حذر ناشطون حقوقيون وسياسيون جزائريون من أنّ نتائج الفيضانات التي حدثت في ولاية غرداية، قد بلغت مستوى من السوء ينذر بكارثة إنسانية حقيقية، "إذا لم تقم الجهات الحكومية المحلية بدورها المطلوب وإذا لم تتدخل جهات دولية بالمال والوسائل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه"، حسب تعبيرهم. وشبّه الناشط الحقوقي الجزائري، كمال الدين فخار، في تصريحات خاصة ل "قدس برس"، الوضع في غرداية بتأثيرات "تسونامي"، وقال إنّ "وضع غرداية كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو شبيه بزلزال تسونامي، فقد وصل علو المياه في الأحياء السكنية إلى معدل ثمانية أمتار وبقوة أمواج منحدرة على مسافة عدة كيلومترات بقوة ضغط عالية قدرها الخبراء ب 900 متر مكعب في الثانية، فتهدمت مئات المنازل وسقطت على من فيها، وانقرضت أحياء سكنية بالكامل". وتابع فخار "نحن إلى حدّ الآن لا نعرف عدد الضحايا على الرغم من أنّ الجهات الرسمية تتحدث عن أنّ عدد القتلى بين 40 و50 قتيل، من دون تحديد عدد المفقودين"، وفق تأكيده. وانتقد فخار تعامل الجهات الحكومية مع الكارثة، وقال إنّ "تعامل الجهات الحكومية مع الكارثة كان دون المطلوب وأقل من حجم الكارثة، حيث أنه خلال اليومين الأولين ظلّ الناس يستغيثون ولا مجيب، ولم تتحرك الحكومة إلاّ بعد أن بلغ السيل الزبى وتظاهر أهل غرداية أمام الولاية يوم الجمعة، فتوافدت على الولاية مساعدات من مختلف المناطق الجزائرية، لكنها مازالت دون المطلوب واقعياً"، مشيراً إلى أنّ "هناك المئات من العائلات الجزائرية التي تعيش في العراء من دون مأوى، وقد وجدت نفسها على الرصيف بعد طول عمر لا تملك شيئاً على الإطلاق"، حسب تعبيره. وكشف فخار النقاب عن أن أهل غرداية استقبلوا رئيس الحكومة أحمد أويحيى الذي زارهم يوم أمس الأحد، بالهتافات الغاضبة وبرمي وفده بالحجارة، احتجاجاً على ما سماها "بيروقراطية الدولة"، واعتبر أنّ إعلان غرداية منطقة منكوبة لا يزال غير كاف. وقال فخار "إلى حد الآن توجد مئات العائلات في العراء، وإلى حد الآن هنالك أحياء بالكامل لم تستطع الدولة أن تصل إليها ولا أن تخرج ضحاياها المقبورين تحت الطمي، وبالتالي فالمساعدات مطلوبة من أي جهة محلية أو دولية لنجدة المنكوبين"، على حد تأكيده. وفي لندن؛ حمّل الدبلوماسي السابق والناشط السياسي الجزائري المعارض، محمد العربي زيتوت، في تصريحات خاصة ل "قدس برس"، السلطات الرسمية مسؤولية "الوضع الكارثي" الذي آلت إليه الأوضاع في غرداية. وقال زيتوت إنّ "كل المعلومات القادمة من غرداية تجمع على أنّ الوضع كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمازالت العشرات من الجثث تحت الطمي والتراب، ومازال العشرات من المواطنين مفقودين، والمصادر تتحدث عن أنّ عدد القتلى قد تجاوز المائتين على الرغم من أنّ الجهات الرسمية التي مارست تعتيماً إعلامياً كبيراً، وتتحدث عن 50 قتيل، بالإضافة إلى تهدم المباني وأحياء بكاملها وواحات نخيل كلها ذهبت مع المياه". ورأى زيتوت أنّ ما وقع "كارثة ما كان لها أن تحدث لو أنّ الحكومة قامت بالإجراءات اللازمة منذ الساعات الأولى للكارثة، وتجاوبت مع تحذيرات مصالح الأرصاد الجوية التي حذّرت من أنّ أمطاراً طوفانية قادمة، لكنّ الحكومة تجاهلت هذه التحذيرات ولم تأخذ أي إجراءات احتياطية ولا حتى تفاعلت مع الحدث ساعة وقوعه"، وفق تعبيره. وكشف زيتوت النقاب عن أنّ عدداً من ناشطي الجاليات الجزائرية في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية قد بدأ العمل من أجل تقديم ما يمكن تقديمه لنجدة أهل غرداية. وقال السياسي المعارض "نحن ندعو كل الجهات الإنسانية في العالم إلى السعي لإنقاذ أهل غرداية، ولا سيما في مدها بالوسائل الحديثة، حيث أنّ الوسائل المستخدمة حتى الآن هي وسائل بدائية، وما يدعم توجهنا هذا هو أنّ مدينة غرداية تعتبر مدينة محمية من طرف اليونيسكو باعتبارها تحتوي آثاراً إنسانية". ومضى زيتوت إلى القول "لذلك وجب على الجهات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة أن تقدم ما يمكن تقديمه لنجدتها. ونحن نعتقد أنه لو كانت هناك إدارة حكيمة ورشيدة لما وصلنا إلى هذا الوضع، ولكن مشكلتنا أننا لا نملك جهة معينة لإدارة الكوارث الطبيعية ولم نتعلم من تجاربنا السابقة مع الكوارث الطبيعية التي شهدتها مناطق كثيرة في الجزائر في الشلف وفي وهران وبمرداس". وأضاف زيتوت أنّ "هناك الآن جزائريون كثيرون في بريطانيا وأوروبا وأمريكا يتحركون مع المنظمات غير الحكومية لمساعدة غرداية تقنياً ومادياً، وقد ركزنا في البداية على التحرك الإعلامي لأنّ الحكومة الجزائرية عتمت على الكارثة، والآن نحن نتحرك على المستويات التقنية والمادية"، على حد تعبيره. وكان رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى، قد قام يوم أمس الأحد بزيارة للمواطنين القاطنين بالمنطقتين الأكثر تضرّراً بمدينة غرداية، جراء الفيضانات التي شهدتها المنطقة أيام عيد الفطر المبارك، وأعلن التزام الدولة بالتكفل بجميع الضحايا. وأكد أويحيى أنّ "الدولة قد جنّدت جميع الوسائل لإعادة إصلاح الساكنات والبنايات المتضررة"، ودعا الذين يشغلون المدارس حاليا مغادرتها فورا وذلك لفسح المجال للتلاميذ". ونقلت مصادر إعلام جزائرية رسمية أنّ الحصيلة المؤقتة الأخيرة التي نشرتها يوم الجمعة الماضية الخلية الوطنية للأزمة، التي شكلتها وزارة الداخلية والجماعات المحلية، أنّ 33 شخصاً لقوا حتفهم وجرح 48 آخرون، منهم 3 لا زالوا في المشفى، عقب الفيضانات التي مسّت يومي الثلاثاء و الأربعاء الأخيرين ولاية غرداية. كما أنّ أكثر من 1400 مسكن غمرتها المياه جراء الفيضانات التي وقعت بالمنطقة. وقد تضرّرت ثمانية بلديات من بين البلديات ال 13 التي تضمها الولاية من هذه الفيضانات، وهي بلديات غرداية وبونورة والعاطف وضاية بن ضحوة والغرارة وبريان ومتليلي وسبسب.