أرجو من القارئ الكريم أن يقرأ مقال الأخ عبد الرحمان خليفة "مشهد من حياة الرئيس: ج 1 " ليفهم هذا المقال الذي يعد متابعة له :أنقر هنا .... . عبد الرحمان خليفة نثريات الفرزدق الصغير (...)يجلس الرئيس وقد سرّي عنه بعض الشيء. يُطرق الباب، فيدخل مدير الديوان الرئاسي وعلى وجهه علامات الضيق والتعب. الرئيس ينظر إليه كالحا ويسأله: ما بك يا حمار. المدير: الطبيب الفرنسي ما زال واقفا في قاعة الانتظار يا سيدي ويرفض الانصراف قبل صرف أتعابه. الرئيس: الغبي، ألخبر السوء الذي حمله إلينا؟ ثم يضيف: وكم يريد؟ يتلعثم مدير الديوان ويتلفظ بمبلغ لو صرف نصفه على بعض مناطق الظل لأخرجها من الظل. الرئيس: حاولْ أن تتخلص منه بطريقة ما، قل له أن يترك فاتورة وسنسدد له المبلغ لا حقا. المدير: إنه يرفض يا سيدي، وأنت تعلم أنه لو كان ابن البلد لتيسر الأمر، أما هذا فقد يورطنا في أزمة دبلوماسية مع السلطات الفرنسية. الرئيس: حسنا، انظر في خزينة صندوق 26 26 ، وانظر إن كان يكفي لتسديد نصف المبلغ وقل له أن يصبر حتى نتمكن من تجميع الباقي في السنة المقبلة. ولا تنس أن تثبت المبلغ بوثيقة صرف واكتب عليها: تم إنفاق المبلغ في المصلحة العامة. يهم مدير الديوان بالخروج فيتداركه صراخ الرئيس يسأله: أما زال طبيبي الخاص هنا؟ المدير: نعم يا سيدي. الرئيس: حوّلْ ملفه إلى الاستعلامات، وقل لمحمد الناصر أن يعنون المحضر في حقه بالتآمر على أمن الدولة والتفريط الشديد والخيانة العظمى، ثم ليحولوه على أنظار محكمة الجنايات، ولينظر في القضية القاضي محرز الهمامي في جلسة لا يحضرها المحامون ولا ممثلووا الإعلام الوطني أو الأجنبي لتعلقها بأمن الدولة. المدير: الاستعلامات يا سيدي ليس لديها الترخيص لإحالة المتهمين إلى المحاكم، لا بد أن يمر الأمر بمصلحة أمن الدولة أو بفرقة الإرشاد. الرئيس: لا تعنيني هذه المسائل يا أبله، تصرفوا أنتم فيها، المهم هو التكتم وتسليط أعلى الأحكام على هذا الخائن. يخرج مدير الديوان، ويسترخي الرئيس على أريكته المفضلة التي تم فحصها من طرف خبير أمن القصر قبل أن يجلس عليها. هنيهة قصيرة، ويدخل الحارس الشخصي للرئيس. طويل عريض مظلم الوجه لا يبتسم لغير الرئيس، ولو فعل لاتهم بالتآمر على أمن البلاد. يرفع الرئيس رأسه إليه وقد أنهكه التعب، ولم تمر عليه أوقات عصيبة كهذه منذ تخلص من جماعة النهضة واطمأن إلى أنهم ما بين قتيل وسجين ومهاجر وشريد، ثم يقول له: تأخرنا الليلة؟ الحارس نعم سيدي لم آت إليك حتى اطمأننت أن كل شيء على ما يرام، وأن طريقك إلى غرفة نومك آمن، وقد تم فحصه من قبل الخبير للتوّ. الرئيس يتنحنح،ثم يقوم على نفسه فيترنح فيكاد يقع من الجهد فيتداركه حارسه الوفي فيمد إليه اليد ليعينه على النهوض فيقوم، ثم يسيران في مشهد مؤثر يستدر الدموع، ثم يسيران، وكنت ترى حارسه يمشي طورا أمامه وطورا خلفه ثم عن يمينه فعن شماله، دون أن يترك النظر إلى الأعلى، إلا أنه لا ينظر إلى الأسفل لأن خبير أمن القصر قد كفاه عناء ذلك. يقترب الرئيس من الحجرة وعندها سدرة المنتهى التي لا يتجاوزها أحد دون إذن إلا احترق، ما عدا الحارس الليلي للرئيس وربما زوجة الرئيس أيضا. حجرة نوم الرئيس ليست كغيرها من الحجرات. ولهي أشبه ما تكون بحجرات أهل الجنة، يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، ولها أربعة جدران أحدها من الإسمنت المسلح المسلّح، والثلاث الباقيات من الزجاج المقوّى المقوّى، وليس فوقها شيء غير سقفها المؤمن ضد السقوط بسقف آخر مؤمّن بدوره، ويتسلسل الأمر بلا استحالة خلافا لمبدأ التناقض الذي قرره الفلاسفة. لا شيء يوجد أيضا حول الحجرة إلى مسافة آمنة مدروسة سلفا من الخبراء. وبعد أن يدخل الرئيس حجرته ويغلق بابها يتقدم الحارس ويضع عليه سجلا لا يفتحه غيره حتى الصباح، ثم يظل الوفي ينظر إلى سيده من خلف الجدار الزجاجي ولا يلتفت حتى يشير إليه الرئيس بالاتفات، ثم يظل هناك قائما عند رأسه لا ينام حتى يستيقظ الرئيس. ظني أن الحارس يجهد هذه الليلة ليخفي تبرمه من هذه السهرة الطويلة التي ستكلفه حتما ساعات من العمل الإضافي في الصباح، ولعله يذكر دعاء أبويه عليه فلا يشتغل مثل شغله إلا "مِدْعِي والديه". وخلال فترة دوامه لا يسمح له بالانصراف حتى إلى الحمام. حاله كحال المعاقبين الإسلاميين في العزلة الفردية "السيلون"، إلا إنه غير مقيد بسلسلة بينما هم مقيدون. أما إذا اشتدت به الحاجة أثناء الحراسة فعليه أن يتدبر أمره على مكانه مثلهم، ومؤخرا، وجدت له التقنيات الحديثة حلا على مقاسه، فأصبح يتردد كل أسبوع على صيدلية القصر التي تمده بحفّاظات رجالية كبيرة الحجم، ومن يومها استراح الرئيس من رائحته الكريهة التي كان يتلقاه به كل صباح، وتسجل النفقات في المصاريف العامة للدولة. على خلاف العادة، لم يشر الرئيس إلى حارسه بالالتفات هذه الليلة، فالأمر لا يستدعي، لأن الحرم المصون غضبت وذهبت لتنام في غرفة أخرى بالقصر. ويالها من مشكلة... لم يدر الرئيس لها حلا، فجلس المسكين يفكر وعيناه تجاهدان النوم، فرققت لحاله واقترحت عليه أن يسترضيها بهدية لم تكن تتوقعها، فقبلت لتوها وعادت إليه تسابق أنفاسها. وعند دخولها أذن الرئيس لحارسه بالالتفات، والزوجة تتابع حركته ويكاد لسانها أن ينطق من نفسه، فلم تتمالك إلا أن استدار الحارس لتقول بلهجة ملؤها البشر والسرور: أحقا ستنجز وعدك لي يا حبيبي. وهل أخلفتك أبدا وعدا! أجابها الرئيس. الزوجة يا لسعادتي، أخيرا سيتحقق حلمي وأصبح حلاقة عالمية. الرئيس: أتظنين زوجك يمزح؟ غدا صباحا سأرفع طلبا عبر وزير الخارجية إلى هيئة الأممالمتحدة برغبة بلدنا في فتح محل حلاقة وتجميل خاص برؤساء الدول وممثلي البعثات الدبلوماسية. وسأتصل ببعض وكالات الإشهار وسأطلب منهم أن يعتمدوني كنموذج لترويج الخدمات التي يمكنك تقدميها، وليأخذوا صورتي فجر التغيير مثالا، ولينظروا كيف كنت أبدو فيها وقد غزا الشيب رأسي، وليقارنوها بصورتي الآن وسيروعهم كيف صرت اليوم رغم مرور عشرين عاما. الزوجة: آه يا حبيبي. الرئيس: حياتي بعدك مستحيلة. الراوي: لا نستجيز بعد هذا مواصلة الحديث ولندع الأحبة ينامون إذ تنتظرهم مفاجأة عند الصباح. إلا أنا لا نستطيع أن نخفيكم كم حلمت الزوجة بفوز المرشح الأسنّ في انتخابات الرئاسة الجارية، ذلك أنها لا تملك شيئا تقدمه للمرشح الشاب. الفرزدق الصغير:أرجو نشر هذا التنقيح ليستمتع به القارئ الرئيس: أتظنين زوجك يمزح؟... غدا صباحا سأعقد مجلسا وزاريا مضيقا، وسأصدر أوامري إلى الوزير الأول ليرفع طلبا عبر وزير الخارجية إلى هيئة الأممالمتحدة برغبة بلدنا في فتح محل حلاقة وتجميل خاص برؤساء الدول وممثلي البعثات الدبلوماسية في مقرهم بنيويورك. وسنمارس ضغوطنا عبر أصدقائنا في الشرق الأوسط الذين اكتسبنا ودهم بعدما استدعينا كبيرهم ليشرفنا شخصيا بحضوره في مؤتمر المعلومات سنة 2005، ولا أظنهم يترددون في المساعدة بعدما تيقنوا أن فلسطين لم تعد أبدا قضيتي الشخصية كما كنت أقول للرئيس السابق للسلطة الفلسطينية. وسأصدر أوامري أيضا بإقامة حملة وطنية لتنوير وجه تونس في المحافل الدولية، وسأدعو إلى مؤتمر دولي لعولمة الحلاقة، وسأنشأ صندوقا جديدا لتمويل المشروع الرئاسي، وسألزم الجميع بأن يحولوا فيه نصيبا من الأرباح ومن الخسائر أيضا، وحتى حجيج بيت الله الحرام سأفرض عليهم رسما إضافيا يعادل الرسم القديم الذي يدفع لصندوق التضامن الوطني 26 26، وسأتصل بكبرى وكالات الإشهار وسأطلب منهم أن يعتمدوني كنموذج لترويج الخدمات التي يمكنك تقدميها، وليأخذوا صورتي فجر التغيير مثالا، ولينظروا كيف كنت أبدو فيها وقد غزا الشيب رأسي، وليقارنوها بصورتي الآن، وسيروعهم كيف صرت اليوم رغم مرور عشرين عاما. ثم أضاف باللهجة المصرية: "دَحْنا حَنلْعب بالفِلوسْ لِعْب" الزوجة: آه يا حبيبي. الرئيس: حياتي بعدك مستحيلة. الراوي: لا نستجيز بعد هذا مواصلة الحديث ولندع الحبيبين ينامان إذ تنتظرهما مفاجأة عند الصباح. إلا أنا لا نستطيع أن نخفيكم كم حلمت الزوجة بفوز المرشح الأكبر سنّا في انتخابات الرئاسة الجارية في القارة الأمريكية، ذلك أنها لا تملك شيئا تقدمه للمرشح الشاب. المصدربريد الفجرنيوز التحرير كل الشكر والتقديرللراوي الفرزدق الصغير