قبل أيام نظمت قناة المستقلة ندوة حوارية حول العلاقات المغربية الحزائرية بعنوان "نداء المحبة: حوار الصلح والتقارب بين المغرب والجزائر" وجمعت بين النائبين الدكتور نور الدين قربال، عضو لجنة الشورى الداخلية في البرلمان المغربي، والقيادي بحزب العدالة والتنمية وبين فيلالي غويني عضو لجنة الدفاع الوطني في البرلمان الجزائري والقيادبي بحركة الإصلاح الوطني الجزائرية، وكان الدكتور الهاشمي الحامدي مديرا للندوة. وقد امتد الحوار على عدة حلقات يومية وشمل مواضيع مختلفة كان أعقدها مشكلة الصحراء الغربية التي سممت منذ اندلاعها في منتصف السبعينات العلاقة بين المغرب والجزائر وكانت من العوائق التي تقف أمام إحراز أي تقدم في بناء الوحدة المغاربية وكذلك في تطوير العلاقات بين البلدين. والصحراء الغربية منطقة تمتد كشريط متطاول غربي القارة الإفريقية على شاطئ الأطلسي بين المملكة المغربية شمالا وجمهورية مورتانيا الإسلامية جنوبا وشرقا كما تحدها في الشمال الشرقي الجمهورية الجزائرية وتجاورها في شمالها الغربي جزر كناري التابعة لإسبانيا. وهي منطقة معظم أراضيها صخرية قاحلة، وتشكيلاتها الصخرية غنية بالفوسفات ويقارب احتياطيها ملياري طن ، كما أنها غنية بخامات الحديد. وهي تنتمي تاريخيا إلى شمال إفريقيا ثم أصبحت محمية إسبانية منذ القرن السادس عشر ثم تخلّت عنها كلّيا للمغرب وموريتانيا عام 1976 بعد أن دخلتها المغرب في مسيرة خضراء سنة 1975. وفي عام 1979 تخلت الجمهورية الموريتانية عن شراكتها مع المغرب في الصحراء الغربية. (الموسوعة العربيةج 12، 2005) ولذلك فإن المغرب تنطلق في تعاطيها مع مشكلة الصحراء الغربية على أساس حق تاريخي وجغرافي وبالتالي فهي تعتبرها جزء من أراضيها إنطلاقا من الشعار الذي ترفعه "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها". وأما الجزائر فإنها منذ إعلان هواري بومدين عام 1975 دعم جبهة البوليزاريو تحت شعار مساعدة الصحراء الغربية على الحرية وعلى تقرير المصير فإنها بقيت إلى اليوم تتبع نفس السياسة في دعم الصحراويين. هذان الموقفان المتناقضان قادا إلى أزمات بين البلدين وصلت إلى قطع العلاقات الديبلماسية وإغلاق الحدود والتلويح بالمواجهة العسكرية أحيانا. وتحت تأثير هذه الخلفية التاريخية والسياسية بدأ الحوار بين ضيفي الندوة ليكون تحديا كبيرا للنائبين الإسلاميين ليختبر منهجيتهما في التعاطي مع هذا الملف الشائك وليضع مسيّر الحوار الدكتور الهاشمي الحامدي أمام إشكال كبير في إعادة الحوار إلى مساره كلما خرج عن آدابه ولتتواصل الندوة الحوارية على مدى خمس حلقات للبحث عن حل كان أشيه بالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء. والملفت للإنتباه هو إغراق النائبين في القطرية والدفاع عنها ، خاصة لدى النائب الجزائري الذي تبنى بشكل كليّ نظرية التجزئة والإنفصال من خلال تمسكه بالدعوة إلى نزع الصحراء عن المغرب ليضاف بلد جديد إلى الواقع العربي المجزء بطبيعته وكان النائب الجزائري السيد غويني متحمّسا في الدفاع عن هذا الإنفصال بكل ما أوتي من قوة وكلّما سئل من الدكتور الحامدي أو من المتدخّلين عن سبب هذا الإصرار كرر جملة ملها الجمهور وهي الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير. ولإثبات حجته ونظريته قدّم السيد غويني خريطة فقيرة غير واضحة المعالم ركّز فيها على ما أسماه "جدار الفصل العنصري" ليثير لدى المشاهد إنطباعا بأن هذا الجدار هو أشبه ما يكون بجدار الفصل العنصري الصهيوني في إيحاء سلبي بأن المطالبة باستقلال الصحراء الغربية في عمقها وخطورتها أشبه بالمطالبة باستقلال وحرية الشعب الفلسطيني. يصعب على المتابع العربي فهم موقف الجزائر كما دافع عنه السيد غويني خاصة وهو يصدر عن نائب إسلامي، كان من المفترض أن يتخلّص ولو نسبيا من هيمنة القطري والدفاع عن الهم الوطني الموحد، فالمواطن العربي الذي يعيش ذل التجزئة وذاق مرارتها لا يستطيع أن يقبل ببساطة الحجج التي قدمها السيد غويني مهما كانت الأسباب. كما يخرج المتابع للحوار بصورة سلبية عن دور النواب الإسلاميين الجزائريين وعن حقيقة الدور الإصلاحي الذي يمكن لهم القيام به في دولة تتنازع السلطة فيها قوى متعددة أهم لاعب فيها هو الجيش. ففي حين يسعى النواب الإسلاميون المغاربة ، كما قدمهم السيد قربال، إنطلاقا من رؤية إسلامية إلى إدماج مواطني الصحراء الغربية في الحياة المغربية عبر معالجة الأزمات الإجتماعية كمدخل أساسي لربط الصحراويين بالمغرب وتجاوز حالة العزوف والخوف من الإلتحاق بالمغرب، نجد النائب الجزائريين من خلال الصورة التي قدمها السيد غويني فيلالي يبرر سياسات لا يقبلها العقل العربي ولا تستوعبها التجربة التاريخية في المغرب العربي. ومما أثار انتباهي أيضا طبيعة المشاركات الهاتفية الجزائرية والتي دعمت موقف السيد الفيلالي وهو ما جعلني أتساءل عن حقيقة الموقف الشعبي الجزائري أهو هذا الذي عرضه السيد غويني أم هو يختلف عنه؟! كما أني أتسائل عن دور الجيش الجزائري في الأزمة بين البلدين وبالتالي عن دور الساسة المدنيين في التأثير في الحياة السياسية الجزائرية. وهكذا تبقى مشكلة الصحراء الغربية معلقة وتزتنزف موارد البلدين وتزيد في تقسيم وتقزيم المغرب العربي. حسن الطرابلسي ألمانيا