تعود قصة مقاطعة الكيان الصهيوني ومؤسساته ومنتجاته وجامعاته وكل شيء يخصه الى سنوات عدة ماضية. حيث فكر الأوروبيون الذين يناصرون قضية الشعب الفلسطيني بتفعيل سلاح المقاطعة ضد " اسرائيل" كما كان مفعلاً ضد النظام العنصري في جنوب افريقيا وناميبيا. وأعتقدوا أن الأسباب من أجل تحقيق ذلك قوية ومتينة لأنها قائمة على حقائق مثبتة بالصوت والصورة والوثائق والشهود.تعززت هذه الفكرة أكثر مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000 ومع بروز مشاهد الاجرام والارهاب الذي مارسه الصهاينة ضد الفلسطينيين. مما وفر كماً كبيراً وجديداً من الأدلة ضد الكيان الصهيوني. كما أعتقدت قوى المساندة والمناصرة في أوروبا بأن الأدانات والأدلة على جرائم اسرائيل متوفرة وموجودة وموثقة أكثر مما كانت ضد نظام العنصريين الابارتهايد في جنوب افريقيا. لذا أخذت تعمل على توفير دعم لهذه المقاطعة بقدر المستطاع. وضعت تلك القوى نصب أعينها المواقف الرسمية الأوروبية المنحازة بشكل أو بآخر لموقف الادارة الأمريكية. وعرفت أن هناك مواقف أوروبية انحازت لأمريكا و "اسرائيل" برضاها أو رغماً عنها أو من أجل عدم أغضاب الادارة الأمريكية. لم تتغاضى قوى المناصرة عن الرد على ذلك. حيث وصفت كثير من الشخصيات الأوروبية السياسية والاعلامية والفنية والثقافية والاكاديمية والبرلمانية والحزبية وحتى الدينية تلك المواقف بالجبانة والمتخاذلة والمنافقة. كما طالبت بتبديلها واتخاذ مواقف أخلاقية وسياسية أكثر جرأة ومستقلة عن مواقف الادارة الامريكية وبعيدة عن املاءات و ضغط اللوبي الصهيوني.وخير دليل على ذلك الاستطلاع الشهير للاوروبيين الذي جاءت نتيجته بأن أكبر خطر على العالم هما " اسرائيل" و امريكا. في النرويج استعرت خلال السنوات الفائتة حملة مقاطعة البضائع الاسرائيلية حيث في فترة من الفترات كانت مسألة المقاطعة حديث الشارع النرويجي.حاولت على اثرها قوى اليسار النرويجي في بلدية اوسلو وضواحيها اتخاذ قرار ملزم يقاطع " اسرائيل" اسوة بالمقاطعة التي فرضها نفس المجلس سابقاً، ثم الحكومة على نظام الابارتهايد في جنوب افريقيا. لكن التصويت على الاقتراح في المجلس خسر بفارق اصوات قليلة جداً. الشيء نفسه حصل في مقاطعة ترونديلاند النرويجية حيث وافق مجلس المنطقة بعد التصويت على مقاطعة البضائع الاسرائيلية. فصوت مع المقاطعة بعض ممثلي اليمين مما انجح المشروع وهذا عكس التصويت في اوسلو حيث ان اليمين كان ضد المقاطعة ولم يتمكن اليسار من اختراقه قبل واثناء التصويت مما افشل مشروع القرار.
الأهم في الحملة النرويجية للمقاطعة هو قيام كرستن هلفرشون وزيرة المال وزعيمة حزب اليسار الاشتراكي النرويجي بداية سنة 2006 علناً وعبر شاشات التلفزة والجرائد اليومية بدعوة المواطنين النروجييين لمقاطعة "اسرائيل". مما اثار زوبعة من الهجمات والانتقادات ضد الوزيرة بدأها حليفها رئيس الوزراء وحزب العمال ينس ستلتنبيرغ وغيره من السياسيين والاعلاميين وحلفاء وانصار الصهاينة في البلاد. اضطرت بعدها الوزيرة لتبرير موقفها حيث قالت انها أخطأت بالدعوة لذلك كوزيرة في الحكومة لأن هذا ليس موقف حكومتها بل حزبها. وبنفس الوقت تمسكت بموقفها الداعي للمقاطعة على اساس انه موقف حزبها، الذي يعتبر القائد الفعلي لحملة مقاطعة "اسرائيل" في النرويج. ومن المهم التذكير أنه في حزب العمال النرويجي الحاكم توجد أيضاً قوى كبيرة ولا يستهان بها تؤيد مقاطعة البضائع الاسرائيلية وفرض عقوبات على "اسرائيل". لكن القوة المعارضة مازالت أكبر من المؤيدة للمقاطعة. بعد نداء الوزيرة هلفرشون تصاعدت الحملة في النرويج . حيث قام المخرج الفني والموسيقي النرويجي الشهير اريك هللستاد بالدعوة لمقاطعة اسرائيل.كانت هناك منظمات ومؤسسات نرويجية كبيرة وذات وزن طالبت ايضاً بمقاطعة الصهاينة، ومن هذه المنظمات : نقابة عمال النرويج (800 ألف عضو) ، جمعية المساعدات الشعبية النرويجية، المنظمة النرويجية الموحدة من اجل فلسطين (تضم نحو 40 حزب ومنظمة ومؤسسة ونقابة وجمعية) .ومنظمات تضامن ومناصرة عديدة بالاضافة لبعض الجمعيات المسيحية والكنائس المحلية.
بعد فترة من العمل في نشر مبدأ المقاطعة اصبحت المحال التجارية تضع شارات على بضائعها تحدد فيما اذا كانت البضائع اسرائيلية ام غير ذلك. وأصبح هذا الشيء طبيعياً يمكن أن يلحظه الانسان في المحلات التجارية وخاصة محلات المواد الغذائية و الخضار والفاكهة. وأصبح عادياً أيضاً منظر بعض النرويجيين وهم يقفون في الساحات والميادين والشوارع ينادون بمقاطعة البضائع الاسرائيلية ويقدمون اوراقا ومعلومات وشروحات مع الصور عن ضرورة ومعاني المقاطعة. وعن الفائدة التي يمكن أن تعود بها على السلام وعلى الضحايا في الصراع في الشرق الأوسط. فعدم شراء البرتقال الاسرائيلي قد يحفظ حياة الكثير من الفلسطينيين لأن الأموال تذهب للمستوطنين ولجيش الاحتلال الذي ينكل بالمدنيين الفلسطينيين.
أما في بريطانيا فقد توجت الحملة بالموقف الشهير للجامعات البريطانية التي أعلنت موقفاً مشرفاً دعت فيه لفرض المقاطعة على الصهاينة والتزمت به. بالرغم من محاولات بعض الفلسطينيين المشبوهين الوقوف ضد القرار. وبالرغم من الاستماتة الصهيونية والرسمية البريطانية لحكومة طوني بلير لوقف القرار. هذا الشيء هو الذي اثار حفيظة السفير الصهيوني في لندن رون بروسور والذي كتب مقالة في صحيفة دايلي تلغراف أعرب فيها عن أن ما " يقلقه هو العناصر الأكثر تطرفاً للنقاش في بريطانيا قد سمح لها بأن تتخطى الأمور الجوهرية". وأضاف أيضاً " بريطانيا أصبحت بؤرة للأفكار المعادية لاسرائيل" وان "محاولات مقاطعة الجامعات الاسرائيلية تتناقض مع القيم البريطانية". هذا وكانت "يونيفرسيتي اند كوليدج يونيون" قد اثارت احتجاح الحكومتين البريطانية والاسرائيلية ونواب اميركيين عندما صوت اعضاؤها في ايار/مايو الماضي على دعم مقاطعة الجامعات الاسرائيلية بسبب احتلال الاراضي الفلسطينية.
المقاطعة في بعض الدول الاوروبية تحقق نجاحات معقولة. بالرغم حتى من وجود معارضة للمقاطعة من قبل البعض في السلطة الفلسطينية. أذكر أن قادة حملة المعارضة في النرويج طلبوا في يوم من الأيام مني شخصياً أن أتدخل لدى الرسميين الفلسطينيين الذين يزورون النرويج لاقناعهم القبول بمبدأ مقاطعة البضائع الاسرائليية. واسماع قبولهم أو عدم معارضتهم لقيادات الاحزاب النرويجية التي يلتقونها.كانت الأحزاب المذكورة تشهد خلافات حادة لكن صامتة حول هذا الموضوع. وكان الطرف المعارض للمقاطعة يتحجج بأن السلطة الفلسطينية ليست مع المقاطعة وبأن الوفود التي تجيء هنا لم تطلب ذلك ولم تؤيد هذه المطالب. المهم طرحت هذا الكلام على بعضهم ومنهم وزراء فكان ردهم أنهم ليسوا مع المقاطعة. وآخرين قالوا أنهم لا يستطيعوا مطالبة النرويجيين بذلك لأنهم يقيمون سلام مع "اسرائيل". كما أبلغني احدهم : " نحن نعيش على بضاعة اسرائيل". وشخص عربي من الأردن التقيته في اوسلو مؤخراً ، قال لي " اسرائيل وفرت لنا بعد توقيعنا اتفاقية السلام معها عشرات آلاف فرص العمل". تصوروا أين الأوروبيين وأين هم. المقاطعة مفعلة في اوروبا ومقاطعة في بلدان العرب.