بنزرت ..كلّية العلوم بجرزونة .. وقفة مساندة للشعب الفلسطيني وورشة ترصد انتهاكات جرائم الإبادة !    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    منوبة ... طلبة معهد الصحافة يدعمون الشعب الفلسطيني    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    توقيع اتفاقيات ثنائية في عدة مجالات بين تونس و المجر    عاجل/ وزير داخلية إيطاليا يوضّح بخصوص إقامة نقطة لاستقبال المهاجرين في تونس    صفقة الهدنة مع «حماس» زلزال في حكومة نتنياهو    بطولة مدريد للتنس.. أنس جابر تتعرف على منافستها في ربع النهائي    الليلة: أمطار في هذه المناطق..    حادثة قطع أصابع تاكسي في "براكاج": الكشف عن تفاصيل ومعطيات جديدة..#خبر_عاجل    قبلي: حجز 1200 قرص مخدر و10 صفائح من مخدر القنب الهندي    بين غار الدماء وعين دراهم: حادثا مرور واصابة 07 أشخاص    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    عاجل/ وزير خارجية المجر: 'نطلب من الاتحاد الأوروبي عدم ممارسة ضغط يؤدي لعدم الاستقرار في تونس'    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص محاكمة رجل الأعمال رضا شرف الدين..    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    الإطاحة بشبكة مختصّة في الإتجار بالبشر تنشط في هذه المناطق    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس توقع على اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقارنات مؤلمة
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 07 - 2008

تم إلقاء القبض في بلغراد على الزعيم الصربي العنصري كراديتش، فتنفس الصربيون الصعداء، باعتبار أن ذلك سيكون خطوة أمامهم للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، الذي كان يشترط إبراز حسن نية بلغراد، قبل أي حديث للانضمام متمثلا في تسليم مجرمي الحرب الباقين مطلقي السراح وخاصة كراديتش، العقل المدبر للمجازر التي ارتكبت في التسعينيات في البوسنة ضد المسلمين والكروات، وملاديتش الجنرال الجزار الذي تولى العمل "الوسخ" المتمثل في تنفيذ تلك المجازر أحيانا بيديه.
ويعتقد الصرب اليوم وعاصمتهم بلغراد أنهم قطعوا شوطا كبيرا، في السباق نحو دخول الاتحاد الأوروبي بعد أن سبقتهم إليه كل من كرواتيا وسلوفينيا وفي انتظار التحاق آخرين ممن كانوا ضمن الفيدرالية اليوغوسلافية السابقة.
وإذ خرجت المظاهرات الحاشدة في بلغراد تعبيرا عن الفرحة، بعد هذا الحدث وإن لم يعدم الأمر من عشرات ولنقل مئات من المتظاهرين المحتجين على إلقاء القبض على الرجل الذي تنكر فأحسن التنكر، وعاش حياة عادية في أمان أكثر من 13 سنة قبل أن يكشف أمره، نتيجة وشاية على ما يبدو ، فإن الصرب اعتبروا أن هذه المرحلة، إنما تمسح من أذهانهم ومن ضمائرهم فترة سادت فيها البربرية والوحشية ورخصت فيها الأنفس البشرية إلى أن تم قتل 8 آلاف في قرية صغيرة و12 ألفا خلال حصار دام 43 شهرا على سراييفو اعتبر أطول حصار في القرن العشرين، في أعتى عملية وأقذرها منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
وإذ يمسح الصرب مع تسليم كراديتش إلى العدالة الجنائية الدولية ممثلة في المحكمة المختصة بجرائم الحرب والإبادة الجماعية في يوغوسلافيا السابقة، بعد أن سلموا رئيس دولتهم سلوبودان ميلوسوفيتش وفي انتظار البحث الجدي عن الجنرال ملاديتش والقبض عليه ما اعتبروه وصمة عار في جبينهم، فإنهم يأملون بذلك، أن يعودوا للظهور بمظهر الدولة المتمدينة الحضارية القاطعة مع الفترة السوداء للتسعينيات من القرن الماضي، ويدخلون بذلك نادي المجتمع الدولي الحريص على احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي.
وإذ استقطب حدث القبض على كراديتش اهتمام الرأي العام الدولي وصحافته، فإنه بدا باهت التأثير في العالم العربي، ومن خلال استعراض موسع لردود فعل الدول العربية، ولصحافتها عبر الإنترنت، خرجنا باستنتاج بأن المسألة لم تلق الاهتمام الذي تستحقه في بلداننا وصحافتها، رغم أن ضحايا كراديتش من المسلمين، وأن المسألة أثارت في وقتها الكثير الكثير من الألم، ومن الاحتجاج لدى العرب والمسلمين.
وإذ ليس هناك قياس جدي وموضوعي لرد فعل الجماهير العربية، فهي مغيبة، فإن للمرء أن يتساءل عن أسباب قلة الاهتمام هذه، وقلة الأقلام التي تناولت الحدث؟
والواضح أن العرب بصحافتهم وحتى رأيهم العام كانوا محرجين بالكامل أيام القبض على كراديتش، ذلك أن هذه العملية تزامنت تقريبا مع ما أعلن من قبل المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام فيها عن احتمالات لم تتأكد بشأن إصدار بطاقة إيقاف ضد الرئيس السوداني عمر البشير بتهم تخص القيام بحرب إبادة وارتكاب جرائم حرب في دارفور الإقليم الغربي المتمرد من السودان، بعد أن كانت هذه المحكمة أصدرت بطاقة جلب ضد وزيره لحقوق الإنسان (؟) وكذلك أحد قادة ميليشيات الجنجويد التي تفننت في تقتيل لا المتمردين على السلطة المركزية فقط، بل كذلك المدنيين ممن خضعوا لإبادة وتهجير واغتصاب.
وقد قامت الدنيا العربية وحتى الإفريقية ولم تقعد، لما أسمي بالاعتداء على سيادة الدولة السودانية، واتهمت فيه الولايات المتحدة والغرب بازدواجية المكاييل وهو أمر صحيح وفعلي.
ووصل الأمر بعد القبض على الزعيم الصربي لحد القول بأن هذا تم في وقت متزامن مع إصدار بطاقة الجلب والإيقاف ضد الرئيس البشير بقصد تبرير وتغطية المظلمة التي وجهت لرئيس الدولة السودانية.
ومن هنا جاء الحرج العربي، بشأن ملاحقة أخبار توقيف كراديتش، على الرغم من أن ذلك كان مطلوبا بشدة، ومر الحدث تحت ما يشبه الصمت، باعتباره يتناقض مع الحملة الواسعة التي شنتها الدول والجامعة العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية ضد قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يحتاج إلى تصديق من هيئة المحكمة قبل أن يصبح نافذا، وتعتقد الأوساط المطلعة، أن ذلك هو في حكم الحاصل خلال فترة لا ينبغي أن تتجاوز ثلاثة أشهر.
والمحكمة الجنائية الدولية LA COUR PENALE INTERNATIONALE تعتبر أول محكمة قارة على مستوى العالم، وبعكس المحكمة الدولية من أجل يوغوسلافيا أو رواندا فإن هذه المحكمة، تمتد أهليتها لمحاكمة كل التجاوزات التي حصلت منذ سنة 2002، وفقا لوثيقة تأسيسها في روما في17 تموز -يوليو1998 ، من قبل الندوة الدولية للمفوضين الدبلوماسيين للأمم المتحدة، ويعتبر وجود هذه المحكمة شرعيا وقانونيا منذ2002 أي تاريخ التصديق عليها من طرف106 من الدول من بين حوالي200 دولة عضو في الأمم المتحدة.
وتتلخص مهمة هذه المحكمة وفقا لما جاء في موسوعة "ويكيبيديا" في محاكمة الأشخاص لا الدول (هذه المهمة من اختصاص محكمة العدل الدولية)، أما التهم التي تنظر فيها فهي جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.
ولم توقع على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لا الولايات المتحدة ولا روسيا ولا الصين ولا إسرائيل ولا كل الدول العربية باستثناء الأردن وجيبوتي وجزر القمر.
وقد صدقت على هذه الاتفاقية كل دول اتحاد أوروبا وغالب الدول الإفريقية غير العربية.
وتنص وثائق المحكمة على أن الشخص المطلوب للمحاكمة لا بد أن تتوافر فيه أحد ثلاثة شروط: أن يكون مواطنا في إحدى الدول الموقعة على اتفاقية إنشاء المحكمة ومصدقا عليها، أن تكون الجرائم المنسوبة إليه قد وقعت في دولة موقعة على الاتفاقية ومصدقة عليها، أو أن يكون مجلس الأمن قد كلف المدعي العام لدى المحكمة بالقيام بالتحريات اللازمة وفقا للفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا ما حصل للسودان بشأن دارفور.
وباعتبار أن السودان ليس موقعا على الاتفاقية ولا مصدقا عليها، فإن الرئيس السوداني يقع تحت طائلة الشرط الثالث باعتبار أن مجلس الأمن هو الذي كلف المدعي العام بإجراء التحريات في ما حصل في دارفور، ولا بد أن الصين وروسيا وربما غيرهما يعضان الأصابع لأنهما عندما وافقا من خلال مجلس الأمن ضمنيا بعدم استعمال حق الفيتو على الملاحقات ضد مسؤولين في السودان، لم يكن يخطر ببالهما أن هذه الملاحقات ستطول يوما رئيس الدولة السودانية بالذات.
للمرء أن يتساءل : ماهي تبعات بطاقة الإيقاف الصادرة ضد الرئيس عمر البشير؟.
وما دام الرئيس عمر البشير باقيا في بلاده فإنه ليس معرضا لأي خطر، إلا في حالة ما إذا أزيح عن الحكم، وقرر الحكم الجديد تسليمه لعدالة المحكمة الجنائية الدولية، كما سبق وأن حصل للرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش أمام المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا.
وهذا أمر مستبعد لسببين أولهما أن للرئيس السوداني قدما راسخة في الحكم لا يبدو أن أحدا في بلاده قادر على زحزحتها، وثانيا لأنه على فرض حصول تغيير في الحكم فلا يظن أحد بما عرف من وطنية السودانيين أنه سيأتي يوم يقدر أيا كان على تسليم مواطن سوداني لسلطة غير سلطة بلاده.
ولكن ما هو المصير لو قرر الرئيس السوداني يوما القيام بسفر إلى الخارج؟
إن البلدان ال106 الموقعة والمصادقة على اتفاقية روما ستكون مضطرة بحكم التزاماتها الدولية لتسليم الرئيس السوداني إلى العدالة الدولية ممثلة في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وهو التزام للواقع يشمل الدول حتى غير الموقعة وغير المصدقة، في حالة ما إذا كانت بطاقة الإيقاف صادرة تحت طائلة قرار مجلس الأمن وفقرته السابعة بالذات. وهو الحال في هذه القضية.
وقد يقول قائل إن من سيادة الدول خاصة غير الموقعة ولا المصدقة أمر عدم التسليم كما يمكن القول بأن رؤساء الدول يتمتعون بالحصانة، ولكن الاتفاقية للأسف تنص على غير ذلك.. فلا السيادة ولا الحصانة كافيتين لوضعه خارج إطار الملاحقة.
ومهما يكن من أمر فإن لا شيء يضطر الرئيس السوداني للسفر، وهو أصلا قليل التنقلات، وربما امتنع مستقبلا حتى عن حضور قمم عربية أو إسلامية أو إقليمية خوفا من أن يكون محل توقيف، خاصة بين الدول الإفريقية الشريكة له في عدد من المنظمات الإقليمية التي تجبرها التزاماتها على تسليمه في حالة وضع رجليه على ترابها.
ومن هنا فإن الرئيس السوداني أصبح في وضع هش، ستزداد هشاشته في حالة ما إذا وافقت المحكمة على قرار المدعي العام لديها على إصدار بطاقة التوقيف ضده.
الأحد ,27 يُولْيُو 2008
الشرق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.