بعد التحقيق معهن في المواصلات العامة.. وحرمانهن من الامتحانات الدراسية.. وتقديم من يدافع عنهن من أقاربهن إلى المحاكمات.. مُنِعَت محجبات تونس هذا العام من المبيت الجامعي بالحي الأولمبي بالعاصمة التونسية، وهو ما اعتبره حقوقيون حلقة جديدة في «الحرب الشعواء» التي تشنها السلطات عليهن منذ نحو ثلاثين عاماً. فقد منعت «سيدة التليلي» مديرة المبيت الرياضي بالحي الأولمبي بالعاصمة تونس الخميس 11/9/2008 كل الطالبات المحجبات مهما كان شكل حجابهن، حتى حاملات القبعات والفولارة التونسية (نوع من الأغطية يلف على الرقبة) من الدخول للالتحاق بالمبيت الجامعي؛ مما يضطرهن للبحث عن سكن خاص، ويزيد من الأعباء المادية للعام الدراسي الجدي. من جهتها استنكرت لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس ما قامت به «التليلي»، متسائلة في بيانها: «متى ستضع هذه الحرب الشعواء والاستهداف الممنهج للمحجبات التونسيات أوزارها؟!». وطالبت اللجنة علماء الأمة ودعاتها إلى تسجيل «مواقف مستنكرة لدى السلطات التونسية لوقف حملاتها على المحجبات». وكان آخر ما قامت به السلطات التونسية بحق محجبات؛ توقيف فتاتين في محطة باب سعدون الشمالية للنقل البري في 10 آب الماضي، وإدخالهما بالقوة إلى مركز الشرطة التابع للمحطة، ومحاولة إجبارهما على التوقيع على تعهد بخلع الحجاب وعدم ارتدائه مستقبلاً. ابتزاز حكومي وفي السياق ذاته طالب الناشط الحقوقي زهير مخلوف عن منظمة «حرية وإنصاف» للدفاع عن حقوق الإنسان أصحاب القرار في البلاد ب«التخلي عن هذه الأساليب التي تعمل على إكراه الفتيات على نزع حجابهن بالقوة وبالضغوط أو باستخدام إدارة المؤسسات العمومية وخاصة التعليمية لابتزازهن من أجل تغيير قناعاتهن». من جانبه دعا زياد الدولاتي القيادي بحركة النهضة الإسلامية التي تحظرها السلطات التونسية السلطات الرسمية في البلاد إلى «مراجعة هذه السياسة ومعاملة المرأة التونسية المحجبة كمواطنة لها كامل الحق في اختيار الحجاب ومزاولة حقها في التعليم والعمل، دون مضايقة أو تهميش». كما دعا «كل الضمائر الحية في تونس، والهيئات والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان، في الداخل والخارج إلى الوقوف في وجه الحملات التي تستهدف المحجبات التونسيات». وبدأت الحملة الرسمية على الحجاب في تونس عام 1981، مستندة إلى القانون رقم 108 الصادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي يعتبر الحجاب «زيّاً طائفيّاً»، وليس فريضة دينية؛ ومن ثَمَّ يحظر ارتداؤه بالجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي. واستمرت هذه الحملة على الحجاب رغم أن المحكمة الإدارية العليا قضت في كانون الأول 2006 بعدم دستورية القانون رقم 108 أو أي قانون مماثل، مؤكدة أن القوانين التي تمنع ارتداء الحجاب بتونس غير شرعية وغير قانونية؛ لمخالفتها الدستور. وبناء عليه، قضت المحكمة أواخر العام الماضي ببطلان قانون مشابه، هو القانون رقم 102 لسنة 1986، خلال دعوى قضائية رفعتها المدرّسة سعيدة عدالة، رداً على قرار وزير التربية العام حينئذ بإيقافها عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وحرمانها من الراتب؛ نظراً لارتدائها الحجاب. واعتبرت المحكمة أن القانون 102، الذي يمنع ارتداء الحجاب بمختلف أشكاله في أماكن الدراسة «يتدخل في مجال الحريات الفردية، ومنها اللباس، الذي يعد تعبيراً عن الانتماء الحضاري والديني والفكري للشخص وميوله الشخصية».