أليست مفارقة أن يدرج اسم هذا الشاب الأسترالي (جوليان أسانغ 39 عاما) على قائمة المطلوبين من البوليس الدولي (أنتربول) بين يدي احتفال العالم بذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر كانون الأول من كل عام)؟ لم يقترف الرجل سوى جريمة إنشاء موقع إلكتروني عام 2006 ثم نشر أزيد من مليون وثيقة سرية منها على سبيل الذكر قصف طائرة حربية أمريكية في العراق قبل شهور لمجموعة من العراقيين المارين في إحدى شوارع بغداد وهي الصورة التي تمت إذاعتها من بعد ذلك في الفضائيات الدولية.
أي معنى يمكن أن يحتفظ به ذلك الإعلان اليتيم بعدما ملأت أمريكا والكيان الصهيوني اليهودي وحلفاؤهما الأرض جورا وإفسادا؟ ألم يثبت اليوم بما لم يعد يدعو إلى أي ريب في صدر أي مرتاب بأنّ ذلك الإعلان إنما كان استحقاقا سياسيا فرضه الطرف المتغلب في إثر الحرب العالمية الثانية (الحلفاء) على الطرف الخاسر (المحور). إعلان ظاهره الرغبة الجامحة في استبعاد حل الخلافات بالقوة وإتاحة فرصة عيش كريم للإنسان الذي دمرته الحروب العالمية ولكن باطنه تمهيد لإعلان الحرب الباردة التي استمرت من يومها 1945 حتى 1991 عندما أعلن عن تفتت الاتحاد الروسي وانتصاب أمريكا قوة قطبية واحدة. ثم توالت من بعد ذلك الاتفاقيات الدولية التي يراد منها تفتيت ما بقي من الشيوعية والمناطق التي اإحتلتها (ومنها الجمهوريات الإسلامية المستقلة من بعد ذلك) ومنها الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين المعروفة بقانون جنيف 51.
ضمن ذلك الإطار الجيوسياسي فحسب يمكن لنا أن نفهم مختلف التشريعات القانونية والاتفاقيات الحقوقية التي فرضتها القوى المنتصرة. وضمن ذلك الإطار ذاته يمكن لنا كذلك أن نعيد ترتيب وعينا على أساس أنّ الغرب (أي القوى النافذة فيه والمتغلبة ثقافة وعصا) لا يقيم حضارته إلا على أساس الغلبة والهيمنة والاستكبار والاستعباد وسلب ثروات الشعوب أما ما يدبجه من وثائق حقوقية فلا تعدو أن تكون مادة لحرب باردة. أنظر كيف تصرفت أمريكا وحلفاؤها مباشرة من بعد دحر القوة القطبية الشيوعية. هجمت بالقوة حينا وبالغزو العولمي حينا آخر وبالاحتكار المالي وفرض المقايضات المجحفة حينا ثالثا على العدو الجديد الذي رسمه الأمين العام لحلف الناتو قبل عقدين كاملين، أي الإسلام. أعلنوها صراحا بواحا دون مواربات ولا قفازات من حرير. أعلنوا أنّ عدوهم القابل هو الإسلام بعدما انتهوا من الخصم التقليدي أي: الشيوعية.
ألا ترى أنّ أشدّ الناس خرقا للاتفاقيات الحقوقية والمعاهدات الدولية على ظلمها هي أمريكا والقوى المتغلبة جاعلين من الكيان الصهيوني اليهودي (ما يسمّى "إسرائيل") رأس الأفعى التي يخوّفون بها.
هو جهاد العصر حقا وعدلا وصدقا
لا نعلم رجلا فوق الأرض وصف المقاومة الإلكترونية بأنها (جهاد العصر) سوى الإمام القرضاي عند افتتاح موقع إسلام أون لاين قبل أن تهجم عليه التصدعات. عندما يلهم المرء حكمة فلا يحسن سوى عزوها إليه كما كان معروفا وفي كل مرة يقع التطرق إليها. لو كان هذا الشاب الأسترالي (جوليان أسانغ) مسلما أو يقيم في بلد إسلامي لدك بالقوات الأمريكية دكا بمثل ما دكت الفلوجة العراقية ذات يوم أو بمثل ما دكت غزة قبل زهاء عامين بالحارقات الصهيونية. حتى وهو غير مسلم ولا يقيم في بلاد إسلامية بل من بلد حليف لأمريكا صدرت فيه برقية تفتيش دولية باِسم البوليس الدولي. لو كان مسلما لاتهمت إيران بتمويله أو أي دولة تعتبرها أمريكا دولة مارقة عن القانون الدولي أو ربما حزب الله أو حركة حماس. لو كان مسلما لاعتبر موقعه (ويكيليكس) وما نشره من وثائق موجعة جدا لكثير من العرب فضلا عن أمريكا الشيطان الأكبر أو رأس الأفعى ومحور الشر حقا واقعة أخرى لا تقل وجعا وإيلاما عن واقعة كارثة سبتمبر 2001. ولكن عين الرضى عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا كما قال الشاعر.
ألم يثبت لكل ذي عينين وبصيرة بأنّ السلاح الألكتروني اليوم هو أخطر الأسلحة الفتاكة حقا. هو سلاح صامت لا تخشى منه أن يصيب غير الجاني بطلقة طائشة أو بنيران صديقة. السلاح الألكتروني هو سلاح الكلمة في كل أبعادها من صورة ورسم ومقال وأدب وشعر وخبر وتحليل والتقاط سر بمثل ما فعل صاحب (ويكيليكس).
ألم يثبت لكل ذي عينين وبصيرة بأنّ الكلمة اليوم سلاح الضعفاء والمستضعفين في الأرض.ألم يثبت أنّ العلم الذي يدعي المستكبرون في الأرض ملك ناصيته وأنهم به بشر فوق البشر وما عداهم همل ورعاع.. ألم يثبت اليوم بأن ذلك العلم هو سلاح في أيدي كل من نذر نفسه منتصرا للمقهورين. ليس هناك في هذه الدنيا من سلاح إلا وله سلاح مضاد. وفق ذلك القانون برأ سبحانه كونه وخلقه. حتى الأسلحة الجرثومية المحرمة التي تستخدمها أمريكا والكيان الصهيوني لها أسلحة مضادة كثيرة. ألم يكتشف هذا الشاب الأسترالي ذاك السلاح المضاد فكان الحنق ضده بأن أودع في قائمة المطلوبين للشرطة الدولية. بل إنّ أكثر من دولة حليفة لأمريكا بادرت بالإعلان عن عدم إيوائها له لاجئا سياسيا.
بل دعا مستشار الرئيس الكندي إلى اغتياله
هل تصدق ذلك في دولة مثل كندا. كندا إحدى الدول السبع الأكثر تصنيعا في العالم. هل تصدق ذلك من مستشار رئيس في وزن رئيس كندا. ألم ينسف القوم ما دبجه آباؤهم من معاهدات حقوقية ومواثيق دولية إنسانية قبل نصف قرن فحسب نسفا؟ ماذا لو دعا مواطن عربي أو مسلم مجهول لا يعرفه أحد يقطن في بعض أدغال إفريقيا ولم يخرج منها طول حياته.. ماذا لو دعا ولو مازحا إلى اغتيال الكلب الذي يداعبه الرئيس باراك أو القطة التي تموء من حول مائدة نتنياهو؟ أليس تساق وحدات أمريكية عسكرية خاصة إلى تلك الأدغال لتجعل عاليها سافلها؟
إدراج اِسم هذا الشاب على قائمة المطلوبين للشرطة الدولية ودعوة مستشار الرئيس الكندي لاغتياله بين يدي احتفال العالم بذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. لا يمكن تأويله سوى أنّ الحرج الذي أصاب أمريكا وحلفاءها (ومنهم عرب خليجيون وغير خليجيين) كان حرجا حقيقيا غير مفتعل. واليوم يهرع قادة الكونغرس الأمريكي في حالة طوارئ قصوى ليصرحوا بأن ما نشره موقع (ويكيليكس) يعتبر أكبر عملية تجسس تستهدف الولاياتالمتحدةالأمريكية ويطالبون باعتقاله فيما لجأ الشاب المسكين إلى بريطانيا.
وهكذا تزور الحقائق
بدل أن تراجع أمريكا (الشيطان الأكبر) سياساتها المعادية للعرب والمسلمين والمستضعفين في كل أنحاء المعمورة.. وبدل أن تعتذر لمن سببت لهم إحراجات غير مسبوقة ممن شملتهم محادثات سفرائها وأعوان مخابراتها (إف بي آي).. بدل كل ذلك تصاغ الحادثة على أنها عملية تجسس ضد أمريكا. بالأمس فحسب استدرج سفاح العصر بوش مجموعة من الشباب إلى تفجير برجي نيويورك ليشرع في عملية تدمير واحتلال ضد العراق وأفغانستان وتعبئة محمومة غير مسبوقة ضد الإسلام والمسلمين.. واليوم تحاول الولاياتالمتحدة برئاسة باراك أوباما أن تختلق قصة جديدة بمناسبة ما أسمته عملية تجسس ضدها. وهكذا عندما يؤزهم الشيطان إلى اقتراف كل المحظورات ضد البشرية والمواثيق التي دبجوها هم بأيديهم يلجؤون إلى إبادة الشعوب وفرص الصمت على الناس فلم يعد حتى العمل الإلكتروني حرا طليقا.
الناس مهما كانوا حمقى فإنهم لا يضحون بإرث مواثيق دولية ظلوا يعيشون أسيادا على ضفافها عقودَ طويلة.. لا يضحون بمخ ثقافتهم بجرة قلم. لا بد أنّ السلاح الذي جرده هذا الشاب الأسترالي قد آذاهم كثيرا. عندما تضطرب بوصلة القادة العرب
القادة العرب لم يجمعوا في العقود الأخيرة على شيء إجماعهم على التضامن والتعاون والتكافل بكل السبل والوسائل لخنق التيار الإسلامي سيما إذا كان وسطيا معتدلا ولتأليب أمريكا والكيان الصهيوني ضد إيران. أظهرت الوثائق المنشورة في (ويكيليكس) أنّ ملك إحدى أكبر الدول الخليجية قال للسفير الأمريكي في بلاده محرضا له على حرب إيران: "اقطعوا رأس الأفعى". لا أحد يتفق مع إيران في نزعتها الطائفية المذهبية المقيتة وهي نزعة تعلي في أحيان كثيرة من الفارسية أصلا وبذلك جمعت بين الرذيلتين: الرذيلة المذهبية الطائفية والرذيلة القومية غير أنّ كثيرا من العرب لا يبتعدون عن ذلك كثيرا عندما يرفعون الراية القومية لتهيمن على الإسلام نفسه. الله وحده يعلم ما يلقاه كل عربي ومسلم من إيذاء إيران لنا وهي تشجع وإن لم تشجع فهي تتسامح (ملاليها) على سب الصحابة الكرام سيما الشيخين وأمهات المؤمنين. ولا يرضى واحد منا أن تقايض إيران بعض أنظمة الحكم عندنا (تونس مثلا) بدريهمات مقابل الترويج للمذهب الشيعي. من أراد الدعوة إلى مذهبه رغم أن الدعوة إلى الإسلام أولى وأخلص فليدع إليه في أرض لا ينتمي أهلها لمذهب محدد. تلك مؤاخذات كل عربي وكل مسلم تقريبا على دولة إيران. ولكن الموضوعية تقتضي والحق أحق أن يتبع أن نعترف لأيران بأمرين: أولهما تقدمها الصف الإسلامي كله إذا ما استثنينا حماس الفلسطينية في الدفاع عن الأرض المحتلة ومراغمة أنوف الأمريكان والصهاينة في هذه القضية المركزية الأولى والعظمى. أما حبال الشغب على ذلك بقولك إن إيران غير مخلصة في ذلك الدفاع أو أنها لعبة مشتركة بين الأمريكان والإيرانيين أو بين الصهاينة والأيرانيين.. تلك حبال قصيرة ولا يضيرك أبدا أن تعترف حتى لعدوك الأكبر بما له إذا وجدت شيئا مما له. أما ثاني الأمرين مما نعترف به لإيران فهو أنها ماضية في تجهيز قوتها النووية ولها مطلق الحق في ذلك ولا يمكن عضلها عن ذلك حتى يعضل العدو الصهيوني عن ذلك وباقي الدول النووية في العالم وكلها معادية للخيار الإسلامي بامتياز. أما اعتبار القوة الإيرانية قوة شريرة بخلاف القوة الصهيونية النووية فهي قوة خير وأمن وسلام.. تلك أيضا حبال قصيرة وذاك هو عين شهادة الزور. هؤلاء العرب الذين يحرضون ضد إيران خشية أن تبتلعهم بقوتها النووية.. أما آن لهم أن يجهزوا قوة نووية يدافعون بها عن أنفسهم؟ أين هي عائدات البترول وهي بمليارات المليارات من الدولارات على امتداد عقود طويلة؟ أيها أغنى: إيران أم السعودية؟
عدونا الأوحد هو من يحتل أرضنا ظلما
تلك هي كلمة الحق التي ابتلي جيلنا اليوم بإعلانها وليكن ما يكون. أبشع وأغلظ شهادة زور يمكن أن يبوء بها امرئ هي أن يغض الطرف عن العدو الصهيوني المحتل للأرض ثم يحرض عدو الأمة على إيران. أي زور أبشع وأسود وأغلظ من هذا. تحرض عدو الأمة الذي يحتل أرضك المقدسة على جارك المسالم. هب أنّ إيران ليست مسلمة.. هبها وثنية خالصة.. هبها دولة وثنية فارسية تسجد للنار.. هل نحرض عليها العدو ذاته الذي يحتل أرضنا المقدسة؟ أي اضطراب هذا في بوصلة الوعي؟
المنتظر هو حرب إلكترونية
بالأمس القريب شنّ سفاح العصر بوش حربا ضد الإغاثة الإسلامية التي حاول خنقها في بعض بلدان الخليج وفرضت قيود غير مسبوقة إلى حد اليوم على كل معاملة مالية مهما كانت زهيدة. وبالأمس القريب حاولت الإدارة الأمريكية تهديد بعض البلدان المشرقية (مصر والسعودية) لحملها على مراجعة تعليمها الديني بحسبانه مصدر الإرهاب والتطرف. واليوم قد يشنون حربا شعواء على المواقع الإلكترونية بكل السبل ويطلبون العاملين فيها إلى المثول لدى البوليس الدولي لأنها تهدد الأمن العام وتنشر السريات السياسية والحربية. وهكذا هم ماضون في خنق كل نفس تحرري يستوي أن يكون مسلما أو ملحدا. المهم أنّ أمريكا إله جديد يجب أن يسبّح الكون بحمدها. تلك هي الحقيقة عارية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وتبقى هدية (ويكيليكس) منقوصة حتى تبوح بأسرار أكثر أهمية
1 السر الأول هو: بيان دور الولاياتالمتحدة ومخابراتها في كارثة سبتمبر 2001.
2 السر الثاني هو: بيان الدور العربي مسجلا بالمحادثات السرية عن محرقة العصر أي محرقة غزة قبل زهاء عامين وكذلك دور البلدان التي يعدها العرب صديقة أو حليفة.
3 السر الثالث هو: الحروب الشعواء التي تستهدف المعارضة الوطنية العربية والإسلامية سواء من صناع القرار الدولي أو من أذياله فينا.
4 السر الرابع: المؤامرات ضد وحدة الأمة وتمزيقها من مثل ما يجري اليوم للسودان وما يحاك اليوم ضد مصر بسبب الوجود المسيحي ونكبات أخرى داخلية كثيرة مازالت تفرق الأمة من مثل قضية البوليزاريو بين الجزائر والمغرب إلخ ..
5 السر الخامس: المحادثات السرية في خصوص الأموال النفطية العربية سيما الخليجية منها. كيف ينهبها الغرب النافذ ويستمتع بها الأمراء والمقربون وعلى مرمى حجر يموت الإنسان العربي والمسلم أو الأسود الإفريقي حتى لو كان مسيحيا جوعا وظمأ وخوفا.
وأسرار أخرى كثيرة
إذا أفرج (ويكيليكس) عن تلك الأسرار ثم تبين أنّ الموقع ورجاله يخدمون الحقيقة فإنه له منا ألف تحية وتحية أما إذا كان جزء من اللعبة الاستخبارية الأمريكية الصهيونية كليا أو جزئيا فإنّ الزمن كفيل بنصب لواء لكل غادر. فمن لم ينتصب لواء غدرته اليوم فإنه منصوب غدا بإذنه سبحانه. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
الحوار.نت
مصدر الخبر : الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=12020&t=ما هي جريمة صاحب "ويكيليكس" حتى يطلبه الأنتربول؟؟!!&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"