ليفربول يعلن رسميا خليفة كلوب    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    رئيس الاتحاد يشرف على اختتام الصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    تحويل ظرفي لحركة المرور على مستوى جسري الجمهورية والقرش الأكبر    مطالبة بتوفير 10 مليارات وحصد التتويجات: هيئة «السي. آس. آس» تحت الضّغط    الدّورة الثّالثة لمؤتمر مستقبل الطّيران المدني: وزيرة التّجهيز تقدّم رؤية تونس في مجال الطّيران المدني في أفق 2040    الثلاثاء: حالة الطّقس ودرجات الحرارة    المسابقة العالميّة الكبرى لجودة زيت الزيتون بنيويورك 26 ميداليّة لتونس    ما هي الدول التي أعلنت الحداد العام على رئيسي ومرافقيه؟    المهدية .. الملتقى الوطني لفنون الصّورة والسّينما والفنون التّشكيلية .. عروض ثريّة للإبداعات والمواهب التلمذيّة    رئيس الحكومة في زيارة ميدانية للشمال الغربي للبلاد التونسية    سجن سنية الدهماني .. يتواصل    مع الشروق .. إدانة... بنصف الحقيقة    القيروان: انتشال جثة إمرأة من قاع فسقية ماء بجلولة    رقم مفزع/ من 27 جنسية: هذا عدد الأفارقة المتواجدين في تونس..    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    التضامن.. الإحتفاظ ب3 اشخاص وحجز كمية من المواد المخدرة    الليلة: سحب عابرة ورياح قوية والحرارة تتراوح بين 16 و26 درجة    عاجل: وسائل إعلام رسمية: انتخابات الرئاسة في إيران ستجرى في 28 جوان    فقدان 23 تونسيا في'حَرْقة': ايقاف 5 متهمين من بينهم والدة المنظّم واحد المفقودين    مدير عام ديوان تربية الماشية: النحل يساهم في ثلث غذاء الإنسان    بنزرت تستعد لاستقبال أبناء الجالية المقيمين بالخارج    والي بن عروس: فخور ب"دخلة" جماهير الترجي وأحييهم ب"عاطفة جيّاشة"    أغنية لفريد الأطرش تضع نانسي عجرم في مأزق !    النادي الصفاقسي : اصابة وضّاح الزّايدي تتطلب راحة باسبوعين    إضراب عن العمل بإقليم شركة فسفاط قفصة بالمظيلة    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    وزارة التربية: هذه هي الانشطة المسموح بها بالمؤسسات التربوية خارج أوقات التدريس    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    كيف قتل "رئيسي"..خطأ تقني أم ضباب أم حادث مدبر..؟    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني..من هو ؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات الإسلامية في إفريقيا.. ولادة من رحم العدو
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 06 - 2008

إذا كانت الحركات الإسلامية في إفريقيا قد ارتبطت في غالب الأحوال بقضايا التغيير الاجتماعي وإصلاح النظام التعليمي فإنها في سياقات ومواقف مختلفة لم تستطع أن تنأى بنفسها عن تبني خطاب إسلامي ذي صبغة سياسية
ومناهضة لعمليات التغريب والعولمة التي تواجهها المجتمعات الإفريقية.
وقد تأثرت هذه الحركات من الناحية الفكرية بتراث الإصلاح الديني في العالمين العربي والإسلامي، مثل أفكار الجماعة الإسلامية في آسيا، والإخوان المسلمين والسلفية الوهابية في كل من مصر والمملكة العربية السعودية على الترتيب. أضف إلى ذلك فإن كتابات أبو الأعلى المودودي، ومحمد عبده وسيد قطب وغيرهم من رواد تيارات الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي مثلت هي الأخرى مصادر فكرية مهمة للحركات الإسلامية في إفريقيا ولاسيما غير العربية.
ولعل أبرز ما يواجه الباحث في مسيرة الحركات والتنظيمات الإسلامية في الواقع الإفريقي المعاصر هو أنها لا تعبر عن تجانس فكري؛ إذ إنها تعكس اختلافًا في الرؤى والتفسيرات وكذلك لأولويات التغيير المقترحة. ومع ذلك فإن تسلطية جهاز الدولة في ظل النظم العسكرية ونظم الحزب الواحد قد دفع باتجاه ظهور أحزاب وتنظيمات المعارضة المرتكزة على أسس دينية. وكما أسهم فشل هذه الدولة الوطنية في مرحلة ما بعد الاستقلال وعجزها عن تحقيق التنمية الموعودة في إضفاء مزيد من الشرعية على حركات وتنظيمات الإصلاح الإسلامي التي حظيت بمزيد من التأييد الاجتماعي.
وفطنت معظم الحركات الإسلامية إلى أهمية دور المسجد في خلق الحراك الاجتماعي والسياسي بين صفوف الجماعات المسلمة فأصبحت المساجد مراكز للدعوة ومنطلقا للإصلاح والتغيير. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى تجارب "جماعة عباد الرحمن" في السنغال التي استهدفت جماهير الشباب في المناطق الحضرية، و"جماعة إخوان نيجيريا" بزعامة "إبراهيم الزكزاكي"، بالإضافة إلى "جماعة أنصار السنة" في شرق إفريقيا. وإذا كانت هذه الحركات تستهدف بالأساس الشباب والنساء، فإنه أضحى طبيعيا أن تستخدم الرياضة ولاسيما تأسيس الفرق الرياضية كوسيلة للتجنيد والحصول على التأييد الاجتماعي.
النشأة والتطور
لعل المتابع لنشأة وتطور الحركات الإسلامية في إفريقيا يجد أنها لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها في أنحاء العالم الإسلامي من حيث ارتباطها بالحقبة الاستعمارية. بيد أن هذه الحركات اتخذت أشكالا تنظيمية وحركية فيها قدر كبير من النضج والوعي في فترة ما بعد الاستعمار ولاسيما الربع الأخير من القرن الماضي؛ إذ لا يخفى أن الجهود الاستعمارية الرامية إلى طمس الهوية والثقافة الإسلامية لصالح فرض القيم والمؤسسات الغربية على المجتمعات الإفريقية قد أدت إلى خلق حالة من الاغتراب والقنوط والرغبة في الخلاص عند الإنسان المسلم. فقوى الاستعمار الغربي لم تستطع بسط سيطرتها وبناء نظمها الإدارية إلا بعد معارك طويلة ودامية مع المقاومة الإسلامية، خلفت وراءها العديد من القتلى والذكريات المريرة التي لا تزال ماثلة أمام الذاكرة الجماعية للمسلمين.
ليس بمستغرب إذن أن تسعى المجتمعات المسلمة في إفريقيا بعد أن تحررت من الاستعمار أن تعيد تنظيم نفسها لتحقيق مثاليتها الدينية بلا خوف أو رهبة؛ وهو ما يعني الدخول في جولة أخرى من النضال لإزالة كافة العقبات التي تعترض طريق الصحوة الإسلامية. والمدهش حقا أن هذه الحركات الإسلامية ولدت من رحم المؤسسات التعليمية الغربية التي ما فتئت تبث في نفوس وعقول الأفارقة قيم وتقاليد العلمانية والليبرالية. فطلاب ودارسي العلوم الطبيعية والفلسفية الذين تلقوا أفكار داروين وجدلية هيجل ومنهجية ديكارت أضحوا يمثلون قادة وكوادر الحركات الإسلامية في إفريقيا.
وعلى الرغم من أن النشأة الأولى لهذه الحركات قد اتسمت بمحدودية الرؤية مع تركيزها على الجوانب والأبعاد الإيمانية والعقيدية للمسلم فإنها اكتسبت بمرور الوقت المزيد من النضج والشمولية في التفكير والرؤية بحيث إنها باتت تركز على كافة أوجه النشاط الإنساني ولاسيما قضايا السياسة والاقتصاد والتعليم. ومع ذلك فإن ثمة تباينا واضحا في أنماط الحركات والتنظيمات الإسلامية في إفريقيا وذلك بالنظر إلى عدة معايير ومحددات لعل من أبرزها:
(1) السياق الاجتماعي والسياسي وما يفرضه من تحديات وعقبات.
(2) رؤية وخبرة قادة وأعضاء هذه الحركات.
(3) اختلاف الأولويات وهو ما أضفى على بعض الحركات الإسلامية طابعا محليا في حين سعى البعض الآخر في إطار الفهم الواسع لمفهوم الأمة الإسلامية أن يتجاوز الحدود الإقليمية ويبشر برؤيته الإصلاحية.
تصنيف الحركات الإسلامية
يشير المفكر الكيني الأشهر علي مزروعي إلى أن الحركات الإسلامية من حيث تطورها في إفريقيا انحصرت بين نموذجين رئيسيين: أولهما النموذج الإحيائي الإصلاحي والثاني هو النموذج التبشيري الدعوي. فالأول يحصر نشاطه وحركته في إطار جماعته المسلمة المحلية، في حين يسعى الثاني إلى نشر رسالة الإسلام والتبشير بها بما يمكنه من اكتساب أرض جديدة. وعليه فإن النموذج الثاني يتجاوز إطار المحلية بغية تحقيق الوظيفة الجهادية من خلال نشر الدعوة على أيدي الحركة الإسلامية. بيد أن السياق الاجتماعي والفكري الحاكم لبعض الحركات الإسلامية في إفريقيا قد دفع إلى وجود نمط ثالث يجمع بين الإحياء والتبشير. ويلاحظ أن العلاقة بين هذه الأنماط الحركية ليست علاقة تصادم وتنافر وإنما هي في واقع الأمر علاقة تكامل وترابط. وقضية الفصل والتمييز هنا ليست قاطعة وإنما هي لأغراض الفهم والتحليل. ومن الواضح أن الحركات الإسلامية في مناطق إفريقيا الجنوبية، حيث لا يزال الإسلام في مرحلة الزحف والانتشار تركز على جهود الدعوة والتبشير. بيد أن الحركات الإسلامية في بلدان غرب ووسط وشرق إفريقيا التي يشكل فيها المسلمون أغلبية كبيرة أو أقلية يعتد بها تميل إلى التركيز على كل من الإحياء والدعوة على حد سواء.
1- نموذج الإحياء والتجديد:
تميل الحركات الإسلامية التي تركز على إحياء العقيدة والعودة بها إلى تقاليدها الصحيحة إلى طرح ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث إنها لا تتوقف فقط عند مسألة الصحوة الإسلامية، وأن يكون الإسلام هو جوهر حياة الإنسان المسلم وإنما تنطلق من رؤية شمولية تسعى إلى تحقيق نمط حياة أفضل يقوم على العدالة والمساواة ويتجاوز أخطاء النظم الحاكمة. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى خبرات الإخوان المسمين في مصر، والجبهة القومية للإنقاذ في الجزائر، وجماعة العدل والإحسان في المغرب. وربما تعكس خبرة الحركة الإسلامية في السودان خصائص هذا النموذج.
2- نموذج الدعوة والتبشير:
إذا كان الإسلام قد انتشر منذ أمد طويل على امتداد سواحل إفريقيا الجنوبية فإن المناطق الداخلية والنائية ظلت بمنأى عن عملية الزحف الإسلامي. بيد أن العقود الثلاثة الماضية شهدت جهودًا حثيثة من قبل الحركات والتنظيمات الإسلامية لنشر الإسلام والوصول بدعوته إلى هذه المناطق. ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى خبرة كل من مالاوى وزيمبابوي وناميبيا وجنوب إفريقيا. فقد بدأت حركة الدعوة الإسلامية في جنوب إفريقيا أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، حينما سعى المعلمون والمهنيون في كيب الغربية إلى تعبئة أنفسهم في حركات متسقة ومنظمة. وقد استمدت هذه الحركات الإسلامية قناعاتها الفكرية والدينية من الخطاب الديني للحركات الإسلامية في كل من باكستان ومصر بالإضافة الي إيران.
وفي عام 1970 تم تأسيس حركة الشباب المسلم في جنوب إفريقيا. وقد كان للثورة الإيرانية عام 1979 أكبر الأثر في إيقاظ وعي المسلمين في جنوب إفريقيا، حيث أدت إلى تشكيل "حركة القبلة الجماهيرية" والتي رفضت نظام الفصل العنصري. ويلاحظ أن "حركة الشعب في مواجهة العصابات والمخدرات" المعروفة باسم: (باجاد PAGAD) والتي نشأت عام 1995 قد تبنت هي الأخرى نمطًا راديكاليًّا للتغير المجتمعي وطرح الحل الثوري. ومع ذلك فقد شهد المجتمع الجنوب إفريقي حركات دعوية وتبشيرية مهمة، مثل حركة الدعوة الإسلامية التي نشأت في السبعينيات، وركزت على تقديم خدماتها في كافة أنحاء البلاد.
3- نموذج الإحياء والدعوة:
تسعى الحركات الإسلامية في هذا النموذج إلى القيام بمهام الإحياء والدعوة إلى الإسلام معا. بيد أنه كلما ازدادت نسبة غير المسلمين في المجتمع، كان التركيز على أجندة الدعوة أكثر من قضايا الإصلاح. ولعل النموذج النيجيري يجسد ما نقول. فقد طرحت الحركات الإسلامية في نيجيريا على مدى العقدين الماضيين تحديًا واضحًا لعلمانية الدولة، ومارست ضغوطًا كثيرة من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية. ويأتي ذلك في إطار مقاومة لا تلين من جانب الجماعات المسيحية المدعومة من الخارج. ويلاحظ أن كينيا التي يحتل المسلمون فيها نحو 40% من جملة السكان قد سيطرت عليها قيادات مسيحية بعد الاستقلال. وقد عمدت تلك النخبة الحاكمة إلى تهميش المسلمين الذين يعيشون في معظم المناطق الساحلية. وبعد سقوط نظام دانيل آراب موي والتحول نحو سياسات التعددية الحزبية. أقدمت الحركة الإسلامية في البلاد على تسجيل "الحزب الإسلامي الكيني"؛ وذلك لتصحيح الظلم التاريخي الذي وقع على المسلمين في كينيا.
القضايا والملامح العامة
إنّ دراسة تجارب الحركات الإسلامية في إفريقيا تظهر، كما أوضحنا تبايناً واضحاً في أنماط خطابها الإسلامي وقضاياه وهو ما يجعل الحديث عن أنماط أو خصائص عامة أمراً محفوفاً بالمخاطر، وربما يعزى ذلك إلى عدة اعتبارات منها: الاختلاف الناجم عن وضع المسلمين كأغلبية أو أقلية داخل المجتمع. فثمة مناطق يعيش فيها المسلمون أغلبية وإن نص الدستور على أن الدولة علمانية، وهناك مناطق أخرى يعاني فيها المسلمون من وضع الأقلية ويختلف ثقل هذه الأقلية وفقاً للحجم أو التأثير الاقتصادي.
وعليه فإن دراسة حركات الإصلاح الإسلامي في مجتمع، مثل شمال نيجيريا أو زنزبار يختلف عن واقع مثل هذه الحركات في مجتمعات مثل كينيا. ومن جهة أخرى فإن العوامل والمؤثرات المحلية قد تلعب دوراً مهمًّا في نجاح أو فشل هذه الحركات نظراً لأهمية قاعدة التأييد الشعبي والتأثير السياسي. وعلى صعيد ثالث فإن حالة الانقسام الشديدة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية في إفريقيا مع وجود تباينات فكرية وأيديولوجية متعارضة أو متنافسة للحركات الإسلامية جعلت من الصعوبة بمكان توحيد المسلمين في نسق فكري واحد.
ومع ذلك يمكن طرح بعض القضايا العامة التي انشغل بها خطاب هذه الحركات في إفريقيا ولا سيما في القرن الماضي، وذلك على النحو التالي:
أول هذه الملامح: تتمثل في تحدي الخطاب الإسلامي التقليدي الذي ينظر إليه باعتباره خطاباً شكليًّا جامداً موغلاً في التقليد ومهملاً لقيمة العقل والاجتهاد. ولمواجهة ذلك أكد المصلحون الأفارقة في خطابهم التجديدي على الاهتمام بالعلوم القرآنية والعلوم المرتبطة باللغة العربية وحثوا على دراستها حتى يتمكن أي مسلم من دراسة قواعد الدين دون الحاجة إلى وساطة السلطة الدينية التقليدية (المتمثلة في العلماء التقليديين).
ولعل معرفة الخلفية العلمية لكبار المصلحين أمثال "أبو بكر جومي" والأمين علي المزروعي وعبد الله الفارسي تؤكد أهمية دراسة العلوم الشرعية واللغة العربية وهو ما انعكس إيجاباً على خطابهم التجديدي.
ثاني هذه الملامح: يتمثل في تبني خطاب معادٍ للصوفية ومناهض للمكونات الغيبية التي يقوم عليها هذا الخطاب. يعني ذلك أنّ خطاب التجديد الإسلامي يقوم على أساس من العقلانية والرشادة وفقاً للمفهوم الفيبريWeber الذي يرى بأن رفض السحر والخرافة هو جزء من عملية إضفاء العقلانية والرشادة بشكل تدريجي على العلاقة بين الدين والمجتمع. وقد يتضح هذا الجانب بشكل واضح في الخطاب الإسلامي الذي تبنته جماعة إزالة البدعة في نيجيريا وخطاب الشيخ الفارسي في شرق إفريقيا.
ويتمثل الملمح الثالث للخطاب التجديدي في إفريقيا بالتركيز على قضية التعليم والاهتمام بكل من العلوم الإسلامية والعصرية. ويلاحظ أن الجيل الجديد من المصلحين الأفارقة هم نتاج التعليم الغربي فنجدهم أطباء ومهندسين وموظفين مدنيين ومعلمين، بيد أن السمة الرئيسية للخطاب الإسلامي في إفريقيا الإسلامية تمثلت في التركيز على اللغات واللهجات المحلية باعتبارها أداة للتواصل ولفهم الخطاب من قبل المجتمعات المحلية. وعليه فقد ترجمت معظم النصوص الإسلامية الرئيسية بما فيها القرآن إلى اللغات الإفريقية الكبرى، مثل السواحلي والهوسا والولوف. ولتأكيد هذا المنحى فقد استفاد الخطاب الجديد من أدوات الإعلام الجماهيري، مثل برامج الإذاعة والتلفزيون وشرائط الفيديو والكاسيت وحتى منتديات الإنترنت. وأدى ذلك كله إلى توفير الفرصة أمام المسلم الإفريقي لإعادة فهم الإسلام بشكل جديد؟
السمة الرابعة تشير إلى الجانب الأخلاقي للخطاب الإسلامي التجديدي فهو معادٍ للإمبريالية الغربية وحتى النخب السياسية الموالية لها في البلدان الإفريقية. ودفع ذلك بالحركات الإصلاحية الإفريقية التي تتبنى هذا الخطاب الإسلامي إلى الهجوم على كافة مظاهر الانحراف والتدهور الأخلاقي في المجتمع، مثل انتشار إدمان المخدرات والدعارة. وهو ما يوفر التأييد الشعبي لها.
ولعل هذه السمة الأخلاقية هي التي جعلت بعض المصلحين الأفارقة يتصالحون مع بعض أشكال الصوفية الصحيحة بحسبانها دعوة روحية أخلاقية خالصة. وهو الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى القول بأن هجوم الخطاب الإسلامي الراديكالي على الخطاب الصوفي ليس مبنيًّا على مواقف ثابتة غير متغيرة. وهو ما تؤكده محاولات جمع الصف والحديث عن وحدة المسلمين.
أما القضية الخامسة فإنها ترتبط بالموقف من علمانية الدولة ما بعد الاستعمارية في إفريقيا. فالملاحظ أنّ الجيل القديم من قادة الحركات الإصلاحية في إفريقيا، مثل أبو بكر جومي والأمين المزروعي وعبد الله الفارسي كان يعمل في كنف الدولة وموظفاً لديها. وعليه لم يعارض هؤلاء خطط التنمية التي تبنتها السلطة الحاكمة باعتبارها غير إسلامية عندما تحدثوا عن مشروعهم الإصلاحي في سياق المجتمع المسلم نفسه. بيد أنه بعد أعوام الثمانينيات وتحت تأثير الثورة الإيرانية وكتابات سيد قطب في مصر وحتى بعض تنظيمات الإسلام الحركي، مثل حركة الجهاد الإسلامي بدأ الخطاب الإسلامي الراديكالي يطرح بقوة موضوع علمانية الدولة بل وتكفير المجتمع وضرورة إقامة الدولة الإسلامية. ولعل حركة الإخوان المسلمين في نيجيريا بزعامة الزاكزكي تطرح مثالاً واضحاً على هذا التوجه.
وعلى أية حال فإن دراسة نماذج الحركات الإسلامية المعاصرة في إفريقيا أظهرت أنها حاولت في معظمها التعامل مع مطالب الحداثة وما تطرحه من مفاهيم، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو ما كان يعني إعادة النظر في التراث الديني والحضاري الإسلامي وأخذ متطلبات الواقع المعاش بعين الاعتبار. ومع ذلك تظل المؤثرات الداخلية والمحلية عناصر حاكمة لمدى نجاح أو فشل الحركات الإسلامية في الواقع الإفريقي الراهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.