ينتظر المعنيون بالعلاقات الجزائرية المغربية الرد الجزائري علي اخر المبادرات المغربية لتطبيع العلاقات الثنائية بينهما بعد سنوات من الفتور والتوتر. وفي ظل حملة اعلامية متبادلة، لا تهدأ حتي تعود من جديد، اقترح المغرب الاثنين رسميا عقد لقاءات علي مستويات عليا لاعادة الروح للعلاقات المغربية الجزائرية والتي وصفتها صحيفة العلم المغربية لسان حال حزب الاستقلال (الحزب الرئيسي بالحكومة) بأول الغيث. ولم تعلن الجزائر حتي الان موقفا رسميا من المبادرة المغربية التي قدمت في اجتماع عقد بالرباط بين وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري والسفير بومدين جناد القائم بأعمال السفارة الجزائريةبالرباط. وتهدف المبادرة، حسب الخارجية المغربية، الي تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين وفتح الحدود البرية المغلقة منذ 1994 وذلك من خلال اجتماعات تعقد بين وزيري خارجية ووزيري داخلية البلدين. وقالت وزارة الخارجية المغربية ان الطيب الفاسي الفهري جدد للدبلوماسي الجزائري التزام المغرب الصادق للعمل مع الجزائر، البلد الجار والشقيق، لتطبيع العلاقات الثنائية، ويدعوها من جديد لفتح الحدود البرية المغلقة منذ 1994 وإحياء التعاون الثنائي في مختلف جوانبه . و الاستعداد الكامل لفتح الحوار وإجراء المشاورات الضرورية مع السلطات الجزائرية في أقرب الآجال ويقترح عقد لقاء مشترك بين وزيري الخارجية ووزيري الداخلية في البلدين قصد استعراض الواقع الراهن للعلاقات الثنائية وتدارس القضايا العالقة والاتفاق حول آليات تحقيق انطلاقة فعلية ودائمة للعلاقات بين البلدين . المبادرة المغربية الاخيرة تأتي في سياق دبلوماسية جديدة تتبعها الرباط منذ بداية العام الحالي ترتكز علي مخاطبة الجزائر عبر وسائل الاعلام، وهي لم تلق حتي الان قبولا جزائريا بل تذهب اوساط جزائرية الي وضع هذه الدبلوماسية في خانة الاحراج التي تهدف الرباط وضع الجزائر في اطارها. ومظاهر الدبلوماسية المغربية الجديدة تجلت في منتصف اذار/مارس الماضي بالرسالة المفتوحة التي وجهتها وزارة الخارجية المغربية عبر وسائل الاعلام الي الجزائر لفتح الحدود بين البلدين وتطبيع شامل للعلاقات وتجلت نهاية الشهر الماضي في الخطاب الذي القاه بحضور عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة الجزائرية محمد اليازغي وزير الدولة المغربي (نائب رئيس الحكومة) في مؤتمر احزاب المغرب العربي لاحياء الذكري الخمسين لمؤتمر طنجة المغاربي والذي دعا فيه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لدعم مشروع الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء الغربية واقترح ورشات كبري للمغرب العربي (سكة حديد، طريق سيار..). واذا كان المسؤولون الجزائريون قد ردوا علي رسالة وزارة الخارجية المغربية بالتقليل من اهميتها واعتبار ان حل مسألة الحدود البرية المغلقة يأتي في سياق حل لكافة القضايا المعلقة بين البلدين، فإن عبد العزيز بلخادم رد علي ما جاء في خطاب اليازغي بأن دعم بلاده للصحراويين لتقرير مصيرهم هو انسجام مع مبادئ وقيم الجزائر بدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وأن هناك قنوات معروفة لتسوية وحل القضايا العالقة. واذا كانت الدبلوماسية المغربية الجديدة تعتمد الوضوح والعلنية وتجاوز القنوات الدبلوماسية التقليدية في حل المشاكل العالقة مع الجزائر، فإن خللا ما غير واضح وغير مفهوم يحكم هذه العلاقات التي تراوحت منذ بداية الستينات، بين الفتور والتوتر، احيانا التصادم العسكري او الدبلوماسي، فباستثناء سنوات قليلة (1970 الي 1975) و(1988 الي 1992) لم تعرف علاقات البلدين، الجارين الشقيقين اللدودين، وئاما وتعاونا بل ان العاهل المغربي الملك محمد السادس قال لمسؤول عربي كبير التقاه انه لا يستطيع ان يقول ان العلاقات المغربية الجزائرية سيئة او متوترة لانه ليست هناك علاقات اصلا. واذا كانت قضية الحدود البرية هما مغربيا حقيقيا لانها تعني منطقة المغرب الشرقي كاملة التي تكاد تكون منطقة منكوبة، فإن قضية الصحراء الغربية المتفجرة منذ منتصف السبعينات، تبقي العنوان البارز للعلاقات بين الرباطوالجزائر. والرباط تري في دعم الجزائر لجبهة البوليزاريو وتبنيها لمقاربة دولة مستقلة بالصحراء التي كانت تحت الاستعمار الاسباني موقفا عدائيا من وحدتها الترابية وتري الجزائر ان الوجود المغربي في الصحراء وجودا غير شرعي ومن حق الصحراويين تقرير مصيرهم في استفتاء تجريه الاممالمتحدة ودعمها لهذا الحق لا يختلف عن دعمها لحق الشعوب في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية. ويقترح نور الدين حشاد مدير مكتب الجامعة العربية في تونس في محاضرة القاها بالرباط في 2005 ان نزاع الصحراء هو نتيجة للعلاقات المتوترة الجزائرية المغربية وليس سببا لهذا التوتر واذا كان هذا الرأي لم يلق ارتياحا من الحضور المغربي في الندوة وهم نخبة من السفراء والمسؤولين لانه بذلك يقلب المعادلة السائدة في المنطقة، فإن تناقضا يسود الموقفين المغربي والجزائري ومنذ اندلاع النزاع في كيفية التعاطي مع العلاقات بينهما، ففي الوقت الذي كان فيه المغرب يقول بوضع نزاع الصحراء جانبا وبحث العلاقات الثنائية كانت الجزائر ترفض وحين تقول الجزائر بالذهاب نحو العلاقات الثنائية ووضع قضية الصحراء بين قوسين كان المغرب يرفض. وينتظر كل طرف هفوة من الاخر لكي يحمله مسؤولية ما تعرفه علاقاتهما الثنائية من توتر او الاطار المغاربي الذي يجمعهما منذ 1989 مع ليبيا وتونس وموريتانيا وما يعرفه من جمود. الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية المغربي قال امس الثلاثاء أن المغرب العربي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للشعوب المغاربية الخمسة، وأيضا بالنسبة لشركاء المنطقة، سواء تعلق الأمر بالاشقاء العرب أو الأشقاء الأفارقة أو الاتحاد الأوروبي . وقال نحن في حاجة الي تنسيق أعمالنا، وتقديم واجهة مشتركة ، داعيا الي التطبيع التام لعلاقاتنا مع الجزائر، والي اندماج اقتصادي واجتماعي وثقافي علي المستوي المغاربي . وأضاف أن البلدان المغاربية مدعوة الي اعتماد مجهوداتها الخاصة لبناء مستقبلها. اخر مظاهر هذا التوتر كان الاسبوع الماضي بحادثة بتر النشيد الوطني المغربي في مبارة لكرة القدم بين فريقين مغربي وجزائري جرت في مدينة القليعة الجزائرية، مما دفع بالخارجية المغربية الي اصدار بلاغ رسمي اشارت فيه الي مخاطر هذا الحادث ومغزاه السيادي وتطلب فيه تحقيقا شاملا، واعتبره عبد الحميد الصويري رئيس الوفد المغربي استفزازا لمشاعر المغاربة واساءة للشعب المغربي. والجزائر التي تحدثت مصادرها عن طلب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تقريرا شاملا للحادث قالت علي لسان رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم حميد حداج ان الحادث وقع نتيجة الخلل في التسجيل الذي سلمه الوفد المغربي. وطالب بعدم تأويل هذا الحادث في اي حال من الاحوال كعمل متعمد او عدواني ، واعرب عن استيائه و اسفه الشديد للبعد الذي اخذه هذا الحادث التقني، اذ خرج من الاطار الرياضي والاخوي الذي ما فتئ يطبع العلاقات القائمة بين الاتحاديتين الجزائرية والمغربية . وطمأن رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم نظيره رئيس الاتحادية المغربية لكرة القدم ان هذا الحادث لن يؤثر ابدا علي العلاقات الاخوية الممتازة التي تربط بين اتحاديتينا و التي علينا العمل علي تعزيزها باستمرار . في اجواء حادثة النشيد الوطني في القليعة، التي كان يمكن ان تكون عادية في اجواء عادية، جاءت المبادرة المغربية الاخيرة وهي المبادرة التي لم تأت من فراغ بل نتاج تحركات اقليمية وجهوية لخلق تعاون في اطار اتحاد المغرب العربي او في اطار الاتحاد المتوسطي الذي دعت له فرنسا ويعقد قمته الاولي في باريس منتصف تموز/يوليو القادم ودول المغرب العربي ومعهم دول جنوب اوروبا او الضفة الشمالية للبحر المتوسط يدركون انه سيكون من سخرية السياسة ان يلتقي المغرب والجزائر في اتحاد مع اوروبا ولا يلتقيان في اتحاد مغاربي او في ظل علاقات طبيعية بينهما.