بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل وقفة تفكير حول الخطّة السياسية للحزب الديمقراطي التقدمي
نشر في الفجر نيوز يوم 08 - 09 - 2008

تتضمن هذه الورقة جملة من الملاحظات والمقترحات قادتنا إليها مراقبة الوضع داخل الحزب وعلى الساحة السياسية. ورغم إدراكنا لنواقص النص من حيث البناء بسبب ازدحام شواغلنا المهنية واختيارنا التركيز على القضايا الإشكالية، وبعلاقة بإلحاحية طرح المسائل ذات الصّلة بالخطّة السياسية للحزب ووضعه الداخلي وموقعه ضمن الساحة السياسية، فإننا نقدّمه على علاته راجين أن يسهم في تغذية حوار هادئ وبناء وموجّه بهاجس الحفاظ على وحدة الحزب ومكتسباته وتنمية دوره في الحياة السياسية الوطنية.
أوّلا: الخطّة السياسية: المنطلقات والحصيلة الأولية
انتهج الحزب الديمقراطي التقدمي منذ مؤتمره الأخير (المؤتمر الرابع ديسمبر 2006) خطّة سياسية عنوانها التصدّي للاحتكار السياسي الذي يمارسه التجمع الدستوري الحاكم وظاهرة الحكم الفردي، ولما اقترنا به من انغلاق وجمود سياسي وإحكام القبضة على المعارضة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بوسائل التجيير أو المحاصرة، وإعطاء الأولوية للأسلوب الأمني في معالجة مشاكل البلاد.
اعتبر المؤتمر أنّ النظام فقد شرعيته السياسية التي بناها على شعار الإصلاح والانتقال التدريجي إلى الديمقراطية، وشرعيته الدستورية التي أقامها على إلغاء الرئاسة مدى الحياة. كما وضع برنامجا من خمس نقاط مطروحة للانجاز خلال السنوات الثلاث التي تلي انعقاده وتنتهي عمليا مع الموعد الانتخابي لسنة 2009. وهي الإصلاحات الثلاث التي نادى بها تحرّك 18 أكتوبر، أي حرية الإعلام وحرية التنظيم والعفو التشريعي العام. تُضاف إليها إصلاحات دستورية عاجلة وعميقة تقطع مع جمهورية 1959 التي أرست النظام الرئاسوي القائم على الخلط بين السلطات، وتنظيم انتخابات حرة على أساس تعديل جوهري للمجلة الانتخابية.
وقد تأثرت قرارات المؤتمر وتوجهات الحزب للمرحلة التي افتتحتها بشكل كبير بحدث الإقدام على تحوير الدستور بصورة تلغي تحديد عدد الولايات الرئاسية، بحيث جعل من التداول على الحكم نقطة مفصلية في تصوره لمسار التحول نحو الديمقراطية ومن الترشح إلى انتخابات رئاسية تتوفر فيها شروط الشفافية والتنافس الحر، هدفه المركزي والمباشر. وكان من شأن هذا التوجّه، الذي أقرّ فيه المؤتمرون بالأغلبية رفع سقف المطالب بديلا عن مقترح المشاركة السياسية عبر التخفيض من ذلك السقف، أن فتح الباب لسياسة تتميز بالجرأة على خرق المحرمات السياسية كما كان تعبيرا عن نهج إرادي يؤمن بأهمية دور العامل الذاتي في تحريك المياه الراكدة للساحة السياسية وبإمكان تضييق مساحة الممنوع الكلام فيه وإجبار الحكم على تقديم تنازلات لم يكن يقبل بها.
المحطّة الهامّة الأولى في سياق تكريس هذا التوجّه كانت مع إصدار المكتب السياسي في مستهل مارس 2007 بيانا أعلن فيه رفضه لانطلاق حملة مناشدة الرئيس بن علي الترشّح لولاية خامسة باعتبارها تهدف إلى تكريس الرئاسة مدى الحياة وتعيد إنتاج نظام الحكم الفردي، ودعا فصائل المعارضة إلى اتخاذ المبادرات الميدانية ل"فرض شروط قيام انتخابات حرّة ونزيهة تفتح أمام تونس طريق الانتقال إلى الديمقراطية". ومعلوم أنّ ردّ فعل السلطة لم يطل انتظاره إذ عمدت إلى استهداف نشاط الحزب بغلق مقراته الجهوية وإطلاق الإجراءات لإخراجه من مقرّه المركزي. أمّا المحطّة الهامّة الثانية فانطلقت مع الحملة من أجل تجسيم شروط انتخابات حرّة وموافقة اللجنة المركزية على خوض حملة مضادّة للتي نظمتها السلطة وطرح حق الأمين عام السابق الأخ أحمد نجيب الشابي في الترشح للرئاسة، وهي خطوة أزعجت الحكم إلى أبعد الحدود وقادته إلى اتخاذ إجراء ثأري جديد بإحكام القبضة على توزيع "الموقف" والتهديد بإسكاتها بالتوازي مع تقديم تنازل مدروس يمكن الحزب من تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية مع إقصاء شخص الأمين العام السابق.
كان من شأن صمود الحزب في موجهة التضييق والمحاصرة باستخدام سلاح الإضراب والقيام بحملة إعلامية فرضت على السلطة التراجع عن قراراتها، إلى جانب شجاعة الأخ نجيب الشابي في ممارسة حق المطالبة بمنافسة الرئيس الحالي على ثقة التونسيين، وكذلك جرأة "الموقف" في نقد السياسة الحكومية ودعمها للتحركات الاحتجاجية الاجتماعية، أن جلب للحزب تعاطف قطاع من الرأي العام الديمقراطي والوطني ودعّم سمعته، إلاّ أنّه بالمقابل أثار إحترازات لدى فصائل سياسية معارضة كان الحزب قد تقارب معها قبل طرح الترشّح المبكّر، كما لقي تحفظات داخل الحزب الديمقراطي التقدمي ذاته، برزت على خلفية عدم اتفاق بخصوص التكتيك السياسي وأسلوب التعاطي مع الأوضاع الراهنة، وبما ساهم في تغذية ذلكم الخلاف.
اليوم وقد انقضت مرحلة أولى على تجسيم قرارات المؤتمر السابق، وفي لحظة تشهد احتدام الخلاف داخل الحزب وتضخم بعض أسبابه الجزئية بعد أن ركبته وسائل الإعلام المحسوبة على السلطة، يجدر بالحزب وقياداته القيام بوقفة تفكير لاستخلاص الدرس من التجربة والتمعن في قراءة معطيات الوضع بصورة تؤلف بين الواقعية والمنظور الديناميكي. وبرأينا أن التصور الذي وجّه صياغة اللائحة السياسية للمؤتمر السابق قد انبنى على جملة من المسلمات تتعيّن مراجعتها و الإنتظارات أو الآمال التي لم تتجسّد لحدّ الآن ويصعب تجسيدها على الأمد القريب (2009).
أمّا المسلمات فهي فقدان النظام لشرعيته بوجهيها السياسي والدستوري. وكنا عبرنا أثناء المؤتمر عن ضرورة تنسيب هذا التقدير على اعتبار أن القناعة الحاصلة لدى شريحة رقيقة من النخبة والتي جعلتها تتحفّز لخوض معركة الإصلاح السياسي والدستوري، لا تشكل هاجسا رئيسيا أو ملحا لدى قطاعات واسعة من الشعب مازالت مشدودة إلى المطالب المتعلقة بتحسن الأوضاع المعيشية، محكومة بالحاجة، معولة على النظام الزبائني والحلول الفردية، قابلة للترضيات الظرفية والجزئية، وغير قادرة بعد على التعاطي الواعي مع المناورات وإستراتيجية التقسيم. إن تراجع السند الداخلي للنظام بعلاقة بغلاء المعيشة ونمو البطالة وظاهرة الفساد وسياسة القمع، وما أدى إليه أحيانا من تحركات احتجاجية قل أن يتجاوز مستوى الإدانة الأخلاقية ليرتقي إلى مستوى الوعي السياسي ولا ينبئ بحصول تحول من مؤشراته الانخراط الجماهيري في أعمال احتجاجية كالتي تنظمها الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، ووجود تيار شعبي يرفع مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطية. وباختصار ثمة برأينا عجز في الشرعية يتراكم منذ بداية التسعينات ولكن دون أن نكون أمام فقدان بالكامل للشرعية السياسية.
أما الآمال فهي الظن بأن المعارضة أقبلت بصورة غير قابلة للتراجع على وضع حدّ لتشتتها وتجميع صفوفها بعد بروز هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، ومن ثم التعويل على توحيد قواها واتساع تحالفها لتتحوّل إلى جبهة سياسية من أجل التغيير والانتقال الديمقراطي. وبناء على ذلك فقد ذهب هذا الطرح إلى أنّ "كل الظروف الداخلية والدولية مؤاتية لإنجاح" المهام الخمس الضرورية للتحول الديمقراطي، وأنّ المطلوب في كل الأحوال "إنجاز برنامج أكتوبر كمقدمة ضرورية لبناء حياة سياسية ديمقراطية".
كانت هذه هي التطلعات قبل سنة ونصف، ومن نافلة القول أنّها لم تتحقق على أرض الواقع. فالمعارضة لم تضع حدّا لتشتتها وهيئة 18 أكتوبر لم تتمكن، رغم أهمية المكتسب المتمثل في تقريب المواقف من بعض القضايا الفكرية السياسية، من الإيفاء بما كان ينتظره الحزب منها.
ورغم جرأة "الموقف" والاعتراف بحزب "التكتل" وإطلاق سراح مجموعة من المساجين السياسيين فإنّه لا يمكن الكلام عن تقدّم ذو بال باتجاه تحرير الإعلام وحق التنظيم فضلا عن العفو التشريعي العام. إنّ البطء الشديد المسجّل في تطوّر الوضع السياسي وعدم حصول تقدّم، بل عدم وجود مؤشرات على قرب حصول تقدّم في تجسيد الأهداف الملحّة ليدعو إلى تقدير أدقّ وأصوب للعوامل الموضوعية والذاتية وآفاق تطورها ولآثارها على ترتيب الأولويات.
ثانيا: معطيات الوضع وآفاق تطوره على الأمد المتوسط
نقتصر فيما يلي على العناصر الرئيسية نقدمها بصيغة مجملة مع التركيز على نقاط تستحق عناية خاصّة.
1 الوضع الاقتصادي والاجتماعي
يتسم هذا الوضع إجمالا باستمرار نوع من الحركية الاقتصادية المرتبطة بتحرير الاقتصاد والارتباط المتزايد بالسوق العالمية. تبقى هذه الحركية هشّة ومعرّضة للانتكاس ولكنها فعلية وسمحت بتحقيق معدلات نمو متوسّطة كما استطاعت فيها الحكومة إدارة الاقتصاد في مناخ عالمي مليء بالمصاعب والتقلبات. أمّا المشكلات الأساسية ومصادر التهديد لآفاق التنمية والتوازنات الاجتماعية الأساسية فتكمن في ما يلي:
غياب الشفافية في المعاملات و إجراء الصفقات الاقتصادية (ظروف خوصصة المؤسسات والعمليات البنكية الكبرى، ظاهرة التهريب...) وما يتصل بذلك من اتساع نطاق الفساد واستغلال النفوذ.
اختلالات منظومة التكوين والتشغيل وأثرها في تنامي بطالة الشباب خاصّة بطالة أصحاب الشهائد.
تفاقم الفوارق بين المناطق الداخلية والأخرى الساحلية واتساع الهوة بين الفئات الاجتماعية على صعيد توزيع الدخل ومستوى العيش, إن هذه الأوضاع بصدد إنتاج حالة من التذمر والسخط والتسبب في انفجارات اجتماعية محلية، تعبيرات تفتقد المعارضة السياسية ومؤسسات المدني، وفي مقدمتها اتحاد الشغل، القدرة على تأطيرها وتجنح السلطة السياسية إلى التعاطي معها بالأسلوب الزجري.
2 الوضع السياسي لجهة الحكم وعلاقته بالمحكومين
يتسم الوضع السياسي لجهة الحكم بخاصيتين رئيسيتين:
ترسيخ ظاهرة الحكم الفردي الذي يتمثل هاجسه الرئيسي في الاستمرار.
نظام هيمنة يخدم المصالح الفئوية الاقتصادية وفي مقدمتها مصالح الأقلية المتنفذة، ويشكل ركيزة لمصالح الأجهزة البيروقراطية أي جهاز الحزب الحاكم وجهاز الأمن الذي أصبح عبارة عن دولة داخل الدولة، كما يقوم على شبكة واسعة من العلاقات الزبائنية تتيح له الاستناد إلى كتلة اجتماعية ضخمة تخترق سائر الطبقات والفئات ومستعدة للدفاع عن المظلة التي تتمتع بها وعن المنافع الكبيرة والصغيرة (امتيازات أو مساعدات) التي تحققها أو ترنو إلى تحقيقها. إننا نولي أهمية كبيرة لهذا التوصيف وللنتائج المترتبة عنه لأننا لا نرى في السمتين المذكورتين مجرد نتائج لظرفية تاريخية عابرة بل ندركهما أيضا ضمن السياق التاريخي الطويل الأمد. وننبّه إلى ثقل المعطيات الاجتماعية التاريخية التي لا يجوز للفاعل السياسي أن يتجاهلها أو يستهين بدورها.
برأينا أن تفسير الحكم الفردي أو إذا شئنا التركيز المفرط للسلطة بيد رئيس الجمهورية، فضلا عن اختلال العلاقة بين مركب الدولة / الحزب والمجتمع المدني، بعناصر الظرفية، التاريخية التي وجّهت الأوضاع منذ أواسط الثمانينات، وحتى بمعطيات الوضع السياسي منذ الاستقلال، إنما هو تفسير جزئي لا يلم بمفعول التاريخ الطويل الأمد على صياغة العلاقات بين الدولة والمجتمع وبين الحكام والمحكومين وتأثيره على التركيبة النفسية الجمعية للشعب. فمن جهة لا ننسى أنّ الحكم الفردي يستمدّ جذورا ويجد مبررات ذاتية في موروث من الثقافة السياسية يُعلي من شأن المستبد العادل ويخاف من عواقب الفتن أو التنازع والاحتراب الداخلي ويحث بسبب ذلك على طاعة "الأمير" ولو كان ظالما. صحيح أنّ هذا الموروث الذي وظفته تاريخيا أنظمة الاستبداد ليس خاصا بتونس، وأنّه لم يعد يشكل المصدر الوحيد لإنتاج معايير الشرعية، إلا أنّ الرافد الحديث المتمثل في الثقافة الديمقراطية وفكر حقوق الإنسان ما زال غضا ومحدود التأثير، ليس في صفوف الجماهير فقط وإنما في صلب النخبة كذلك.
ومن جهة ثانية لا بدّ من الانتباه إلى رسوخ الولاء للدولة في ربوعنا. إن الولاء للدولة والذي لا ينفصل عن الخوف منها والأمل فيها وإن كان يتجاوز ذلك إلى اعتبارها إطارا للتماهي والانتماء، هو شعور جمعي ترسّخ عبر قرون من المركزية السياسية والتمدّن، وكان أن دعّمته تجربة الدولة الوطنية بقيامها على المركزية المفرطة والخلط بين الحزب الحاكم والدولة وشخصنة السلطة ونسج علاقات مع المجتمع قوامها الاتّكال على الدولة العارفة بالصالح العام والقوامة على الجميع. إن هذا الموروث التاريخي يشكل حالة نموذجية نادرة، لا نجدها إلا في قلّة من البلدان في العالم العربي وإفريقيا، بل وخارجهما. ومن هنا محاذير القياس على حالات من التقدّم، المتفاوت في مجال الحريات السياسية والتحول نحو الديمقراطية في أقطار ليس لها رصيد تونس من المدنية والفكر الإصلاحي، على غرار موريتانيا أو الجزائر أو الأردن أو السينغال.
نحن فعلا إزاء مفارقة:
فالمكاسب المتفاوتة التي حصلت بهذه البلدان في مجال تحرير الحياة السياسية تبدو، في جانب منها على الأقل، مرتبطة بهشاشة البناء الدولوي أو حداثته بهذه الأقطار، فيما تعود مصاعبنا إلى صلابة هذا البناء وتماسكه عندنا، ومن الممكن على هذا الصعيد الإشارة إلى أوجه قرابة بين الحالتين التونسية والمصرية. إنّ صلابة البناء الدولوي عندنا تحققت من جهة على حساب استقلالية مؤسسات المجتمع المدني، ولكنها تمثل من جهة ثانية مكسبا يحول دون تفكك الدولة، علما بأنّ هذا المكتسب مهدد باستمرار وتفاقم الخلط بين النظام السياسي القائم ونظام الدولة، وبين مصالح بعض الأقليات ومصلحة الدولة. لا شك أنّ رأسمال الولاء والانتماء الناجم عن التداخل بين الدولة و "الأمّة" القطرية، وبين الدولة والنظام السياسي يتعرّض للتبديد منذ التسعينات، إلاّ أنّه لم يفقد تأثيره. من هنا فإن الحديث عن "وهن النظام" ونقاط ضعفه وسلبياته وجوانب القصور أو التقصير في سياساته لا ينبغي أن يحجب عنا مصادر القوة المذكورة والتي تمده بالاستمرار، ولا عناصر قوّة أخرى مرتبطة بالظرفية التاريخية الراهنة :
فرغم مواطن النقص والسلبيات العديدة التي وقفت عليها لوائح المؤتمر مازال بوسع النظام أن يبرز عددا من الإنجازات ومكامن القوة نذكر منها:
استقرار معدل البطالة رغم الارتفاع في عدد طلبات الشغل (أو موارد الرزق) الإضافية والتحول النوعي في تركيبة العاطلين عن العمل. ارتفاع معدل التمدرس في كل مراحل التعليم وكذلك ارتفاع عدد الطلبة في التعليم العالي وتنامي وتحسن المنتوج من أصحاب الكفاءات المواكبة للثورة التكنولوجية الثالثة. تركيز منظومة للتضامن الوطني في مجال تشغيل الشباب وبعث المشاريع الصغرى والاهتمام بالمناطق المحرومة والفئات المعوزة وذات الحاجات الخصوصية وذلك رغم ما يشوبها من ثغرات من حيث شفافية التسيير وتوزيع الموارد بين المناطق.
وإلى جانب ذلك من المهم الانتباه إلى موارد أخرى يتمتع بها النظام منها: صلابة الجهاز وتماسكه وأيضا قدرة على التعاطي مع الحكومات الغربية بضمان مصالحها الحيوية مقابل التخفيف من ضغوطها لإحلال الحكم الرشيد والديمقراطية. وفي كل الأحوال فالمطلوب من قيادة الحزب التقدير المدقق لعناصر القوة ومواطن العجز أو التقصير لدى النظام بعيدا عن كل من التهوين والتضخيم.
3 الوضع لجهة المعارضة:
إذا تركنا جانبا الفصيل السلفي الجهادي الذي ينزع إلى مواجهة النظام بالعنف مما يتنافى مع رؤيتنا السياسية، ويدافع عن مشروع مجتمع مخالف تماما للمستقبل الذي نرضاه ونؤمله لتونس،وقصرنا الحديث عن الأطراف التي تدرج نشاطها ضمن أفق سلمي وديمقراطي ولا تطرح التراجع في المكتسبات التي تحققت للبلاد (تطوير التشريع وخاصة ما يهم الأحوال الشخصية وحقوق المرأة، تعايش الأديان والإيديولوجيات، الاعتراف بهامش لا باس به من الحرية الفردية......)، فإننا سنكون إزاء مشهد قوامه معارضة ضعيفة، محاصرة ومنقسمة:
بعضها مازال رهين منظومة الولاء/ الامتيازات، دُجّن إلى حدّ يصعب معه أن يلعب دورا فاعلا في الدفع نحو حياة ديمقراطية.
وبعضها مازال محكوما بالمنظومة الإيديولوجية اليسروية مما يحله موقعا هامشيا إزاء كل من المعطى الثقافي والمعطى السياسي. وبعضها (حركة النهضة) يتمتع بطاقات كامنة ترشحه للعب دور مهم في الحياة الوطنية، خاصّة بعد المراجعات التي أقدم عليها بخصوص عدد من المسائل الحساسة كالانتقال السلمي ومكتسبات المرأة وموضوع حرية المعتقد. إلا أن هذا الطرف مشغول بتضميد جراحه وتجاوز آثار الصدمة الأمنية، وهو لذلك غير مستعد للدخول في معارك سياسية تؤلب عليه الحكام ويفضل انتظار ظروف أحسن. وبعضها (الحزب الديمقراطي التقدمي، حركة التجديد، التكتل) قادر بدرجات متفاوتة على إحراج السلطة أو إزعاجها ولكنه لا يمتلك القدرة الكافية (البشرية والتنظيمية) لتأطير التحركات الاجتماعية وتوجيهها سياسيا ولفرض نفسه كبديل فعلي خلال السنوات القادمة.
وفي هذا الإطار فإن اضطرار الحزب الديمقراطي التقدمي لخوض إضرابين للجوع (وهذا سلاح ذو فعالية لدفاع الضعيف عن الذات ولكنه ما يلبث أن يستنفد مفعوله)، حفاظا على مقره وصحيفته لمؤشر واضح لغياب القدرة على إيجاد حزام جماهيري يذود عنه فما بالكم بتعبئة قاعدة جماهيرية من أجل "فرض شروط قيام انتخابات حرة ونزيهة". إن نجاعة سيطرة مركب الدولة / الحزب على المجتمع، رغم نسبيتها، وتوزع ردود الفعل لدى الفئات الاجتماعية الواسعة بين الإحباط والعزوف عن الشأن السياسي والاحتجاجات أو الإنفجارات المفتقدة للأفق السياسي، وضعف الثقافة الديمقراطية هي عوائق أمام جاهزية المجتمع للانخراط في سيرورة الانتقال الديمقراطي وتحمل أعباء المطالبة بالحريات والحقوق الكاملة للمواطنة.
ثالثا: من أجل مراجعة خطّة الحزب للمرحلة القادمة
لقد تميز الحزب الديمقراطي التقدمي، التجمع الاشتراكي التقدمي سابقا، منذ تأسيسه الأول بمراكمة خصال فكرية وسياسية أحلّته موقعا مميزا على الساحة السياسية التونسية. فهذا الحزب المنحدر أصلا من صفوف اليسار الماركسي مع نزوعات وحدوية عربية، تشكل على أساس القطع مع الإيديولوجيا الوثوقية، والتوفيق بين توجهات كانت اتخذت طابع الانغلاق ضمن أطروحات مذهبية متصادمة: عنينا الوفاء لفكرة العدل الاجتماعي ومناهضة الاضطهاد، والتوق إلى وحدة عربية تبنى حجرا حجرا دونما قفز عن المعوقات، والأخذ بالنواة الإيجابية للّيبرالية متمثلة في مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية التعددية ثم التأكيد على ارتباطنا بالموروث الإسلامي مكونا أساسيا لهوية الأمة والشعب مع التعاطي معه من منظور عصري ومستنير. كذلك رفض الحزب أن يخوض تجربته في تجاهل للهم الوطني فأحلّ القضايا الوطنية موقعا مركزيا. وقد كرّس الحزب نزعته التجميعية وفهمه للديمقراطية وحق الاختلاف ولأولوية السياسي على الإيديولوجي بتحوله إلى حزب ديمقراطي تقدمي جمع بين أطياف فكرية مختلفة من أبرزها الرافد الإسلامي التقدمي، ووفر حرية التعبير في صفوفه مع تجسيد وحدته السياسية على أساس برنامج يتم إقراره و تطبيقه باحترام قواعد العمل والتراتيب المتعارفة لدى الأحزاب الديمقراطية. لقد توقع البعض فشل تجربة اعتبرت ملغومة من الأساس، واستطاع الحزب أن يتجاوز الخلاف الأول الذي ظهر لأسباب إيديولوجية وتسبب فيه طرف محسوب على اليسار، وها هو يعيش منذ المؤتمر الأخير على وقع خلاف سياسي في جوهره حتى وإن كانت الإصطفافات بشأنه متأثرة بالانتماءات الإيديولوجية والولاءات الشخصية السابقة. يتعلق الأمر بالخطة السياسية في ارتباطها بخطة بناء الحزب من جهة والوضع العام والعلاقة بالسلطة من جهة ثانية.
ونود فيما يلي إبداء وجهة نظرنا دون الدخول في جدل مع هذا الطرف أو ذاك.
1 إنّ ما ذكرناه عن الموقع المتميز الذي احتله الحزب لا يعود إلى تجربته في التعاطي مع الإيديولوجيات ومع التعدد
الفكري وحسب، بل يجد تفسيره وبشكل رئيسي، في جمعه بين خاصيتين أخريين:
من ناحية مبدئيته وروحه الكفاحية وتمسكه الشديد باستقلال قراره ورفضه الانخراط في جوقة أحزاب تحتل فيها المطامع الأولوية على خدمة الوطن الصالح العام.
ومن ناحية ثانية تظافر ذلك مع مستوى لا بأس به من الواقعية والحس السياسي في التعامل مع القضايا الوطنية والاستحقاقات السياسية وهو مسلك يتعين دعمه أثناء التعاطي مع المحطات السياسية المقبلة.
إن التحديات ليست هينة إذا ما اعتبرنا المحيط الدولي المتقلب ومخاطره على الاقتصاد الوطني بمضاعفاتها الاجتماعية المحتملة، وكذلك تشكل بؤر الغضب وبوادر الإنفجارات الاجتماعية. والحزب الديمقراطي التقدمي محق تماما في التحذير من اعتماد الحل الأمني مع هذه التطورات ودوره في تغذيتها، ويهمّه أن تتطوّر تونس في مناخ سلمي وعلى أساس معالجة الأسباب العميقة لتنامي العنف سواء منه العنف السياسي الصادر عن السلطة أو الذي يحمله خصومها من السلفية الجهادية، أو العنف الاجتماعي الذي نشهده في تعبيرات الغضب لدى المحرومين وفي التظاهرات الكروية وفي استشراء الجريمة. إن مبدئية التمشي العام للحزب وكذلك فهمه وممارسته للسياسة باعتبارها موجهة بقيم أخلاقية وليست مجرّد إدارة للمصالح فضلا عن أن تكون موجهة لخدمة الأغراض الخاصة إن ذلك لا يمنعه من إدراكها أيضا بوصفها فن الممكن، لا على معنى اكتفاء الضعيف بما يمن به القوي، ولكن بما يفيد تحديد الأهداف وأشكال النضال بالانطلاق من معطيات الواقع الموضوعي والذاتي معا.
يريد الحزب أن يتحول إلى طرف سياسي مؤثر في الساحة الوطنية وله وزن في رسم مستقبله، وهو أمر مشروع تماما. إلا أن الحزب لن يتحول إلى قوّة فاعلة بمجرّد السعي إلى تجميع رأي عام رافض للاحتكار السياسي والحكم الفردي. بل أن ذلك الهدف لا يتماشى مع استعجال تغيرات لا نملك شروطها ولا المفاتيح المتحكمة بها. إن المكاسب السياسية، المحدودة، التي حققها الحزب لا ينبغي أن تنسينا أنّه مازال تنظيما صغيرا يفتقر إلى الانتشار في التراب الوطني والإنغراس في الفئات الشعبية والوسطى بما في ذلك القطاعات المنظمة. إن اكتسابه حجما وطنيا مرهون بعمل طويل النفس وبأقل ما يمكن من المحاصرة والتضييق الذي ينمي الطاقة النضالية ولكنه يمكن أن يرهق المناضلين ويبعد عن ساحته مناصرين محتملين، علما بان الحزب اختار سبيل العمل القانوني.
من ناحية أخرى فإن إيجاد قاعدة اجتماعية قابلة بقيادة الحزب لا يتم فقط برفع شعارات الديمقراطية السياسية والاجتماعية، ناهيك عن استثمار كل طاقات الحزب في العمل السياسي المباشر والآني. بل يقتضي الالتصاق بالشواغل اليومية للفئات الشعبية والإنخراط في عمل ميداني وقاعدي يرافقها في بلورة مطالبها والدفاع عن مصالحها والارتقاء بوعيها وتنظيم تحركاتها. مثل هذا العمل شرط ضروري لتبلور تيار شعبي يضغط على الكتلة المهيمنة ويفرز في صلبها طرفا مستعدا لتسوية سياسية تحفظ السلم الأهلي وتفتح الباب لإعادة بناء النظام السياسي على قاعدة أوسع مشاركة سياسية ممكنة. وإذا كانت نجاعة الخطط السياسية تقيم بقدرتها على بلوغ أهدافها دون الانزلاق عن مسارها، فلا نرى أن ثمّة ثمرة سياسية منتظرة من الاستمرار في طرح قضية التمديد للرئيس بن علي ولا في طرح التداول على الحكم كهدف مركزي في أفق 2014 .
2 إن السلطة السياسية القائمة هي المسؤولة عن حالة الجمود السياسي والمبررات التي تقدمها لبطئ مسار الإصلاح وإفراغه من مضمونه غير مقنعة. إن تضخم الهاجس الأمني تجاوز المعقول، ودولة القانون بوسعها أن تحفظ الأمن والاستقرار في كنف احترام حقوق الإنسان وفي ظل حياة سياسية تعددية فعلا، ومن غير المطروح تبرير أو تفسير انسداد الأفق السياسي بأخطاء ارتكبتها المعارضة، على الأقل منذ منتصف التسعينات إلى اليوم. بيد أن ثمة مصلحة وطنية في الخروج من حالة الجمود وتحريك الأوضاع. وفي تقديرنا أن المعارضة المستقلة لئن كان بوسعها في المرحلة القادمة تنمية قدرتها على إحراج السلطة والمزيد من إضعاف شرعيتها وجرّ المزيد من الناس إلى مواقع سياسية احتجاجية إلاّ أنّها بالمقابل غير قادرة على وضع حد للحكم الرئاسوي على الأمد القريب، ولا على فرض التداول على الحكم على الأمد المتوسط، وأن الكتلة المهيمنة تتوفر على ما يكفي من الوسائل للدفاع عن مصالحها إذا ما استشعرت الخطر. كذلك نرى أن مسار التحول، في الأمد المنظور، لا يمكن أن يتحقق عبر مواجهة مفتوحة مع النظام ولا خارج مشاركة التجمع الدستوري في إدارة البلاد لفترة انتقالية، لا يمكن لأحد تحديدها من الآن. ينبغي تصوّر جدلية أو تكامل بين الصراع والحوار مع الطرف الماسك بالسلطة والوعي الكامل بأنّ الغاية من الحوار هي إتاحة الظروف الملائمة لإيجاد تسوية أي تنازلات متبادلة تتيحها موازين القوى ومن شأنها مراعاة المصالح المختلفة وتقريب المواقف المتباعدة.
ثمة حاجة متأكدة لزحزحة حالة تجمع بين الركود والتوتر، مرهقة لكل من المجتمع والدولة. ولا شك أن العمل على فتح آفاق لمسار الإصلاح لن يكون طريقا سهلا وأنّه لن يخلو من محاولات الاحتواء أو النكوص، ولكنّه السبيل الأسلم لتفادي تعفن الأوضاع وخروجها عن السيطرة. هذا المخرج يقتضي بالضرورة تحديد الأولويات والبناء على القواسم المشتركة وتنسيب التعارضات، كما يتطلّب خفض التوترات السياسية دون توهم إمكان إلغائها، وطمأنة مختلف الأطراف. وإذا ما حظي هذا التمشي بقبول الحزب فإننا نقترح عليه التقدم بمبادرة تمثل مساهمة منه في تحقيق الانفراج وتستحث السلطة للقيام بخطوات في نفس الاتجاه. وتتكون هذه المبادرة من شقين:
الأول "سياسي" يتمثل في خفض سقف مطالبه السياسية للمرحلة الراهنة وذلك:
بالكف عن طرح مشروعية التقدم لولاية رئاسية خامسة للرئيس بن علي وإرجاء مطلب إصلاح الدستور بتحديد عدد الولايات الرئاسية إلى ما بعد انتخابات 2009 .
بإعطاء الأولوية للمطالب المتعلقة بالانفراج السياسي وتوسيع مساحة الحريات وترشيد أسلوب ممارسة الحكم وإصلاح القوانين المنظمة للحياة السياسية.
أما الشق الثاني فيتمثل في العمل على أن تدفع الحكومة إلى إصلاحات اقتصادية واجتماعية مستعجلة وذلك:
بجعل قضية التوازن بين الجهات في صدارة اهتماماتها وإعلان المناطق الداخلية، وخصوصا أكثرها حرمانا وتضررا، منطقة ذات أولوية ومستحقة لتركيز الجهود الوطنية في مجال الاستثمار وتنمية مصادر الرزق.
بإيلاء قضية البطالة وخاصة بطالة أصحاب الشهائد عناية خاصّة وبمعالجة أحد أسبابها الرئيسية أي الاختلال بين منظومتي التعليم/ التكوين ومنظومة التشغيل.
بمحاصرة ومكافحة ظواهر الفساد والجريمة.
هذه الأفكار نقترحها على قيادة الحزب للنظر فيها، أملنا أن تسهم في الدفع إلى حوار بناء وفي تقريب وجهات النظر والتجاوز الإيجابي للخلافات القائمة
المصدر : موقع الحزب الديمقراطي التقدمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.