بهجت أبو غربية شيخ مجاهدي فلسطين يروي ل "الفجرنيوز" ذكرياته عن ضياع فلسطين الجامعة العربية رفضت اقتراحا للحاج أمين الحسيني بإعلان قيام دولة فلسطين وتشكيل حكومة منفى قبل النكبة الجيش الأردني اقتحم مقر جيش الجهاد المقدس في بيرزيت بسبب جهاز لاسلكي كان يتصل مع المفتي في القاهرة بن غوريون هاجر لفلسطين في عهد السلطان عبد الحميد مع أنه رفض بيع فلسطين لهرتزل مقابل تسديد ديون العثمانيين مشروع اقامة دولة يهودية بدأ سنة 1840 حين طرد الإنجليز جيش ابراهيم باشا من الجزيرة العربية واعادوه لداخل مصر فرضنا حصارا تاما على 200ألف يهودي في القدس قبل دخول الجيوش العربية.. لم نستلم أي سلاح قبل قرار التقسيم القنصلية البريطانية في القدس في العهد العثماني أعلنت أن مهمتها حماية اليهود وتشجيع هجرتهم إلى فلسطين النبي موسى لم يدخل فلسطين.. وصل فقط إلى جبل نبو شرقي نهر الأردن وقال ملعونة أنت يا اسرائيل..! مطالبنا كانت وقف الهجرة ووقف انتقال الأراضي لليهود والإستقلال..هذا هو ميثاقنا القومي في ذلك الزمن بريطانيا ظلت مصرة على قيام اسرائيل رغم اعلان مناحيم بيغن ومنظمة شتيرن الحرب على الإنجليز في فلسطين نوري السعيد نقل للقيادة الفلسطينية موافقة بريطانيا على وقف الهجرة اليهودية مؤقتا فنفى وزير المستعمرات ذلك يوم وقف الثورة..! 9 أسباب وراء رفض التقسيم أهمها عدم التفريط بحق الأجيال اللاحقة..عبد القادر الحسيني قال ليمر التقسيم على اجسادنا فجّرنا قيادة الهاجانا في القدس ومقر الوكالة اليهودية وشارع بن يهودا في القدس..كانت لدينا متفجرات كثيرة واسلحة قليلة حاوره في عمان: شاكر الجوهري ومن أفضل من شيخ المجاهدين الأستاذ بهجت أبو غربية يمكنه أن يتحدث عن النكبة في ذكراها الستين، وهو صاحب التجربة العسكرية والسياسية الكبيرة، جرح خلالها ثمان مرات في مقاومته لليهود على رأس قواته من جيش الجهاد المقدس سنة 1949..؟ العم أبو سامي، وقد تجاوز التسعين من عمره المديد، ما زال يحتفظ بذاكرة حديدية، تسجل وتروي للأجيال كيف قاوم الفلسطينيون المخططات البريطانية الفرنسية، والأميركية لإقامة الدولة العبرية، وخططوا لها من أجل مصالحهم، قبل أن يفكر بها اليهود..! وتتناول ذاكرته كيف أن بريطانيا ظلت مصرة على قيام اسرائيل رغم اعلان مناحيم بيغن ومنظمة شتيرن الحرب على الإنجليز في فلسطين..ذلك أن قيام الدولة العبرية هو مصلحة بريطانية وغربية، فكرت بها لندن وباريس وواشنطن فعلا قبل أن يفكر بها اليهود. يوم دخلت الجيوش العربية فلسطين، كان جيش الجهاد المقدس يفرض حصارا خانقا على 200 ألف يهودي في القدس، لم تنقذهم منه غير الهدنة التي ابرمتها الدول العربية مع اسرائيل..! بالطبع اليهود كانوا قد تكاثروا بفضل الهجرة التي رعتها بريطانيا من ما بين ثلاثين إلى خمسين ألفا يوم صدور وعد بلفور، إلى ثلث سكان فلسطين يوم صدور قرار التقسيم. أما اراضي فلسطين، فقد كان اليهود يملكون 2 بالمئة منها يوم صدور الوعد المشؤوم، لم تزدد لأكثر من 6ر5 بالمئة يوم النكبة..ذلك أن قرار منع بيع الأراضي كان شعبيا فلسطينيا، رغم تحويل ملكية اراض ميرية لليهود من قبل سلطة الإنتداب. وتروي ذاكرة مجاهدنا وشيخنا الجليل كيف عمل الجنرال كلوب باشا قائد الجيوش العربية في فلسطين على تفكيك جيش الجهاد المقدس عبر شراء اسلحة الفلسطينيين بعد فرض الهدنة الثانية، وتجنيد ضباط المقاومة في الجيش العربي. وتتسع ذاكرة شيخنا كذلك لمفردة سياسية تروي أن الجامعة العربية رفضت اقتراحا للحاج أمين الحسيني بإعلان قيام دولة فلسطين وتشكيل حكومة منفى فلسطينية قبل النكبة. وتنفي أن يكون الجيش الأردني اقتحم ةمقر قيادة جيش الجهاد المنقدس في بير زيت بهدف انهاء هذا الجيش الذي استشهد قائده الشهيد عبد القادر الحسيني، وإنما بسبب وجود جهاز لاسلكي لدى قائد المنطقة يتصل من خلاله مع الحاج أمين الحسيني الذي شكل حكومة عموم فلسطين في غزة. وتكشف ذاكرة شيخنا المجاهد عن أن دافيد بن غوريون، مؤسس اسرئيل، هاجر لفلسطين في عهد السلطان عبد الحميد، حيث سمح بالهجرة اليهودية الواسعة لفلسطين، مع أن السلطان رفض بيع فلسطين لهرتزل مقابل تسديد ديون العثمانيين. وبالرغم من أن الفلسطينيين امتلكوا القليل من السلاح، إلا أنهم امتلكوا من المتفجرات ما يكفي لتفجير قيادة الهاجانا، ومقر الوكالة اليهودية وشارع بن يهودا في القدس.. هنا نص حوار الذكريات والآلام: • لنبدأ هذا الحوار بالإطلاع على كيف تنظر للنكبة بعد ستين عاما على وقوعها..؟ النكبة يجب أن ينظر لها من خلال بداية المسيرة الإستعمارية الصهيونية التي سبقت وقوعها، وما جرى من أحداث وثورات واجراءات بريطانية قبلها. ومن ثم ما جرى بعد النكبة..أي تداعيات النكبة، وما جرى في خضم الصراع الصهيوني الإستعماري العربي خلال هذه الفترة. بشكل عام أنا أقول أن الصراع القائم الآن هو نتيجة النشاطات الإستعمارية للنشاط القديم، وتحالف هذا الإستعمار مع الحركة الصهيونية، وهو تحالف ما زال قائما حتى الآن. والصراع ما زال هو الآخر قائما حتى الآن. لكن الملاحظة الرئيسة التي أريد الإدلاء بها هي أن الصراع اتجه إلى اقامة دولة يهودية في فلسطين، لتكون قاعدة للإستعمار في الوطن العربي..تفصل ما بين المشرق العربي والمغرب العربي. ولا تزال دولة العدو الصهيوني تلعب هذا الدور. البداية الرسمية كانت وعد بلفور، وأريد أن أبدا به، مع أن البداية تعود إلى قبل ذلك بكثير، وتحديدا منذ سنة 1840 حين تدخلت بريطانيا عسكريا، وأجبرت ابراهيم باشا على سحب جيشه من سوريا، وفرضت عليه معاهدة 1840. • لتعيد الجيش المصري من الجزيرة العربية وبعض الأراضي العربية في آسيا، ومن أراض داخل اوروبا إلى داخل مصر..؟ نعم. الذي أريد قوله، أنه بالرغم من القوى المعادية..بريطانيا وغيرها، والقاء اميركا لكل ثقلها بعد الحرب العالمية الثانية، الحركة الصهيونية نشطت وتنظمت وقويت وقامت دولتها..رغم ذلك، فإن هذه الدولة مشروعها الصهيوني لم يستقر حتى الآن. هذا ما أستطيع أن أؤكده، وأن أحاضر فيه. لم يستقر، بل الأصح أنه بدأ يتراجع على مستويات عديدة. المستوى الإقتصادي، المستوى الإستيطاني، بمعنى المهاجرين القادمين والعائدين، وعلى المستوى النفسي أيضا. هناك دراسات صهيونية تقول الآن، وهي موجودة على مواقع انترنت أن معظم الذين يغادرون دولة العدو الصهيوني في هجرة معاكسة هم من النخبة. وقد أفرغت دولة العدو تقريبا من النخبة، وأصبحت في وضع لا تحسد عليه من تفكك المجتمع الصهيوني وفساد الإدارة. هذا يتردد في الكثير من الصحف الإسرائيلية. باختصار أعود للقول هذا الصراع الدائر منذ أكثر من قرن، وهدف الصهيونية والإستعمار منه اقامة دولة يهودية على ارضنا. لقد أقيمت فعلا دولة، لكنها لم تستقر، بل هي تتراجع. المسألة الشرقية واحدة من البدايات • هم أنفسهم يشعرون بالقلق والخوف من المستقبل. لذلك، وهم في حالة قوة عسكرية يتحسبون للمستقبل، ويطالبون بالإعتراف بوجود الدولة العبرية كدولة يهودية. كنت بدأت الحديث عما قبل 1948، وأرجو أن تفصل أكثر عن أدوار والإستعدادات التي قامت بها الدول الإستعمارية في ايجاد اسرائيل..؟ هذا موضوع طويل، لكني سأتناوله باختصار. بداية معروف تاريخيا شيئ اسمه المسألة الشرقية، وهي تعني اعتبار الدول الإستعمارية، وخاصة بريطانيا وفرنسا أن الدولة العثمانية باتت في أواخر عمرها، وأنها بمثابة الرجل المريض، وتنتظر موت هذا الرجل للحصول على ممتلكاته وتقاسمها. كما ذكرت قبل قليل، عمليا حين دخلت جيوش محمد علي باشا بقيادة ابنه ابراهيم باشا إلى الدول العربية، وانسحبت جيوش الدولة العثمانية حتى حدود تركيا، خشيت الدول الإستعمارية من أن تنشأ دولة جديدة تعيد للمنطقة شبابها، وترث الدولة العثمانية بدلا من هذه الدول. لذا، تدخلت بريطانيا عسكريا، وأجبرت ابراهيم باشا على التراجع بجيشه إلى داخل الأراضي المصرية. وعقدت معه اتفاقية 1840 التي تجبره على العودة إلى داخل الأراضي المصرية. في تلك السنة، افتتحت بريطانيا أول قنصلية لها في القدس، وكانت أول قنصلية أجنبية يتم افتتاحها في المدينة. وهناك وثائق تؤكد أنه قبل هذا التاريخ سمحت الدولة العثمانية لفرنسا بفتح قنصلية في القدس، فكان أن هاجم أهالي القدس القنصلية الفرنسية، وقاموا بإنزال العلم الفرنسي، وأغلقوها. وقد تم أخذ زعماء هذه الحركة إلى استنبول، وتمت محاسبتهم من قبل الدولة العثمانية. لكن المهم هو أن هذه الحركة الإحتجاجية حالت دون بقاء القنصلية الفرنسية في القدس. مهمات القنصليات الغربية • لم حال المقادسة دون فتح قنصلية فرنسية في مدينتهم..؟ يقال أن نابليون بونابرت كان أول من تحدث عن وطن يهودي في فلسطين..؟ هذا صحيح. لم يتحدث فقط، لكنه دعا اليهود بالتزامن مع حملته على مصر وفلسطين للإشتراك في جيشه، وكان ذلك سنة 1798، كي يعيد لهم مجدهم وحكومتهم في فلسطين. لكنه لم يترتب على ذلك إجراء عملي. • ألم يستجب اليهود لبونابرت..؟ استجاب بعضهم، لكن نابليون انسحب من مصر فيما بعد.. • هزم. ووفقا للتقييمات التاريخية للحملة الفرنسية على مصر، فإن نابليون نجح ثقافيا وهزم عسكريا في مصر. نعم. ولم تجر اجراءات منظمة لإقامة دولة يهودية، كما فعل الإنجليز. الإنجليز، لم يفتحوا فقط قنصلية لهم في القدس، لكمن هذه القنصلية أعلنت منذ اليوم الأول أن واجبها هو حماية اليهود في فلسطين، وكان عددهم في حينه أقل من خمسة آلاف يهودي. وكثير من الكتاب اليهود يقولون لك لم يكن اليهود في ذلك الوقت في حاجة إلى حماية. المهمة الثانية للقنصلية البريطانية وفقا لما تم اعلانه رسميا من قبلها هو تشجيع الهجرة اليهودية لفلسطين..! بالإضافة إلى ذلك، سواء بريطانيا بصفة خاصة، وكذلك اميركا وفرنسا، نشطوا نشاطا كبيرا وواسعا منذ ذلك التاريخ في ارسال بعثات استكشاف للآثار القديمة (آثار العهد القديم)..أي آثار اليهود في فلسطين. وذلك بهدف أن يقولوا لليهود أن لهم آثار في فلسطين في عدد من الأماكن، وأن تعالوا لنقيم لكم دولة. حدث ذلك منذ 1840..! • إسمح لي هنا بأن اقاطعك مستنتجا أن الفرنسيين ثم الإنجليز فكروا في اقامة دولة لليهود قبل أن يفكر بها اليهود انفسهم..؟ الحقيقة أن اليهود، ولفترة طويلة، كان لديهم ما يمكن أن نسميه حنين إلى القدس "تنساني يميني إن نسيتك يا اسرائيل"..هذا كان شعارا لهم، وأنا أسميه حنين، وليس برنامجا لإقامة دولة. • حنين إلى القدس، أم إلى مقدساتهم في القدس كما يعتقدون..؟ لا مقدسات لهم في القدس. اليهود ليس لهم عندنا مقدسات في القدس. البراق هو الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف. وفي سنة 1929 اندالعت ثورة البراق، فجاءت لجنة بريطانية للقدس أعدت تقريرا عما حدث. وجاء في التقرير الذي أعدته أن ما يسمى حائط المبكى إنما هو حائط البراق وهو وقف اسلامي. لكن اليهود حققوا بالفعل مكاسب في العهد العثماني. أول مكسب حصلوا عليه هو زيارة حائط البراق. المكسب الثاني تم سنة 1848، وهو السماح لهم لأول مرة منذ العهدة العمرية بامتلاك أرض في القدس. إذ سمح لهم في ذلك العام السلطان عبد المجيد الأول بامتلاك أرض في القدس. وفي سنة 1852 بنى عليها الكونت مونتي فيوري حيا لا يزال موجودا حتى الآن يحمل إسم مونتي فيوري. حارة اليهود في القدس كلها ملك لأهالي القدس العرب، وليس لليهود. كان ممنوعا على اليهود أن يتملكوا. سكنها اليهود، وقد كانوا يستأجرون منازلا فيها. وعمليا بنوا فيها كنيسا كبيرا لا أذكر متى تم بناءه. جميع المباني في هذا الحي كانت ملك لمقادسة عرب من عائلات نمّر، الدجاني، الجاعوني. الآثار تقول أنه لا مقدسات لليهود في القدس. سيدنا ابراهيم يعتبرونه جدهم. هو جدنا نحن أيضا. النبي موسى له عندنا مقام في القدس يقع بين القدس وأريحا. وهو مقام وليس قبرا. سيدنا موسى لم يدخل فلسطين. وصل إلى جبل نبو في شرقي نهر الأردن، وقال ملعونة أنت يا اسرائيل..! لم يدخلها. الآثار القديمة التي يحدثوا عنها هي الآثار التي بنيت في عهد الدولة اليهودية، إذا صدقت حكاية هذه الدولة التي يتحدثون عنها. وللأسف أن بعضنا يكرس رواية وجود هذه الدولة. مثلا في المعاهدة الأردنية الإسرائيلية ثبتوا لأنفسهم ما بين ثلاثين وأربعين مكانا مقدسا في شرقي نهر الأردن. ومسموح لهم زيارتها. وحسب التاريخ الذي ترويه التوراة، وهو تاريخ مشكوك في مصداقيته، يقول إنه عندما قامت دولة اليهود كان لهم اربع ممالك، بينما كان يوجد في فلسطين فقط مملكتين. حقيقة سياسات السلطان عبد الحميد • التوراة مشكوك في مصداقيتها لأنها ليست منزلة من الله، ولكنها كتبت من قبل أنبياء وكهنة اليهود..؟ هي تاريخ بني اسرائيل. • نعود الآن إلى العهد العثماني..التاريخ يخبرنا أنه في العهد العثماني أسست مستوطنات يهودية في فلسطين، وتأسس اتحاد نقابات العمال اليهودية "الهستدروت"، وصدرت صحف باللغة العبرية، احدها صحيفة "هاآرتس".. كل هذا حدث خلال العهد العثماني، في حين هناك من يتحدث عن أن السلطان عبد الحميد لم يوافق على سكناهم وإنشاء دولة لهم في فلسطين. مع أنه في عهد عبد الحميد، وما قبله، زرعت نواة الدولة اليهودية في فلسطين..؟ أنا أذكر الوقائع التالية..أولا في عام 1882، الذي تم فيه احتلال الإنجليز لمصر، جاءت أول هجرة يهودية منظمة لفلسطين. وكان أن تم شراء اراضي تملكها عائلات لبنانية بواسطة وثائق غير رسمية.. • عائلات سلام، سرسق.. وتيان وشرباتي، وغيرها.. المهم هو أنه جاء اليهود واستولوا على اراض اخرجوا منها بعض عشائر بيسان، وحدث اشتباك. عشائر بيسان ارسلت استرحاما إلى السلطان عبد الحميد قالت فيه "يا مولانا ارحمنا هؤلاء اليهود جاؤوا إلى فلسطين ليس بحثا عن مأوى، وإنما ليستولوا على فلسطين". لاحظ الوعي الشعبي المبكر للخطر الصهيوني. عبارة لم يأتوا بحثا عن مأوى، تمثل اشارة إلى هجرة يهودية قديمة نسبيا لا اتذكر تاريخا..وهي هجرة اليهود السفارديم من اسبانيا إلى المغرب، وجاء قسم منهم لفلسطين. وقد عاصر جيلي وجود هذه الطائفة في فلسطين. • هؤلاء تم اخراجهم من اسبانيا مع العرب المسلمين..؟ نعم. ورحمة بهم سمح لهم بسكنى فلسطين. الإسترحام يقول للسلطان عبد الحميد هؤلاء لم يجيئوا بحثا عن مأوى، أي أنهم ليسوا مثل يهود السفارديم الذين جاؤا من اسبانيا..هؤلاء جاؤا ليستولوا على فلسطين. السلطان استجاب لهذا الإسترحام، وأمر بوقف الهجرة لمدة سنة..سنتين، ثم أعاد السماح بالهجرة تحت وطأة الضغط الفرنسي. كذلك فإن السلطان عبد المجيد حين سمح لهم بالتملك في القدس فعل ذلك تحت الضغط الفرنسي والإنجليزي. وفي سنة 1891 وصلت فلسطين موجة هجرة يهودية أخرى.. وصول بن غوريون • في عهد السلطان عبد الحميد..؟ نعم في عهد عبد الحميد..! وفي سنة 1904 وصلت أكبر موجة هجرة كان من ضمن من جاؤا فيها ديفيد بن غوريون..! وكان اؤلئك المهاجرون ينادون بالعمل الصهيوني، بمعنى أنه حتى ذلك الوقت كان اليهود يمتلكون أرضا، لكنهم جاؤنا من مدن. لم يكونوا مزارعين. لم يكونوا فلاحين. كانوا يستخدمون فلسطينيين في زراعة الأرض. موجة 1904 كان شعارها "العمل الصهيوني". أي يجب أن يتحول المدني اليهودي إلى فلاح، كي يعمل في الأرض. • أي أن يسير بعكس اتجاه حركة تطور المجتمعات الأخرى..؟ الفلاح متعارف عليه اقتصاديا أنه أكثر الناس ارتباطا بالأرض، لأنها مصدر رزقه. الفلاح مستقر، بعكس العامل أو الموظف. وحين توسعت الهجرة اليهودية كان معظمهم مدنيين وليسوا فلاحين. على أي حال، خلال هذه الهجرات أنشأت مستوطنات كثيرة. لكن الذي يقال عن السلطان عبد الحميد فيما يتعلق بفلسطين، ويتردد كثيرا، وهو صحيح، أن ثيودور هيرتزل قابل السلطان وعرض عليه مليوني جنيه استرليني ذهب، وأن يتولى اليهود تسديد ديون الخزينة العثمانية، مقابل أن يشتري منه فلسطين..! أن يتملكها بلدا وأرضا..! هذا هو الذي رفضه السلطان. ما طلبه هيرتزل يشبه وعد بلفور، وأكثر. ورفضه لهذا العرض يسجل لا شك للسلطان عبد الحميد. أما في عهده، فقد بدأ اليهود يتمكنون ويزدادون، وتبنى مستوطنات لهم، وما إلى ذلك. الإستيلاء على الأرض • نريد هنا أن نوضح أن اليهود كانوا يتملكون سنة 1917 حين صدور وعد بلفور 2 بالمئة من أرض فلسطين. وأنهم أصبحوا يتملكون سنة 1947 حين صدور قرار التقسيم فقط 6ر5 بالمئة من أراضي فلسطين..؟ وأنا أحوز كتابا عنوانه "جهاد عرب فلسطين" لمؤلفه محمد علي بوصيري، الذي كان وزيرا للخارجية الليبية، وقتل في حادث اسقاط طائرة فوق شبه جزيرة سيناء، يشرح بالتفصيل كيف تم استيلاء اليهود على الأراضي في فلسطين، ويقول إن نصف الأراضي التي كان يمتلكها اليهود سنة 1947 هي اراضي دولة حولت ملكيتها من قبل المندوب السامي البريطاني لليهود. وقد أثبت ذلك من خلال الوثائق وسندات تسجيل الأراضي. • حادث اسقاط الطائرة التي كان يستقلها البوصيري تم على أيدي الإسرائيليين في حينه..؟ نعم صحيح. النصف الآخر من هذه الأراضي يبين الكتاب أن نصفه تم شراءه من عائلات سرسق وتيان وشرباتي وسلام..ذلك أن فلسطين كانت جزءا من ولاية بيروت. يجدر هنا أن أنوه إلى أن هذه العائلات البيروتية أو الدمشقية لم تكن تعرف أن لها املاكا في فلسطين، لأن الفلاحين الفلسطينيين الذين كانوا يعملوا فيها لم يكونوا يعرفوا هم أيضا أن هذه الأراضي ليست ملكا لهم..!كانوا يتوارثون زراعتها أبا عن جد. اليهود هم الذين فتّشوا عن ملكيات الأراضي واكتشفوا وجود اراض مسجلة بأسماء عائلات لبنانية وسورية، واتصلوا بهذه العائلات وعرضوا عليها شراء الأراضي منها. بالتالي ما انتقلت ملكيته من الأراضي من فلسطينيين إلى يهود هو شيء محدود جدا، وحدث ذلك في ظل ظروف قاهرة. • وقد تم ذلك بواسطة وسائل الإحتيال. والإجبار. أنا أعرف شخصيا حادثا هو عبارة عن مثال على حوادث مشابهة. أواخر سنة 1947 أي قبل صدور قرار التقسيم، وكنت يومها عضوا في الحزب العربي الفلسطيني.. • الذي أسسه المفتي الحاج أمين الحسيني في برلين حين كان لاجئا سياسيا في زمن هتلر..؟ صحيح..قرابة 80 بالمئة من الشعب الفلسطيني كانوا يؤيدون هذا الحزب في حينه. في ذلك الوقت جاءنا أناس من قرية عين كارم، وأخبرونا أن جيرانا لهم باعوا ارضا ليهود، فأقدم اليهود على حراثة الأرض التي اشتروها، والأرض المجاورة لها العائدة ملكيتها للذين جاؤنا مستنجدين. وقد حرثوا الأرض تحت الحراسة المسلحة. كان لدى اليهود في ذلك الوقت جيش الهاجانا، وهو كان جيشا نظاميا مرخصا. بعثنا معهم فزعة واثنتين وثلاثة، ثم ماذا..؟! لم يكن لدينا قوة تواجه قوة الهاجانا. بقيت أتابع الأمر. وعلمت أن أصحاب الأرض وكلوا محاميا ليطالب لهم بأرضهم. وبدوره عقد المحامي للأسف اجتماعا بين أصحاب الأرض، وبين اليهود المعتدين عليها، وهم من حاخامات الصندوق القومي التابع للوكالة اليهودية. وكنت أجلس في أحد غرف مكتب المحامي، وهم يجلسون في غرفة أخرى. للأسف أن المحامي جمعهم معا. وكان اليهود يحاولون أن يقنعوا ما بين اربعة إلى خمسة شباب من أهالي عين كارم بأن يبيعوهم الأرض المختلف عليها. وكان الشباب العرب يقولوا كيف نبيعكم ارضنا، وأنتم تقولون أنها لكم..؟! أنتم بهذا العرض تعترفون أن الأرض لنا، ونحن لا نريد أن نبيعكم. وكان اليهود يردون على ذلك بالقول إذا لتبقوا لعشر سنوات في المحاكم..! وحدث صراخ قال أحد الشباب العربي خلاله "والله لو أخي استولى على ارضي لقتلته، يأتي واحد من بولونيا يستولي على ارضي رغما عني..؟!لا أريد أن أبيع". ما حصل هو أنه حدث في تلك الليلة اطلاق نار على منزل المحامي. وكان يوجد في حينه فتوى تبيح قتل من يبيع ارضه لليهود، أو يسمسر عليها. ولم أعرف بعد ذلك ما الذي حدث في هذه القضية. • احتل اليهود كل عين كارم.. اخذوها بالقوة. • إذا حتى سنة 1947 كان اليهود يمتلكون فقط 6ر5 بالمئة من اراضي فلسطين. وصدر قرار التقسيم في ذلك العام ليعطيهم 53 بالمئة من أرض فلسطين. لماذا رفضتم قرار التقسيم..؟ أريد أن أوضح أولا أن اليهود كان قد ارتفع عددهم ونسبتهم من مجموع السكان سنة 1947 إلى الثلث..أكثر من ثلاثين بالمئة. كان عدد الفلسطينيين يومها قرابة 900 ألف مواطن. في سنة 1935، وهذا كان من أسباب ثورة 1936، دخل إلى فلسطين 62 ألف مجاهر يهودي. ثورات ضد الهجرة اليهودية • كيف كانت تقدر اعداد المهاجرين..؟ كان صك الإنتداب ينص على السماح بالهجرة وفقا للقدرة على الإستيعاب. وكانت القدرة على الإستيعاب تقدر كل سنة بسنتها من قبل المندوب السامي وإدارته. • هيربرت صموئيل..؟ في حينه كان الجنرال ارذر وايكهوب، رئيس الأركان البريطاني السابق، قد أصبح المندوب السامي، وكان يسمي نفسه بصديق الفلاح، وهو الذي "خرّب" بيت الفلاحين. وقد سبقه بعد صموئيل سير سانشلر. في سنة 1935 منح المندوب السامي 26 ألف تصريح هجرة، وخطب بعد ذلك في نابلس قائلا أخشى أن يكون عدد الذين دخلوا فلسطين من اليهود بدون جوازات سفر أكثر من الذين دخلوا بجوازات سفر..ذلك أنه سنة 1935 حدث لدينا طوفان من المهاجرين..كانوا يأتون تسللا من لبنان، وسوريا، والأردن، وغيرها عبر البحر وينزلون إلى الشاطئ. وعلى ذلك، فإن عدد المهاجرين اليهود الذين دخلوا فلسطين سنة 1935 بلغ ما يزيد على 120 ألف مهاجر. لم تكن لدينا قدرة على التحكم في منع الهجرة. علما أن مطالبنا في العشرينات والثلاثينات والأربعينات كانت وقف الهجرة، ووقف انتقال الأراضي لليهود، والإستقلال. وكنا نسمي هذه المطالب بالميثاق الوطني. وقد تمكنا من التحكم في منع انتقال ملكية الأراضي إلى حد كبير، لكن الهجرة لم تكن في يدنا. • كم كانت نسبة اليهود في فلسطين يوم صدور صك الإنتداب..؟ صدر صك الإنتداب سنة 1922. ليس لدي رقم عن عدد اليهود في فلسطين في ذلك الوقت. لدي رقم يتعلق بيوم صدور وعد بلفور. كان عدد اليهود التقريبي يومها ما بين ثلاثين وخمسين ألف يهودي في فلسطين. أود أن أقول أنه قبل صدور قرار التقسيم، كان هناك وعي شعبي كبير على خطورة ما يجري، لجهة الهجرة اليهودية وتسلح اليهود، وغيرها. وكانت هناك مقاومة مستمرة منذ أول يوم صدر فيه وعد بلفور، حيث توالت الثورات الفلسطينية. وقبل صدور قرار التقسيم بفترة قصيرة، وابتداء من سنة 1942، أو 1943، بدأ اليهود بممارسة ارهاب مسلح ضد الإنجليز.. حرب يهودية على الإنجليز..! • لماذا..؟ هذه محطة تاريخية. ما حدث أنه خلال ثورة 1936 طرح الإنجليز مشروعا للتقسيم. وشكلت لجنة بريطانية برئاسة اللورد بيل. وقررت هذه اللجنة تقسيم فلسطين، وعرضت اقتراحها على الحكومة البريطانية التي تبنته. وقاوم شعبنا هذا التقرير والقرار بشراسة لم يسبق لها مثيل. وسقط المشروع. واضطرت بريطانيا أن ترسل لجنة أخرى وقررت اللجنة البديلة أن التقسيم غير قابل للتنفيذ بسبب مقاومة العرب له. فدعت بريطانيا إلى مؤتمر سمي مؤتمر لندن. ودعوا للمشاركة فيه اليهود وحكام عدد من الدول العربية. • وهي..؟ لا اذكر على وجه التحديد. لكن بالتأكيد أنه كان من بينها مصر، والأردن، والعراق، وربما سوريا. وحضر كذلك ممثلون عن الفلسطينيين. وقد رفضت بريطانيا نزولا عند رفض اليهود السماح للحاج أمين الحسيني أن يشارك في المؤتمر، وهو كان رئيس اللجنة العربية العليا في فلسطين. فمثل جمال الحسيني الفلسطينيين بدلا عنه. في المؤتمر لم يجتمع اليهود مع العرب. كان الإنجليز يتنقلون بين ممثلي اليهود والعرب. وفشل المؤتمر في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين. بناء على ذلك، وقد كانت الحرب العالمية الثانية على الأبواب، وكان الإنجليز يبحثون عن، كما كانوا في حاجة لصداقة العرب، حيث أن الدول العربية كانت ستكون مسرحا للعمليات، اصدروا سنة 1939 ما اسموه بالكتاب الأبيض، الذي تمت صياغته بعبارات دبلوماسية قابلة للتأويل والتراجع. غير أنه تضمن نقطة واحدة محددة. ينص صك الإنتداب فيما يتعلق بالهجرة اليهودية على السماح بها على أن لا تضر بالمصالح الوطنية للطوائف الأخرى. وقد نص الكتاب الأبيض على أن الهجرة اليهودية أصبحت تضر بمصالح الفلسطينيين. ولذلك يجب أن تقف. ولكن بسبب الإضطهاد، وبسبب وبسبب..إلخ. يسمح بهجرة 65 ألفا من اليهود خلال خمس سنوات. وهذا يعني أن الهجرة مستمرة. وكان واضحا لنا أن هذا لعب علينا، بهدف كسب وقوف الدول العربية إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية. غير أن اليهود اعتبروا القول أن الهجرة أصبحت تضر بالمصالح الوطنية للفلسطينيين، وأنها يجب أن تقف، أمرا خطيرا جدا. وأعلن مناحيم بيجن ومنظمة شتيرن التي كان يقودها الحرب على الإنجليز. وقد تعرض الإنجليز لاعتداءات كبيرة، وقال اليهود بعمليات خطيرة. وكل هذا حدث قبل صدور قرار التقسيم. ذات ليلة نسفوا كل الجسور التي تربط فلسطين بدول الجوار. جسر اللنبي، جسر الملك حسين وجسر المجامع الذين يربطون فلسطين بالأردن، وجسر بنات يعقوب الذي يربط فلسطين بسوريا. وكان واضحا من هذه العملية حجم القوة والتنظيم لدى اليهود. نسفوا كذلك بيوت للإنجليز في القدس ويافا وحيفا. وكان واضحا أن هذا العنف سنصبح نحن هدفه التالي بعد صدور قرار التقسيم. • مع ذلك، بقي الإنجليز مصممون على تنفيذ وعد بلفور الذي كلف صك الإنتداب الدولة المنتدبة بتنفيذه، لأن للإنجليز مصالح استراتيجية من اقامة اسرائيل..؟ هذا صحيح مئة بالمئة. وكان يحدث أشياء كثيرة من هذا القبيل طوال الإنتداب تؤكد تصميم الإنجليز على اقامة الدولة اليهودية. • حتى لو سفك الدم الإنجليزي..؟ وهذا يجعلنا نستنتج أيضا أن الذين يطالبون الفلسطينيين والعرب الآن بعدم التصدي للمصالح البريطانية والأميركية، لا يدركون حقيقة البراغماتية الغربية التي تجعلهم يعادوننا إن كانت لهم مصالح غير مشروعة يريدون أخذها منا، ويصالحوننا ويغضون الطرف عن مواقفنا المعادية لهم إن كانت لهم مصلحة أخرى لدينا. لدي مثل على تصميم الإنجليز على اقامة دولة يهودية. سنة 1936 اضربنا لمدة ستة أشهر. بعد شهرين من بدء الإضراب،قال القائد البريطاني في فلسطين الجنرال ديل، وهو رئيس اركان سابق، في تقرير قدمه لحكومته قال، إن حرب العصابات التي يمارسها شعب فلسطين لا يمكن التغلب عليها بالوسائل العسكرية، وإنما بالوسائل السياسية. على إثر ذلك، اعلنت بريطانيا تشكيل لجنة ملكية على أعلى مستوى، برئاسة اللورد القاضي بيل، وقالت إن هذه اللجنة ستذهب لفلسطين وتجتمع مع جميع الأطراف، وتقترح الحل العادل الذي يرضي الجميع. لكن لا يجوز ذهاب اللجنة إلا إذا تم وقف الإضراب والعنف. نوري السعيد ينهي ثورة 1936 • نفس الأساليب التي تتبعها اسرائيل واميركا واللجنة الرباعية الآن..؟ يقصفون غزة، لأنها تقاوم. ويقصفون الضفة مع أنها لا تقاوم..؟ نعم.. الشعب الفلسطيني وقيادته رفضا ذلك. فخاطبت بريطانيا الدول العربية التي أصدر قادتها بيانا جاء فيه "نناشدكم يا ابناءنا في فلسطين أن تنهوا اضرابكم وتتوقفوا عن ممارسة العنف اعتمادا على حسن نوايا صديقتنا بريطانيا العظمى". • من أين جاءت هذه الصداقة..؟ من وعد بلفور أم من صك الإنتداب..؟!! (يضحك ويواصل) ما أريد أن أصل له في هذا الموضوع هو أن الدول العربية تدخلت، وضغطت على القيادة الفلسطينية ممثلة باللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني ليقبلوا بوقف الإضراب، ووقف الثورة. في هذا السياق زار نوري السعيد رئيس وزراء العراق القدس مرتين. والأمير عبد الله مارس ضغوطا هو الآخر. والموقف السعودي كان مماثلا، لكن أحدا لم يقم بنشاط مماثل لنشاط نوري السعيد. من شدة الضغط، قالت اللجنة العربية العليا لنوري السعيد، لنا ثلاثة مطالب هي وقف الهجرة اليهودية، ووقف انتقال ملكية الأراضي لليهود، والإستقلال. لتستجب بريطانيا لطلب واحد من هذه المطالب الثلاثة وهو وقف الهجرة كي نوقف الثورة، والإضراب. نوري السعيد شاور الإنجليز، وعاد للجنة العربية العليا قائلا إن بريطانيا غير مستعدة لذلك. وتواصل الضغط على اللجنة العربية العليا، فقالت اللجنة لتوقف بريطانيا الهجرة خلال الفترة التي تكون لجنة بيل موجودة خلالها في فلسطين..لمدة شهرين ثلاثة..فنقل لهم نوري السعيد بعد مشاورات مع الإنجليز الموافقة على ذلك. وبالفعل أعلن وقف الإضراب، وفتحت المحال التجارية، وإلى حد ما وقفت الثورة. يوم انهاءالإضراب أصدر اولمس بيجور وزير المستعمرات البريطانية، بيانا قال فيه إن بريطانيا لم تعد نوري السعيد بأي شيئ، وأنه لا يوجد هناك أي مبرر لوقف الهجرة اليهودية لفلسطين ولا ليوم واحد. أسباب رفض قرار التقسيم • نأتي الآن لأسباب رفضكم قرار التقسيم..؟ السبب الأول: مشروع التقسيم الذي صدر في 29/11/1947 كان مشروعا يدعوا للتقسيم، لكنه صيغ بلغة مضللة يستخدمها الإستعمار. كلمة التقسيم كانت تعني اقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. الذي يسأل لماذا رفضتم التقسيم عليه أن يسأل لماذا رفضتم اقامة دولة يهودية على أرض فلسطين. السبب الثاني: هو سبب مبدأي يتمثل في عدم امتلاك أي انسان سواء أكان ملكا أو رئيسا أو زعيما أو قائدا، حق التنازل عن جزء من أرض الوطن. هذا متعارف عليه عالميا وشعبيا وقانونيا. السبب الثالث: كان اليهود يملكون كما ذكرنا 6ر5 بالمئة من أرض فلسطين، فجاء قرار التقسيم ليملّكهم 53 بالمئة من أرض فلسطين. السبب الرابع: الأخطار التي ستترتب على التقسيم. كانت هناك تصريحات عديدة جدا صادرة عن قادة الحركة الصهيونية..ثيودور هيرتزل، جابوتنسكي، وغيرهما كانت تتحدث عن أنهم يريدون الإستيلاء على ارضنا بقوة السلاح والإرهاب، وأنهم يريدون تهجير الناس، وإحلال مهاجرين يهود محلهم. والتصريحات البريطانية والأميركية على أعلى مستوى كانت تقول يجب على الفلسطينيين أن يفسحوا مجالا لليهود القادمين. وسبق أن نص مشروع التقسيم لسنة 1937 على ترحيل فلسطينيي الجليل إلى شرق الأردن. السبب الخامس: الأخطار التي يمثلها مشروع اقامة دولة اسرائيلية لجهة فصلها مشرق العالم العربي الآسيوي عن مغربه الإفريقي. وكان واضحا أن اسرائيل ستكون قاعدة للإستعمار الغربي في قلب الوطن العربي. السبب السادس: يتمثل في أن اللجنة الدولية التي ناقشت الوضع في فلسطين بناء على طلب من بريطانيا انقسمت إلى أغلبية تطالب الأممالمتحدة بإعلان تقسيم فلسطين. وأقلية تطالب بإستقلال فلسطين بالموجودين من سكان فلسطين. نحن كنا نمثل اغلبية سكان فلسطين، وكان لدينا أمل في أن توافق الأممالمتحدة على اقتراح الأقلية في اللجنة، خاصة وأن مشروع التقسيم كان مهددا بأن يفشل على الأرض. لكن الذي حدث هو أن الرئيس الأميركي ترومان طلب تأجيل التصويت في المنظمة الدولية لمدة ثلاثة أيام، مارس خلالها أشد الضغوط على الدول الأعضاء كي توافق على مشروع التقسيم. ونتيجة هذه الضغوط صوت مندوب هاييتي وهو يبكي لصالح قرار التقسيم..قائلا إنه يصوت بما طلبت منه حكومته التصويت لأجله رغم عدم قناعته بذلك. السبب السابع: كان لدينا أمل كبير بالمقاومة، خاصة وأنه سبق لنا أن نجحنا في اسقاط مشروع التقسيم لسنة 1937..وخاصة أيضا إن تدخلت الدول العربية لصالحنا بتقديم الدعم والمساعدة. وما عزز الأمل في افشال التقسيم هو أننا كنا مسيطرون عسكريا في ذلك الوقت، رغم أن اليهود هم الذين بدأوا القتال منذ اليوم الأول لصدور قرار التقسيم. ظلت كفتنا راجحة حتى آذار/مارس سنة 1948، خصوصا في القدس، وذلك رغم الإنحياز البريطاني لليهود، متمثلا في اعدام كل من يضبط في حوزته سلاح، وغير ذلك من أشكال الإضطهاد. السبب الثامن: تصريح السيناتور وورن اوستن ممثل اميركا في الأممالمتحدة أمام المنظمة الدولية في آذار/مارس 1948 أن الولاياتالمتحدة لم تعد متمسكة بقرار التقسيم، وتقترح وضع فلسطين تحت الوصاية المؤقتة للأمم المتحدة. وقد أيدت هذا الإقتراح بريطانيا وفرنسا والصين..الدول العظمى. اليهود مارسوا ضغطا شديدا على الرئيس الأميركي ترومان، كي يعود إلى تأييد التقسيم، وقال لهم إننا نريد أن نعطيكم فرصة كي تقووا انفسكم، لأنكم غير قادرين حاليا على اقامة الدولة. لكنهم اقنعوه بأن يسحب اقتراحه. لقد مثل اقتراح ترومان أملا بالنسبة لنا. السبب التاسع: وهو الأهم، ما قاله الشهيد المرحوم عبد القادر الحسيني في اجتماع ضمني معه، قال فيه بعد أن بحثنا الموقف، واستعرضنا الظروف والإحتمالات، دول العالم موافقة على التقسيم، بما في ذلك الدول العربية. وأضاف من الممكن أن يتم تنفيذ التقسيم، ولكن هناك فرق كبير جدا بين أن نقبل به، وبين أن يفرض علينا فرضا. أن نقبل به يعني أن ينفذ بكل راحة، ويصبح لديهم مجالا لأن يتوسعوا بسرعة، ويهددوا البلاد العربية الأخرى بسرعة. أما في حال فرضه بالقوة، فنكون احتفظنا بحقنا وحق اولادنا في رفضه مستقبلا حين تصبح الظروف مواتية لذلك. وبذا، فقد احتفظنا بهذا الحق حتى الآن. ولذلك، وجدنا أنه لا معنى لأن يمر التقسيم دون موافقتنا، دون أن تصاحبه مقاومة شرسة. وقال رحمه الله "إذا كان لا بد للتقسيم من أن يمر، فليمر على اجسادنا"..هذه كلمات الشهيد عبد القادر الحسيني اعيدها عليك كما هي، وكأن صوته يرن في أذني حتى اللحظة. لذلك خضنا المعركة بروح استشهادية. وقد استشهد رحمه الله دفاعا عن القسطل. وكذلك استشهد غيره. أنا شخصيا جرحت ثمان مرات، وكنت أعود في كل مرة للقتال من جديد. الوضع العسكري في القدس • أنت كنت أحد قادة جيش الجهاد المقدس في القدس، هل تقدم لنا تقرير تقدير موقف عسكري للوضع في القدس في ذلك الوقت..؟ ميزان القوى يتعلق كذلك بالوضع السياسي. كان الحاج أمين الحسيني اقترح على جامعة الدول العربية اعلان قيام دولة فلسطين، وتشكيل حكومة فلسطينية في المنفى لتملأ الفراغ لدى انسحاب بريطانيا. لكن المشاورات التي أجريت بينت رفضا للإقتراح، وخاصة من قبل العراق والأردن. أما عسكريا، فالحقيقة أنه اعتبارا من نيسان/ابريل 1947 بدأنا الإستعداد لمواجهة اليهود لدى انتهاء الإنتداب. من بدأ الإستعداد هو المرحوم الشهيد عبد القادر الحسيني الذي كان يقيم في مصر، وبدأ باستدعاء الشخصيات والقادة الذين شاركوا في ثورة 1936، ولهم وزن جماهير وشعبي يضمن الإستجابة الشعبية. وقد التقيت الحسيني في نيسان/ابريل 1947، وبدأنا ندرس ما تحتاجه القدس للدفاع عنها لدى انسحاب الإنجليز، خاصة وأن عدد اليهود في القدس كان كبيرا، ويقارب المئتي ألف نسمة يساوون نصف السكان, وقد بدأوا في مرحلة من المراحل يطالبون أن يكون رئيس البلدية منهم، كما حدث في طبريا وحيفا. بدأت الترتيبات لجمع لسلاح. وكان الحسيني يعمل على شراء السلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الليبية، ويخزنه في مصر. وبعض هذا السلاح كان غير صالح. لكن نقل السلاح لفلسطين كان صعبا جدا، بسبب الحظر الإنجليزي. ويومها أصيبت مصر بداء الكوليرا، فمنع الإنجليز الإنتقال بين فلسطين ومصر "علشان تكمل معنا". بدأ القتال بعد صدور قرار التقسيم، وأنا كأحد المسؤولين في القدس لم أكن قد استلمت أي قطعة سلاح. ولم يكن حال المسؤولين الآخرين بأفضل من حالي لهذه الجهة. كانت لدينا فقط اسلحة شخصية..مسدسات، رغم أن ضبط المسدس كان كافيا لإرسال صاحبه إلى حبل المشنقة. • ولجنة الفريق طه الهاشمي العسكرية العربية التي كان مقرها دمشق كانت تمتنع عن تزويد الفلسطينيين بأي شيئ يساعدهم على الدفاع عن انفسهم ووطنهم..؟ نعم..طه باشا..!!(ساخرا) اليهود هم الذين بدأوا القتال. نحن كنا لا نزال ننتظر وصول السلاح لنا، خاصة وأنه مع صدور قرار التقسيم، حدث نوع من التراخي لدى القوات البريطانية، وأصبح بالإمكان تهريب بعض قطع السلاح..!! وقد هدفت الإعتداءات اليهودية إلى ارغام الفلسطينيين على الهجرة. من ذلك تفجير براميل متفجرات في باب العامود بالقدس وغيرها من المدن..بدأوا بالعمليات الإرهابية لتهجيرنا. وبدأوا بإطلاق النار لإحداث نوع من الرعب. وشكلوا هم والإنجليز فرق الليل تقوم بإطلاق النار على المنازل في القرى. لكن هذه العمليات لم تنجح، ذلك أننا قررنا الظهور بأسلحتنا رغم احكام الإعدام التي كانت بانتظارنا، ونفذنا عمليات تفجير مقابلة..كان في حوزتنا القليل جدا من السلاح، والكثير من المتفجرات. أنا شخصيا كان يوجد تحت امرتي طن متفجرات (تي إن تي)، وربما كان لدى الشهيد عبد القادر أطنان كثيرة. ما تم تفجيره في تلك الحملة بلغ 15 طنا من المتفجرات. وقد فجّرنا متفجرة في شارع سليل هابونيه. والعملية الأكثر أهمية التي كان لها رد فعل كبير جدا هي نسف شارع بن يهودا. وهو أكبر شارع تجاري في المنطقة اليهودية. وقد تم تفجيره بواسطة ثلاث سيارات كبيرة مملوءة بالمتفجرات. تم تفجير ونسف الشارع بأكمله تقريبا. كذلك فجّرنا قيادة الهاجانا في القدس، وكانت تشغل بناية بأكملها، سقطت كلها على الأرض. وفجّرنا أيضا فندقا سياحيا انهال هو الآخر على الأرض. وبعد فترة فجّرنا مبنى الوكالة اليهودية التي كانت بمثابة الحكومة اليهودية المقبلة. وقد قتل حوالي العشرين شخصا في هذا الحادث من قادة الوكالة. عموما لم يكن هناك تقدير دقيق للقتلى، غير أن الناس تداولوا رقما يتعلق بالتفجيرات الأولى يقول إن عدد القتلى فاق المئة قتيل، وأن الجرحى قدروا بالمئات. وقد أدى حادث تفجير شارع بن يهودا باليهود لأن يقوموا بتظاهرات ضد قيادتهم ممثلة في الوكالة اليهودية يحملونها مسؤولية ما يجري، لأنها هي التي بدأت الإرهاب. إلى ذلك، قطعنا الطريق بين القدس ويافا..أي بين القدس وتل أبيب التي كانت ضاحية من ضواحي يافا. وبذا توقف وصول قوافل التموين والتعزيزات ليهود القدس، وأصبح مئتي ألف يهودي محاصرين بالكامل داخل القدس..لا ماء ولا كهرباء ولا طعام.. حصار حتى الهدنة الرسمية • بالنتيجة اوشكوا أن يستسلموا..كيف رفع عنهم الحصار..؟ قبل انتهاء الإنتداب في 15 أيار/مايو حاولوا تمرير قافلة واحدة، ونجحوا في ذلك. بتاريخ 15 وصل الجيش العربي إلى القدس، وإلى منطقة واد الباب، وأغلق الطريق. وقد استمر القتال حوالي 27 يوما، ثم تم التوصل إلى هدنة. خلال الهدنة شق اليهود طريق فرعي جبلي.. • مثل الطرق الإلتفافية التي يقيمونها الآن للوصول إلى المستوطنات..؟ نعم..اسموها طريق بورما المعروفة خلال الحرب العالمية الثانية. • إذا بقوا محاصرين حتى توقيع الهدنة..؟ الهدنة الأولى. بعد الهدنة الثانية فتح الطريق بشكل رسمي. • كيف سحبت الجيوش العربية السلاح منكم..؟ نزع الأسلحة تم على مراحل خبيثة من قبل كلوب باشا، قائد الجيوش العربية في حينه. لم يتعرض لنا بمجرد دخول الجيش العربي. بالعكس، كان عبد الله التل قائد الجيش العربي في القدس في حاجة لنا، كما كنا في حاجة له. اليهود بعد الهدنة الثانية، وتوقيع اتفاقات الهدنة في رودس كانوا يواصلون مهاجمة القدس يريدون احتلال ما تبقى منها. وقد أجبروا الجيش العربي على خوض قتال طويل عريض. وقد تعاونا معه تعاونا كبيرا جدا في الدفاع عن القدس. حماية القدس كانت هدفا مشتركا. وكان هذا الهدف خارج اطار قرار التقسيم الذي نص على تدويل القدس. كلوب اتبع طريقة خبيثة. عندما استقرت الهدنة على جبهات الجيشين العراقي والأردني في نيسان/ابريل 1949..كنا للعلم نحن وبعض ضباط الجيش العربي نحاول خرق الهدنة، لكنها استقرت. ولم يعد هناك ضرورة للسلاح في أيدي المواطنين الذي اشتروه بمالهم، وجراء بيع ممتلكاتهم. احتواء كلوب لجيش الجهاد المقدس هنا، أطلق كلوب سماسرة يشترون السلاح من الناس. وكان يجمع السلاح ويلقي به في البحر الميت..! وقد جمع نسبة كبيرة من السلاح بهذه الطريقة، التي بدت طوعية. وفي نفس الوقت، وبهدف انهاء وجود جيش الجهاد المسلح، عرض على عدد كبير جدا من المسؤولين في هذا الجيش أن ينضموا للجيش العربي كضباط، وقبل كثيرون ذلك. أنا شخصيا لم أقبل. وقد تم فتح مكتب كان من اركانه موسى عبد الله الحسيني يقوم بتجنيد ضباط ومسؤولي جيش الجهاد المقدس في الجيش العربي. كان مكتب موسى الحسيني بمثابة واجهة سياسية لعبد الله التل، قائد الجيش العربي في القدس. • موسى عبد الله الحسيني هو الذي خطط لاحقا لاغتيال الملك عبد الله، وجرّم في هذه القضية، وتم اعدامه..؟ نعم هو ذاته. • بالمناسبة موسى هذا كان عضوا في الحزب القومي العربي بزعامة المفتي أثناء لجوئه في برلين..؟ لكن المفتي كان يشك به ولا يثق فيه. المحصلة أن كلوب نجح في سحب سلاح وضباط جيش الجهاد المقدس..؟ • وصولا إلى اقتحام مقر قيادة الجيش في منطقة بيرزيت، كما تقول بعض المصادر..ما هي الحقيقة..؟ الحقيقة أن الجيش العربي هاجم مقر قيادة الجيش في بيرزيت لسبب آخر هو أنه كان يوجد جهاز اتصال لاسلكي في مقر بيرزيت الذي كان يتبع لقيادة قاسم الريماوي، وكان يتصل بواسطته بالقاهرة. وكان الحاج أمين أعلن قيام حكومة عموم فلسطين في غزة. وهي خطوة سياسية أكثر منها عسكرية، جعلت الجيش العربي يستولي على مقر جيش الجهاد المقدس في بيرزيت. • ما فعله كلوب باشا هو عينا ما يفعله محمود عباس الآن في الضفة الغربية، وقبل ذلك كان يفعله في قطاع غزة. نعم..نعم.. • شكرا لمجاهدنا الكبير الأستاذ بهجت أبو غربية. ادارة تحرير الفجرنيوز تتقدم بالشكر الجزيل للصحفي القدير شاكر الجوهري
