في هذا اليوم يتوافد حجاج بيت الله الحرام إلى جبل عرفات لتأدية الركن الأكبر من الحجّ، ف"الحجّ عرفة" كما ورد في الحديث . يتجمع أكثر من مليوني حاج في هذا الجبل المشتقّ إسمه من الجذع "عرف" وقد "سُمِّي عرفة بهذا الإسم؛ لأن الناس يتعارفون فيه، وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأن جبريل طاف بإبراهيم- عليه السلام- كان يريه المشاهد فيقول له: أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟ فيقول إبراهيم: عَرَفْتُ،عَرَفْتُ. وقيل: لأن آدم-عليه السلام- لما هبط من الجنّة وكان من فراقه حواء ما كان فلقيها في ذلك الموضع؛ فعرفها وعرفته". (هكذا أورده الراغب) وسُمّي كذلك بعرفات لقوله تعالى "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام" . وقال العمري: "عرفات علم للموقف سُمِّي بجمع، وقال بعد أن أورد بعض الأقوال الواردة في سبب تسميتها بعرفة وعرفات: وهي من الأسماء المرتجلة؛ لأن عرفة لا تعرف في أسماءالأجناس." (عن موقع الورّاق) يوم عرفة هو يوم المعرفة للوقوف الفعلي على معاني هذا الركن ليسمح لي القارئ العزيز أن أتجاوزه إلى ما هو أعمق وأجل حيث أن التسمية ليست اعتباطية فعرف يعرف معرفة وعرفانا وعريفا وغيرها من الإشتقاقات وكلّها تدور في فلك "المعرفة" التي هي مطلق الإدراك الحاصل عن طريق مصادر المعرفة الأربعة المتمثلة في الوحي والإلهام والعقل والحس. معرفة بالله يوم عرفة هو معرفة الإنسان بالله في جماله وجلاله وكماله فيوحّده ومقتضى توحيده بما هو مقصد للحياة وبما هو منهج للحياة يجعل الإنسان أكثر قربا من ربّه جلّ في علاه . هو معرفة الله الخالق لهذا الكون البديع ويتجلّى أكثر في عرفات الله حيث الصفاء والنقاء والإفاضة في النظر في خلقه سبحانه. بهذا يمكن للإنسان أن يعيش مع الله وفق أوامره ونواهيه. معرفة بالقرآن هذا اليوم هو معرفة بالقرآن الكريم وما يتوجب على المسلم أن ينظر فيه ويقرأه قراءة واعية صنوانها التدبر والتعرف على آياته المسطورة فيتدارسها ،يوم عرفة يتجاوز الوقوف عنده إلى ضرورة فهم ما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلّم . المعرفة بالنبيّ المرسل الوقوف بعرفة يمكّن المسلم من التعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يشارك الجموع الكثيرة الكاثرة من الناس والذين يمثلون ثمرة لجهود قام بها صلى الله عليه وسلّم يصنع أمة عليها أن تتوحّد على اتباعه . هو معرفة لسيرة هذا الرسول وقد وقف بجبل عرفات وهو يلقي آخر بياناته التي حددت قيمة الإنسان وكرامته عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلّم. هو معرفة لمقامات النبوّة وأهمية تبويبها وعدم الخلط بينها فيكون الفقه لها لا يشوبه غشّ ولا يعتوره تنطّع أوتطرّف . المعرفة بالنفس البشرية يوم عرفة هو يوم يتعرّف فيه المسلم على ما بدر منه من أخطاء في حق الله وفي حق الناس ،هو يوم يقف فيه الإنسان مع النفس فيسألها عمّا اقترفت ،هو يوم التعرف على الناس من شتى الأعراق والملل والنحل مما يدفعه إلى إعادة النظر في علاقته بأقرب الأقربين إليه من زوج وذراري وأحفاد وأعمام فيسعى إلى حثّهم على حسن التواصل. هو يوم يدعوه للتوجّه للغنيّ الذي يقف بجانبه الفقير المعدم فيدفعه إلى التفكير في قيمة التكافل الإجتماعي . يوم عرفة يوم يتناول فيه الإنسان حقيقة العدل المفقود في أغلب رقاع العالم فيعقد العزم على ضرورة المساهمة في الدفاع عن المظلومين. وأخيرا فإن يوم عرفة هو يوم الوحدة التي تتجلى في أرقى صورها ومعانيها انطلاقا من التوحيد الخالص لله تعالى الذي من أجل طاعته تجمع الناس هناك. الوحدة المفتقدة في وطننا العربي والإسلامي الذي أصبح من سماته الثالوث المقيت :التجزئة والدكتاتورية والإستبداد. فهل يصبح الوقوف بعرفة لدى من يكرمه الله به مدرسة تتجاوز أداء الشعائر والمناسك لمّا تكون مفرغة من مثل هذه المعاني السامية ليكون الحج حلقة لا تنفصل عن المحطات التعبويّة التي يعيشها الإنسان المسلم وهو يكدح نحو الله. والله أعلم. عبدالله النوري