حسب نظرتهاالعنصرية الخاصة في التعامل مع الآخرين إعتبرت أمريكا الجورجيين فصيلة راقية من البشر, ولنقل أقرباء لليهود. والأسباب كثيرة أهمها إن وزيردفاعهم يهودي وأن جورجيا مرشّحة لأن تصبح إسرائيل مصغّرة في منطقة القوقاز ذات الأهمية الاستراتجية القصوى بعد أن حصدت إدارة بوش الصغير ثمارا مرّة في الشرق الأوسط على شكل هزائم وخيبات وفشل سياسي وخسائربشرية ومادية فادحة, خصوصا في حربها العدوانية وغزوها البربري للعراق. بيد أن البحث عن بدائل في أية بقعة من بقاع الأرض لتعويض تلك الهزائم والنكسات, في العراق وأفغانستان على الأخص, ما زال مستمرا بالنسبة للادارة الأمريكية الحالية حتى لو كلّف الأمر وضع البشرية جمعاء على حافة جهنم كبرى وقودها الناس والحجارة. فسياسة الأبله بوش الصغير ونائبه المجرم ديك تشيني هي زرع الفوضى الهدامة في كلّ مكان لا تجد فيه أمريكا لها موطأ قدم, بغض النظرعن النتائج, والتي غالبا ما تكون كارثية على الجميع. فعندما ترسل إمريكا ما تدّعي بانها مساعدات إنسانية الى جورجيا بسفن وبواخرحربية وفي مواجهة غيرمحمودة العواقب مع روسيا الاتحادية فأن ذلك لا يعني الاّ شيئا واحدا, إستهتارأمريكا الفاضح بحياة ملايين البشر وإستفزاز سافر لدولة عظمى ذات سيادة لا يستهان بها مثل روسيا..والأسوء هو أن رائحة النفاق والزيف والكيل بمكيالين تفوح, ومن مسافات بعيدة, من تلك المساعدات الانسانية المزعومة والمرسلة بواسطة السفن الحربية. فدولةاسرائيل, واحدة العنصرية والبشاعة في الشرق الأوسط, تفرض حصارا قاتلاعلى مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة. بل حوّلت القطاع, باعتبار ساكنيه بشرا من الدرجة العاشرة, الى سجن كبير محاصر من حميع الجهات. ولو إستطاعت, أي إسرائيل, منع الهواء عن الفلسطينيين لما تأخرت لحظة واحدة. فلماذا لا ترسل أمريكا مساعدات إنسانية إذن الى قطاع غزة؟ أو تأمرعلى الأقل صنيعتها إسرائيل بازالة بعض الحواجز, ولا نقول كلّها, من أجل تسهيل حركة من هم بحاجة ماسة الى الحركة والتنقّل, كالمرضى والمعاقين والشيوخ والنساء الحوامل. وأمريكا بطبيعة الحال ليست بحاجة الى إرسال سفنها الحربية قبالة سواحل فلسطين المحتلّة وإستفزازالدولة العبرية لايصال مساعدات إنسانية, وليس أسحلة وذخائر كما تفعل الأن مع جورجيا,الى ألمحاصرين والمحكومين بالاقامة الجبرية رغما عنهم من أبناء القطاع. لكن عدوانية بوش الصغير ونزعة التطرّف لدى معظم أركان إدارته وإنتهاك هذه الادارة, في أكثر من مناسبة ومكان, للقوانين والأعراف الدولية, دأبت على التعامل مع البشر وفق نظرة عصرية شوفينية مقيتة. فصارالناس بالنسبة لها أصناف ودرجات. حتى ضحايا الكوارث الطبيعية لم يسلموا من هذا التحيّز والتمييز اللاانساني, ولا يلقون نفس المعاملة من قبل دولة العام سام. أم حقوق الانسان التي ترفع أمريكا زورا وبهتانا ونفاقا رايتها الخفاقة, فهي تختلف من إنسان الى آخر. ففي الوقت الذي أقامت فيه الدنيا ولم تقعدها حتى الآن من أجل جورجيا حليفة إسرائيل, تغمض عينيها بالكامل عن ما يرتكبه جيشها من جرائم يومية, ومنذ أكثر من ستة أعوام, في العراق وأفغانستان. فالناس في هذين البلدين, وخلافا للجورجيين ذوي البشرة البيضاء, لا يثيرون أدنى إهتمام لدى عصابة البيت الأبيض. إن مشكلة أمريكا, وخلفها أوروبا في كثير من الأحيان, هي إنها تحلّل لنفسها كلّ شيء وتحرّم على الآخرين كلّ شيء, حتى الدفاع عن أنفسهم في عقر دارهم. بل إنها تتصرّف وكأن العالم حديقة خلفية لها, متجاهلة وجود دول وشعوب وثقافات وأديان مختلفة. لأنها,أي أمريكا, بكل بساطة قامت وتأسست على أشلاء الملايين من ضحاياها. وإن مبدأ إستخدام العنف والقوة يشكّل جزءا أساسيا من التكوين النفسي والثقافي للأمريكيين حكاما ومحكومين. فهم نادرا ما يؤمنون بعمق بالحلول الدبلوماسية السلمية, ولا بذلون جهودا حميدة وبنوايا حسنة في حلّ نزاعاتهم مع الأخرين. والاّ ماهي الحكمة والمغزى من أرسال مساعدات إنسانية, كما يزعمون, الى جورجيا بواسطة السفن الحربية؟.ألا توجد طائرات شحن مدنية ضخمة مثلا؟ خصوصا وإن جورجيا ليست واقعة تحت إحتلال جيش أجنبي حتى تخشى أمريكا على رجالها ومساعداتها المزعومة. ولا تعيش حربا أهلية بحيث يستحيل الوصول الى السكان المتضررين المحتاجين الى تلك المساعدات. كما أن في جورجيا ثمة أكثرمن طريق آمنة لتحقيق ذ لك الهدف إذا لم تكن النوايا العدوانية لادارة بوش الصغير هي الدافع وراء عرض العضلات هذا والتكشيرعن أنيابها المنخورة الملطّخة بالدماء. لا يحق لادارة الأبله جورج بوش, بما إرتكبت من مجازر وإنتهاكات وتجاوزات صارخة في أكثر من بلد, أن تهدد وتعربد ضد روسيا الاتحادية. لأنه لا يحق للمجرم أن يتكلّم عن البراءة والطهارة, وليس من حقّ اللص أن يحاضرفي النزاهة والأمانة, ولا يمكن لمن داس بحذائه على القوانين والأعراف والمعاهدات التي تنظم العلاقات بين الدول أن يطالب الآخرين, وهم يدافعون عن مصالحهم القومية وفي مجالهم الجغرافي الحيوي, بان يحترموا تلك القوانين وأن يلتزموا بنصوصها, بينما كان هو أول من مزّقها وتبوّل عليها عشرات المرات. المصدر بريد الفجرنيوز