تعيش اسبانيا منذ شهور جدلا حول الذاكرة التاريخية التي تعني إنصاف الجانب المنهزم، اليساريين، في الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد خلال الثلاثينات من القرن الماضي، وبينما سنت الحكومة قانونا في هذا الشأن ويجري تحقيق قضائي، ينتقل الجدل إلى المغرب بعدما قررت جمعية غير حكومية طرح مقتل آلاف المغاربة في الحرب الأهلية ومطالبة مدريد بإنصافهم. وهكذا، فرغم مرور سبعين سنة على الحرب الأهلية الإسبانية التي انتصر فيها ما يسمى بالوطنيين بزعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو على اليسار الجمهوري، تستمر هذه الحرب في احتلال صدارة الجدل في المشهد السياسي. رئيس الحكومة الإسبانية الحالي خوسي لويس رودريغيث سبتيرو الذي فقد جده في هذه الحرب على أيدي جنود الجنرال فرانكو كان من ضمن الذين دافعوا عن قانون الذاكرة المشتركة الذي ينصف ضحايا الحرب الأهلية. القانون صادق عليه البرلمان في بداية السنة الجارية بمعارضة شديدة من الحزب الشعبي اليميني المحافظ الذي يعتبر نظريا وعمليا وريث الفرنكاوية (نسبة إلى فرانكو) في اسبانيا. ورغم أن جرائم الحرب الأهلية قد تقادمت بسبب مرور قرابة سبعة عقود، إلا أن قاضي المحكمة الوطنية بالتاسار غارثون فتح تحقيقاً في هذه الجرائم وبدأ بالاستماع إلى الضحايا وذويهم، وهو ما جلب له نقمة اليمين الذي اتهمه بالبحث عن الشهرة على حساب آلام الشعب الإسباني. وبما أن المغرب حاضر وبقوة في مختلف مراحل التاريخ الإسباني، فقد حضر في هذا الجدل السياسي بعدما قامت جمعية مغربية تسمى 'مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل' بطرح ملف المغاربة الذين لقوا حتفهم في هذه الحرب. فإسبانيا كانت تحتل شمال المغرب (1912 1956)، ووقعت أول انتفاضة في الحرب الأهلية وسط الجنود الإسبانيين الذين كانوا متمركزين في شمال المغرب عندما قضى الجنرال فرانسيسكو فرانكو على القوات الموالية للجمهورية وانتقل لاحقا إلى الضفة الأخرى مرورا عبر مدينتي تطوان وسبتة، وأجبر عشرات الآلاف من المغاربة على التطوع القسري في هذه الحرب. وعلاوة على موتهم في المواجهات الحربية، فقد كان جنود الجمهورية قساة مع الجنود المغاربة، حيث كانوا يخضعون للقتل بشكل بشع للغاية في حالة سقوطهم في الأسر. وتستمر حكومة مدريد في التستر على الرقم الحقيقي للجنود المغاربة الذين قتلوا في الحرب الأهلية، وتوجد في اسبانيا عدد من المقابر الجماعية الخاصة بهؤلاء الجنود، بعضها في وضع مزر للغاية بسبب انتشار بقايا الهياكل العظمية كما هو الشأن في مقبرة أستورياس بينما تبقى مقبرة غرناطة محفوظة. ونشرت وكالة أكفي برس الإسبانية أن مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل الذي يترأسه عبد السلام بوطيب قد وجه تقريرا إلى رئيس الحكومة سبتيرو والى القاضي غارثون للنظر في ملف المغاربة المفقودين في الحرب. مدريد لم تبد أي موقف حتى الآن، والمركز ينوي تنظيم ندوة صحافية يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري لإلقاء الضوء على هذا الموضوع.