دخلت الأزمة التي تعيشها فرنسا بسبب مشروع إصلاح نظام التقاعد منعطفا حاسما بعد أن أمر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الشرطة بإنهاء حصار المستودعات، في حين تستعد النقابات غدا الخميس لإعلان "الطرق المناسبة لمواصلة التعبئة ضد الخطة الحكومية". فخلال اجتماع مجلس الوزراء أمس الثلاثاء صرخ ساركوزي قائلا إنه لن يسمح للإضرابات بأن تصيب البلاد بالشلل، متعهدا بالمضي قدما في إصلاح نظام التقاعد. وأضاف "إذا لم تنته هذه الفوضى بسرعة فإن محاولة إصابة البلاد بالشلل ربما تكون لها عواقب على الوظائف من خلال الإضرار بالأحوال الطبيعية للاقتصاد". ضمن هذا السياق، قال مراسل الجزيرة في باريس زياد طروش إن هذا الرد يلخص لعبة القط والفأر بين الحكومة الفرنسية المتشبثة بمشروع القانون، والنقابات التي أعلنت رفضها له وطالبت بسحبه من البرلمان. ففي الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخلية الفرنسي بريس أورتوفو أن الشرطة فكت الحصار عن ثلاثة مستودعات للوقود الليلة الماضية، قام المحتجون بإغلاق منافذ طرقية أخرى.
عامل الوقت وأمام هذه التطورات، رأى مراسل الجزيرة أن الحكومة الفرنسية تراهن على عامل الوقت وعلى نفاد صبر الفرنسيين كسبيل لحل الأزمة. وأشار إلى أن الحكومة تنتظر بدء العطلة المدرسية عما قريب وهو ما سيساهم في تراجع حدة المواجهات خاصة بعد دخول تلاميذ المدارس على الخط ومشاركتهم في الاحتجاجات. كما أن دخول حركة الإضراب يومها التاسع وتوسعها لتشمل عدة قطاعات، بدأ يؤثر على الرأي العام الفرنسي خاصة في ظل صعوبة التنقل والحصول على وقود السيارات. ويضيف زياد طروش أن المراهنين على المشروع ينتظرون أيضا أن تتسع هوة الخلاف فيما يخص مواقف النقابات من مسألة مشروع القانون وإن كانت الخلافات لحد الآن لم تظهر إلى السطح بشكل بارز. وتسعى فرنسا لإصلاح شامل لنظام الرواتب يتضمن رفع سن التقاعد بهدف خفض النفقات لتقليص عجز الموازنة الذي يتوقع أن يصل إلى 8% من إجمالي الناتج المحلي مع نهاية العام الجاري، بعد أن سجل عجزا نسبته 7.5% العام الماضي. في المقابل لا يبدو أن مختلف النقابات المهنية ستتراجع عن موقفها بعد دخول الحركة الاحتجاجية اليوم التاسع في وقت كثفت فيه التنسيق حول كيفية التعامل مع المرحلة القادمة. ومن المتوقع أن تكشف النقابات العمالية غدا الخميس عن إجراءات التعامل مع الوضع الجديد في انتظار الموقف الذي سيتخذه خلال الساعات القليلة القادمة مجلس الشيوخ بشأن مشروع القانون.
الطرق المناسبة وفي تصريح للجزيرة نت، قال الأمين العام للاتحاد الفرنسي الديمقراطي للعمال فرانسوا شيريك إن النقابات ستعلن "الطرق المناسبة لمواصلة التعبئة ضد الخطة الحكومية" منتقدا إصرار الحكومة على المواجهة. من جهته قال رئيس نقابة "القوة العمالية" الفرنسية جون كلود مالي "لا يمكن أن تقول إن القانون صار واقعا، وليذهب كل واحد إلى منزله، يجب علينا أن نمضي قدما". وفي مدينة مارسيليا ثانية المدن الفرنسية الكبرى، صرح ممثل الكونفدرالية العامة للشغل لوكالة رويترز "نحن مستعدون للإضراب كل يوم، وسنستعمل كل الوسائل". وتعتمد الهيئات النقابية على دعم الشارع لها، خاصة بعد أن أعلنت أن 3.5 ملايين شخص (1.1 مليون متظاهر حسب وزارة الداخلية) قد خرجوا في اليوم التاسع من الحركة الاحتجاجية وهو ما تراه النقابات دعما شعبيا لنضالها ضد المشروع.
الورقة الاقتصادية وقد أصيبت مصافي فرنسا ال12 بالشلل وضرب طوق على العديد من المستودعات لفترة وجيزة أحيانا، في إطار تحركات أصبحت هي أهم وسيلة ضغط على الحكومة في النزاع حول مشروع إصلاح نظام التقاعد. وأمام هذا الوقع اضطرت فرنسا إلى اللجوء إلى احتياطيها الإستراتيجي من النفط في حين تشكلت طوابير في محطات الوقود خشية انقطاع المحروقات. وبلغ عدد المستودعات التي كانت معطلة الثلاثاء 20 مستودعا من أصل 219 في حين كانت أربعة آلاف محطة وقود من أصل 12500 "في انتظار الإمدادات"، بحسب وزارة البيئة والطاقة الفرنسية. وبالإضافة إلى تحرك الشارع، تستفيد النقابات من الدعم السياسي الذي توفره الأحزاب الرافضة للمشروع وعلى رأسها الحزب الاشتراكي. وقد اتهمت زعيمة الحزب مارتين أوبري الرئيس ساركوزي بإثارة مواجهة لا داعي لها خاصة أن الحزب أعلن أنه مستعد للتفاوض حول نقاط أخرى وليس الرفع من سن التقاعد.