همّ بالقيام... شعر بأعراض الإغماء... حاول – كما كان يفعل – الاعتماد على خشبة المحراب القريب... ثمّ!.................................. بدأ يسمع نداءً قادما من فجّ عميق... أصوات المنادي متسارعة تلبس لباس الحيرة وتتوشّح الخوف!... فقد رأى المنادي ما يُربكه!... تبيّن أخيرا الصوتَ ومصدرَه... رأى جُزءً من المشهد: أخوه الدكتور محمد، ذاك الشاب الفَتَى؛ صديقُ ابنه وصديقُه... يضغط على صدره... يطلب ربّه له الحياة!... لقد كان هو المنادي البعيد الذي اقترب أخيرا!... رفع يدًا ثقيلةً... ثقيلةً... ربّت بها حانيا على محمّد: خلاص؛ محمّد؛ الحمد لله؛ لا بأس!... اطمأنّ محمّد... حاول الاتّصال بمن يساعده... لم يكن معه هاتفٌ ولا مع عمّه المصاب هاتفٌ كذلك!... قال له: اذهب يا محمّد إلى العمارة كذا وانظر الرّقم كذا بالطابق كذا ودق على الجرس تُلبَّى... عاد محمّد قبل أن يتأكّد هو من أنّ محمّدا قد غادر!... كان محمّد سريعا وكثير العناية... كان يتصرّف بحرص وحبّ تعلّمهما من إسلامه الذي أوجب الأخوّة على المؤمنين "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"... انضمّ ولدُه إلى محمّد فاتّصلا بالإسعاف ليُنقل بسرعة إلى المستشفى... قال ولدُه الأوسط وهو يزوره، يقبّله يضمّه ويعتذر لبعض ما يصدر عنه: لقد كنت بحال طيّبة خلال الصلاة وبعدها، ولو لاحظتُ عليك شيئا لانتظرتك!... قال: كذلك الموت يا ولدي يأتي بغتة، فلا يغترّنّ أحدٌ بسطوة صحّته!...
نقلوه إلى "قسم القلب"... أخضعوه إلى الفحوصات اللّازمة... تقاطر الزوّار ثمّ انهمروا... كلّهم يعبّر عن أحاسيس تحبّب في الإسلام وفي أهله... تعدّدت المكالمات الهاتفية محليّا ومن خارج بلد الإقامة... شعر بالحرج... الحرج الكثير... الكبير!... تساءل: أيكون يا ربّي شأني عندك كما عند اخوتي وأخواتي هؤلاء؟!... واساه البعض: إنّ الله إذا أحبّ عبدا من عباده وضع له القبولَ بين النّاس!... حذّره آخرون: إنّ النّفس كثيرا ما يستهويها مديحُ المدّاحين فتطمئنّ فتخطئ التصرّف القويم فتهلك، عياذا بالله تعالى!... دعا ربّه ودعا الجميع ربّهم حسن الخاتمة!... ظلّ في المستشفى ما كُتِبَ له... ثمّ خرج!... ليطوي صفحة... قد تعقبها صفحة... أو صفحات... أو لا تعقبها أيّة صفحة... وإنّا لله وإنّا إليه راجعون... وحسبنا الله ونعم الوكيل...
ملاحظة: الأحداث واقعية وتمّت بين فجر السبت 11 ديسمبر 2010 وعصر الإربعاء 15 ديسمبر 2010.