شهدتها مدينة "بن قروان" الواقعة على الحدود مع ليبيا.
وفي الجزائر لجأت السلطات إلى توظيف القضاء لإيقاف إضرابات لأساتذة التربية والأطباء ومستخدمي الصحة العمومية، وعمال السكك الحديدية. وفي الوقت ذاته فإن الوقفات الاحتجاجية للإعلان عن مطالب المضربين جرى تفريقها بالقوة. كما استخدمت أجهزة الأمن العنف لتفريق تظاهرات أسبوعية سلمية دأبت على تنظيمها عائلات المختفين قسريا، وشملت إجراءات التوقيف عضوين بالرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان. كما ألقت السلطات القبض على صحفيين وحقوقيين، خلال تجمع سلمي استهدف المطالبة برفع الرقابة عن الإعلام العمومي والسماح بإعلام تعددي. وشمل القمع تظاهرة للدفاع عن حقوق الأمازيغيين.
وظلت السلطات في المغرب تتعامل بصرامة شديدة تجاه مختلف أشكال التظاهر أو الاحتجاج الاجتماعي في إقليم الصحراء الغربية، كما واجهت بالقوة احتجاجات اجتماعية خارج المدن الكبرى، وبعض الاحتجاجات الطلابية. كما واصلت السلطات ملاحقة المئات من أعضاء "جماعة العدل والإحسان" على خلفية الاجتماعات التي يعقدونها في منازلهم تحت مسمى "مجالس النصيحة".
وفي سوريا التي لا تعرف أدنى تسامح مع الاحتجاجات السلمية، أدى قمع احتفالات الأكراد بأعياد النيروز إلى سقوط قتيل على الأقل، كما أحيل لمحاكمة عسكرية مواطنون أكراد، ممن ألقى القبض عليهم في الاحتفالات، وتلقى مواطنون أكراد أحكاما بالسجن لمجرد وقوفهم دقيقة حدادا على أرواح ضحايا مذبحة حلبجة بالعراق عام 1988 .
وفي العراق أظهرت السلطات تعنتا أكبر تجاه السماح بالتظاهرات السلمية، وشددت تعليمات رسمية على ضرورة الحصول على موافقة مسبقة، وأتاحت هذه التعليمات استخدام القوة غير المحدودة في تفريق المتظاهرين. وقد قتل شخصان على الأقل في واحدة من التظاهرات، فيما اعتقل عشرات الأشخاص في تظاهرة أخرى.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، استخدمت سلطات الاحتلال القوة المفرطة في قمع احتجاجات في الضفة الغربية والقدس مناهضة للجدار العنصري، ومظاهرات لإحياء يوم الأرض وضد مخطط تهويد القدس. كما منعت حكومة "حماس" في غزة بالقوة عددا من التجمعات السلمية، كما منعت أعضاء المجلس الثوري لحركة "فتح" من مغادرة القطاع للمشاركة في أعمال الدورية الثانية للمجلس الثوري برام الله. وفي إطار نهجها الديني المتشدد، أغلقت أجهزة الأمن التابعة "لحماس" في غزة منتجعا سياحيا وترفيهيا ومطاعم ومقاهى، ومنعت أمسيات ثقافية، سواء بدعاوى منع الاختلاط أو تدخين النساء للشيشة، أو إقامة حفلات غنائية.
في اليمن تصاعدت أعمال القمع المفرط من جانب السلطات، وبخاصة تجاه الاحتجاجات المتزايدة في إطار الحراك الجنوبي، حيث سقط أكثر من 43 قتيلا، فضلا عن امتداد أعمال التوقيف المؤقت لتطال عدة آلاف من المنخرطين في هذه الاحتجاجات. والذين أفرج عن معظمهم لاحقا. كما طالت أحكام بالسجن عددا آخر منهم.
خامسا: الحريات الدينية وحقوق الأقليات
واصلت السلطات في سوريا سياسات الإقصاء والتمييز المنهجي ضد الأكراد، واستمرت في قمع احتفالاتهم وفي إجراءات تهميشهم الاقتصادي، كما تواصل استخدام القوة المفرطة في التصدي للتجمعات الاحتجاجية الكردية وإحالة مشاركين فيها إلى المحاكمة. وجرت سلسلة من المحاكمات الجائرة أمام محاكم الجنايات والقضاء العسكري، ومحكمة أمن الدولة الاستثنائية. وطالت أحكام بالسجن عددا من العناصر القيادية داخل عدة أحزاب كردية لفترات تتراوح بين عام وخمسة أعوام، بدعاوى "إثارة النعرات العنصرية والمذهبية" أو "تعريض البلاد لخطر أعمال عدائية". وطالت ممارسات الاعتقال أو الاختفاء أو التعذيب عددا من النشطاء السياسيين وأعضاء منظمات حقوقية كردية. وحتى نهاية العام ظل مصير بعض المعتقلين مجهولا، رغم مرور ما يزيد على عام بالنسبة لعدد منهم.
واستمرت سياسة التمييز والتهميش المنهجي بحق السكان الشيعة في البحرين، برغم أنهم يمثلون نحو 70% من مجمل السكان، الأمر الذي زاد من حدة التوترات والمصادمات مع أجهزة الأمن في المناطق الشيعية.
وبات من الواضح أن القمع الأمني المتزايد لاحتجاجات الشيعة، واستخدام الرصاص الحي وطلقات "الشوزن " في التصدي لهذه الاحتجاجات، يدفع تدريجيا إلى تنامي ممارسات العنف المضاد. وقد حاولت السلطات توظيف بعض مظاهر العنف المضاد، بشن حملة واسعة النطاق استهدفت بالاعتقال والتعذيب رموزا بارزة من المعارضة الشيعية، وإحالتهم إلى المحاكمة بدعاوى تشكيل تنظيم إرهابي، وذلك قبل وقت قليل من إجراء الانتخابات البرلمانية.
تواصلت سياسات مماثلة للتمييز المنهجي بحق الشيعة في المملكة العربية السعودية، وشهد عام 2010 مزيدا من أعمال التوقيف والمداهمات، ضد منافذ التعبير العلني للشيعة. كما أظهرت الممارسة نزوعا متزايدا لحرمان أبناء الطائفية الشيعية من حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية وإظهار عقيدتهم. فقد واصلت وزارة الداخلية إغلاق العديد من المساجد التي تخص الشيعة في المنطقة الشرقية، متذرعة باعتبارات أمنية ومذهبية لم تفصح عنها. وطالت اعتقالات عددا من الشيعة على خلفية رعايتهم للشعائر الحسينية وإقامتهم صلاة الجماعة في منازلهم.
في الجزائر أفضت تطبيقات "قانون ممارسة الشعائر الدينية غير الإسلامية لعام 2006" إلى ضغوط متزايدة على حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وبرزت في ظلها مظاهر لتنامي التعصب المقترن بالعنف الطائفي. وهو ما وجد تعبيره في إحراق وتخريب أحد المساكن التي يعتقد أن الطائفة البروتستانتية تستخدمه في التعبد، في الوقت الذي أشارت فيه السلطات إلى أن المقر لم يكن مرخصا طبقا لقانون 2006. وفي أعقاب ذلك أقدم مجهولون على إحراق مسجد قبل اكتمال بنائه. وبموجب ذلك القانون أحيل إلى المحاكمة عدد من معتنقي المذهب البروتستانتي، بتهمة ممارسة شعائر دينية بدون ترخيص من الحكومة! ويتضمن القانون عقوبات بالسجن تصل لخمس سنوات على التحريض أو الإغراء أو الإكراه لأي مسلم على التحول لدين آخر. وواصلت السلطات من جهة أخرى مغازلة المشاعر الدينية للأغلبية عبر تعقب واعتقال أشخاص اتهموا بالإفطار جهرا في نهار رمضان.
في مصر التي امتزجت فيها بدرجة متزايدة ملامح الدولة البوليسية مع سمات الدولة الدينية، تواصل أجهزة الأمن سطوتها وتسلطها على حرية المعتقد، بما في ذلك على المسلمين المنتمين لمذاهب أو مدارس فقهية مغايرة للمذهب والفقه السائد للأغلبية المسلمة. ومن ثم يظل الشيعة هدفا لاعتقالات متكررة، كما تطال بعض الضغوط "القرآنيين"، وطال الاعتقال لمدة 80 يوما عددا من الأشخاص المنتمين للمذهب الأحمدي. وبينما يظل الأقباط يواجهون مظاهر شتى من الغبن في الترخيص لهم ببناء كنائسهم، أو ترميمها أو توسيعها، تتواصل أعمال العنف الطائفي، وانطلقت أعمال عنف يغلب عليها دوافع الانتقام، انخرط فيها قطاعات من المسلمين على إثر شائعات أو وقائع تتعلق بزواج مسلمة من مسيحي، أو اغتصاب مسيحي لفتاة مسلمة. وخلال ذلك تعرضت الكنائس وممتلكات الأقباط لاعتداءات واسعة، وبلغ العنف الطائفي ذروته، بمذبحة عيد الميلاد في 7 يناير 2010 بنجع حمادي، وقتل خلالها ثمانية أقباط وشرطي مسلم. كما لقى اثنان من الأقباط مصرعهما في نوفمبر 2010، في إطار مواجهات عنيفة مع الشرطة، خلال تجمهر لعدة آلاف من الأقباط احتجاجا على القيود الإدارية والأمنية على حقهم في بناء دور عبادتهم في محافظة الجيزة.
سادسا: انتهاكات واسعة النطاق باسم مكافحة الإرهاب
أحرز النظام اليمني نجاحا كبيرا في استمالة أطراف دولية لدعمه في مواجهة شعبه، بدعوى ملاحقة تنظيم القاعدة في اليمن، فجرى تنظيم عملية واسعة النطاق، لسكان المحافظات الجنوبية الداعمة "للحراك الجنوبي". وأفضت غارات وهجمات صاروخية على مواقع محتملة للقاعدة –بمساندة ومباركة أمريكية- إلى سقوط عشرات من المدنيين القتلى معظمهم من النساء والأطفال. وظل عدد كبير من المشتبه بهم في ممارسة الإرهاب رهن الاعتقال، دون تهمة أو محاكمة، وهدفا للتعذيب في مراكز احتجاز لا تخضع لمراقبة قضائية. وأحيل عشرات إلى المحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وهى محكمة استثنائية يفتقر الماثلون أمامها للحد الأدنى من معايير العدالة. كما اقترنت تدابير مكافحة الإرهاب بشكل روتيني بتزايد ممارسات الاختطاف، والاختفاء القسري وتزايد الشكوك حول ممارسات ترقي إلى الإعدام خارج نطاق القانون.
واستمرت دعاوى مكافحة الإرهاب في مصر والجزائر مبررا لاستمرار حالات الطوارئ الاستثنائية، وغطاء لممارسة الاعتقال التعسفي والتعذيب، والإحالة إلى المحاكم الاستثنائية. وبينما تمارس السلطات الجزائرية تعتيما شديدا على إجراءات ملاحقة المشتبه بهم وعلى أعداد المعتقلين، فإن السلطات المصرية لا تفصح بدورها عن أعداد المعتقلين، والذين تقدرهم أوساط حقوقية بنحو 5- 10 آلاف معتقل. وقد أفرجت السلطات هذا العام عن بضع مئات منهم، معظمهم من بدو سيناء، في إطار اتفاق للتهدئة والحد من الصدامات، بين المواطنين وأجهزة الأمن. وتضم قوائم المعتقلين نحو مائتين من الإخوان المسلمين. وقد قدم بعض أعضاء الجماعة هذا العام للمحاكمة أمام إحدى محاكم الطوارئ، على الرغم من أن الاتهامات الموجهة لهم لا صلة لها بالإرهاب.
وفي البحرين وظفت السلطات قانونها لمكافحة الإرهاب في اعتقالات واسعة النطاق، طالت عدة مئات، وشملت معارضين سياسيين معروفين بنهجهم السلمي وعددا من المدونين ومدافعي حقوق الإنسان، وقد تعرض بعضهم لتعذيب شديد، وأحيل 23 منهم إلى المحاكمة.
وفي السودان جرى توظيف قانون مكافحة الإرهاب في إجراء محاكمات استثنائية بحق متمردي حركة العدل والمساواة، وانتهت هذه المحاكمات حتى إعداد هذا التقرير إلى إصدار أكثر من مائة حكم بالإعدام.
وفي المملكة السعودية ظلت السلطات تفرض تعتيما صارما على مصير الآلاف من المعتقلين في إطار إجراءات مكافحة الإرهاب، والذين مضى على اعتقال الكثير منهم أكثر من سبع سنوات دون تهمة أو محاكمة. ورغم أن وزير الداخلية قدر عدد المعتقلين بنحو 7000، فإن منظمات حقوقية تقدرهم بنحو 12 ألفا، حرم معظمهم من الحق في تلقي الزيارات أو التماس المساعدة أو المشورة القانونية.
وفي المغرب تزايدت الشكاوى من تصاعد عمليات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وممارسات التعذيب وتردي الوضع داخل المؤسسات العقابية تحت مظلة مكافحة الإرهاب. وانتهت إحدى محاكم الاستئناف التي نظرت القضية المعروفة ب"خلية بلعيرج" إلى تأييد إدانة خمسة من كبار قيادات أحزاب سياسية معترف بها ومراسل تلفزيوني، ولكن خفضت الأحكام إلى عشر سنوات سجنا بعد أن كانت تتراوح بين 20و25 سنة.
سابعا: التعذيب والقتل خارج نطاق القانون
تصاعدت وتائر التعذيب بشكل متزايد في البحرين واليمن والمغرب والسودان، وبصورة روتينية ومنهجية في مصر. وتمتد ممارسته لتطال -إلى جانب الملاحقين في قضايا الإرهاب- نشطاء سياسيين، والمشتبه بهم في قضايا جنائية، وضحايا الاعتقال العشوائي في حوادث عنف طائفي، ومن يجري ملاحقتهم، على صلة بحرية المعتقد الديني، وتبني مذاهب أو أفكار فقهية تتعارض مع المذهب أو الفقه الإسلامي السائد.
وأفضى التعذيب والتدهور الهائل في أوضاع السجون ومراكز الاحتجاز إلى حالات عديدة للوفاة في كل من مصر وسوريا واليمن والمغرب والعراق والجزائر.
وظلت التقارير ترصد ممارسات روتينية للتعذيب داخل مراكز احتجاز السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وحركة "حماس" في غزة. وظل غالبية ضحايا التعذيب من المحسوبين على حركة "فتح" في قطاع غزة من ناحية، ومن المحسوبين على حركة "حماس" في الضفة الغربية من ناحية أخرى.
وفي العراق تتزايد المخاوف بشأن نحو عشرة آلاف معتقل سلمتهم القوات الأمريكية للسلطات العراقية، دون أي ضمانات تمنع تعرضهم للتعذيب، في الوقت الذي تعج فيه السجون العراقية بأكثر من 30 ألف معتقل، دون تهمة أو محاكمة، وتسجل فيه التقارير شيوع حالات التعذيب وبخاصة في سجون سرية، لانتزاع الاعترافات بالإكراه.
وواصلت السلطات الأمنية في مصر استخدام القوة بصورة مفرطة في ملاحقة الأشخاص، الأمر الذي أفضى إلى سقوط مزيد من الضحايا، كان أبرزها الاعتداء الوحشي من قبل معاوني الشرطة على الشاب خالد سعيد، مما أفضى إلى مصرعه في الحال. واستمرت قوات حرس الحدود في مصر في إطلاق الرصاص على مهاجرين غير شرعيين من الأفارقة، ممن حاولوا التسلل عبر الحدود إلى إسرائيل، وقد أفضت هذه الممارسات منذ العام 2007، وحتى مارس من العام الحالي إلى مقتل 69 شخصا، بينهم 12 قتيلا خلال الشهور الأولى من عام 2010. ومع أن السلطات المصرية لم تجر تحقيقا واحدا في أي من هذه الحالات، فقد أظهرت استخفافا صارخا بالانتقادات التي وجهت إليها من الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن عدد القتلى لم يتجاوز 2% عام 2008، 4% عام 2009 من إجمالي من حاولوا التسلسل!
في البحرين سجلت حالات عديدة لاستخدام القوة المفرطة، بما في ذلك استخدام طلقات "الشوزن" المحرمة دوليا في مواجهة احتجاجات داخل المناطق التي يتركز فيها الشيعة.
في المحافظات الجنوبية باليمن طال القصف الوحشي مناطق مأهولة بالسكان، فيما بدا نوعا من الانتقام على مقتل جنود يمنيين في عدد من الكمائن، وهو ما أفضى إلى سقوط عدد كبير من القتلى من السكان العزل، وألحق أضرارا فادحة بالمنازل والممتلكات.
كما تزايدت الشكوك في سوريا تجاه تزايد حالات الوفاة بين المجندين الأكراد، والتي تعزوها السلطات إلى الانتحار أو الحوادث، في حين ترجح مصادر حقوقية وبعض عائلات الضحايا، أنه نتيجة لعمليات قتل متعمدة من جانب الحكومة، والتي لا تقيم اعتبارا للمطالب المتزايدة بإجراء تحقيق نزيه في هذه الحالات، والتي بلغت خلال عام 2009 وحده ما لا يقل عن 18 كرديا.
ثامنا: الحق في المشاركة السياسية
ظلت الانتخابات العامة في العالم العربي، تجسيدا للإخفاق المزمن وغياب الإرادة السياسية اللازمة لتطبيق التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
ففي السودان جرت انتخابات عامة، شملت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخاب مجالس الولايات وانتخاب رئيس حكومة جنوب السودان، وأجريت الانتخابات في أجواء قمعية فرضها شريكا الحكم في الشمال والجنوب. وكانت السلطات في الشمال، قد هيأت السبيل للتحكم في مسار الانتخابات عبر التلاعب بالإحصاء السكاني والذي بموجبه تم ترسيم الدوائر الجغرافية. وعمدت المفوضية العليا للانتخابات –التي سيطر الحزب الحاكم في الشمال على تشكيلها- إلى اتخاذ ترتيبات تيسر التلاعب في العملية الانتخابية، وفرضت صعوبات شديدة على مراجعة قوام الهيئة الناخبة، وأظهرت انحيازا في الشمال لصالح الحزب الحاكم، تمكن بموجبها مندوبوه من السيطرة على مراكز الاقتراع. وكشفت مراقبة الانتخابات عن اعتداءات أمنية على المراقبين، وأشكال فجة من التلاعب خلال عملية الاقتراع. وحالت تداعيات الوضع الأمني في جنوب وغرب دارفور دون إدلاء السكان بأصواتهم، وأدت الفوضى والعنف إلى تعذر إجراء الانتخابات في 18 دائرة انتخابية للبرلمان، و26 دائرة انتخابية لمجالس الولايات في 14 ولاية.
وأظهرت الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت هذا العام، أن فرص تحول العراق نحو الديمقراطية تظل حلما بعيد المنال، رغم التقدم الظاهر في مسار العملية السياسية، والذي يعبر عنه على وجه الخصوص انخراط متزايد للطائفة السنية، ومختلف مكونات المجتمع العراقي في الانتخابات الأخيرة. وبات من الواضح أن القوى المتصارعة داخل الساحة العراقية لم تتهيأ بعد للقبول بقواعد التداول السلمي للسلطة، وهو ما عبر عنه بشكل خاص حالة الفراغ السياسي، التي يعيشها العراق من بعد إجراء الانتخابات، ولشهور طويلة من دون التوصل إلى توافق سياسي بشأن تشكيل الحكومة.
وقد شهدت الانتخابات إقصاء مئات المرشحين بدعوى انتمائهم السابق لحزب البعث. وأحيطت نتائج الانتخابات بمطاعن واسعة، استدعت إعادة فرز جزئي للأصوات لم يغير من نتائجها. وأظهرت نتائج الانتخابات غلبة التصويت على أسس طائفية أو عرقية، كما اتجهت المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة إلى تكريس مبدأ المحاصصة الطائفية للمناصب السيادية.
واستبقت السلطات البحرينية إجراء الانتخابات البرلمانية بشن أشرس حملة قمعية، طالت المئات من المعارضين في أوساط الشيعة والتيار الليبرالي، وعددا من مدافعي حقوق الإنسان، واستخدمت قانون مكافحة الإرهاب في تقديم بعضهم لمحاكمة جائرة، في التوقيت ذاته الذي جرت فيه الانتخابات. وجاءت هذه الحملة مكملة لترتيبات أخرى أهمها "التجنيس السياسي"، وذلك لزيادة وزن الطائفة السنية في قوام الهيئة الناخبة، لقطع الطريق على احتمالات تمثيل الشيعة في البرلمان بنسبة تتسق مع كونهم يشكلون أغلبية السكان في البلاد. كما عمدت الحكومة إلى تقسيم الدوائر الانتخابية وفقا لاعتبارات سياسية ترمي لتحقيق الهدف ذاته. وأفضى المناخ القمعي إلى تراجع نسب المشاركة في التصويت، بما في ذلك لدى الأوساط الشيعية. ومن ثم فقد نجحت السلطات في ألا يتجاوز الشيعة 45% فقط من مقاعد البرلمان.
كانت الانتخابات المصرية لمجلسي الشعب والشورى واحدة من أسوأ الانتخابات في تاريخ المصريين، فقد أجريت دون إشراف قضائي، وحرمت منظمات المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات بصورة فعالة، لتمارس أجهزة الأمن والحزب الوطني وحكومته الدور الحاسم في توجيه مسار العملية الانتخابية. ووصل الأمر إلى حد التزوير الفاضح حتى لبعض مرشحي أحزاب المعارضة الرسمية، وخاصة بعدما أظهرت الجولة الأولى من الانتخابات، سواء في الشورى أو في مجلس الشعب انحسارا يكاد يكون كاملا لتمثيل المعارضة الرسمية داخل المجلسين.
صار مجلس الشعب تعبيرا صارخا عن برلمان الحزب الواحد، بعدما حصد مرشحو الحزب الحاكم وأنصاره نحو 93% من مقاعد البرلمان، في حين لم تحصل المعارضة الرسمية مجتمعة –حتى بعد التزوير لصالحها- إلا نحو 3% من المقاعد، وتوزعت باقي المقاعد (4%) على مستقلين غير منتمين لأي تيار سياسي. وأقصى الإخوان المسلمون بصورة نهائية من دخول البرلمان. وكانت السلطات قد استبقت انتخابات مجلس الشعب بحملات قمعية واسعة النطاق، وتمثلت أبرز مظاهرها في اعتقال المئات من أنصار الإخوان المسلمين، وشيوع حالات اختطاف للنشطاء السياسيين الآخرين على أيدي أجهزة أمنية لم يفصح عن هويتها، وترويع هائل لوسائط الإعلام عبر قرارات إدارية بالإنذار والإغلاق لعدد غير قليل من الفضائيات، وإغلاق برامج حوارية تحظى بمشاهدة كثيفة، وإلزام الشركات أو المؤسسات التي تقدم خدمة الرسائل الإخبارية عبر المحمول بالحصول على ترخيص مسبق، ومنع البث المباشر من مواقع الأحداث، بدون موافقة مسبقة. وتحاصر المطاعن بالبطلان التشكيل الجديد لمجلس الشعب، في ظل الأحكام النهائية الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا، والتي بلغت حتى انتهاء جولة الإعادة 350 حكما، في حين تجاوزت الأحكام التي أصدرتها محاكم القضاء الإداري ألف حكم قضائي، لم ينفذ منها سوى 15 حكما.
تاسعا: الانتهاكات الجسيمة في ظل الاحتلال والصراعات المسلحة
ظل الفلسطينيون هدفا لانتهاكات فادحة، سواء تحت وطأة الاحتلال أو نتيجة لحالة الصراع المستمر، والذي قاد عمليا إلى انقسام السلطة ما بين سلطة موالية لحركة "فتح" في الضفة الغربية، وأخرى تتسيدها حركة "حماس" في قطاع غزة، وهو ما اقترن دائما بممارسات متبادلة للانتقام من قبل كل طرف ضد المحسوبين على الطرف الآخر. ومن ثم فقد رصد التقرير -كما أشير في فقرات سابقة- استمرار التسييس في التمتع بالحقوق والحريات، أو بمعنى أدق استمرار التسييس في انتهاك تلك الحقوق تبعا للانتماء السياسي.
وقد واصلت إسرائيل جرائمها وسياساتها المنافية للقانون الدولي الإنساني، وعلى وجه الخصوص عبر العقاب الجماعي والحصار الخانق المفروض على سكان غزة، الذي وصل إلى حد مهاجمة قوافل الإغاثة التي عرفت باسم "أسطول الحرية"، واستخدام القوة المفرطة لمنع دخولها مياه غزة، وهو ما ترتب عليه مصرع 9 من النشطاء المشاركين ضمن هذه القافلة. بيد أن هذه الجريمة الإضافية يمكن القول إنها أسهمت –ولو بشكل محدود للغاية- في تخفيف محنة غزة، عبر إعلان مصر فتح معبر رفح الحدودي من دون تحديد موعد لإغلاقه.
كما تواصلت إجراءات "تهويد" القدس والنشاط الاستيطاني واستكمال بناء الجدار العنصري، وسياسة القتل خارج نطاق القانون عبر الاغتيال أو التصفية الجسدية بحق مواطنين فلسطينيين، تعتبرهم ضالعين في عمليات عسكرية ضدها. وقد ذهب ضحية هذه العمليات خلال العام، وحتى أكتوبر 2010، ما لا يقل عن 9 أشخاص. وقد ظلت إسرائيل بمنأى عن العقاب على جرائمها، ليس فقط من خلال الحصانة التي تفرضها الولايات المتحدة أو أطراف أوروبية على محاسبة إسرائيل، بل بدا واضحا هذا العام أن مصالح أو حسابات سياسية مشتركة، باتت تجمع ما بين إسرائيل وطرفي السلطة الفلسطينية، وبموجبها تقدمت السلطة الوطنية الفلسطينية بمشروع قرار باسم منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، تقرر بموجبه إعطاء مهلة إضافية لكل من إسرائيل وطرفي السلطة الفلسطينية لإجراء التحقيقات في الجرائم، التي وثقها تقرير جولدستون، بشأن انتهاكات القانون الدولي الإنساني خلال الحرب على غزة. وقد جاء هذا القرار ليقطع الطريق مجددا على إحالة ملف هذه الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على الرغم من أنه قد ثبت من تقرير لجنة الخبراء التي تتابع مدى التزام الأطراف الثلاثة بتنفيذ توصيات جولدستون، أن التحقيقات التي أجريت من الجانب الإسرائيلي، أو من الجانب الفلسطيني افتقرت إلى الجدية والشفافية والنزاهة.
وفي ظل تداعيات الصراع بين حركتي فتح وحماس، يظل مئات من أعضاء حركة "حماس" رهن الاعتقال وعرضة للتعذيب داخل مراكز الاحتجاز في الضفة الغربية، وهو ما يتعرض له أعضاء حركة "فتح" والمحسوبيون عليها في قطاع غزة.
كما صدرت أحكام بالإعدام تفتقر لأي سند قانوني بحق 4 أشخاص، بتهمة التعاون مع العدو. وفي ظل التأزم السياسي تزداد المطاعن حول مشروعية مؤسسات الحكم، وتمتد هذا العام إلى المجالس المحلية، بعدما أصدر مجلس الوزراء بالسلطة الوطنية الفلسطينية على نحو مفاجئ قرارا بتأجيل انتخابات المجالس المحلية لأجل غير مسمى، بالمخالفة للقواعد والإجراءات التي ينظمها قانون إنشاء هذه المجالس.
وقد ظل العراق مجددا الساحة الأكبر للعنف الدموي في المنطقة العربية، وإن كان هناك انخفاض ظاهر في إعداد الضحايا. فعلى مدى تسعة أشهر ونصف الشهر هذا العام، بلغت حصيلة القتلى المدنيين 3091 مقارنة بنحو 4645 قتلوا خلال عام 2009، وحوالي 9221 في 2008. وتعكس هذه الأرقام هشاشة الوضع الأمني والشكوك بمدى قدرة أجهزة الأمن على القيام بمسئوليتها من جهة، والاحتياج إلى إعطاء قوة دفع أكبر لمسار تطوير العملية السياسية بين مختلف الأطراف المتصارعة داخل العراق. وتقع مسئولية العنف هذا العام بالدرجة الأكبر على الأطراف العراقية، بعد توقف شبه كامل لمعظم العمليات العسكرية الكبرى التي كانت تنفذها القوات الأمريكية في إطار استراتيجية إعادة انتشار هذه القوات، وانتهاء المهام القتالية الأمريكية رسميا.
وقد ظلت الأقليات الدينية والعرقية هدفا لأعمال عنف وقتل عشوائي، نتيجة هيمنة خطابات وجماعات دينية متشددة على المسرح السياسي والثقافي في العراق؛ حيث جرى تنظيم اعتداءات وأعمال قتل ضد الأقلية المسيحية وكنائسها. كما أفضت اعتداءات مماثلة تتعرض لها طائفة "الصابئة المندائبين" منذ الغزو الأمريكي للعراق إلى اضطرار نحو 12 ألفا منهم إلى الهجرة والنزوح القسري. وفي ظل استمرار الصراع المسلح داخل العراق، فإن عدد اللاجئين والنازحين داخليا يقدر بأكثر من مليونين وسبعمائة ألف.
في اليمن سقط المئات من القتلى من السكان المدنيين، في ظل استمرار العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثيين في صعدة في الفترة من أغسطس 2009، حتى وقف إطلاق النار الهش في فبراير 2010. وقد شهدت هذه العمليات انضمام المملكة السعودية رسميا لأول مرة في المواجهات المسلحة إلى جانب الحكومة اليمنية. بينما واصلت السلطات اليمنية ممارساتها في الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب، وصدرت أحكام بالإعدام بحق العشرات. وفي الوقت ذاته، فإن المعلومات ترصد إقدام الحوثيين على تنفيذ أحكام بالإعدام بمعزل عن القضاء، واستخدامهم للأسرى من ضباط الجيش اليمني كدروع بشرية.
يؤدي استمرار التأزم السياسي والانقسام الطائفي والمذهبي، وحالة ازدواج السلطة في لبنان، إلى تراجع فادح في مقومات دولة القانون، وباسم سلاح المقاومة الذي يرفعه حزب الله، باتت مؤسسات الحكم والأجهزة القضائية والأمنية الرسمية عاجزة عن الاضطلاع بمسئولياتها. ونتيجة لذلك تتصاعد ضغوط شديدة للتأثير على فرص تحقيق العدالة في ملف اغتيال الحريري، وسلسلة أخرى من الجرائم اللاحقة، الأمر الذي وصل إلى حد تهديد حزب الله، بإغراق البلاد في حرب أهلية، إذا ما انطوى قرار المحكمة الدولية الخاصة بهذا الملف على اتهام أعضاء في الحزب.
ظلت الصراعات المسلحة في السودان مصدرا لتفاقم المعاناة الإنسانية في مناطق واسعة من البلاد، وهو ما وجد تعبيره في الجنوب في نزوح أكثر من 150 ألف شخص، وقتل ما يزيد على 700 شخص حتى يوليو 2010. وفي دارفور حصدت أعمال العنف والاشتباكات العسكرية أرواح المئات، وفاقمت من مشكلات النزوح والتشرد الداخلي.
كما واصلت السلطات السودانية إجراءاتها في طرد المزيد من منظمات الإغاثة العاملة في الإقليم. وتواصلت أعمال الاختطاف لموظفي الإغاثة ولجنود قوات حفظ السلام.
ورغما عن صدور قرار ثانٍ من المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة الرئيس السوداني، بعد إضافة عدد من جرائم الإبادة الجماعية إلى مذكرة الاتهام، يواصل الرئيس عمر البشير والنظام السوداني تحدي العدالة الدولية، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسئولياته في دعم تنفيذ قرارات المحكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.