إذا كنا نشعر بغيظ شديد عندما يتطاول غربيون أو شرقيون من غير المسلمين على الرموز الإسلامية، أو الإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وسب الصحابة، والافتراء عليهم، أو ازدراء القيمة الإسلامية، وتشويه التاريخ الإسلامي, فإن الغيظ يكون أكبر حين يتم ذلك من داخل البلدان العربية والإسلامية، سواءٌ من غير المسلمين من رعايا تلك الدول, أو من بعض العلمانيين ذوي الأصول الإسلامية أو غير الإسلامية, أو بعض دعاة التعصب الطائفي! وبالطبع، فإنّ الدلالة الأولى لانتشار المسألة داخليًّا وخارجيًّا هو أن الأمم تداعت علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ليس من قِلَّتِنَا عدديًّا بالطبع، بل لأننا كَثْرَةٌ غير مؤثرة حتى الآن! ومن ثَمَّ ينبغي البحث عن علاج هذا الخلل فينا أوّلًا , ومن ثم نفرض احترامنا على الآخرين، ومن ثم احترام نبينا صلى الله عليه وسلم وديننا ومقدساتنا ورموزنا وتاريخنا. وبديهيٌّ أننا لو نسقنا جهودنا كمسلمين، فإننا قادرون على نقل الإحساس إلى الآخرين بأن الهجوم على رموزنا لا يمر بسهولة . على أن المسألة الداخلية تُمَثِّلُ خللًا داخليًّا بالنسبة لحكوماتنا على الأقل, ومجتمعاتنا السياسية والمدنية والشعبية عموما أيضا. ذلك أنّ تطاول رعايا دولةٍ إسلاميةٍ على رموزٍ إسلاميةٍ، دون خوفٍ من سلطة الدولة والقانون، معناه: أن هذه الدولة غائبة، أو القانون مُعَطَّلٌ، أو أن تلك السلطة مُتَوَاطِئَةٌ ضد الرموز الإسلامية، رغم أنها تحمل رموزًا إسلامية، أو أن هناك استقواءً من طَرَفٍ مَحَلِيٍّ بآخر دوليٍّ يُخِيفُ تلك الدولة أو السلطة من اتخاذ إجراء معين ضِدَّ الطرف المحلي، خوفًا من غَضَبِ الطرف الدولي!! وهو أمرٌ خَطِيرٌ جِدًّا . ونَضْرِبُ على ذلك مثلًا مُعَيَّنًا: ففي روايةٍ بعنوان (رئيس عزازيل في مكة) للمؤلف الذي أطلق على نفسه اسم يوتا، أو الأب يوتا، مجموعةٌ كبيرة من الإساءات والافتراءات على الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وعلى الصحابة، وعلى الدين الإسلامي عموما, فالنَّبِيُّ محمد صلى الله عليه وسلم حسب تلك الادعاءات الخطيرة ابنُ زنا، وأنه ابن بحيرة الراهب , والإسلام كُلُّه مُجَرَّدُ مؤامرةٍ بين بحيرة الراهب ومحمد, والجنس كان وسيلة النبي-حاشاه!- لاجتذاب الأتباع, وأن المسلم يخوض الحرب بدوافع جنسية. وتتحدث الرواية أن المسلمين المصرين هم غزاة ومحتلون عرب، وقتلةٌ مجرمون! وأن اللغة العربية التي يكتب بها المؤلف لُغَةٌ مفروضة عليه، لذلك فهو لا يهتم بالأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية..!! ويتحدث أن المسلمين الفاتحين العرب لمصر ارتكبوا مذابح وجرائم عند الفتح ! ومن الوَاضِحِ طبعًا أنّ جَهْلَ الرجل أو تجاهله للتاريخ واضح, وكذلك ترديد ما يقوله القس زكريا بطرس في الفضائيات المسيحية المعروفة، والتي لم يصدر قَرَارُ حرمان بشأن أصحابها من الكنيسة المصرية, رغم ما تثيره من عوامل الفتنة!! وبالطبع فإن الإسلام أرفع وأعظم، وأكثر عقلانيةً، وأرفع سموا من أنْ نَرُدَّ على تلك الترهات، ولا يمكن بالطبع الرد على افتراءاتٍ لا علاقةَ لها بالواقع ولا التاريخ.. إلا أن هنالك جزئيةً واحدة تستحق بعض الالتفات, وهي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ابن زنا !! ولو كان كذلك- نعوذ بالله من الكفر والضلال- لما كان قد أنصف المسيح عليه السلام، وبرّأَ ساحة السيدة مريم العذراء، حين قال القرآن الكريم إن المسيح عيسي ابن مريم هو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه.. وليس ابنَ زنا كما زعم كل غير المسيحيين ما عدا المسلمين.. وهي فِرْيَةٌ كانت من الانتشار، بحيث إنه لو لم يكن محمدٌ صلى الله عليه وسلم صادقًا، لانتشر في جنبات الأرض وصدقته النفوس.. وهو أَمْرٌ لو كان حَدَثَ لقتل المسيحيين في العالم, ولَأَجْهَزَ عليهم تماما؛ حيث إن العقل والمنطق يقولان: إن من المستحيل ولادةَ طفل لغير أب, وما دام الجميع يتفق على أنه ابن يوسف النجار مثلًا، فالأمر كذلك، ولكنَّ هذا في حَدِّ ذاته دليلٌ جَدِيدٌ على نُبُوَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى مدى جحود الجميل لدي المسيحيين الذين يهاجمون سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم. إن هناك افتراءاتٍ وإساءات بالغة، تتم تحت سمع وبصر الكنيسة المصرية، ولا تتخذ منها موقفا!! وإذا كان ذلك عن تَوَاطُؤٍ فهو أَمْرٌ مَرْفُوضٌ، وأما إذا كان استقواءً بالخارج فالأمر خطير؛ لأن أمريكا لن تَظَلَّ قويةً إلى الأبد، ويمكن يومًا ما أن تبيع المسيحيين الموالين لها مقابل ثمن سياسي, وفي كل الأحوال فإنه لا يضمن أمانَ المسيحيين إلا حسنُ علاقتهم بإخوانهم المسلمين، لا أكثر ولا أقل.. أمّا غيابُ الدولة، وغيبة السلطةِ والقانون، فهو أمرٌ يحتاج إلى تفسير!!