وزارة التجهيز: تسمية عدد من المسؤولين الراجعين لها بالنظر اعضاء بالمجالس الجهوية    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 8640 فلسطينيا بالضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي..    رسميا: الأولمبي التونسي "أيوب الحفناوي" يغيب عن منافسات أولمبياد "باريس 2024"    سيارة تاكسي تقوم ب"براكاجات" للمواطنين..ما القصة..؟!    سياحة : نحو 30 بالمائة من النزل التونسية مازالت مُغلقة    كأس تونس: قائمة لاعبي الترجي الرياضي المدعوين لمواجهة نادي محيط قرقنة    البطولة العربية لالعاب القوى للشباب : التونسي ريان الشارني يتوج بذهبية سباق 10 الاف متر مشي    بطولة مصر : الأهلي يفوز على الاتحاد السكندري 41    جرحى في حادث اصطدام بين سيارتين بهذه الجهة..    قبلي: شاب يقدم على الانتحار شنقا    القصرين إيقاف شخص يأوي المهاجرين    تواصل حملة تنظيف وصيانة حديقة ''البلفيدير''    وزيرة الإقتصاد فريال الورغي في مهمة ترويجية    بأسعار تفاضلية: معرض للمواد الغذائية بالعاصمة    اتحاد الفلاحة: ''علّوش'' العيد تجاوز المليون منذ سنوات    قبل لقاء الأهلي والترجي: السلطات المصرية تعلن الترفيع في عدد الجماهير    المهاجم أيمن الصفاقسي يرفع عداده في الدوري الكويتي    حوادث : مقتل 12 شخصا وإصابة 445 آخرين خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 8 ماي 2024    الاقتصاد في العالم    عاجل : دولة عربية تلاحق عصابة ''تيكتوكرز'' تغتصب الأطفال بالخارج    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    تراجع عدد أضاحي العيد ب13 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية    يصعب إيقافها.. سلالة جديدة من كورونا تثير القلق    أخبار المال والأعمال    مدعوما بتحسن الإيرادات الخارجية: ميزان المدفوعات يستعيد توازنه    المتبسطة القيروان مشروع للطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقدرة 100 ميغاواط    إلى حدود 6 ماي تصدير 8500 طن من القوارص منها 7700 طن نحو فرنسا    هزة أرضية بقوة 4.7 درجات تضرب هذه المنطقة..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    هذا فحوى لقاء رئيس الحكومة بمحافظ البنك المركزي التونسي..    اليوم: انطلاق اختبارات البكالوريا البيضاء    ومن الحب ما قتل.. شاب ينهي حياة خطيبته ويلقي بنفسه من الدور الخامس    رابطة أبطال أوروبا: بوروسيا دورتموند يتأهل للنهائي على حساب باريس سان جيرمان    جيش الاحتلال يشن غارات على أهداف لحزب الله في 6 مناطق جنوب لبنان    اعتبارًا من هذا التاريخ: تطبيق عقوبة مخالفة تعليمات الحج من دون تصريح    اليوم : بطاحات جربة تعود إلى نشاطها    لأجل غير مسمى.. إرجاء محاكمة ترامب بقضية "الوثائق السرية"    محرز الغنوشي: رجعت الشتوية..    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    الجزائري مصطفى غربال حكما لمباراة الترجي الرياضي والاهلي المصري    فرقة "مالوف تونس في باريس" تقدم سهرة موسيقية مساء يوم 11 ماي في "سان جرمان"    وزير السياحة: اهتمام حكومي لدفع الاستثمار في قطاع الصناعات التقليدية وتذليل كل الصعوبات التي يواجهها العاملون به    أمطار أحيانا غزيرة بالمناطق الغربية وتصل الى 60 مم خاصة بالكاف وسليانة والقصرين بداية من بعد ظهر الثلاثاء    البنك المركزي: ارتفاع عائدات السياحة بنسبة 8 بالمائة موفى شهر افريل 2024    مصر: تعرض رجال أعمال كندي لإطلاق نار في الإسكندرية    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الموصياد" التركية.. الدمج السياسي للإسلاميين عبر بوابة الاقتصاد
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 10 - 2008


أردوغان بين عدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال
لا تزال التجربة التركية تشهد المزيد من الاهتمام، وتطرح العديد من الإشكالات النظرية والعملية المرتبطة بأكثر من مجال، وفي هذا الإطار يبرز دور الاقتصاد كعامل محدد للكثير من التغيرات التي تشهدها تركيا منذ أكثر من عقدين، في صورة العلاقة بين التحولات الاقتصادية والحركة الإسلامية، والمدى الذي يمكن أن يلعبه الاقتصاد في إزالة التوتر بين الإسلاميين والمجال السياسي، لضمان عملية دمج "مريحة" للفاعل الإسلامي.
وتوفر تجربة اتحاد رجال الأعمال والصناعيين المستقلين "الموصياد" حالة خاصة لرصد أهم متغيرات التفاعل التي يتدخل فيها العامل الاقتصادي بقوة في إعادة ترتيب التوازنات الداخلية، فالاتحاد الذي ينظم هذه الأيام (23-26 أكتوبر) معرضه الثاني عشر في إستانبول صار ينظر إليه باعتباره الإطار الاقتصادي للإسلاميين الأتراك، ومن ثم فإن الوقوف على تجربته سيكون مفيدًاً في فهم تجربة إدماج الإسلاميين ولكن عبر البوابة الاقتصادية.
تقاليد نظرية
وتبدو دراسة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة متأثرة اليوم بالتحولات العالمية أكثر مما كانت سابقا. فقد أدى انهيار المنظومة الشيوعية والتجربة السوفييتية في الاقتصاد إلى سيادة وانتشار نموذج الرأسمالية الليبرالية، كما أدت سياقات العولمة المتنامية إلى وضع هذا النموذج في مواجهة تيارات الداخل بعد حالات التراجع التي عرفتها الدولة الوطنية في ميادين الاقتصاد والسياسات الاجتماعية، فيما شكلت التطورات التكنولوجية فضاءات جديدة لبروز خطابات ذات طابع محلي هوياتي يشكل الخطاب الإسلامي أحدها إن لم يكن أهمها.
وفي هذا الإطار يشير عدد من الباحثين في مجموعة من الدراسات المهمة التي جمعها الأستاذ الأمريكي "صامويل هنتنجتون" في كتاب أسماه "عولمات بديلة: التنوع الثقافي في العالم المعاصر" إلى أن ديناميات العولمة تضيف نطاقا جديدا للدراسة بوصفها تفاعلا مستمرا بين المحلي والعالمي وتحويلها السوق إلى نطاق عام تتنافس فيها الرؤى الثقافية لتنظيم الاقتصاد. هذا النطاق هو البعد الثقافي المرتكز على الهوية المحلية، ويؤكد الباحثون أن سياق العولمة الثقافية يسري جنبا إلى جنب مع العولمة الاقتصادية، فانتشار التقاليد الليبرالية في الاقتصاد كفضاء عام يصاحبه تعالي قيم الفردية والمحلية على حد سواء. ويرى هنتنجتون أن المحلية تجد أهم تمظهراتها في سؤال الهوية الذي يطرح نفسه ليس كبديل ولكن كمحاولة توفيقية في مواجهة الوافد.. وتطرح العولمة الاقتصادية إشكالات العلاقة بين الاقتصاد والثقافة من حيث تأثيرها على القيم الثقافية المحلية.
ويذهب باحثون آخرون يركزون اهتمامهم على موضوع الاقتصاد الإسلامي إلى أن التكيفات الإسلامية مع اقتصاد السوق تواجه حاليا تحدي التوفيق بين القيم الاقتصادية الفردية المتضمنة في الليبرالية الاقتصادية وبين قيم الجماعية والتكافل والتضامن التي تصر عليها التقاليد الإسلامية. ويترسخ لدى دارسي الحركات الاجتماعية الجديدة أن دخول الفاعل الإسلامي إلى فضاء السوق الجديد يؤدي إلى طرح أربع قضايا هامة على الحركة الإسلامية لها علاقة بمسألة الهوية هي: الفردانية الناشئة عن الاندماج بالسوق، والعقلانية التي يولدها نمو الاستخدام التكنولوجي، وشيوع منطق الشبكة، إضافة إلى تغير أنماط الاستهلاك. وطبعا ستبرز علاقة كل هذه العوامل بتحولات في المشروع الإسلامي باتجاه تبني رؤى أكثر اندماجية على المستوى المحلي كما على المستوى العالمي.
وتتوجه دراسة تأثير الاقتصاد على الحركات الإسلامية وفق تقليدين نظريين أساسين؛ أولا تأثير الانفتاح الاقتصادي على إمكانيات الرفع من مستوى اندماجية الطبقة الوسطى التي تشكل بعض فئاتها المخزون الاجتماعي للحركات الإسلامية. وفيما تتأثر برامج الحركة بسياسات الانفتاح الاقتصادي وتدفعها إلى نمط أكثر اندماجا في التوجهات الاقتصادية للدولة.. تؤدي النتائج الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية، ثانيا إلى تنامي موجات الاغتراب الاجتماعي الناتج عن غياب العدالة الاجتماعية وسوء توزيع الثروة.

اقتصادي تركي بأحد المنتديات

وتجد الطبقات المتضررة في الخطاب الديني والهوياتي وسائل للتنفيس عن موقفها من التوزيع اللامتكافئ للثروة اقتصاديا. وفيما تؤدي الحالة الأولى إلى نمو اتجاهات معتدلة داخل الحركة الإسلامية، تواجه الحالة الثانية زيادة نسبة التشدد في مواجهة قضايا المجتمع والدولة. ويصب هذا الاتجاه كما هو ملاحظ ضمن خانتي الاندماج والإقصاء عنى طرفي العلاقة مع النظام السياسي لكن على خلفية المستفيدين والمتضررين من التحولات الاقتصادية. يقودنا ما سبق إلى التساؤل عن المدى الذي توفره التجربة التركية في هذا الإطار.
تركيا جدل الدين والدولة
يتعلق الجدل القائم في تركيا بين الدين والدولة حول قاعدة مؤسسية واضحة. فقد قامت الجمهورية العلمانية التركية الناشئة على أنقاض السلطنة والخلافة العثمانية وبدا أن مسار العلمنة كان يستهدف أربع مؤسسات عثمانية هي السلطنة والخلافة والعلماء والطرق الصوفية. ففي سنة 1924 ألغى مصطفي كمال أتاتورك الخلافة رسميا ومنع جميع النشاطات الصوفية ابتداء من سنة 1925 وأقام برنامجا تعليميا علمانيا تشرف عليه وزارة مختصة كما أنشأ مديرية للشئون الدينية وأوعز إليها مهمة إدارة المساجد وتكوين الأئمة والعلماء كما حذف المادة 25 من الدستور التي تعترف بالإسلام دينا للدولة سنة 1928. وامتدت الإجراءات الكمالية إلى الاستبدال بالأحرف العربية وإلغاء العمل بالتقويم الهجري واقتباس القانون المدني السويسري في نفس السنة.
لقد تواجهت الدولة مع تقاليد دينية وأخلاقية موروثة ومزروعة بعمق في أوساط ريفية بالأساس لأن عملية التحديث التركية ارتكزت على إستراتيجيات التمدين الاجتماعي في مواجهة أغلبية ريفية والتعليم العلماني في مقابل التعليم الديني في المدارس الصوفية والتصنيع في مقابل شيوع النمط الزراعي. وهذه النقاط الخلافية الثلاثة كانت أساس التوجه المعارض داخل النخبة الكمالية في حزب الشعب الجمهوري التي أدت إلى ولادة تيار اليمين الوسط في تركيا في بداية الخمسينيات ممثلا في الحزب الديمقراطي، وهو التيار الذي أقام برنامجه السياسي على معارضة برنامج الإصلاح الزراعي في الخمسينيات ونقد التوجه العلماني المتطرف تجاه المجموعات والجماعات الدينية وحالات إقصاء لشرائح مهمة من المجتمع التركي.
وقد قادت أحزاب اليمين الوسط الحكومات التركية بدءا من الحزب الديمقراطي في الخمسينيات مرورا بحزب السعادة ووصولا إلى حزب الوطن الأم برئاسة "تورغوت أوزال" على فكرة التصالح بين الدولة والمجتمع والتخفيف من وطأة القوانين العلمانية دون الخروج عن الأيديولوجية الكمالية. في الواقع إن هذا كان يعني تخلي الدولة عن قبضتها على المجتمع، وهو التراث الذي قامت عليه الدولة القوية في تركيا التي حاول الجيش استعادتها عبر ثلاثة انقلابات.
ومثلت الحركات الإسلامية أحد أهم عناصر هذا التفاعل الاجتماعي- السياسي.. بالمقابل شهدت سنوات الثمانينيات انتعاش المجال الديني والثقافي في تركيا بدءا بإلغاء قانون حظر استخدام اللغة الكردية في الأماكن العامة وانتعشت الجماعات الدينية التي استعادت نشاطها التعليمي والاجتماعي وسمح للفتيات بارتداء الحجاب. وازداد دور الجماعات والطرق الصوفية في التعبئة الانتخابية لا سيما الطريقة النقشبندية وجماعة النور، كبرى الطرق الصوفية في تركيا.
من تراث الدولة القوية إلى الانفتاح
قامت الدولة في تركيا على نمط شديد المركزية وبسطت سيطرتها على الاقتصاد بداية من الثلاثينيات في محاولة لبناء اقتصاد وطني قوي. وفي نفس الوقت ساهم تشجيع أتاتورك للقطاع الخاص عبر قانون تشجيع التصنيع في مايو 1927 في خلق برجوازية وطنية مستقلة عن الدولة لكن متحالفة معها وقد تم من خلالهما بناء رأسمالية الدولة التركية.

تزايد المعارض الاقتصادية التركية في حكومة العدالة

غير أن الإصلاحات التي اعتمدتها حكومة تورغوت أوزال في الثمانينيات باتجاه الانفتاح الاقتصادي وتحريرا لتجارة الخارجية أدت إلى إحداث تغييرات هيكلية في الاقتصاد التركي لصالح نمو مضطرد لرأسمال خاص مستقل تماما عن الدولة. استهدفت الإصلاحات الخروج من أزمة الاعتماد على الواردات التي ميزت سنوات السبعينيات وأدت حلول هذه الأزمة إلى حدوث تحول كبير في البلاد، وبقرارات إصلاحية جريئة تم تغيير قانون حماية النقد التركي ونظام التحويل تغييرا جذريا، وأطلقت حرية التصدير والاستيراد، وحررت أسعار صرف العملات، وترك النموذج الاقتصادي المغلق على الخارج ليحل محله نهج اقتصادي منفتح للخارج معتمد على التصدير، ووجه الإنتاج نحو التصدير، وقلصت الإعانات الحكومية، وأقيمت مناطق التجارة الحرة.
وأحد أهم المراسيم التي اعتمدتها سياسة حكومة أوزال الجديدة، في 16 ديسمبر 1983، كان توفير مساحات قانونية تسمح باستخدام التبرعات الخيرية لأغراض دينية في تركيا. وساعدت القوانين الجديدة مجموعات النور مثلا على تشكيل شركة فيصل المالية في أغسطس 1984 وتشكلت شركة البركة تورك التي يترأسها شقيق أوزال بشراكة نقشبندية. كما أقرت الحكومة قوانين ضمن إطار الإصلاح الضريبي تسمح بإعفاء هذه الشركات المالية التي تعمل وفقا لمبادئ الإسلام وتحرم الفائدة على الإرباح.
الموصياد.. الرأسمال الأخضر
في أواخر الثمانينيات وأوائل 1990، وجدت سياسات أوزال دعما كبيرا في مقاطعات دنيزلي وقحرمن مراش وغازي أنتب وجروم وقيسري التي تشكل أهم مدن الأناضول. فأصحاب الأعمال التجارية كتجار البناءات الصغيرة وأصحاب المطاعم والصناعات الصغيرة وصناعات النسيج وتجهيز الأغذية يشكلون القطاع الذي يرفض تدخل الدولة في الاقتصاد، ولذلك فقد أصبحوا من المؤيدين الرئيسيين للتحرير الاقتصادي. وشكل الخطاب القائم على الأخلاقيات والرموز الإسلامية وسيلة للتعبئة ضد تدخلية الدولة من جهة وضد احتكار الصناعيين الكبار للمجال الاقتصادي عبر هذه التدخلية لصالح تنمية أكبر موجهة للمجتمع والإنسان التركي أولا. في هذه المرحلة أصبح تشكيل الموصياد أهمية تنظيمية في إيصال صوت القطاع غير الرسمي الذي كان قد اكتمل تشكله.
تأسست جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين المعروفة اختصارا بالموصياد في 5 مايو 1990. وتعرف نفسها باعتبارها منظمة غير حكومية على المستوى العام وكجمعية لرجال الأعمال على المستوى الخاص. تعمل من أجل بناء تركيا قائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة والمساواة حيث السلام والأمن والرفاهة مكفولة للشعب التركي؛ وحيث القيم العالمية والمجتمعية التي اعتمدت تاريخيا من قبل الشعب تحظى بالحماية؛ في دولة تتمتع بالفعالية إقليميا والاحترام عالميا.. وتلخص الموصياد أهدافها في تنمية خمسة قطاعات متتالية بدءا بالعامل الإنساني والمؤسسي مرورا بالقطاع الاقتصادي ووصولا إلى القطاع الثقافي والاجتماعي. فالرؤية في الموصياد تقوم على فكرة أن التقدم الوطني والمجتمعي يرتبط بتنمية القدرات الفردية والمؤهلات الشخصية التي تسمح بالوصول إلى نموذج أخلاقي ثقافي لرجل الأعمال المسلم مع ضمان تحقيق تقاليد مؤسسية منفصلة عن الأفراد.
وليس من الواضح حجم التراكم الذي حصل في تجربة رأس المال الإسلامي في تركيا إلا أن المؤكد هو ارتباطه بتجربة نمور الأناضول وهي مجموعة المدن التي استطاعت بناء قاعدة اقتصادية منذ منتصف السبعينيات في عهد الحكومة الائتلافية التي شارك فيها حزب السلامة الوطني برئاسة نجم الدين أربكان مؤسس الحركة الإسلامية التركية. وقد ارتبط خطاب التصنيع الجديد بضرورة بناء صناعة وطنية قوية تحرر الاقتصاد التركي من هيمنة رأس المال الأجنبي ورفع مستوى الاستثمار التركي في مجال محدد هو الصناعات المتوسطة والصغيرة. وفي هذا لا يختلف خطاب الموصياد عن توجهات عامة للاقتصاد التركي تنادي بخصخصة الصناعات التركية.. نقطة الاختلاف الوحيدة هي في تركيزها على خصخصتها في شكل مؤسسات صغيرة ومتوسطة سهلة التنظيم والإدارة وتختلف عن نموذج الصناعات الكبيرة الذي يرتبط بتنظيم التوسياد وهو تنظيم علماني التوجه يضم الصناعيين والرأسماليين الأتراك القريبين من أجهزة الدولة.
ويختلط الخطاب الوطني بالعالمي في تجربة الموصياد على نحو لافت فالأهداف الوطنية حاضرة عبر استعادة استقرار تركيا داخليا، فيما يظهر الخطاب العالمي من خلال الرغبة في تطوير المكانة التركية إقليميا واستعادة احترامها عالميا عبر البوابة الاقتصادية دون إشارة إلى الجانب السياسي. لكن التأثير السياسي واضح من خلال الدعم الحكومي للجمعية التي وفرت لحزب العدالة والتنمية قاعدة لبرنامجه السياسي في الميدان الاقتصادي كما تستمر الحكومات المتوالية منذ 2002 في رعاية رسمية لمعارض الموصياد وهو الحزب الذي ساهم أغلب مؤسسيه في تأسيس الموصياد عام 1990. ومع تنشيط مفاوضات الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2004 بدا أن الاتجاه الاقتصادي يميل إلى تفضيل الشريك الأوروبي في ظل ارتفاع قدرته التنافسية وتطلعه إلى أسواق أكثر ثباتا. ويعتبر محللون أوروبيون أن الاتجاه إلى الشرق مازال مهما بالنظر إلى حجم السوق الاستهلاكية العربية والإسلامية في نفس الوقت يساهم رأس المال الإسلامي المستثمر في تركيا في حمايتها نسبيا من تقلبات السوق المالية وإمكانية انسحاب الشريك الأجنبي.
سؤال الهوية
شكلت التغيرات الاقتصادية التركية منذ أوائل الثمانينيات ازديادا حادا في نسبة الهجرة إلى المدن الكبرى. وفي الوقت الذي كان فيه تراث الدولة القوية في تركيا يتراجع في المجالات الاقتصادية تحت تأثير الإصلاحات والتعاقد مع صندوق النقد الدولي، كانت القوى ذات الطابع الديني تتجه إلى ملء الفضاءات الاجتماعية والاقتصادية التي انعكست اجتماعيا على هؤلاء. وشكل المهاجرون الأتراك في الخارج لا سيما من ألمانيا وبلجيكا والذين وجدوا في تجربة الاقتصاديات المصرفية الإسلامية مفتاحا لاستثمارات قوية في تركيا، عاملا إضافيا لانتعاش رأس المال الإسلامي وهي الاستثمارات التي سمحت بتشكيل أكبر الشركات القابضة على رأسها مؤسسة كومباسان الشهيرة. لكن العامل الثقافي في الهجرة من الريف إلى المدينة سيبدو واضحا بالنظر إلى أن أكبر حركات الهجرة كانت من الأناضول باتجاه المدن الميتروبولية "أنقرة" و"إستانبول"، وقد حمل ذلك تغيرات قيمية تتسم بالمحافظة الأخلاقية المتولدة عن التوجه الديني العميق في الأناضول والتي تواجهت مع عملية التمدين التي كانت تفترض امتلاك رؤية جديدة للعالم وإيجاد وسيلة جديدة للتواصل والتفاعل الاجتماعي كان الإسلام يقدمها عبر الطرق الصوفية.
إن هذا التزاوج بين حركة التمدن والقيم الريفية ذات الطابع الديني يمكن جزئيا من تفسير نمو توجهات الطبقة الوسطى الجديدة التي كانت قيد التشكل في عشرية الثمانينيات كما تفسر في نفس الوقت اتجاه الشعور الشعبي العام نحو استمرار التصويت لصالح التيارات المحافظة التي تكاد تكون تقليدا تركيا. وفي نفس الوقت مثل وصول الأحزاب السياسية ذات التوجهات الإسلامية فرصة لفتح فضاءات السياسة أمام الاقتصاد بحيث استمرت الموصياد في التطور والانتشار على الرغم من تقلبات السياسة بين سنوات 1997 و1999، ويبدو أن الموصياد تستفيد اليوم من حالة الاستقرار التي تطبع الحياة السياسية التركية اليوم بالنظر إلى المستوى القياسي من المشاركة الذي تتوقعه على الرغم من المواجهات التركية الكردية الأخيرة.
--------------------------
باحثة جزائرية
إسلام أون لاين.نت
السبت. أكتوبر. 25, 2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.