ربما لا يلاحظ الكثيرون ان النظام الملكي الوحيد في افريقيا اليوم هو في المغرب، بعد انهيار آخر نظامين ملكيين بسقوط الملك ادريس في ليبيا مع قيام ثورة فاتح أيلول عام 1969، وتلاشي امبراطورية هيلاسيلاسي في الحبشة على يد منغستو هيلا مريم عام 1974. وقد انطلقت اخيراً في مدينة فاس المغربية احتفالات الذكرى السنوية ال1200 لقيام الملكية في المغرب التي نشأت بالتزامن مع تأسيس هذه المدينة، وسوف تستمر الاحتفالات والتظاهرات والمهرجانات الفنية والثقافية طوال العام 2008 وتشمل المحافظات الست عشرة للمغرب، إضافة إلى الجاليات في الخارج. وبلغت الموازنة المخصصة لإحياء هذه المناسبة 350 مليون درهم أي ما يوازي 30 مليون يورو، أسهمت الدولة المغربية بما قيمته 150 مليون درهم، أي حوالي 13 مليون يورو. ويرجع تأسيس مدينة فاس إلى نهاية القرن الثامن ميلادي، مع مجيء ادريس الأول إلى المغرب سنة 789، حين بُنيت النواة الأولى للمدينة على الضفة اليمنى لوادي فاس، ثم جاء ادريس الثاني فأسّس العام 808 مدينة فاسالجديدة على الضفة اليسرى لوادي فاس (وفق ما رواه ابن أبي زرع في كتابه "روض القرطاس" الذي وضعه العام 1326). وفي القرن الثامن كانت بغداد مركز العالم العربي. وفي العام 788 نجا ادريس بن عبدالله المتحدر من سلالة النبي محمد (صلعم) من محاولة اغتيال، ولجأ إلى أقاصي الخلافة العربية أي المغرب الحالي، لكنه قُتل مسموماً في عام 793 وهو يتناول بعض حبات العنب. ونجح ابنه ادريس الثاني في تأسيس دولة مركزية وقوية. واستمرت السلالة الادريسية في الحكم حتى العام 1055 حين حلّت محلها سلالة المرابطين (1055 1144) الذين بنوا مدينة مراكش، ثم الموحدين (1147 1269)، فالمرينيين (1269 1529)، فالسعديين (1529 1654)، فالعلويين الذين استمروا في سدة السلطة منذ العام 1654، والذين يتحدر من سلالتهم العاهل المغربي الملك محمد السادس. هذه الاستمرارية في العرش المغربي لا نظير لها في القارة الافريقية، اذا استثنينا بالطبع بعض ملوك القبائل والطوائف في مختلف ارجاء القارة (مملكة سوازيلند مثالاً). واذا كانت طبيعة النظام الملكي أن يستمر بالتوارث فهذا لا يعني ان بقية الحكام لا يَسعون إلى البقاء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وآخر مثالين على ذلك انتخابات كينيا التي كادت تشعل حرباً أهلية مدمرة لأن الرئيس كيباكي زوّر الانتخابات ورفض التنازل لزعيم المعارضة، وانتخابات زمبابوي (روديسيا سابقاً) حيث يجد الرئيس روبرت موغابي صعوبة بالغة في تقبل نتائج التصويت الذي جاء لمصلحة غريمه. وإذا استثنينا الحالة المغربية، نجد أن مُعدل بقاء الحاكم في القارة السمراء هو ربع قرن. فالعقيد معمر القذافي عميد الحكام العرب يحتفل العام المقبل 2009 بمرور أربعة عقود على ثورة الفاتح. لكنه في افريقيا لا يحل الا في المرتبة الثانية، لأن رئيس الغابون الحاج عمر بونغو أودينبا يتفوق عليه بعامين. ويحل في المرتبة الثالثة رئيس جمهورية غينيا الاستوائية التي أصبحت اليوم من الدول المصدرة للنفط ثيودورو أوبيانغ نغيما الذي دخل حكمه العام 29، ويتساوى في المركز الثالث كل من خوسيه ادواردو دوس سانتوس رئيس أنغولا (التي عاشت حرباً أهلية طويلة)، وروبرت موغابي آنف الذكر في زمبابوي، والذي يرى ان بقاءه في السلطة نحو ثلاثة عقود غير كاف لتدمير اقتصاد البلاد بشكل كامل ونهائي. أما المرتبة الرابعة فهي من نصيب الرئيس المصري حسني مبارك الذي مضى عليه 27 سنة في الحكم، أي المدة التي قضاها سلفاه مجتمعين تقريباً، وهما الرئيس جمال عبدالناصر والرئيس أنور السادات، يليه رئيس الكاميرون بول بيا (26 سنة)، ورئيس غينيا لانسانا كونته (25 سنة)، ورئيس جمهورية الكونغو دنيس ساسو نغتسو (ربع قرن أيضاً)، ثم يوويري موسيفيني رئيس أوغندا (23 سنة)، ونفس المدة للمملكة الافريقية السوداء الوحيدة وهي مملكة سوازيلند القبلية، وملكها هو مسواطي الثالث، ويليه رئيس غينيا بيساو جواو برناردو فييرا (22 سنة)، ورئيس جمهورية بوركينا فاسو بلاز كمباوري (21 سنة) الذي جاء إلى السلطة بعد مقتل رفيق دربه طوماس سنكاره في ظروف مشبوهة. ولا يحل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الا في المرتبة الرابعة عشرة، وقد احتفلت تونس في 7 تشرين الثاني المنصرم بالذكرى العشرين لوصوله إلى سدة الحكم، بعد تنحية الحبيب بورقيبة لأسباب صحية في انقلاب ناصع البياض على الطريقة التونسية. ويليه في المرتبة الخامسة عشرة الرئيس السوداني عمر حسن البشير الذي يحكم منذ 19 سنة، رغم كل الخضات التي تعيشها بلاده، والتي تمكنت هذا العام من تحقيق احدى أعلى نسب التنمية في افريقيا. ويحل بعده مباشرة جاره اللدود الرئيس التشادي ادريس ديبي انتو الذي يحكم تشاد منذ 18 عاماً، وهي المدة نفسها التي قضاها رئيس وزراء اثيوبيا ميليس زيناوي. في حين ان جاره التوأم، اللدود هو الآخر، رئيس ارتيريا اسياس افورقي في السلطة منذ 16 عاماً. ويأتي في آخر قائمة المعمّرين رئيس غامبيا يحيى جامع (14 سنة). أمام هذه الأرقام تبدو مساعي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لتعديل الدستور حتى يُمكن انتخابه لعهدة ثالثة من خمس سنوات، شديدة التواضع، فهو في نيسان من العام المقبل يكون قد أمضى على رأس السلطة عشر سنوات فقط لا غير. ولعل الظاهرة اللافتة للنظر في بعض الدول غير الملكية هي ظاهرة الجمهوريات الملكية حيث يسعى الأبناء إلى وراثة الآباء. وقد جرى ذلك في الكونغو كينشاسا على سبيل المثال. المستقبل - الاربعاء 7 أيار 2008