"كان" المغرب 2025.. الجزائر تفوز على بوركينافاسو وتمرّ الى ثمن النهائي    بعد فضيحة الفيديوهات.. هيفاء وهبي تعود إلى مصر    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    المنزه السابع: إيقاف مشتبه به في جريمة قتل فتاة خنقًا    عاجل/ جريمة مروعة: شاب يقتل صديقته داخل منزل بالمنزه 7..    بني مطير: وفاة طفلة ال11 سنة في حادثة انزلاق حافلة واصطدامها بعدد من السيارات    تونس تعلن رفضها القاطع لاعتراف "الكيان الص.هيوني بإقليم "أرض الصومال"    طقس مغيم جزئيا وظهور ضباب محلي خلال الليل    اعتقالات جماعية قرب برج إيفل علاش؟    عاجل/ "حنظلة" تخترق هاتف "كاتم أسرار" نتنياهو وتعد بنشر محتواه قريبا..    السجل الوطني للمؤسسات يطالب بإيداع أصول العقود والمحاضر فوراً    "كان" المغرب 2025.. موزمبيق تحقق فوزا تاريخيا    مدرب منتخب مصر: "سنلعب للفوز على أنغولا رغم التأهل لدور الستة عشر    التوقيع على 5 وثائق بين اتفاقيات ومذكرات تفاهم خلال اللجنة المشتركة التونسية السعودية    حافلة تصدم عددا من السيارات الراسية وتودي بحياة طفلة بالقرب من شلالات بني مطير    البنك الوطني للجينات يقوم بتركيز ثلاث مدارس حقلية بولايات سوسة وصفاقس وبنزرت    وزارة النقل تدرس فرضيات توسعة محطة الحاويات بميناء رادس    مدنين: انطلاق المخيم البيئي الثالث للكشافة التونسية بجزيرة جربة    مصر.. تحرك أمني عاجل بعد فيديو الهروب الجماعي المروع    البعد السياسي في رواية "مدينة النساء" للأمين السعيدي    تحذير عربي من إعادة رسم خريطة خليج عدن    بعد فضيحة فنية على الهواء.. السجن لإعلامية مصرية مشهورة    الWeek-end : فرصة لإنقاذ قلبك من الجلطات    ''مقرونة باللحمة'' تُدخل 17 عاملاً مصرياً المستشفى    سوسة: ايقاف صاحب مطعم بعد حجز كميات من الأسماك الفاسدة    » أصداء» تفتح ملفات التنمية والحوكمة في عدد استثنائي يواكب رهانات المرحلة    النيابة تأذن بإيقاف صاحب مطعم بسوسة يخزّن أسماكا غير صالحة للاستهلاك    نابل: "العلوم الإنسانية والاجتماعية بين تحديات التحول الرقمي وفرص تحقيق التنمية المستدامة "محور أعمال منتدى تونس الثاني للعلوم الإنسانية والاجتماعية    توزر: إشكاليات تراث جهة الجريد وسبل تثمينه في ندوة فكرية بعنوان "تراث الجريد بين ضرورة المحافظة ورهانات التثمين المستدام"    فيلم "فلسطين 36" في القاعات التونسية بداية من الأربعاء 7 جانفي 2026    الركراكي: وعد التتويج ما زال قائمًا وتصدّر المجموعة يمنح الأفضلية للمنتخب المغربي    سيناريوهات تأهل منتخب تونس إلى ثمن نهائي كان 2025    علاج للسرطان.. من أمعاء الضفادع...شنيا الحكاية؟    وفاة الممثلة الفرنسية بريجيت باردو عن عمر يناهز 91 عاما    المهدية :انطلاق عملية التصويت على سحب الوكالة من أحد أعضاء المجلس المحلي بشربان عن عمادة الشرف    احذر.. إشعاع غير مرئي في غرفة النوم!    اختتام البطولة الوطنية للرياضات الإلكترونية لمؤسسات التكوين المهني    تونس تودّع سنة 2025 بمؤشّرات تعافٍ ملموسة وتستشرف 2026 برهان النمو الهيكلي    القناة الجزائرية تفتح البث المجاني لبعض مباريات كأس أمم إفريقيا 2025.. تعرّف على التردد    هام/كميات الأمطار المسجلة خلال 24 ساعة الماضية..#خبر_عاجل    غزة: خيام غارقة في الأمطار وعائلات كاملة في العراء    ماسك: «الاستبدال العظيم» حدث في بروكسل    مرض الأبطن في تونس: كلفة الحمية الغذائية تثقل كاهل المرضى والعائلات محدودة الدخل    زيلينسكي يصل إلى الولايات المتحدة استعدادا لمحادثات مع ترامب    علي الزيتوني: بالعناصر الحالية .. المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في الكان    تونس تُشارك في الصالون الدولي للفلاحة بباريس    الرصد الجوي: درجات حرارة أعلى من المعدلات الموسمية متوقعة خلال الثلاثي الأوّل من سنة 2026..    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    الميناء التجاري برادس محل متابعة من قبل سلطة الإشراف    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ بشرى سارة لمستعملي وسائل النقل..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    استراحة الويكاند    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما والعالم العربي والإسلامي
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 11 - 2008

في الأشهر الستة الماضية تقصت مراكز استطلاع الرأي آراء مواطني مختلف أرجاء العالم حول من يفضلون في الانتخابات الرئاسية، فكان الإجماع –ربما لم يكن مفاجئا- ساحقا. فقد وجد معهد غالوب أن المشمولين في الاستطلاع في 71 من أصل 73 دولة فضلوا باراك أوباما، ووجدت بي.بي.سي دعما مماثلا في 22 دولة خضعت للاستطلاع.
ولكن في الآونة الأخيرة تراجع دعم أوباما إلى أدنى مستوياته في الدول العربية والإسلامية حيث توقع معظم المشمولين في الاستطلاعات أن لا يطرأ أي تغيير على العلاقات الأميركية العربية أو السياسات الخارجية الأميركية إزاء المنطقة.
وتشير الحكمة الدارجة في أوساط المعلقين العرب والمسلمين إلى أن سياسة أوباما الخارجية ستكون استمرارا للسنوات الثماني الماضية لإدارة بوش.
مفاهيم أوباما في العلاقات الدولية
هذا الشك لدى المعلقين/الكتاب العرب لا مبرر له، فالانتخاب التاريخي لباراك حسين أوباما الرئيس الأميركي الرابع والأربعين سيكون بادرة لإجراء تحول عميق في السياسة الخارجية الأميركية، وسيكون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي -دون غيرهما- الأكثر استشعارا بهذا التغيير، حيث سيكون نهج أوباما مختلفا كليا عن نهج سلفه جورج بوش في الأسلوب والمضمون.
أوباما ليس قياديا لا يؤمن باستخدام القوة العسكرية، ومما لا شك فيه أنه لن يستثني الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة واستخدام القوة إذا اضطر إلى ذلك. ولكنه يؤمن أخلاقيا وفلسفيا بالحوار والدبلوماسية ويشكك بفعالية في استخدام القوة الغاشمة لتسوية الخلافات والصراعات مع الأعداء.. "أنا لست معارضا لجميع الحروب" كما قال في خطبته عام 2002 -التي اكتسبت شهرة الآن- معارضا غزو العراق.. "إنني أعارض الحروب الغبية".
ذلك الخطاب حدد الواقع الدموي والمكلف للحرب الأميركية في العراق "ستتطلب احتلالا أميركيا طويل الأجل، وتكلفة غير محدودة، وآثارا غير محدودة". هناك انقسام فكري واسع وعميق يفصل بين عقيدة بوش التي تبنت الحرب الاستباقية ضد دول يعتقد بأنها تهدد المصالح الأميركية، وبين عقيدة أوباما التي تركز على الشراكة والتعددية في العلاقات الدولية.
"عبقرية أوباما تكمن في تغذية رغبته للعودة إلى الواقعية السياسية -إن لم تكن الليبرالية المستنيرة- في الشؤون الخارجية, فبعد سبع سنوات من بدء الحرب الأميركية على الإرهاب، بات المزاج الأميركي مهيأ للتطبيع والمشاركة الدبلوماسية والابتعاد عن التصعيد العسكري"

وعبر أوباما عن ذلك ببلاغة في حوار بين المرشحين الديمقراطيين للرئاسة جرى عام 2007. "إن عقيدة أوباما لن تكون أيدولوجية كما هي عليه عقيدة بوش لأن العالم يتسم بالتعقيد.. وهذا يعني أنه إذا كان هناك أطفال في الشرق الأوسط لا يستطيعون القراءة، فهو الخطر المحتمل الذي يحدق بنا على المدى البعيد. وإذا كانت الصين تسبب التلوث، فمن المحتمل أن يصل في نهاية المطاف إلى شواطئنا، لذا علينا أن نتعاون معهم لإيجاد حل لمشاكلهم وكذلك مشاكلنا".
ولدى سؤاله قبل أكثر من عام في حوار مع مرشح ديمقراطي للرئاسة عما إذا كان مستعدا للقاء غير مشروط مع قادة إيران وفنزويلا وسوريا وكوبا وكوريا الشمالية، أجاب "نعم، والسبب هو أن المبدأ بأن الإحجام بطريقة ما عن الحديث مع الدول المعادية هو عقاب لهم –وهو المبدأ الدبلوماسي المعتمد لدى هذه الإدارة- مثير للسخرية، فقد دأب الرئيس الأسبق رونالد ريغان على الحديث مع الاتحاد السوفياتي في وقت كان يصفهم فيه بإمبراطورية الشر.
وصرخ العديد من السياسيين والمحللين: تُقابل وجها لوجه مع المكروه محمود أحمدي نجاد؟ هل فقد أوباما عقله، تساءلوا؟ وما أن تلفظ السيناتور الشاب من ولاية إلينوي بما لا يمكن تصوره حتى توقع العديد من المعلقين أن يقوض جوابه فورا مسعاه الرئاسي. لقد قيل لنا إن السيناتور الليبرالي حديث العهد بالسياسة لم يفهم المزاج الوطني، وقد قلل من تقديره لتصميم أميركا على مواجهة أعدائها، فدولة جورج بوش لم تكن مستعدة للاسترضاء.
وبأعصاب فولاذية كرر أوباما التزامه بالحوار مع أعداء أميركا، وكما اتضح فإنه لا المحللون ولا معارضو أوباما أدركوا مدى تعطش البلاد لإجراء تغيير جوهري على السياسات الداخلية والدولية بعد سبع سنوات من الحروب المكلفة إنسانيا وماديا.
تكمن عبقرية أوباما في تغذية رغبته للعودة إلى الواقعية السياسية -إن لم تكن الليبرالية المستنيرة- في الشؤون الخارجية، فبعد سبع سنوات من بدء الحرب الأميركية على الإرهاب، بات المزاج الأميركي مهيأ للتطبيع والمشاركة الدبلوماسية والابتعاد عن التصعيد العسكري.
والأميركيون يدركون الآن أن سياسة بلادهم الخارجية قد استحوذ عليها زمرة صغيرة من الصقور أو المحافظين. مرة أخرى ذكًر أوباما الأميركيين بإرث بوش: تشويه صورة أميركا في العالم وخلق جيش من الأعداء يفوق عدد الأصدقاء.
أولويات أوباما في الشرق الأوسط
نستطيع أن نلاحظ أولوياته من خلال تقييم أربع قضايا رئيسية تواجه إدارته الجديدة: العراق وأفغانستان وإيران والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
العراق
ففي العراق، يختلف أوباما عن بوش وماكين بإصراره على أن المهمة الجديدة للجيش تنطوي على إنهاء الحرب بشكل منظم وأسلوب مسؤول. ورغم أن خطة أوباما تقضي بالإبقاء على قوات في العراق، فقد ردد مرارا وتكرارا بأنه لن يكون هناك قواعد عسكرية دائمة.
"قمة أولويات أوباما ونائبه بايدن تنطوي على إرساء الاستقرار الاقتصادي وتعزيزه ووضع حد للمغامرة المكلفة في العراق, وخاطب أوباما هموم الناخبين الاقتصادية عبر ربطه بين تحقيق الاستقرار المالي والإنفاق على الحرب في العراق"

والسؤال ليس عما إذا كان سينسحب من العراق، ولكن عن مدى سرعته في الإيفاء بتعهده والمدة الزمنية لتحقيق هذا الانسحاب. من الواضح أن أوباما سيواجه مقاومة عنيفة لخطة الانسحاب من العراق من بعض قيادات الجيش -وربما حتى من قبل بعض مستشاريه الصقور- من أجل التسويف في الانسحاب بحجة التحذيرات المرعبة من اندلاع العنف بعد الخروج الأميركي. فبمجرد دخوله البيت الأبيض، ستبدأ الضغوط والعراقيل المؤسساتية بتعقيد رغبته في إنهاء الحرب بالعراق.
ولكن لا أوباما ولا أميركا يتحملان المضي في مسار بوش بالعراق، فبالنسبة لأوباما سيكون انتحارا سياسيا إذ إن تقدمه في الحملة على منافسيه كان مدفوعا بمعارضته للحرب، وقد أنزل الناخبون في الانتخابات التمهيدية العقاب بمنافسته هيلاري كلينتون بسبب صوتها المؤيد للغزو.
أميركا التي تواجه أكبر أزمة مالية منذ الكساد الكبير في عشرينيات القرن الماضي، تنفق عشرة مليارات دولار شهريا في العراق. وقد أكد كل من أوباما ونائبه جوزيف بايدن أن قمة أولوياتهما تنطوي على إرساء الاستقرار الاقتصادي وتعزيزه ووضع حد للمغامرة المكلفة في العراق. وقد خاطب أوباما هموم الناخبين الاقتصادية عبر ربطه بين تحقيق الاستقرار المالي والإنفاق على الحرب في العراق.
أفغانستان وباكستان
أوباما بالفعل أرسى القواعد المنطقية للانسحاب من بلاد ما بين النهرين, لكن أفغانستان والمناطق القبلية المحاذية للحدود الباكستانية التي لا تخضع للقوانين، هي الجبهة المركزية للحرب الأميركية على الإرهاب لا العراق. إلا أنه في بعض الأحيان ساوى بين حركة طالبان وتنظيم القاعدة معا عندما دعا إلى تحويل الموارد الأميركية لإلحاق الهزيمة بكلتيهما.
هناك خطر حقيقي يكمن في أن رئاسة أوباما إذا ما افتقدت المستشارين العقلاء، قد تجد نفسها متورطة في صراع طويل الأجل وباهظ الثمن في المسرح الأفغاني الباكستاني.
وصرح أوباما أنه سيرسل ما لا يقل عن فرقتين قتاليتين إلى أفغانستان، وسيطالب بمشاركة أكبر -بقيود قليلة- من الحلفاء في الناتو. وقد هدد بالتصديق على شن عمليات لمكافحة الإرهاب داخل باكستان إذا ما عجزت السلطات الباكستانية عن تأمين حدودها مع أفغانستان، وفرض إجراءات صارمة على المعسكرات الإرهابية.
ولكن نأمل أن تكون الغاية من تصريحات أوباما خلال حملته الانتخابية إظهار حزمه وإصراره وليس التزامات يتعذر التراجع عنها، فليس هناك حل عسكري في أفغانستان أو باكستان كما باتت تدركه القيادات العسكرية في البنتاغون.
"هناك خطر حقيقي يكمن في أن رئاسة أوباما إذا ما افتقدت إلى المستشارين العقلاء، قد تجد نفسها متورطة في صراع طويل الأجل وباهظ الثمن في المسرح الأفغاني الباكستاني"

فقد اكتسب تنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة تأييدا محدودا على طول الحدود الباكستانية مع أفغانستان بحكم تعاونه الوثيق مع حركة طالبان التي انتهجت أسلوب القاعدة في تنفيذ الهجمات الانتحارية المدمرة. ولكن الصراع في أفغانستان وباكستان أكثر تعقيدا وتركيبا حيث يهاجم تحالف خطير من قبائل البشتون على طرفي الحدود كل من يرونه تهديدا أجنبيا لهويتهم وحياتهم.
وبصرف النظر عن نجاحها التكتيكي فإن الضربات الجوية الأميركية التي غالبا ما توقع قتلى في صفوف المدنيين، قد تلهب القومية الأفغانية والمشاعر المناوئة لأميركا في مناطق البشتون وتعزز التحالف البراغماتي بين طالبان والمقاتلين الأجانب، وهي قد تعمل على زعزعة الاستقرار في باكستان النووية.
إن تنظيف الأراضي القبلية البشتونية من تنظيم القاعدة والمقاتلين الأجانب يتطلب تسوية سياسية واسعة النطاق في المنطقة، واتفاقية يتم التفاوض عليها مع قبائل البشتون -التي يُرجح أن تعود بطالبان إلى الحكومة- من المرجح أن تفضي إلى طرد القاعدة والمقاتلين الأجانب الآخرين من المنطقة.
وفي الأيام الأخيرة يبدو أن أوباما بدأ يفهم الواقع المعقد والمركب للمسرح الأفغاني الباكستاني حيث صرح بأن الإستراتيجية الأميركية الجديدة ستعتمد على حل إقليمي يأخذ بعين الاعتبار مشاركة سياسية لدول الجوار المحورية مثل إيران وباكستان والهند وأفغانستان، وإلى غير ذلك من استثماره في قضايا الاقتصاد السياسي والأمن السياسي والتعليم والتوظيف والحكم في أفغانستان. وقد تعهد أوباما بتقديم يد العون للحكومة المنتخبة ديمقراطيا في إسلام آباد و"تقديم حلول واقعية لمشاكل الفقر والتعليم القائمة في كابل".
من المخاطر التي قد تواجه كابل وواشنطن أن حركة طالبان –بفضل الإنجازات الأخيرة- قد ترفض عروض تقاسم السلطة وتستمر في القتال فتجر إدارة أوباما الجديدة إلى متاهة السياسات القبلية في أفغانستان والصراع الدموي لسنوات طويلة مكلفة.
وخلافا لإدارة بوش التي اعتمدت على القوة كعامل رئيسي في السياسات الأميركية وحصدت عداء الرأي العربي والإسلامي في مختلف أرجاء العالم، صرح أوباما بأنه سيلجأ إلى الوسائل السياسية وليس فقط الحل العسكري لمعالجة مشكلة بن لادن وتنظيمه وسد الفجوة مع العالم العربي والإسلامي.
كما صرح غير مرة أثناء حملته الانتخابية أن أولى مبادراته ستكون زيارة يقوم بها إلى بلد مسلم مؤثر، ويشدد على أن الولايات المتحدة لا تشن حربا ضد الإسلام.
"خلافا لوجهة نظر بوش التي تقسم العالم إلى فسطاطين، فإن نهج أوباما يرمي إلى بناء تحالفات متعددة وحقيقية والعمل بشكل وثيق مع المسلمين لوقف انتشار العنف والإرهاب, وسيؤكد على الحوار الحضاري والتعايش والتسامح "

وخلافا لوجهة نظر بوش التي تقسم العالم إلى فسطاطين، فإن نهج أوباما يرمي إلى بناء تحالفات متعددة وحقيقية والعمل بشكل وثيق مع المسلمين لوقف انتشار العنف السياسي والإرهاب، وسيؤكد على الحوار الحضاري والتعايش والتسامح الديني والشمولية.
من الخطأ بمكان التقليل من قيمة القوة الرمزية والمعنوية لمناشدة أوباما شخصيا العالم العربي والإسلامي، فالرئيس أوباما –وهو أميركي من أصل أفريقي وسلالة مسلمة- سيتمكن من تحطيم الصور النمطية المنتشرة على نطاق واسع للولايات المتحدة، وزيارته إلى مصر وإيران وإندونيسيا ستبعث برسالة قوية تسمع أصداؤها في العالم العربي وفي أوساط الذين يشعرون بأن أميركا لا تزال تنظر إليهم على أنهم أعداء.
عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية
يدرك أوباما أنه بحاجة إلى ما هو أكثر من الخطابات الرنانة الاستنهاضية لإصلاح جسور الثقة المدمرة مع المسلمين. وقد تعهد أوباما -مسددا لكمة لسلفه- بالتحرك السريع بعد توليه منصبه للتوصل إلى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس دولتين قابلتين للعيش جنبا إلى جنب بسلام، وأوضح أنه سيشارك بشكل مباشر ويستثمر رأس المال السياسي لإدارته في المساعدة على تحقيق اختراق على مسرح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لقد كتب الكثير عن خطاب أوباما الذي ألقاه أمام منظمة إيباك في يونيو/حزيران الماضي والذي سعى فيه لإظهار التزامه الثابت بأمن إسرائيل "مهمتنا تقضي بما هو أكثر من تحديد خريطة طريق أخرى، إنها تهدف إلى بناء طريق لسلام حقيقي وأمن دائم في المنطقة، وهذا الجهد يبدأ بالتزام واضح وصارم نحو أمن إسرائيل: أقوى حلفائنا في المنطقة ذات الديمقراطية الوحيدة".
لا أحد ينكر أن أوباما يقبل بالرؤية الأميركية المهيمنة التي تعتبر إسرائيل حليفا إستراتيجيا مدللا، وقد بذل جهدا شاقا لتبديد الشكوك والتلميحات المغرضة التي نشرها المتشددون الصهاينة واليمين الديني بأنه متعاطف مع الفلسطينيين وأنه ليس صديقا لإسرائيل.
إن موقف إدارة أوباما من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيشبه موقف إدارة كلينتون مع تحسن إضافي. وفي واقع الأمر، فإن بعض نفس اللاعبين ممن يسمون الليبراليين الصهيونيين -وعلى رأسهم دينس روس- ربما يكونون مسؤولين عن هذا الملف الحساس.
"اللوبي اليميني سيكون بالمرصاد للرئيس الأميركي الجديد إذا حاول الضغط لتقديم تنازلات من أجل بناء دولة فلسطينية مستقلة, لذا فمن غير المرجح أن يقدم أوباما على أي خطوة جوهرية على عملية السلام حتى يبت الإسرائيليون والفلسطينيون في قياداتهم السنة القادمة"

ولكن يأمل المراقب أن يكونوا قد تعلموا درسا أو درسين من عجز الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عن تحقيق اختراق سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أثناء محادثات طابا في صحراء سيناء المصرية، وبدعم واضح من مستشاري كلينتون، اتفق المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون على خطوط محددة للتسوية السلمية. وقد تسعى إدارة أوباما إلى إطلاق مبادرة تفاوضية أخرى لجمع الفلسطينيين والإسرائيليين معا.
ويبدو أن أوباما على استعداد لاستثمار رأسماله السياسي لتحقيق تقدم في العملية السلمية، ولكن الاحتمالات ما زالت بعيدة المنال، خاصة أن اللوبي اليميني سيكون بالمرصاد للرئيس الأميركي الجديد إذا حاول الضغط لتقديم تنازلات من أجل بناء دولة فلسطينية مستقلة. لذا فمن غير المرجح أن يقدم أوباما على أي خطوة جوهرية على عملية السلام حتى يبت الإسرائيليون والفلسطينيون في قياداتهم السنة القادمة.
إيران
هناك أيضا إمكانية حقيقية لإحراز اختراق في العلاقات الإيرانية الأميركية, فأوباما لم يقترح فقط إجراء اتصالات مباشرة على مستويات رفيعة، بل تطبيع العلاقات الدبلوماسية. وقد أعلن غير مرة استعداده للاعتراف بدور إيران المحوري في منطقة الخليج إذا ما "تخلى نظام طهران عن برنامجه النووي ودعمه للإرهاب".
تلك عروض مغرية لطهران بعد سنوات من الصراع المرير مع واشنطن، ولكن القيادة الإيرانية تتقن فنون التفاوض وعقد الصفقات، وتعي أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مساعدتها للانسحاب من العراق دون وقوع مجازر ومزيد من الفوضى والاضطراب.
وكما هو الحال مع أفغانستان، فإن تطبيع العلاقات مع إيران يتطلب إستراتيجية على نطاق واسع في المنطقة لتسوية النزاعات المتعددة التي ما زالت تلوح في الأفق، وهذا الأمر سيستغرق وقتا وجهدا والتزاما طويل الأجل من قبل أوباما حتى يؤتي ثماره.
السؤال النقدي هو: هل سيتمكن أوباما من التغلب على كل هذه التحديات الخطيرة التي تواجه الإستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية والإسلامية وهو يعمل في نفس الوقت على ترتيب البيت الاقتصادي الأميركي؟
هل سيكون قادرا على الخوض في حقل ألغام من الضغوط المؤسساتية والعوائق وجماعات الضغط القوية التي ستواجهه بعد أدائه قسم الرئاسة بعد نحو شهرين؟
هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه ربما –بدعم من الشعب الأميركي الذي صوت له وبأغلبية ساحقة رافضا سياسات بوش وماكين- يكون عازما على الانتقال بالبلاد إلى موقع القيادة العالمية التي سلبت منها بشكل منهجي على يد الرئيس الحالي على مدى سبع سنوات خلت.
كاتب وأكاديمي عربي

المصدر: الجزيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.