باريس - بعد أشهر قليلة من إثارة قضيتي "تطليق فاقدة العذرية" و "رفض منح المنقبة الجنسية الفرنسية" من قبل الإعلام الفرنسي أثيرت السبت 6-9-2008 ضجة أخرى تتعلق " بتأجيل محاكمة فرنسيين" بسبب صيام أحد المتهمين لشهر رمضان، بالرغم من أن قاضي المحكمة قال إن ذلك ليس السبب الوحيد للتأجيل. واعتبرت بعض الأوساط العلمانية والصحف الفرنسية أن تأجيل المحاكمة بسبب شهر رمضان بمثابة "انتهاك لمبادئ الجمهورية العلمانية". وأثيرت الضجة بعد أن أصدر ليونار برنارد لاقاتيني، قاضي في منطقة "سان مالو"، الواقعة بالشمال الغربي من فرنسا الجمعة 5-9-2008 حكما يقضي بتأجيل محاكمة لسبعة أشخاص بينهم متهمون مسلمون بتهم تتعلق "بالسطو" من 16 سبتمبر الجاري إلى شهر يناير من العام المقبل بعد أن طلب أحد محامي الدفاع تأجيل المحاكمة بسبب "الإرهاق الجسدي لموكله بسبب الصيام". واحتلت القضية الصفحات الأولى للصحف الفرنسية الصادرة السبت، إذ عنونت صحيفة "ليبراسون" صفحتها الأولى بعنوان بالبنط العريض "المحكمة تصوم رمضان"، بينما جعلت جريدة لفيجارو القضية عنوانا لموضوعها الرئيسي بعنوان يقول "جدل حول تأجيل لمحكمة لمحاكمة بسبب رمضان". وعلى الرغم من أن قاضي المحاكمة نص في قرار التأجيل على أن المحاكمة تأجلت من "أجل إدارة سليمة للمحاكمة" دون أن يشير من قريب أو بعيد لشهر رمضان كسبب للتأجيل، فإن محامي الضحايا اعتبروا أن السبب المباشر للتأجيل هو صيام بعض المتهمين، وبالتالي فإن قرار التأجيل في نظرهم مخالف لقوانين الجمهورية العلمانية. "قرار مفاجئ" وفي رد فعل سريع على قرار التأجيل أصدرت منظمة "أساس راسيزم" (النجدة عنصرية) بيانا يشجب التأجيل بسبب شهر رمضان، واعتبرت المنظمة والتي من المفترض أن تدافع عن الأقليات في بيانها "بأنها فوجئت بقرار المحكمة". وأضاف بيان المنظمة الذي حصلت شبكة "إسلام أون لاين.نت" على نسخة منه "أنه لو ثبت أن سبب تأجيل المحاكمة هو مراعاة صيام أحد المتهمين لشهر رمضان، فإن الأمر يعد - بحسب المنظمة - انحرافا وخرقا لمبادئ علمانية الجمهورية، ورفضا للحياة العامة باتجاه الطائفية". من جهتها اعتبرت فضيلة عمارة وزيرة الدولة لسياسة المدينة والمنحدرة من أصول جزائرية مسلمة "أن هذا القرار هو بمثابة طعن في ظهر الجمهورية العلمانية". وأضافت في تصريحات صحفية لجريدة ليبراسون: "من المفترض أن الأديان ليس لها أي علاقة بعمل العدالة". واعتبر النائب البرلماني عن الحزب الاشتراكي أندري فاليني "أن الأمر غير مقبول تماما"، وطالب جمعية قضاة فرنسا "باحترام مبدأ علمانية الدولة". من جانبه قال "يان شوك" محامي أحد المتهمين الذي طلب التأجيل بسبب صوم موكله لشهر رمضان ووجوده في حالة جسدية مرهقة لا تسمح بالإجابة عن أسئلة القاضي: "لا أفهم مثل هذه الضجة والحال أن العديد من القضايا الأخرى والتي يطلب فيها محامون آخرون التأجيل بسبب أن موكليهم من ذوي الديانة اليهودية يصومون يوم عيد الفصح أو غيره من الأعياد اليهودية، كما أن بعض المحامين يطلبون التأجيل لأن موكليهم مسيحيون ويريدون أن يستمتعوا بأعياد الميلاد، ولا تثار فيها مثل هذه الضجة". "امتهان المسلمين" وتساءل المحامي مستنكرا: "هل هناك أديان أكثر احتراما من أديان أخرى؟!" وأضاف المحامي: "أن الهدف من هذه الضجة هو مزيد من امتهان المسلمين من قبل البعض لا أكثر ولا أقل". وبسبب الضجة التي أثارتها وسائل الإعلام الفرنسية حول هذه القضية عقد قاضي المحكمة ليونار برنارد لاقاتيني ندوة صحفية قلل فيها من اعتبار صيام أحد المتهمين في القضية هو السبب الوحيد للتأجيل، وقال: إن "هناك أسبابا أخرى لتأجيل المحاكمة"، وأضاف القاضي: "في كل الأحوال لم يقع التنصيص في محضر الجلسة على أن سبب التأجيل هو شهر رمضان، ولا يمكننا أن نتوقف عن محاكمة الناس لأنهم فقط يصومون رمضان". وتعد قضية "تأجيل المحاكمة بسبب شهر رمضان" القضية الثالثة في أقل من أربعة أشهر التي تثار حولها ضجة في علاقة القضاء بالديانة الإسلامية في فرنسا، فقد أثارت وسائل الإعلام الفرنسية في شهر مايو الماضي قضية تطليق زوجة من زوجها بسبب "فقدانها للعذرية"، وهي القضية التي نتجت عنها إدانة واسعة من قبل الرأي العام الفرنسي. وعلى النقيض تماما رحب الرأي العام ذاته في شهر يوليو الماضي بقرار آخر للقضاء الفرنسي رفض فيه منح مغربية تعيش بفرنسا الجنسية الفرنسية بسبب ارتدائها النقاب، وهو ما اعتبره مجلس الدولة الفرنسي "تعارضا مع قيم المجتمع الفرنسي، خاصة مع مبدأ المساواة بين الجنسين". ويرى كثير من المراقبين للشأن الفرنسي أن توالي مثل هذه القضايا المفتعلة يأتي في إطار موجة الإسلاموفوبيا التي تضرب العديد من البلدان الأوروبية في السنوات الأخيرة. وكان مسئول إحدى المدارس الثانوية في جنوبفرنسا قد أفاق صباح أول أيام العودة المدرسية على كتابات نازية وعنصرية عنيفة جدا غطت كل ساحات المدرسة وأروقتها ضد المسلمين، وهو الأمر الذي لم يلق اهتماما إعلاميا واسعا كالاهتمام الذي تلقاه قضية تأجيل المحاكمة بسبب صيام أحد المتهمين مضان.