أنشد الأعرابي قديما: كأنّني ،حين آتيها لتُخْبَرنِي وما تُبَيّن لي شيْئًا لتَكْليمِي صحيفةٌ كُتِبتْ سِرًّاإلى رجلٍ لم يدْر ما خُطّ فيه بالْأقَالِيمِ والأقاليم هنا ليس إلا جمعا للقلم ويجمع على أقلام وقِلام وله من المعاني الكثير ولا يقتصر على الأداة التي يكتب بها وإن شئت أخي القارئ إن كنت من الشغوفين بالقراءة وحبّ المطالعة الأوبة إلى ورودها في القرآن والسنة وما قرضه الشعراء ودوّنه الكتّاب والأدباء. ولكن الذّي أردت تسليط الضوء عليه هو القلم الذي نحبّر به الكلمات ونرصّف باستعماله الألفاظ فتتناثر منها أخاريز من التعابير كأنها اللؤلؤ .وإنّه لولا القلم لما صنفت كتب ولما تواصل الساسة والقوّاد ولما تبادل المحبّون ما تكنّه قلوبهم وأفئدتهم. ليت القلم بقي على هيبته وكأنه ملك على رأسه تاج ،لكنه انكسر رغم أنه لم يتكسّر ،القلم ظُلم من كثير من الناس ،القلم ظلم من السياسيّ الحاكم الذي كتب خطبته المحشورة بالوعد وهو يستبطن أن لن يحقق منه شيئا ،القلم مهضوم من الإعلامي الذي يزيّن للحاكم ظلمه ويزوّق الكلمات ليشوّه معارضيه دون خشية أن يشهد عليه القلم على مدار التاريخ. قلمنا هذا ظلمه الكاتب المعارض وسخره ليدافع عن حزبه بحق أوبباطل ولا يدري أن المسكين يذرف دما لا حبرا. القلم المظلوم يبثّ شكواه إلى شقيقه القلم في الطرف الآخر وقد أمسك بكليهما متطفّلان على الكتابة وهما يتكايلان ،فكتب الأول مقالا صبّ فيه جام غضبه على "عدّو" سياسي ولم يزن ما كتب بميزان عدل ولايرعوي إلى ما كسبت يده من لحَن في اللّغة وركاكة في اللفظ فالمهم عنده القذف والشتم ،بينما رسم المألوق الثاني صورا قبيحة مما أفَك به الناس غير آبه لسلم القيّم السائد وحسبانه أنه يدافع عن القيم. مسكين أنت ياقلم تكالب عليك الخرّاصون كحزق الجراد يخطّون على حساب صورتك الجميلة خطابات طالما برّأت مجرما وأثرت فقيرا معدما صار بقدرة قادر من أباطرة المال،و طالما أدانت بريئا سيق إلى المقصلة "بجرّة قلم" نسبت إليك هذه المقالة ظلما وزورا. ألا يا أيّها الكتّاب لا تشوّهوا القلم الذي أقسم به رب العزّة في قرآنه "ن،والقلم وما يسطرون" لا تكتبوا إلاّ ما ما يحفظ ماء الوجه فتحفظوا للقلم قيمته فقد أقسم الله بما يسطره الملائكة الكتبة عن يمين وعن شِمال "ما يسطرون". ألا يا أيّها المعلقون لا تنتصروا لذواتكم ولا تكتبوا إلاّ ما يفيد.ألا إن القلم أداة طيّعة فلا تؤذوا به أنفسكم ولا غيركم، ففكروا قبل أن تمسكوا به واحسبوا لشهادته ألف حساب . وقديما قال الشاعر: و ما منْ كاتبٍ إلّا سيَفنى ...... و يُبقِي الدّهر ما كتبت يداهُ فلا تكتبْ بخطّك غيرَ شيءٍ ...... يَسرّكَ في القِيامة أنْ تَراهُ عفوا أيها القلم إن حبّرت على حسابك ما يسيء إليك أو إلى الناس فهم عيال الله. عبدالله النوري