وزارة العدل تغلق الباب أمام توثيق الطلاق خارج المحاكم...تفاصيل    جماعة الحوثي ل"المستوطنين": الرعب الحقيقي لم يبدأ    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الكاتب العام السابق لنقابة قوات الأمن..    عاجل/ الاحتفاظ بمربي نحل من أجل هذه التهمة..    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    جائزة كندا الكبرى للفورمولا-1: البريطاني راسل يتوج باللقب    تراجع رقم أعمال قطاع الاتصالات إلى 325 مليون دينار في أفريل 2025    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الطيب راشد..    بعد ترميمه: "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميًا لأول مرة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    قافلة "الصمود": الإفراج عن العديد من المعتقلين والمفاوضات مستمرة لإطلاق سراح البقية    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    الاحتلال يستهدف مقرا للحرس الثوري في طهران    باكستان تتعهد بالوقوف خلف مع إيران وتدعو إلى وحدة المسلمين ضد "إسرائيل"    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفكر المقاصدي.. وبناء منهج التفكير الإسلامي
نشر في الفجر نيوز يوم 12 - 08 - 2008

أكد الفقيه الأصولي أحمد الريسوني الخبير الأول بمجمع الفقه الإسلامي، أن مساهمة الفكر المقاصدي في بلورة منهج التفكير العلمي في الإسلام متوقف على ثلاث سمات وهي: التعليل والتركيب والترتيب، إليها تنظم الجزئيات في الكليات ويتم الترجيح بين المتعارضات
وقال أحمد الريسوني في محاضرة بثتها الجزيرة مباشر يوم الجمعة ثامن غشت الجاري: إن الحاجة ملحة لتوظيف التفكير المقاصدي في بناء منهج
الفقيه الأصولي أحمد الريسوني
التفكير العلمي وتعميمه على مجالات الحياة، مستشهدا بما أورده العالم المقاصدي عبد الله بن بية في كتيبه "علاقة مقاصد الشريبأصول الفقه" حول مناحي الاستنجاد بالمقاصد في علم أصول الفقه، وذكر منها ثلاثين وجها على وجه الاختصار.
وعبر نظرة استقرائية للسمات الثلاث في كتابات علماء مقاصديين، أكد الريسوني أن جلب المصالح مقدم على درء المفاسد، بناء على أسبقية الغذاء على الدواء وأسبقية التبشير على الإنذار
علاقة المقاصد بعلم الأصول
في مستهل حديثه إلى جمع من العلماء والباحثين، وسيره رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي فتحي المكاوي، يوضح الريسوني أن القول بمنهج التفكير المقاصدي هو في أحد أوجهه حديث عن التفكير الأصولي؛ لأن بعض سماته ناشئة في أحضان التفكير الأصولي عند علماء المسلمين، وليس علم أصول الفقه، لأن الأول أوسع من الثاني، بل إن عطاءات التفكير المقاصدي أكثرها تم خارج أصول الفقه، لكنه من جنسه وأصوله (القرآن، السنة، إلى اجتهادات الشافعي..) منذ القرن الأول الهجري.
لكن هذا التفكير المقاصدي -يشرح الريسوني- تميز به مفكرون وعلماء معينون، وأنتجوا ما أنتجوه خارج الحدود المعترف بها لأصول الفقه، إذ إن علم مقاصد الفقه نشأ على هامش علم أصول الفقه، وليس فيه.
فخصائص المنهج، الذي طبقه علماء المقاصد، مثل الجويني والشافعي وابن تيمية والشاطبي والطاهر بن عاشور وعلال الفاسي وتقي الدين الدهلوي، تميز عن أصول الفقه، فهؤلاء أصوليون متميزون، والتمييز يحمل معنى الاختلاف والتفوق.
وبناء على توضيح هذه العلاقة بين المقاصد وأصول الفقه، يورد الريسوني ثلاث صفات وسمات للتفكير العلمي ودور التفكير المقاصدي فيه، وهي "جامعة لما أريد الحديث حوله فيما يخص منهج التفكير العلمي الإسلامي، وطبقها من ذكرت من العلماء على اختلافهم بحسب مراتبهم وتآليفهم".
سمة التعليل
وفي المكون التعليلي، يميز الريسوني بين تعليل أفعال الله تعالى وتعليل الشريعة، فمعلوم لدى المشتغلين بعلم المقاصد هو عنايتهم بمنهج التعليل، أي ذكر العلة وبيانها والاستدلال عليها
فتمييز أفعال الله -يقول الريسوني- هو تعليل تصرفات الله تعالى في الكون إحياء وإماتة وتنويعا وبعث الرسل والشرائع، وماذا خلق وكيف خلق ولأي غرض خلق.. وهو مطلب تحرير محل النزاع بالقول إن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا لعلة أو حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، أما الاختلاف فيأتي بعد ذلك، أي هل هذه العلة اضطرارية أو اختيارية وهل هي عقلية أو تعبدية؟
ليقرر أن الأصل هو أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة بغض النظر عن الاختلافات اللاحقة لها.
أما الصنف الثاني فهو تعليل الشريعة، وهو يقع على مستويين عند كل عالم: إما تعليلها جملة أو تفصيلا، فيعلل الوضوء والتيمم والزواج والطلاق والجهاد والزكاة والربا.. وما إلى ذلك من الأحكام.
والنتيجة النهائية أن المذاهب الأربعة، التي تؤكد منهج الأمة، وأقوال العلماء المنتسبين لأهل السنة والجماعة، كلها متفقة على تعليل الشريعة جملة بمصالح العباد، وعبارة الشاطبي واضحة في بيان هذا المعنى: "الشرائع إنما وضعت لمصالح العباد في الآجل والعاجل معا".
وبمقابل هذا الرأي هناك الظاهرية، خاصة ابن حزم، الذي يرى رحمه الله أن العلة الوحيدة من الشرائع هي الابتلاء ليذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، أي لتمحيص العباد لمعرفة من يتبع ومن يتنكب، فالوظيفة عنده هي الابتلاء، أما مصالح العباد فيرفضها رفضا تاما في كتاب الإحكام.
ويضيف الريسوني شارحا: ويبقى شيء من التفاوت بالتساؤل هل الشريعة معللة في تفاصيلها أم فيها أعمال تعبدية صرفة؟ ليؤكد أن المنهج المقاصدي يذهب إلى تعليل كل شيء جملة وتفصيلا، ما عرفنا وما لم نعرف، فكلها معللة بمصلحة العباد، ومن يتحفظ يقر بالتعليل، لكن يؤكد أن هذه الأحكام لله تعالى، أمرنا بالتعبد بها في الصلاة والصيام والحج والعدة، كما يقول الغزالي: "العبادات مبناها على الاحتكامات"، أي التحكم وهي غير مبررة وغير مفسرة.
لكن عند فقهاء المقاصد -وإن كان الغزالي منهم- نجدهم يقولون بتعليل كل شيء تقريبا، وما عدا الحج، نجد الغزالي يعلل الركوع والسجود، ويشير الريسوني إلى أن العلماء المقاصديين عندما يتوقفون عن تعليل شيء، فمرده إلى مبلغهم من العلم وقدرتهم، أما التعليل فقد كان منذ عهد الصحابة، ويوضحه اختلاف عائشة وعبد الله بن العباس رضي الله عنهما في تعليل غسل الجمعة بين الوجوب والإباحة.
ويقدم الريسوني رأي ابن عاشور فيما يتعلق بمراتب التعليل، وهو إما يكون قطعيا أو شبيها بالقطعي أو ظنيا، وهذه المراتب لا خلاف فيها بين العلماء، فالباحث عن المقاصد إذا ظهر له تعليل في نظره ورأى أنه تعليل مناسب فليقل به، ولكن لا يجزم، وليُحِلْه على من يأتي من بعده من العلماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، وهو ما يمكن أن نسميه بالتراكم العلمي في تعليل الأحكام.
واتفق كل العلماء المبرزين أن الأصل في العبادات والمعاملات هو التعليل والحكمة والبحث عن المصلحة والاحتكام إليها والبناء عليها، ومن أقدمهم أبو بكر القفال الكبير من القرن الرابع الهجري في كتاب "محاسن الشريعة"، الذي لم يترك شيئا إلا علله وكان يجتهد ولا يألو جهدا، وكذلك ابن القيم في "إعلام الموقعين".
وبالتالي، فالتعليل يشمل المجال التعبدي والمعاملات وغيرها، ويبحث عن مقاصد الأشياء وحكمها وجوهرها.
سمة التركيب
وأثناء حديثه عن السمة الثانية من المنهج المقاصدي، يقرر الريسوني أن التعليل ليس تفكيكا، بل هو منهج تركيبي، يجعل من العلل الجزئية تؤول إلى التركيب.
ويفسر المقصود بالتركيب والتأليف بقوله: "والمقصود بالتركيب هو تركيب الكليات من الجزئيات"، والكليات تشبه ما يسمى بالنظريات، التي تبنى من الجزئيات، ويمثل لذلك بالقاعدة الكلية "المصلحة المرسلة في الفقه الإسلامي"، فهي دليل شرعي وإن لم ينص عليه نص شرعي، ويتسع مجال تطبيقها، فاتباع القرآن والسنة موجود في القرآن والسنة، ولكن المصلحة لم يذكرها الله تعالى؛ ولذا توصل العلماء إلى أن الشرع يراعي المصلحة أينما كانت، منصوصة أو غير منصوصة، بهذا الاسم وبغيره، ترجع إلى الدنيا أو إلى الآخرة، أو إلى الأبدان أو الأديان، وشاعت المقولة: "أينما كانت المصلحة فثَمّ شرع الله"، ويأتي تطبيقها في البيوع والمعاملات.
ومن الأمور التي أنتجها العقل المسلم عن طريق التركيب -يتابع الريسوني- هو الوجه الآخر للمصلحة وهو ما يسمى ب"سد الذرائع"، والذي ينكره ابن حزم بشدة. فجاء التحريم في سد الذرائع تحريما مؤقتا، يرتفع بارتفاع حيثياته، فطريق الحرام حرام، وهذا أيضا لم يأتوا به من نص شرعي، ولكن من تعليل الأحكام وقالوا: "كل ما يفضي إلى الحرام بشكل راجح وغالب يصبح حرامًا"، ويستنبط هذه القول من منع الله تعالى سب آلهة المشركين لئلا يسبوا الله عدوا بغير علم؛ لأنه سيأتي بسلوك مماثل في حق الله تعالى، رغم أن حقيقة التوحيد هي تسفيه معتقدات المشركين.
ويدخل في هذه السمة أيضا دراسة المآلات، فاعتبار المآل ضروري، والأحكام تؤخذ بمآلاتها سواء كانت أحكاما منصوصة أو اجتهادية، فالفقيه والعالم والمفتي والمشرع وولي الأمر والقاضي، كل هؤلاء الذين يتصرفون في العباد بمقتضى أحكام الشريعة، ينبغي عليهم النظر إلى مآلات حكم معين ومتوقع، وليس فقط في حاله، لقول الشاطبي: إن "العالم الرباني يجيب عن السؤالات وهو ناظر إلى المآلات".
وقد استحضرت السنة النبوية هذا البعد وتداعياته، وجاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"، فهو نظر للمآل، وعمل به سيدنا علي عندما أبى إقامة القصاص على بعض المتمردين.
وتدخل في هذا الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والمال والنسب)، التي هي مدار التشريع، فلا وصفها بالضروريات ولا عدها بالخمس ورد في نص شرعي، ولكن بتركيب الإشارات والأدلة والمقتضيات ركبت ضروريات خمس.
ومنه أيضا الجمع بين المتقابلات، فهناك بعض الناس يعالجونها بأسلوب الصدام والنزاع والنفي مثل: هل أنتم مع الأصالة أم مع المعاصرة؟ هل أنتم مع عمل المرأة أم ضد ذلك؟ هل أنتم مع الانتماء الوطني أم الانتماء الأممي؟ هل أنت تحب الليل أم النهار؟
لكن المنهج التشريعي المقاصدي يؤلف بينها دائما، فلكل واحد من المتقابلات مكانه؛ ولذا قال الشاطبي: إن "الخلل مداره عند المبتدعة على حرف واحد وهو أخذ أحكام الشريعة أخذا جزئيا يضرب بعضها ببعض، كمن يريد أن يستنطق الإنسان من يده أو من رجله"، والمطلوب كيف يدمج هذا مع ذاك، وأن تؤخذ الأحكام كجسد واحد.
سمة الترتيب
ويقصد بها الريسوني أن علماء المقاصد هم الذين برزوا وأجادوا في ترتيب أحكام الشريعة الإجمالية والتفصيلية ومصالحها وأدلتها، ولكل واحدة رتبة تختلف عن غيرها.
فهم من رتب المصالح ترتيبا ثلاثيا: الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وكل صنف رتبوه بمراتب، فالضروريات الخمس هي أعلاها، وقالوا هذا أولا وهذا ثانيا، وهناك ضروريات غير الضروريات الخمس وقد تكون بالمئات أو الآلاف.
ويشير الريسوني إلى أن الترتيب ليس ترفا فكريا وفلسفيا، بل تترتب عنه فائدتان: عند التعارض والترجيح، فالتعارض يختار الأول ويسقط الثاني، وفي حالة عدم التعارض ينظر في القيمة والعناية الذي يعطى للأول وللثاني من الجهد والوقت والعناية.
ورتبوا المصالح: مقاصد، ووسائل، ووسائل الوسائل، مثل الذهاب إلى المسجد والوضوء فهي وسائل، والجهاد وسيلة والسلاح هو وسيلة الوسيلة، وكما يقول القرافي: إن الوسائل أقل رتبة من المقاصد، ووسائل الوسائل هي أقل رتبة من الوسائل ومن المقاصد.
وبعد ذلك وضع علماء المقاصد قواعد تعد بالعشرات للترجيح بين المصالح والمفاسد، وتفصيلها يوجد في كتاب العز بن عبد السلام "قواعد الأحكام في مصالح الأنام".
لكن الريسوني يذكر قاعدة لم تناقش بالشكل المطلوب عند الأصوليين والمقاصديين، وهي في أمر الترتيب بين المصالح والمفاسد، أيهما ذو أولوية: هل جلب المصالح أم درء المفاسد؟
وبعد إيراد أن المشاع هو قاعدة غير مسلم بها وهي أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، يقول إن هذا الرأي مرتبط بالفقهاء، لكن بالنسبة للمقاصديين لابد من نقاش حولها.
ويخلص إلى التأكيد أن جلب المصالح مقدم على درء المفاسد انطلاقا من استشهادات للرازي في تفسيره لقوله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [النساء:165]، فقدم المبشرين على المنذرين؛ لأن التبشير يكون بالأعمال الصالحة والحسنات والجنة، ومنذرين عكسه، وقال إن المقصود بالذات هو عمل الصالحات، وبالعرض هو اجتناب المفسدات، وشرحها ابن تيمية شرحا مسهبا في "مجموع الفتاوى"، وهي نوع من الفلسفة الإسلامية، وقال: "المصالح هي الغذاء، واجتناب المفاسد هي الحمية والدواء"، فالأصل المقصود حفظه وإقامته هو المصالح، والبشرية محتاجة إلى الغذاء لا إلى الدواء؛ لأنه شيء عرضي لا يحتاج إليه مثل الغذاء في كل يوم.
وبرغم أن ظرف تهييء المحاضرة لم يتعد ثلاثة أيام، حسب ما صرح به صاحبها، لكنها تمثل محاولة مركزة في بناء التفكير الإسلامي بناء منهجيا متينا يربط الجزئي إلى الكلي، وبإمكان توظيفها توظيفا رشيدا يخفف على الأمة كثيرا من الكوارث، التي أنتجها أنصاف الفقهاء والعلماء والمفكرين.
صحفي مغربي *
إسلام أون لاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.