عاجل : بشرى للتونسيين المقيمين بالخارج    شركة نقل تونس: خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    مواجهة صعبة لأنس جابر اليوم في بطولة مدريد    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: تحذير من طقس اليوم    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    العروض الأجنبية بين الحقيقة والخيال...هل يحمي الترجي نجومه من لعبة «السماسرة»؟    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصايا شيبان في مؤتمر جمعية علماء الجزائر
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 05 - 2008

الجزائر تقرير د.جمال سالمي:هاجم سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان (91 سنة)، ممثل الجزائر في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عضو مجمع الفقه العالمي في جدة، رئيس فرع الجزائر في مؤسسة القدس، ورئيس أقدم جمعية في الجزائر:
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مظاهر الانحراف والسلبية والبدع الدينية والجهل الشامل، التي كست المجتمعات العربية والإسلامية وأقعدتها عن مجاهدة الذات، تطوير البلد والحياة، نصرة المستضعفين المظلومين، وقهر العدو الصهيوني اللعين.
وقد تضمن خطابه الشامل، خلال افتتاح أشغال الجمعية العامة الثالثة (المؤتمر) لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، صبيحة يوم 2 جمادى الأولى 1429ه الموافق ل 7 ماي 2008م، بالعاصمة الجزائرية، تنويها برجل من أبر مَن أنجبت الجزائر من الرجال، الطَود الشامخ، ذي العقل الراجح، والعلم الراسخ، إمام نهضتنا الشاملة، الشيخ عبد الحميد بن باديس، عليه رحمة الله ورضوانه. ولأهمية هذا الخطاب، فقد نشرته كاملا أسبوعية البصائر لسان حال الجمعية، إذ أرجع فيه الشيخ شيبان، الذي أعيد انتخابه بالإجماع رئيسا للجمعية، أحد أسباب تنامي العنف الديني والسياسي في الجزائر إلى حرمان الدعاة الصادقين والعلماء الحكماء من النشاط:
(...ولو لم تَحُلْ عواملُ سياسيةٌ ظرفيةٌ، دونَ مُواصلة جمعية العلماء نشاطها بعد الاستقلال مباشرةً، لما تعرَّضت الجزائرُ لتلك الأزمات العنيفة التي عرفتها، ومازالت تعاني من آثارها، وقد بينتُ ذلك في مقال لي بعنوان"الحقيقة الخالدة" نشرته البصائرُ في عددها 07 الصادر بتاريخ 11 صفر 1413/ 10 أوت 1992 قلت فيه:
(...مُنِعَتْ جمعيةُ العلماء، بقيادة الشيخ البشير الإبراهيمي المشهود له بالإمامة في المغرب والمشرق، من مواصلة رسالتها التوجيهية، فَحُرِمَت الجماهيرُ الشعبيةُ من قيادة علمية حرة، تتمتع بمصداقية في دعوتها إلى سبيل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، فَفُتِحَ البابُ على مصراعَيه لكل مذهب وافد من هنا وهناك، ظاهريا وباطنيا).
الغاية العليا من تأسيس الجمعية
إنه لمن لطائف تاريخ هذه الجمعية أنها؛ قد تأسست في إطار معجزتَين اثنتين: قرآنيةٍ ونبوية، فالمعجزةُ القرآنية تتمثل في قوله تعالى في الآية 11 من سورة الرعد:}إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ{، القاضية بأن التغيير سنة كونية، تتحقق سموَّا وانحطاطًا، بحسَب إرادة البشر.
أما المعجزة النبوية؛ فهي أن تأسيسها وَافَق مرورَ مائةِ سنةٍ، على الاحتلال الفرنسي للجزائر، وقد اطمأن لنجاحه المطلق، في تحويل الجزائر إلى أرض فرنسية ترابا، ودينا، ولسانا، فإذا الجمعية تتأسس إثر ذلك بأشهر، وفقا للحديث النبوي الذي أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي - عليهم رحمة الله جميعا- روايةً عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:« إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». رافعةً شعارَها الوطني الخالد:(الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا) رفْضًا لتلك المزاعم، وتصديا لها، وتحريضًا على مقاومتها وإحباطها.
كانت الغاية العليا من تأسيس الجمعية، هي تحرير الوطن، بواسطة التربية، والتعليم، والوعظ، والإرشاد، وذلك عملا بقوله تعالى، في أول ما نزل من القرآن الحكيم:}اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{، إذ لا هدايةَ ولا رقي إلا بالعلم، وما يقتضيه من إيمان وعمل، كما نبه إلى ذلك الإمامُ ابنُ باديس نفسُه، في قولة له مشهورة:
(أنا أحارب الاستعمار لأني أعلم وأهذب، فمتى انتشر التعليمُ والتهذيبُ في أرض، أجدبت على الاستعمار، وشعر في النهاية بسوء المصير).
ذلك أن تحرير الأبدان والأوطان، إنما يمر عن طريق تحرير الأذهان، كما بين ذلك الإمامُ العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله إذ يقول في الجزء الثالث من كتابه (آثار الإمام الإبراهيمي) في صفحة 56: (محالٌ أن يتحرر بدن يحمل عقلا عبدا)
عوامل نجاح مسعى الجمعية
لقد ساعد جمعية العلماء، على نجاحها في أداء رسالتها الإصلاحية التجديدية، في جميع الميادين، التزامُ العمل في ضوء التوجيهات التالية:
1 / اعتماد الكفاءة العلمية المتمثلة في الفهم الصحيح للإسلام أحكاما وحكما، التي حثت عليها الآية 108 من سورة يوسف عليه السلام: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَن اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِن الْمُشْرِكِينَ).
وامتثالا لقول الله تعالى في الآية 36 من سورة الإسراء:}وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً {، والتي يقول الإمام ابن باديس –رحمه الله- في تفسيرها في الجزء الأول من "آثاره"، صفحة 139:(العلم هو وحده الإمام المتبع، في الحياة، في الأقوال والأفعال والاعتقادات).
2 / التزام الطريقة المثلى في تبليغ الدعوة إلى جمهور الشعب على اختلاف فئاته، وفقا لقوله تعالى في الآية 125 من سورة النحل:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ، وقد اتسمت تلكم الطريقة بالوسطية، والاعتدال، ومواكبة العصر.
3 / لزوم التسامح مع الموافق والمخالف، كما عبر عن ذلك الإمام ابن باديس –رحمه الله- في أول خطبة ألقاها أمام أعضاء المجلس الإداري للجمعية بمناسبة انتخابه رئيسا لمكتبها، جاء فيها:
(هذا العبد له فكرة معروفة، وهو لن يحيد عنها، ولكن يبلغها بالتي هي أحسن، فمن قبلها فهو أخ في الله، ومن ردها فهو أخ في الله، فالأخوة في الله فوق ما يقبل وما يرد، فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل، وهو: أن الاختلاف في الشيء الخاص، لا يمس روح الأخوة في الأمر العام).
4 / التكيف والتلاؤم مع طبيعة الأمة، فذلك من أوكد أسباب نجاح الجمعية في أداء رسالتها، لأنها احترمت مكونات هوية الأمة، وتكَيفَتْ معها بما جعلها تنقاد لها، وتستجيب لدعوتها، وتَلْتَفُّ حولَها، وهذا ما أكده الإمامُ ابنُ باديس نفسُه بقوله: ( إذا كانت الجمعية بلغت -بتوفيق الله- إلى شيء من غايتها، فذلك لأنها أتت هداية الأمة من بابها فخاطبتْها بلسانها وقادتْها بدينها الذي هو زِمامُ روحها، والجزءُ الأعظمُ الذي تتكون منه، وتحيا به شخصيتُها، فعالَجتْها بالكتاب والسنة، وهَدْي صالح الأمة).
تاريخ مشرف
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لها تاريخ مشرِّفٌ لأمتنا، في الدفاع عن مقوماتها الذاتية، وهُويتها الإسلامية، بما أنجزته في مجال التنوير، والتربية، والتعليم، والتحرير، فكان منها الشهداء الأبرار، والمجاهدون الأحرار، الذين بذلوا دماءهم في سبيل الحرية واستقلال الوطن؛ مع الباذلين من أبناء الجزائر الأحرار، وبناتها الحرائر، مثل الشيخ العربي التبسي، ورضا حوحو، وأحمد بوشمال، والربيع بوشامة، والعربي بن المهيدي، وزيغود يوسف، وديدوش مراد، وأحمد زبانة، وحسيبة بن بوعلي، وغيرهم من أبطال الجزائر وبطلاتها، لو استمرت الجمعية.
الواقع الراهن والمستقبل
هاهي الجمعيةُ اليومَ –بحمد الله- قد عادت إلى النشاط من جديد، وإننا لنرجو أن تَلْقى الدعمَ الماديَّ والأدبيَّ الصادق من المجتمع والدولة، بما يُوفِّرُ لها القدرةَ على استرجاع وترميم معالمها التاريخية المحتلة والمحتضِرة، كمَرْكَزِ الجمعية في القصبة، ونادي الترقي بساحة الشهداء، ويُمَكِّنها من الحصول على المقرات المناسبة التي تتسع لأعضائها، ولأسرة جريدة البصائر، والتجهيزات والوسائل المادية التي تعينها على النهوض بأعبائها –بحول الله- في إصلاح الأمة الإصلاحَ الذي يكفل للجزائر، شعبًا ودولةً، الأمنَ، والاستقرارَ، والتطورَ، والازدهار.
حاجة الأمة إلى الجمعية
ربما يثار سؤالٌ الآن فيُقال: ما حاجةُ الأمة إلى هذه الجمعية؟ وجوابنا على ذلك: هو أن الظروف التي تحيط بنا في عصرنا هذا، تحمل في طياتها تحدياتٍ ومخاطرَ يَتَوَجَّهُ أكثرُها إلى المسلمين وإلى أوطانهم، تحدياتٍ تعتمِدُ على مَنطق القوة، وقانون الغاب، يُداسُ فيه منطقُ الحق، وصوتُ الضمير، والقيمُ الأخلاقية، والدينية والإنسانية، لذا؛ فإن على الجمعية مواقف تشارك بها؛ في دفع ضررها وشرورها عن الأمة.
موقف الجمعية من التربية والثقافة
إنَّ ثقافتنا التقليدية، والمعاصرة مهددة بالعدوان من الثقافة الغربية المصنَّعة - الكثيرةِ الانتشار والبالغة التأثيرِ- نظرًا لقوة وسائلها ومضامينها، التي تدخل ديارنا، وتؤثر في أطفالنا، وشبابنا، فلا مندوحة من أن نقف إزاء هذا التسلط الثقافي، وتأثيره السلبي علينا، موقفًا يحمي ذاتيتَنا، ويُرسِّخ ثقافتنا، ويجددها بتجدُّد وسائل العصر وأساليبه، وبإصلاحِ منظومتنا التربوية، بما يحقِّق تنميَة الإنسان وزاده الثقافي الكفيل بتحصين هويته، وتثبيت ذاتيته، بنشر الكتاب المدرسي الجيد، في شكله وأسلوبه ومضمونه، والاهتمام بتاريخنا، وتاريخ ثورتنا، وتراثنا، ورجالنا، وأبطالنا الذين كتبوا على سِجِّل تاريخنا صفحاتٍ مشرقة نفخر بها ونعتز، وترقية وسائل إعلامنا ومضامينه، وتجويد إبداعنا في القصة والرواية والمسرحية وسائر الفنون والآداب، لتكون ذات سمة إبداعية أصيلة، تعبّر أحسن تعبير عن هويتنا، وتاريخنا وترسم لنا معالم مستقبلنا.
ويتوقف مستقبل ثقافتنا على تربية أذهان شبابنا، بالتعويد على التفكير والإبداع، لا على مجرد الحفظ والتلقين، والمحاكاة والتقليد.
موقف الجمعية من التنصير
إن الإسلام يحترم الديانات الأخرى، ويؤمن بسائر الأنبياء والرسل، تدل على ذلك نصوصه الصريحة في القرآن والسنة، إزاء أهل الكتاب، والتاريخُ يشهدُ بهذا التعايش بين المسلمين وأهل الديانات الأخرى قرونا متطاولة، ولكنَّ بعضَ الفئات من المسيحيين، تستغلُّ ظروفنا الصعبة لتستعمل وسائل غير شريفة ليرتد شبابنا عن دينه الحنيف، من إغراء بالمال وغيره من وسائل المكر والإغواء، لتقسيم مجتمعنا، وبثِّ الصراع في الأسرة الواحدة، ولتكوين فئة تعادي قِيَمَنَا وأصول ديننا، وتهزأّ بها، وتعلن هجومها صراحة على عقائدنا وشعائرنا، بدعوى حرية الاعتقاد.
فنحن لسنا ضد حرية الاعتقاد، وإنما نُنَدِّدُ أشدَّ التنديد بهذه الوسائل، التي تهاجم عقائدنا في عقر دارنا، من قنوات وصحافة وأفلام، وتخدع الشباب الذي لا معرفة له بدينه بما فيه الكفاية، لذا تجب تربية أبنائنا تربية إسلامية، تجعل النشء على بينة من دينه وعقائده، حتى لا يغتر بمن يخدعه، سواء من المسيحيين، أو من الذين يفهمون الإسلام على غير حقيقته، فيستجيب للارتداد أو للإرهاب، وعلى المجتمع كله –شعبا ودولة- أن يدافع عن دينه.
موقف الجمعية من آفة الإرهاب
لقد صرحنا غير ما مرة، أننا لا نقبل إرهاب الأبرياء، وإزهاقَ الأرواح، فالإسلامُ يحترم النفسَ الإنسانية، ويحرّم قتلها بغير حق، ولكنَّ بعضَ السياسات الأجنبية، تستعمل كلمة "الإرهاب" في غير مكانها، فتسمي من يدافع عن وطنه، في فلسطين، أو العراق، أو الصومال إرهابيا، فهذا قلبٌ للحقائق، وتحريف للمفاهيم، والإسلام بريء من هذا كله، بل إنهم يتهمون الإسلام نفسه، بالإرهاب ظلما وعدوانا، وبهتانا. والجمعية وقفت وتقف دوما منذ عهد مؤسسها الأول الإمام عبد الحميد بن باديس، موقفا مؤيدا ومناصرا لقضية فلسطين وقدسها الشريف، الذي أتشرف برئاسة فرع مؤسسته الدولية في الجزائر بصفة خاصة.
كما تقف إلى جانب قضايا التحرر والاستقلال العادلة في العالم بصفة عامة. وإننا ندعو مرة أخرى هؤلاء الذين تورطوا في أعمال الإرهاب، أن يتوبوا إلى الله، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يتدبروا القرآن وما ورد فيه من وعيد شديد، لمن يزهق الأرواح البريئة بغير حق، أما الجهاد في الدفاع عن الأوطان، وعن حرمة المسلمين إذا انتهكت، فهو واجب إلى يوم الدين، فمن تركه ذل، وحقّ عليه الصغار، وإننا لندعو للمصالحة الوطنية لأن الصلح خير، والتفرق شر، وإننا لنؤيد سياسة المصالحة تحقيقا لأمن الجزائر واستقرارها.
موقف الجمعية من الآفات الاجتماعية
إن مواثيقَ الجمعية تدعوها لمحاربة الآفات الاجتماعية وقد فشت في مجتمعنا فُشُوَّ النار في الهشيم، كالخمر، والميسر، والمخدرات، والدَّعارَة، والرَّشوَة، والتهريب، والهجرة غير الشرعية (الحراقة)، والانتحار، والسرقة، والعنف، فمن أوْكد واجباتنا، مقاومة هذه الآفات وشرورها، وتطهير المجتمع منها، بحول الله.
اهتمام الجمعية بالمهاجرين
إن عناية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالمهاجرين إلى أوروبا، كانت من أكبر اهتمامات الشيخ عبد الحميد بن باديس في زمانه، فبعث الدعاة، وأصلح حال المهاجرين، ليرتبطوا بدينهم، ووطنهم، ولغتهم، ولإنقاذ أجيالهم من الذوبان، ونحن اليوم ينبغي لنا أن نواصل هذا العمل بعد انقطاعه، وأن نسعى بالتعاون مع الجهات المعنية، من أجل هذا الهدف، ومن أجل الدفاع عن حقوقهم الثقافية والدينية، حتى لا يتعرضوا للعنصرية، والغبن، وهضم الحقوق.
وإنه ليسعدنا، بهذه المناسبة، أن نعلن لكم عن توقيع اتفاق في الأيام الأخيرة، بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والجمعية الإسلامية السويدية، برئاسة الداعية الإسلامي الكبير، الدكتور الشيخ عبد الحق ليف، التي تَضُمُّ في صفوفها أكثر من عشرين ألف عضوٍ، وتخدم أكثر من مائتي ألف مسلم في السويد، وقد أسفرت الاتفاقية عن تأسيس المركز الأوروبي للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وافتتاح مسجد يحمل اسم الإمام عبد الحميد بن باديس ب"استكهولم" عاصمة السويد.
الوحدة الوطنية
إن الجزائر بالإسلام اهتدت، وبه صمدت وجاهدت فانتصرت، وهو بمبادئه وتعاليمه، واسع صدره لكل الثقافات، وكل اللغات وكل الأعراق، وقد جعل تعدد الألسنة آية من آيات الله كتعدد الألوان والأعراق، كما جاء في الآية رقم 22 من سورة الروم:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)
وإن الإسلام وحد بيننا بمختلف أعراقنا وألسنتنا، منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا، كما قال الإمام ابن باديس في كلمته المشهورة بعنوان:
(ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان" إذ يسجل في هذا المجال –والجزائر تحت نير الاستعمار وسياسته الماكرة فرق تسد-:« إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ، قد جمع بينهم الإسلام، منذ بضع عشر قرنا، ثم دأبت تلك القُرون تَمزِج بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة، عنصرًا مسلما جزائريا، أمه الجزائر وأبوه الإسلام، وقد كتب أبناء يعرب وأبناءُ مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون، بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس لخدمة العلم).
الطرق الصوفية
كان بين الجمعية والطرق الصوفية وبعض الزوايا اختلاف، وذلك لأسباب تاريخية سياسية ودينية، ولكننا نرى أن التصوف الحق الملتزم بالكتاب والسنة -باعتباره حياة روحية، واستقامة ومجاهدة للنفس وأهوائها- لا تعاديه الجمعية ولا الإصلاح، ونحن في عصر يتحدى الإسلام والمسلمين جميعا، فلابد من جمع الجهود وتوحيد المساعي، لخير ديننا ووطننا.
ولكننا نلاحظ -بكل مرارة- عودةَ بدع كانت قد ماتت، وأخرى جديدة ظهرت، ففشت الشعوذة، وطمَّ التدجيل، والذي نأسف له؛ أن بعض أجهزة الإعلام العمومي والخاص، تساهم –عن قصد أو غير قصد- في الترويج لها، مما يوهم الناس أنها من الدين في حين أنه منها براء، والله تعالى قد حذرنا من هذا، في الآية 42 من سورة البقرة:}وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{.
آفاق المستقبل
إن الجمعية عازمة بحول الله على بذل جهود أكبر في مستقبلها، في سبيل تحقيق رسالتها، وتقوية وسائل عملها، لمحاربة الآفات الاجتماعية، حتى يغدو مجتمعنا مجتمعا نظيفا قويا في دينه، في أخلاقه، في ثقافته، في علمه، في تقنيته، في كل عمل يعمله، وإننا لندعو شبابنا ليتعلم دينه على الوجه الصحيح، ويتكلم بلسانه المبين، ويتخلق بأخلاقه القويمة، ويجاهد من أجل امتلاك العلم والتقنية المعاصرة، فإن قوة الأمة اليوم ومكانتها بين الأمم، متوقف على نسبة ما تملكه من المعرفة والعلم، في عالمنا المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.