نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    حالة الطقس ليوم الخميس 18 أفريل 2024    الكاف: القبض على ثلاثة مروجي مخدرات    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    يهمّ المؤسسات الصغرى التي تواجه صعوبات: برنامج إنقاذ قيمته 26.5 مليون دينار لجدولة الديون والقروض    أخبار المال والأعمال    هيئة الدفاع عن عبير موسي: هيئة الانتخابات رفضت قبول مراسلة من الدستوري الحر    عاجل/ 6 أشهر مع النفاذ في حق محمد بوغلاب..    سيدي بوزيد: حجز مواد مدعمة من اجل الاتجار بطرق غير قانونية    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    الرابطة تقرّر عقوبة الويكلو على النادي الرياضي الصفاقسي    توزر: تسجيل حالات إسهال معوي فيروسي    عاجل/ هذا موعد تصويت مجلس الأمن على عضوية فلسطين بالامم المتحدة    سليانة: إخماد حريق نشب في جبل برقو    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    توقّيا من مخاطر الأنترنات على الأطفال: وزارة الطفولة تصدر قصّة رقميّة    حملات أمنية بصفاقس: الأسباب    تزامنا مع زيارة ميلوني إلى تونس: منظمات تونسية تنفذ وقفة إحتجاجية أمام السفارة الإيطالية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    عاجل/ سفن حربية ومقاتلات.. هكذا تستعد إيران للهجوم الصهيوني المرتقب    سعيد يدعو إلى اعتماد مقاربة جماعية لمسألة الهجرة ومحاربة شبكات المتاجرة بالبشر    سيدي بوزيد: حجز كمية من المواد الاستهلاكية بغاية الاحتكار والمضاربة..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    وزيرة التربية: "البنية التحتية من أبرز أسس تطور قطاع التعليم"    الكاف : تلقيح عدد هام من قطعان الماشية والكلاب    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    الغرفة الوطنية للمخابز: "أصحاب المخابز لم يعودوا قادرين على تحمّل المصاريف اليومية وتسيير عملها".    علي المرابط في لقاء مع مدير عام الوكالة الوطنية المصرية للدواء    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    "المكتبات في عصر الذكاء الاصطناعي : أدوار متجددة وخدمات مبتكرة" عنوان الدورة الخامسة لملتقى بن عروس المغاربي للكتاب والمطالعة    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    إجماع على ضرورة تسريع تنفيذ مبادرة تناغم التشريعات في قطاع الأدوية بدول شمال إفريقيا    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مرتبطة بجائحة كورونا.. فضائح مدوية تهز الولايات المتحدة وبريطانيا    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    شيخ جزائري يثير الجدل: "هذه الولاية بأكملها مصابة بالمس والسحر"!!    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من دروس الحج: التجرد والمداومة على الطاعات : أ.د. عبد الرحمن البر
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 11 - 2010

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل بيتَه الحرام مثابة للناس وأمناً، ودعاهم لأن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ونادى خليله إبراهيم عليه السلام، فقال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} }الحج:27{
فقام إبراهيم عليه السلام فقال: أيها الناس، إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فجاوبتْه النطفُ في الأصلاب والأرحام، لبيك اللهم لبيك ، فمَنْ كتب اللهُ له السعادة لبَّى مع الملبِّين، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله سيد النبيين، وإمام الأولياء والمتقين، القائل صلي الله عليه وسلم : «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»( )، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .
أيها الأخوة الأحباب الأكرمون، إن الحج مدرسة عظيمة، وفريضة كريمة، هو الفريضة الوحيدة التي سمى الله بها سورة في القرآن الكريم، فليس في القرآن سورة اسمها الصلاة ، أو الزكاة أو الصيام، لكن فيه سورةً عظيمةً تُسَمَّى سورة الحج، لأن الحج مدرسة عظيمة، وفيه مجال كبير لتربية النفوس والأرواح، ميلاد جديد، هكذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول صلي الله عليه وسلم : «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»( ) الحج ميلاد جديد يولد فيه الإنسان من جديد، ولذلك قال صلي الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»( ) كل ما سبق من الذنوب يأتي الحج فيهدمها، ويبدأ الإنسان رحلة جديدة مع الله، كلها صفاء، كلها نور، كلها قرب من العزيز الغفور جل وعلا.
الحج، هو فريضة كريمة علق الله بها قلوب الصالحين، فتجد الأفئدة من مشارق الأرض ومغاربها، تهوي إلى البيت العتيق، العربي وغير العربي، الذي يفهم الكلام، ويقرأ القرآن ويعي معانيه، والذي لا يقرأ ولا يعي المعاني، الكل تعلق قلبه بهذا البيت الكريم منذ أن أقام دعائمه الخليل إبراهيم عليه السلام ودعا الناس بأمر ربه إليه، من يومها وقلوب المؤمنين في كل الأجيال وفي كل البلاد تتعلق بالبيت العتيق، ولا تجد مسلما وقلبه لا يهتز عند ذكر البيت، ويهفو للقاء رب البيت تبارك وتعالى، هذه فطرة، ملأ الله قلوب العباد شوقا لهذا البيت، ورغبة في أداء هذه الفريضة.
ولذلك وحتى لا يحزن الناس، ولا يصيب كثيرا من الناس الهم، بين الله أن غير القادر لا حرج عليه، لأن القلب بطبعه مشتاق، فيتألم حين لا يستطيع، فلهذا جعل له ربه أن لا شيء عليه ما دام غير قادر لأنه يعلم ما في قلبه من الرغبة، وما في قلبه من الحب والشوق، فقال: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} }آل عمران: (97){
ولهذا كان الحج مدرسة عظيمة، فيها من الدروس والعبر والآيات، ما نحن في أمس الحاجة إليه، وإلى تعلُّمه، ربما نكون مشتاقين لزيارة البيت العتيق، والطواف حول الكعبة المشرفة، ربما تكون قلوبنا معلقة، بزيارة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والمشي في الأرض المباركة التي وطأتها أقدامه الشريفة، لكن يمكننا إذا لم يتيسر لنا الحج يمكننا أن نعيش مع رحلة الحج بأرواحنا وقلوبا وأن ندخل مدرسة الحج، فنتعلم منها، الدروس النافعة، حتى يحقق لنا الله تبارك وتعالى لنا الخير، تعالوا بنا أيها الأحبة إلى هذه المدرسة الكريمة الإلهية الربانية النورانية، لنتلقى منها بعض الدروس والعبر.
أول درس في الحج: هو أن نعرف معنى الإسلام على الحقيقة، كيف نكون مسلمين؟ هل الإسلام هو أن أقول أنا مسلم؟ يقول الله لسيدنا إبراهيم عليه السلام بعد أن تكلم عن بنائه للبيت، ودعائه لربه بأن يجعل ذريته أمة مسلمة، يقول { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ } }البقرة 130-131{
يا إخواني الكرم هل كان إبراهيم غير مسلم حين قال له ربه أسلم؟ هل كان إبراهيم في ذلك الوقت كافرًا ؟ فيكون معنى الكلام : اترك الكفر وادخل في الإسلام؟ لا... كان إبراهيم مسلما، إذاً لماذا يقول له ربه: أسلم؟ فيجيب هو فيقول: أسلمت لرب العالمين؟
المسألة فيها سر، والإسلام إذاً ليس كلمة تقال باللسان، قال أسلم، أي أسلم لي نفسك خالصا، بحيث لا يكون لي فيك شريك، كلما أمرتك بأمر لا تتردد، وكلما نهيتك عن شيءٍ لا تجادلْ، وكلما لفتُّ نظرَك إلى أمر لا تتأخر، سلِّمْ لي نفسَك، هذا معنى الإسلام، وفهم سيدنا إبراهيم معنى الطلب، فهم ما يعنيه الله من «أسلم»، فقال كلمته الرائعة: أسلمت لرب العالمين، يا رب أنا كلي لك، مُرْني بما شئتَ .
ولم يتركه الله في هذه الدعوى من غير اختبار، إنما أراد أن يحقق إبراهيم معنى الإسلام على الحقيقة، قال: ما دمت أسلمت لرب العالمين فهذا الولد فلذة الكبد الذي رُزِقْتَه على كِبَر، وأنت في أمسِّ الحاجةِ والشوق إليه، اخرُجْ به وبأمه فدعهما في أرض صحراء مهلكة، لنرى إن كنتَ تستجيب لله حقًا فيما هو شاق عليك، كما تستجيب لما هو يسير أم لا؟
ولم يتردد إبراهيم عليه السلام، فأخذ هاجر وابنها حتى وصل بهما إلى وادي غير ذي زرع، حيث أمره الله أن يتركهما، لم يسأل ربه، ماذا سيأكلون؟ وماذا سيشربون؟ وكيف سيعيشون؟ وما الفائدة في أن أضعهم في الصحراء؟ ولماذا لا تتركهم معي أعلمهم الإسلام ويكونوا مسلمين؟ ولم يدخل في أي حوار مع الله، هو الله قال له خذهم من هنا وضعهم هنا، فلم يتردد، والتفت راجعا، ونادته هاجر: يا إبراهيم لمن تتركنا؟ فلما ألحت هاجر عليه، ولم يجب، وهي تعرف إبراهيم وكيف إسلامه لله، «قَالَتْ لَهُ: آللُب الَّذِى أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَتْ إِذًا لاَ يُضَيِّعُنَا»( ). وترك ابنه في هذا المكان، ورفع يده إلى السماء، وقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } }إبراهيم: (37){.
نجح في هذا الامتحان، لكن الولد يكبر وهو يزوره، وكلما كبر يوما، ازداد حبه في قلب أبيه، فلما بلغ إسماعيل السعي وصار شابا يملأ العين وامتلأ به قلب أبيه حبا، قال له ربه: يا إبراهيم أأسلمت؟ قال: أسمت رب العالمين، قال: اذبح إسماعيل، فلم يسأل لماذا؟ و ما الحكمة؟ لم يقل: إن إسماعيل عابد طائع لا يستحق الذبح، بل أتى ولده وقال: {يَا بُنَيَّ} من منطق أنه أب يمتلئ بإحساس الأبوة والشفقة والرحمة {إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}، ولم يقل له إني رأيت في المنام أنك تُذبح ، لا ، ولكنه {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} }الصافات:102{ كانت النتيجة أن رب العزة يقول: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} }الصافات:103{.
إسلام كامل ويضع السكين ويتثاقل عليها أن تذبح إسماعيل، ولكن الله ناداه {وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ المُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } }الصافات:104-107{.
ولو ذهبت مع سيرة إبراهيم عليه السلام لوجدت كيف أنه أسلم الإسلام الحقيقي، الذي يرى أن أمر الله نافذ عليه في شدته وفي رخائه، في رضاه وفي سخطه، في عسره وفي يسره.
وهكذا المسلم حين يسمع آية من كتاب الله بنطفئ نار غضبه وتخمد ثورة شهوته وغريزته ويستسلم لأمر الله، مثلما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أخرج البخاري عن ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما – قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا . فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِى، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِى عَلَيْهِ . قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}}الأعراف:199{ وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ . وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ»( )
سيدنا عمر رضي الله عنه دخل عليه الرجل وهو جلف جاف غليظ لا يعرف من يخاطب ولا كيف يتكلم، فقال ما قال أمام الناس ، فغضب عمر، ورأى أصحابه الغضب في وجهه، لكنه ما إن تليت عليه الآية الكريمة {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} حتى كان كمن صب عليه ماء بارد، وانطفأ كل الغضب الذي كان في وجه عمر .
هذا هو الإسلام، حينما يقال لك قال الله لا تفكر ولا تتردد ولا تجادل ولا تحاور، لأن هذا معنى العبودية، هذا معنى الإسلام ، أسلمت لرب العالمين، والحج يعلمنا هذا بصورة واضحة، رب العزة يقول لك: اخرج من بلدك إلى مكة وستجد بناء من أربعة جدران، تطوف حوله سبعة أشواط، وبعد ذلك تصعد وتسعى بين جبلي الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم تذهب إلى عرفات فتجد واديا عبارة عن أرض منبسطة فيها جبل صغير اسمه جبل الرحمة، تظل هناك يوم التاسع من ذي الحجة طوال النهار، إلى أن يدخل الليل، وحين يأتي الليل تنزل إلى مزدلفة وتبيت فيها، وحين يصبح النهار تذهب إلى منى وترمي الجمرات، ترمي اليوم الأول الجمرة الكبرى بسبع حصيات، وفي اليوم الثاني والثالث والرابع ترمي الجمرات الثلاث، وتبيت هذه الليالي في منى، لماذا؟ ما أكثر السفهاء الذين قالوا لماذا؟حتى بلغ السفه ببعضهم أن دعوا كل بلد لبناء كعبة محلية وعمل مناسك الحج لكل مسلم في بلده.
هذا هو نفس الفكر الذي فكر فيه أبرهة الحبشي ، لما وجد العرب يعظمون الكعبة، فقال في نفسه: لماذا يعظمون هذه الكعبة وهي مجرد بناء من الأحجار ؟ فبنى كنيسة أحسن وأضخم وأفخم من الكعبة، من وجهة نظره، وانتظر الناس تحج إليه فلم يأت أحد ليحج إليها، لأن الله لم يعلق بها القلوب، بل دخل أحد الإعراب فقضى حاجته فيها !!! واستشاط غضبا وجهلا( )، وجاء ليهدم الكعبة في قصة الفيل المعروفة.
هو يظن أن المسألة بناء يبنى وفقط، لا، القضية إسلام لرب العالمين، لماذا جعل السعي بين الصفا والمروة سبعا ولم تكن خمسا، أو أربعة أوثلاثة أو عشرين؟ هذا لا تقول فيه لماذا؟ أنت تذهب إلى الحج لتتعلم: كيف تقول {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} }البقرة:285{ ، لتتعلم كيف تكون مسلما، تنفذ أمر الله ، ولا تسأل لماذا؟ لأن هذا هو مقتضى العبودية، لأنه هكذا يريدك، يريد أن يعلمك أنك حينما تسمع آية من القرآن، لا تجادل، وحينما يقرأ عليك حديث النبي العدنان صلى الله عليه وسلم لا تجادل، إنما تقول: سمعنا وأطعنا.
ففي الحديث: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ. قَالَ : وَثَمَّ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، وَقَالَ: يَا أَبَتِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرُهُ، فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ، فَعَالَجَهُ لِيَخْلَعَهُ فَنُودِيَ مِنْ خَلْفِهِ {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَبْيَضَ أَقْرَنَ أَعْيَنَ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَقَد رَأَيْتُنَا نَبِيعُ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ الْكِبَاشِ – قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى الْجَمْرَةِ الْقُصْوَى، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ»( ).
فعل إبراهيم وإسماعيل وهاجر هذا، لأن الإسلام استسلام لله، وليس للعبد أن يطلب من سيده علة لعمل، الله رب العالمين يريد منك أمراً فلا تقل له لماذا؟ يجب أن نتعلم كيف تكون العبودية، كيف يكون السمع والطاعة، الحج يعلم المسلم هذا، ولذلك رب العزة جل وعلا يقول:{ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } }النساء:65{.
لا يتم إيمان المؤمن إلا حينما يسلم تمام التسليم لأوامر الله ورسوله {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} }النساء:66{.
لو أن الله قال لك: اقتل نفسك فقتلت نفسك لكان في ذلك الحياة، لو قال أخرج من بيتك فخرجت من بيتك لكنت في قصر مشيد، لأن الآمر هو الله، والعبد ليس له أن يجادل ربه، و إلا لا يكون عبدا.
قابلني أحد الدعاة المسلمين من بلد اسمها الإكوادور، وسألته: ما الذي جعلك تسلم، قال: أعجبني منظر السجود، لأن هذا علامة على أن هناك عبدا وهناك ربا، عبد يقول له ربه: اسجد وضع رأسك على الأرض فلا يقول لا، هذا معناه أنه عبد، ومعناه أنه مدرك أن له ربا.
فيا أيها المسلمون الموحدون العابدون الساجدون الراكعون، التسليم لله ليس في الصلاة فقط، ولا في الصيام فقط، ولا في الحج فقط، التسليم لله في كل أمر، القناعة بأن أمر الله فوق كل أمر، وأن في طاعته النجاة، وأن في مخالفته الهلاك، والشواهد على هذا لا تحصى، ولا تعد، سيدنا موسى أمره الله {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} }الدخان:23{
اخرج أنت ومن معك من المسلمين ليلا، إنكم متبعون، وصل إلى البحر حسب الأمر، والبحر أمامه والعدو وراءه {فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} }الشعراء:61{ ليس لها تفسير آخر، لكن موسى يعلم أنه يستجيب لأمر الله ولهذا {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} }الشعراء:62{ ، فجاء التوجيه الإلهي {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} }الشعراء:63{ ومضى موسى عليه السلام، ووجدها فرعون فرصة فنزل وراء موسى عليه السلام في البحر، في المكان اليابس حيث جعل الله جل وعلا طريقا في البحر يبساً ، ومضى موسى إلى آخر الشط وخشي أن يلحق به فرعون، فقال: يا رب أأضرب البحر بعصاي،؟ حتى ينغلق كما انفلق؟( ) فقال جل جلاله: {وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} }الدخان:24{ ليس لك من الأمر شيء، أنت استجبت للأمر ... فاترك لنا النتائج.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت العتيق قيل له: أذن في الناس بالحج. قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعليَّ البلاغ. قال: فقال إبراهيم عليه السلام: يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق. قال: فسمعه ما بين السماء إلى الأرض، ألا ترى أن الناس يجيئون من أقاصي الأرض يلبون»( ).
من دروس الحج كذلك أيها الأحبة: أنه ميلاد جديد. شيء عجب وأنت تقرأ القرآن في مناسك الحج، الله تبارك وتعالى يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } }البقرة:197{ الحاج الذي قطع البلاد والأقطار وركب البحار أو الطيران وسافر إلى البيت العتيق أليس مدفوعا بتقواه لله؟ نعم مدفوعا بتقواه لله، فلماذا رب العزة يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}؟
لأن التقوى لكي تكون على الحقيقة تحتاج إلى مداومة، إياك أن تظن أنك طالما حججت أووصلت إلى البيت فقد انتهيت، أنت بدأت مرحلة جديدة، تحتاج إلى عمل عظيم، ولهذا نقول: إنك قد بدأت الميلاد الجديد فتزود، واجعل مستقبل حياتك من بعد هذا اليوم التقوى، فهناك بعض الناس يفهمون الأمر خطأ، أنه سيرجع من الحج براءة فيستأنف الذنوب مرة أخرى، ويدخل في رحلة جديدة مع الشيطان، فنقول لك: لا، أنت تطهرتَ من الماضي لتبدأ عهدا جديدا، كله تقوى لله، كل يوم في حياة الحاج يجب أن يزداد فيه قربا من الله، ولذلك تجد من العجيب في القرآن، قول الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} }البقرة:198{ وماذا كان يفعل الحاج إذاً في عرفات؟ ألم يكن داعيا ذاكرا مكبرا مسبحا؟ لدرجة أن رب العزة جعل الصلاة في هذا اليوم جمعاً قصراً حتى يعطي الحاج فرصة كي يكثر من الدعاء والذكر، أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ»( )، إذا هو طول اليوم في ذكر، ومع ذلك يقول المولى جل وعلا { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} فتمام العمل أن تستديم عليه، أنت كنت ذاكرا الأمس، فلا تظن أن هذا الحال هنا وفقط وأنك قد أتممت ما عليك وهذه النهاية، لا . أنت بدأت رحلة ذكر، رحلة قرب إلى الله رب العالمين، فداوم عليها {فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ }تذكر في هذه الساعة أنك كنت ضالاً فهداك، وهذا يستحق الشكر، {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}، فالمطلوب هو المداومة على الاستغفار، فأنت قد بدأت ميلادا جديدا في رحلة إيمانية، وليس ميلاد بمعني أن تستأنف المعاصي؟ فأنت قد بدأت تتعود على حياة جديدة كلها صلة، فإياك أن تظن أن هذا في يوم عرفة فقط ، أو في مزدلفة وفقط، لا، أكمل.
بل أكثر من هذا: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } }البقرة:200{ أحد السلف يفسر هذه الآية فيقول: مثل الطفل الصغير المتعلق بأبيه فتجده دائم النداء على أبيه، فلا يستطيع أن يقول غيرها، فهو يظل يقول يا رب... يا رب، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فهو متعلق بربه، {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً}، انظر إلى الطفل الذي يتصور أن أباه هذا هو غاية الدنيا، هو قادر على تحريك الدنيا وقلبها، هكذا العبد الذي خرج من الحج، خرج وقد تعلق قلبه بالله، أشد من تعلق قلب الطفل بأبيه، وأكثر ذكرا لله، من ذكر الطفل لأبيه، وهكذا إخواني نتعلم أن العبادة ليست أنني في ساعة العبادة عابد ومجرد أن تنتهي أكون قد انتهيت، فهناك من يدخل المسجد فتراه أواها منيبا ومحترما جدا ويصلي ويصوم، فإذا خرج من المسجد وجدته على غير ما كان، وحينما تنصحه يقول لك: ساعة لقلبك وساعة لربك، وينسى أن رب العزة يقول لك حينما تنتهي من الصلاة لا تغتاب الناس ولا تشرب الدخان: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } }الجمعة: (10){ لا تظن أن العبادة أن تصلي وتخرج من المسجد، وتنسى الله ، لا، فإذا خرجت فلا تنس نفسك فتنخلع من جلدك، اجعل رب العزة الذي كان معك في المسجد أمام ناظريك خارج المسجد، وأنت تتعامل مع الناس، وأنت تبيع وتشتري، وأنت تزرع وتقلع، وأنت ذاهب إلى العمل وراجع من العمل، فاذكروا الله كثيرا.
وحين تنتهي من صيام رمضان أتبعه بست من شوال ، وهكذا العامل الصالح لكي يكون صالحاً يحتاج إلى مداومة عليه، واستمرار عليه، وبهذا يولد الحاج من جديد ، الرجل الذي يذهب إلى الحج ، يخرج من الحج وقد تربى على الذكر، والفكر، والدعاء، وكذلك ستمر بالحاج أربعة أيام من يوم العيد والثلاثة الأيام التي بعده، نقول للحاج هذه أيامك ، فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ»( ) فأنت خارج من العبادة لتظل مندفعا في طريق الله، وهكذا يكون المسلم يزيده العمل الصالح صلاحا، فأنت أيها الحاج قد فتحت ملفا من الإيمان مع رب العزة، وفتحت خطا من التقوى، فلا تغلقه.
إذاً فقد تعلمنا من الحج أن الإسلام الحقيقي هو أن تسلم أمرك لله، وترضى بما يجري عليك، فإذا ابتلاك بالمرض فتوجه إليه وحده، وسله كشف الضر، و إذا ابتلاك بالفقر، فارجع إليه وحده وسله الغنى، إذا ابتلاك بزوجة نكدية فسله وحده أن يهدي قلبها لك، إذا ابتلاك بولد عاق شيطان، فتوجه إليه وحده، إذا ابتلاك بظالم تسلط عليك فتوجه إليه وحده، إن رزقك الغنى، فتوجه بالشكر له وحده، إن رزقك الجاه فتوجه بالشكر له وحده، يعني اجعل إسلامك صحيحا، في شدتك وفي رخائك، في عسرك وفي يسرك، هكذا نتعلم من الحج الاستسلام لله.
ونتعلم من الحج كذلك: المداومة على الطاعة، لكي تحفظ الطاعة لا بد أن تأتي بطاعة مثلها، وهذا معنى أن الحج ميلاد للفرد، ميلاد جديد لكي تستأنف عملا صالحا، غير الذي كنت تعمل، لكي تترك كل ما كنت عليه، من الآثام والمعاصي، وتسير في طريق الله رب العالمين.
نسأل الله العظيم أن يصلنا به، وأن يقطعنا عمن سواه، واستغفروا عباد الله ربكم إنه هو الغفور الرحيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.