الرباط - للمرة الثانية على التوالي أعلنت المحكمة الابتدائية بسلا -قرب الرباط- أمس تأجيل جلسات محاكمة خلية بلعيرج إلى يوم 26 ديسمبر/كانون الأول المقبل.وكانت المحاكمة قد أجلت منذ شهر إلى موعد 14 نوفمبر/تشرين الثاني بطلب من الدفاع.
وطرحت المحاكمة -التي وصفت بأنها أضخم ملف إرهابي تنظر فيه المحكمة المغربية- مجددا سؤال استقلالية القضاء بالمغرب وتضخم العقل الأمني بالمغرب وتحكمه في العقلين السياسي والقضائي.
مفاجآت بلعيرج وكانت مفاجأة الجلسة الثانية هي إعلان بلعيرج عن سحبه الثقة من محاميه محمد زيان نقيب هيئة المحامين في جهة الرباط لأسباب مجهولة، وتكليفه للمحامي توفيق الإدريسي بالمرافعة عنه.
وفي هذا الإطار نفى الإدريسي للجزيرة نت علمه بأسباب التغيير، مؤكدا أن هذا الحدث من أهم أسباب التأجيل، لكنه أثنى على زميله محمد زيان واعتبره من خيرة رجال الدفاع.
وكشف بلعيرج عن تعرضه لتعذيب شديد ومتواصل طيلة شهرين حسب رسالة نشرتها ثلاث صحف بلجيكية أمس بعد أن استطاع الحصول عليها فريق تحقيق بلجيكي زار المغرب مؤخرا.
يشار إلى أن السلطات المغربية أعلنت في 18 فبراير/شباط الماضي تفكيك خلية "إرهابية" يتزعمها عبد القادر بلعيرج -وهو مغربي مقيم في بلجيكا- حيث وجهت لأعضاء الخلية تهم التخطيط لعمل إرهابي بالمغرب وتهريب السلاح وارتكاب جرائم قتل في بلجيكا.
واعتقل في القضية أيضا الأمين العام لحزب البديل الحضاري مصطفى المعتصم وزميله محمد الركالة وزعيم حزب الأمة محمد المرواني، ومراسل قناة المنار اللبنانية عبد الحفيظ السريتي وعضو حزب العدالة والتنمية العبادلة ماء العينين وأحمد نجيبي عضو الحزب الاشتراكي الموحد.
وأجمع عدد من المحامين الذين التقت بهم الجزيرة نت بعد رفع الجلسة على أن هذه المحاكمة ستطول في فصول أخرى بالنظر إلى خيوطها المتشابكة وكثرة المتهمين فيها.
العقل الأمني ومنذ إعلان السلطات المغربية اكتشاف الخلية وإلقاء القبض على أعضائها، والجدل يتزايد بالمغرب حول سيطرة "العقل الأمني" على "العقل السياسي" و"العقل القضائي" حسب تعبير المحامي والسياسي بحزب العدالة والتنمية مصطفى الرميد.
وتركز الجدل حول استقلالية القضاء ونزاهته ومدى تحرره من ضغوط الأجهزة الأمنية والسياسية.
وقبل يومين من جلسة المحاكمة الأخيرة، أعلن مصطفى الرميد في ندوة علمية نظمتها اللجنة التضامنية مع المعتقلين السياسيين الستة بعنوان "الإرادة السياسية في امتحان واقع الاعتقال السياسي بالمغرب"، أنه لا يعول على القضاء المغربي في هذه المحاكمة لعدم استقلاليته وخضوعه للأجهزة الأمنية والحكومية.
وأكد أن "العقل السياسي والعقل القضائي بالمغرب خاضع للعقل الأمني"، وأن العقل الأمني "مرتبك ويشتغل بالخيال الجموح الذي يستغبي العقول"، ليخلص إلى أن الحل السياسي هو الممكن إذا كانت الضغوط قوية تجاه المسؤولين الكبار.
وأيده في هذا الوصف رئيس الجمعية المغربية لاستقلال القضاء المحامي عبد اللطيف الحاتمي مشيرا إلى أن هذا الملف يفيض بالخروقات القانونية وأن القضاء مسخر لما أسماها "الأجهزة الخفية" وأن التفسير القانوني لا يستقيم في اعتقال السياسيين الستة، منتهيا إلى أن التفسير الوحيد والممكن هو التفسير السياسي.
مبالغة غير أن المحامي مراد البكوري الذي يتولى الدفاع عن المعتقل نجيبي، لا يوافق على إطلاقية الحكم بعدم استقلالية القضاء بالمغرب ونزاهته.
وقال للجزيرة نت إن هذا الوصف مبالغ فيه، وإن القضاء بالمغرب له سلبياته وهفواته، ولكن له جوانب إيجابية لا ينبغي أن نبخسها حقها.