ما الذي يمكن أن يدور في خلد المرء وهو يرقب وقائع تلك الحرب الطويلة لدرجة الملل، والعنيفة لدرجة الحماقة؟! فقد بلغت الحرب التي تمارسها «المؤسسة العلمانية» على الحجاب حداً يدعو للاشمئزاز، بعد إصرار تلك المؤسسة على وضع نفسها في موقف متناقض مع كل من يطالع شعاراتها عن الحرية وحقوق الإنسان!! لقد أصيبت تلك المؤسسة بحالة هستيرية مزمنة لمجرد رؤية «الحجاب»، ولم يعد في جعبتها لمحاصرة تلك الظاهرة الفطرية المتنامية في البلاد سوى تعيين جيش من الشرطة؛ ليطارد المحجبات في الشوارع. وقد كان قرار المحكمة الدستورية التركية الأخير بإلغاء قرار للبرلمان التركي، صدر بأغلبية 411 صوتاً مقابل 103 أصوات، ويقضي بالسماح للفتيات المسلمات بارتداء الحجاب داخل الجامعات مثالاً فجّاً على تلك الحرب المسعورة، ودليلاً دامغاً على فقدان تلك «المؤسسة» لصوابها ويؤكد أنها ماضية في حربها حتى الرمق الأخير. والحرب على الحجاب تمثل «قمة جبل الجليد» من منظومة حرب متكاملة ومتعددة المراحل على الهوية الإسلامية دون إعلان ذلك بالطبع للحيلولة دون عودة الإسلام ليسود الحياة في الشارع، ويقود العمل في مؤسسات الدولة والحكم! وفي سبيل ذلك تقف المؤسسة العلمانية العتيقة بالمرصاد لأي بوادر أو إشارات إسلامية لوأدها قبل أن تولد، وذلك هو عين ما يحدث مع الحجاب وغيره من مظاهر الصحوة الإسلامية في «تركيا» وغيرها من البلاد العربية، وكلٌ حسب ظروف مجتمعه وحسابات قوّته على الأرض في مواجهة ردود فعل المجتمع.. فإمكانات المؤسسة العلمانية التركية مازالت تمكنها من مواصلة الحرب السافرة على الإسلام بكل فجاجة، ولديها من القوانين المحمية بقوة الجيش والتي تمكنها من إعدام أي شخص يتحدث صراحة عن عودة الإسلام، وسجن من تسول له نفسه الإشارة إلى هذا الدين ومبادئه. وفي «تونس» تدور رحى نفس الحرب لكن بشكل آخر وبمبررات مغايرة «حجاب»!! ففي عام 1929م، وقبل استقلال تونس وقف شاب في السادسة والعشرين من عمره مدافعاً عن الحجاب في إحدى الندوات التي شهدت دعوة صريحة لحظر الحجاب في البلاد.. وقال الشاب: «الحجاب يصنع شخصيتنا، وبالنسبة لخلعه فإن جوابي هو الرفض...» يومها ضجت القاعة على وقع ما قاله ذلك الشاب، وحدث جدل امتد إلى صفحات الصحافة التونسية، حيث قام الشاب نفسه بكتابة سلسلة من المقالات يدافع فيها عن حق المرأة في ارتداء الحجاب... ذلك الشاب كان هو المجاهد الأكبر «الحبيب بورقيبة»! ولم يكن أحد يعلم بأن تصاريف القدر ستلقي ب«تونس» بين يديه ليحكمها عقب الاستقلال مباشرة، وكان أول قراراته محاولة رفع الغطاء عن رؤوس النساء التونسيات، ثم تشدد في حظر «الحجاب» بإصدار القانون 108 لسنة 1981م الذي يعتبر «حجاب المرأة» المسلمة زياً طائفياً يحظر ارتداؤه، بل ويحدد للمرأة بقية لباسها ليكون فوق «الركبة»!! ومنذ ذلك التاريخ.. أصبح «الحجاب» في تونس يقف أمام السلطات التونسية في «قفص الاتهام»، وتجري مطاردته وضبطه في الشوارع مثل جرائم السرقة والمخدرات والقتل وغيرها! وأياً كان الأمر فإن المبهر والمعجز في آن... أن الشعب التونسي صار كغيره من شعوب كثيرة، لم يعد يأبه بالحديد والنار، وصار يندفع بقوة إلى أحضان دينه. و في كل من «مصر»، و«الأردن» فإن الحرب تخف كثيراً حتى لا يبدو لها أثر وبقي ميدانها الأوحد مبنى التلفاز، حيث يتم الحظر على المذيعات المحجبات الظهور على الشاشة، وفق قرارت غير مكتوبة كما أن الأمر مثار نقاش حر في ساحة المجتمع. ففي مصر ومنذ ثلاث عشرة سنة حتى اليوم تم حرمان أكثر من خمس وأربعين مذيعة من الظهور على الشاشة! ورغم صدور أحكام قضائية بحقهن في الظهور إلا أنها لم تنفذ! و في «الأردن»، أقامت المذيعة «نوف التميمي» قبل ثلاث سنوات أول دعوى قضائية ضد مؤسسة الإذاعة والتلفزيون؛ بسبب نقلها من العمل بالتلفزيون إلى الإذاعة بعد ارتدائها الحجاب! إن تلك المسالك الرسمية في بعض بلادنا الإسلامية الرامية إلى حرمان النساء من أداء فريضة ربانية تتعلق من الناحية الدينية بحرية الاعتقاد، ومن ناحية حقوق الإنسان بالحرية الشخصية تصيب المرء بالتمزق وهو يتابع كيف أن القضاء في بريطانيا ينصف الشرطيات المسلمات وبجبر السلطات على منحهن حريتهن في وضع غطاء الرأس «الحجاب» خلال العمل. وبين فترة وأخرى نتابع موافقة السلطات في الولاياتالمتحدة، وكذلك الشركات والمؤسسات الأمريكية التي تعمل بها مسلمات على السماح لهن بالحجاب دون مشكلات. ألا يعترينا الخجل ونحن نشهد تلك الحرب غير المبررة على الحجاب في بلادنا، بينما نجد دولة مثل «السويد» تسمح عام 2003م للمذيعة المسلمة «نادية جبريل» حاملة الجنسية السويدية بالظهور على الشاشة؟! وجاء في نص القرار الصادر عن رئاسة التلفاز السويدي: «إن السويد دولة تحترم الثقافات والديانات والحرية الدينية مكفولة للجميع»! ............................................. (*) كاتب مصري ومدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية