لا شك إن "قادة" العراق االجديد سجلّوا أرقاما قياسية في كلّ ما هو غريب وعجيب في هذا العالم. الى درجة أصبح العراق نموذجا سلبيا يدورعلى ألسن الجميع لكونه البلد الوحيدالذي تحوّلت فيه الديمقراطية, لأنها زائفة وخادعة من بدايتها, الى عبء ثقيل على مواطنيه. ففي الوقت الذي يفتقر فيه المواطن المغلوب على أمره الى أبسط مقومات العيش الكريم تقوم القوى السياسية والكتل الحزبية الدائرة في فلك القوات الأمريكية المحتلّة الى إستنساخ بعضها البعض والتناسل عبرعمليات منظّمة ومبرمجة لخداع وتضليل الناس تمهيدا لانتخاب مجالس المحافظات التي ستجري نهاية شهركانون الثاني/ ينايرعام 2009. فعندما تعلن ما تُسمى بالمفوضية العليا المستقلّة للانتخابات العراقية عن أسماء 401 كيان سياسي ستخوض إنتخابات مجالس المحافظات فهذا يعني إن المواطن العراقي البسيط, والذي سوف يتوجّه الى صناديق الاقتراع رغم أنفه, سيجد نفسه أمام كومة من الأوساخ, عفوا من الأحزاب والكتل السياسية والكونكريتية تجعله يلعن اليوم الذي ولدته فيه أمّه. والسؤال الذي يجب طرحه هو,هل ثمة حاجة فعلية أو ضرورة من أي نوع كان لوجود 401 حزب وتكتّل وإئتلاف في بلد يعمّه الخراب الاقتصادي والفشل السياسي والانهيارالأمني؟ وما هو الجديد في هذا الكم الهائل من الأسماء الرنانة والشعارات البرّاقة التي تخفي وراءها جيشا من اللصوص والمجرمين الباحثين عن أمجاد زائفة وسط الدمارالذي حلّ بالوطن؟ وكأن جميع الفرص الذهبية التي وفّرها لهم الاحتلال الأمريكي, منذ اليوم الأول لتدنيسه لأرض العراق الطاهرة, لكي يمارسوا على راحتهم النهب والسرقة والهيمنة والاستحواذ على المناصب والوظائف لم تكفِ لآشباع رغباتهم الشرهة الدنيئة في إمتصاص دماء وثروات الشعب العراقي. ويبدو إن أحزاب المنطقة الخضراء التابعة للاحتلالين الأمريكي والايراني قد أدركت أن نجمها بدأ بالأفول وصوتها خفت الى درجة التلاشي وسمعتها سقطت الى الحضيض لأن العراقيين إكتشفوا أحابيل وحيل وشعوذة هؤلاء العملاء, فلم يبق أمامهم غير إجراء عمليات إستنساخ وتفريخ لبعضهم البعض الآخرخوفا من فقدانهم للمكاسب والغنائم والامتيازات التي حصلوا عليها في غفلة من الزمن أو مكافاءة للخدمات"الجليلة" التي قدّموها الى أسيادهم في واشنطن وطهران. فبقدرة قادر تفرّع كلّ حزب من أحزاب السلطة العميلة في بغداد الى عشرات الأحزاب والكيانات ذات الأسماء والدلالات الطائفية الواضحة وسط فوضى سياسية عارمة لم يشهدها أي بلد في العالم. فقد أصبح لكل حزب, مثلا كحزب المجلس الاسلامي الأعلى لصاحبه عبد العزيز اللاحكيم, منظومة صغيرة من الأحزاب التي تدور في فلكه. لا غاية لها غيرتكريس المكاسب السياسية - الطائفية التي حصل عليها حزب الحكيم الأصلي أو الأم. ومن هذه المكاسب طبعا سرقة وتهريب نفط البصرة ومصادرة قرار ورأي الناس البسطاء والعمل الدؤوب على نتفيذ الخطط والمشاريع الايرانية الرامية الى السيطرة الكاملة على جنوب العراق. وإذا أتينا الى تصريح ما يُسمى برئيس الادارة الانتخابية القاضي قاسم حسن العبودي والذي يقول فيه,"إن عدد الكيانات الكلّي هو 401 كيان بينها 36 كيان ضمن إئتلافات و365 أخرى بشكل كيان مستقل" ندرك حجم المهزلة التي يعيشها العراق اليوم وزيف مجمل العملية السياسية المزعومة والتي جعلت من العراق مزرعة نموذجية لانتاج الكيانات والأحزاب السياسية الوهمية دون الحاجة حتى الى الرجوع للقانون او للدستور. وبفضل الفوضى الخلاّقة جدا أصبح بامكان أي إنسان وفي أية مدينة أو منطقة أن يؤسس له حزبا أو قائمة أو تكتلا ولا يهم أن يكون عدد الأعضاء ثلاثة أو أربعة فقط. إن تأسيس حزب أو كتلة سياسية في العراق الديمقراطي الفيدرالي الحر والمستقل تماما, صارأسهل بكثيرمن الحصول على زجاجة ماء صالح للشرب. فسكنة المنطقة الخضراء وأتباعهم وسماسرتهم لديهم قناعة راسخة بان فُرص النهب والسرقة والاثراء اللاشرعي وعلى حساب ملايين العراقيين ما زالت متوفّرة لكلّ من ساهم وشارك وإنخرط بهذا الشكل أو ذاك في مشاريع الغزاة الأمريكان. .وإذا أخذنا بنظر الاعتبار حجم العراق وعدد سكانه, مع العلم أن ليس جميع السكان يحقّ لهم التصويت, سوف نجد أن تنظيم عملية إنتخابية بهذا العدد الكبير من الكيانات والكتل السياسية, رغم كون أغلبها وهمية, والأسماء والجداول والمراكز والدوائرالانتخابية والحماية المخصصة لكل منها, هي في الحقيقة عملية مكلّفة جدا من الناحية المادية والبشرية. مع العلم إن الانتخابات, حتى وإن إعتبرها بعضهم إستحقاق دستوري, لا تدخل ضمن أولويات المواطن العراقي الذي يعاني الامرّين خصوصا وأنه يعرف حقّ المعرفة إن هذه الانتخابات هي مسرحية متقنة الاعداد والاخراج من قبل نفس الشخوص الذين سلبوه حقّه في حياة حرّة كريمة, وإن وضعوا على وجوههم مساحيق برّاقة أو أقنعة جديدة. لا شك إن المواطن العراقي, مدفوعا بألف سبب وجلّها لا علاقة لها بالديمقراطية إطلاقا, سوف يشارك في الانتخابات المحلّية المقبلة. ولكن لا كعراقي, لأن صفة المواطنة هذه أسقطها منه الدستورالعنصري الطائفي الذي وضعته قوات الاحتلال الأمريكية والأحزاب العميلة التابعة لها. وكما خطّط وروّج واصرّ ساسة سكنة المنطقة الخضراء لتحقيق أهدافهم الحزبية والطائفية والعائلية الضيّقة, سوف يشارك المواطن العراقي على أساس كونه سنّي أو شيعي أو مسيحي أو صابئي أو شبكي وهلّم جرّا. أما كعراقي فلا. إن وجود 401 حزب ودكان وخانة وتكتل سياسي في بلد واقع تحت إحتلال أجنبي بغيض تحكمه زمرة من اللصوص والفاسدين والجهلة ومزوّري الوثائق والشهادات العلمية لا يمكن إعتبارالانتخابات المحليّة التي ستجري فيه إلاّ محاولة أخيرة بائسة وفاشلة للقائمين عليها الغاية منها إقتلاع العراق, هذا الوطن العظيم الراسخ, من قلوب وظمائر وذاكرة شعبه. ولكن هيهات ! سوف تخيب آمالهم وتتبخّرأحلامهم وتُدفن كلّ مشاريعهم العدوانية كما حصل في المناسبات السابقة. [email protected]