لم يقع إجماع أو اتّفاق أكبر من ذلك الذي وقع حول نبذ الإرهاب ومقاومته. ولكنّه بالمقابل، لم يقع تملّص أكبر من ذلك الذي وقع في محاولة الجلوس حول الطاولة لتحديد المعنى الدّقيق لهذا المصطلح كي يقع اجتنابه. غير أنّ المتابع للأحداث في مختلف أنحاء العالم، يمكنه الخروج ببعض التعريفات المحدّدة للهويّة (هويّة الإرهابي)، الضابطة للمفهوم (مفهوم الإرهاب). وقد أحاول في هذه العجالة التوقّف عند بعض هذه التعريفات فأقول:
1 – من هو الإرهابي؟
هو إنسان يتوق عموما إلى الحريّة. يرغب في العيش حسب مفاهيم رآها صالحة لدنياه ولآخرته، قد تكون قابلة للنّقاش غير أنّه لم يجد ممّن حوله من السياسيين والمثقّفين الذين تربّوا على رفض الآخر مَن يناقشه فيها. يرفض الظلم المسلّط عليه من الأقارب. يريد كسر الطوق الذي أحكم المستعمر البغيض رباطه حول عنقه. يتوق إلى استرجاع أرضه من هذا الصهيوني المنبوذ المطارَد الغادر (وقد كان قَبِلَهُ يوم طرده النّاس جميعا وكان آواه يوم أخرجه النّاس جميعا). هو هذا الذي رفض العمالة مع الصهاينة الفاحشين والبوشيين الوضيعين. هو هذا العربي الذي يهمّ باستعادة ذاكرةٍ تحدّثه بالمروءة وبالسطوة على الباطل. هو هذا المسلم الذي بدأ يبحث في دواليب خزائن مجده عن عزّ مفقود، وعن رجولة حَرمت الخفافيش ظلام راحتهم، وعن عدالة وفّرت الأمن والأمان والسّلامة والإسلام. هو هذا الغيور على الأرض والعرض. هو هذا الدّاعم لصناديق التكافل والتراحم. هو هذا الجواد المزكّي. هو هذا الفقير الباحث عن المورد والرزق. هو هذا الباكي، المتقطّع حزنا وألما على ما يجري في أرض الاستضعاف. هو هذا الذي لا يملك أسلحة دمار شامل ولا يتمتّع بالتفوق النوعي في التسلّح ولا بالسيطرة الجوّية. هو هذا الطّامح إلى العيش الكريم على النهج القويم...
2 – ما هو الإرهاب؟
هو عموما خروج عن "الطّاعة". هو عقوق للحاكم الذي بطاعته يُنبذ الإرهاب. هو محاولة لتغيير الترتيبة التي ارتضاها لنا مقاومو الإرهاب. هو تجاوز للخطوط الحمراء عند الكلام في السياسة. هو خلط للدّين مع السّياسة. هو لباس طائفي وغطاء للرّأس ولحى طويلة وسراويلات قصيرة. هو نبذ للشذوذ، وعدم إقبال على فرحة الحياة كما يراها السّادة "الفاتحون". هو حدّ من حرّية الأبناء في تردّدهم على النّوادي والمراقص الليليّة. هو تردّد على مواقع الانترنيت "الممنوعة". هو مقاطعة لمواقع الانترنيت المكتظّة بالزّائرين، "المطلوبة". هو إضراب جوع أو مسيرة تنديد أو اعتصام أو توزيع بيان. هو مسك حجر ورميه على المستعمر الصهيوني. هو حمل سلاح للتّصدّي للمعتدي. هو استعمال أبسط الأسلحة للدّفاع عن الأرض والعرض. هو محاولة لإثبات الذات ومطالبة بحقّ الحياة وكثير من الضيم والآهات....
3 – من هذا الذي يقاوم الإرهاب؟
إنّه عموما من يكره "الإرهابيين" ويعضّ عليهم الأنامل من الغيظ. إنّه من يتمنّى لهم الهلاك التّام والموت الزّؤام. إنّه من فكّر في الموت، فلم يترك أهله بعده عالة يتكفّفون النّاس بل اقتطع لهم بعض المال من كلّ المال ليضمن لهم العيش اليسير. إنّه ذلك المحبّ للهدوء والاستمرار والديمومة، المُبغض للتداول والمنافسات المذمومة. إنّه "الديمقراطي، الفاتح" العاشق للثروات، المدمن على الخمر والجنس والبترول والسندات. إنّه مالك الأرض والبحار والأجواء. إنّه الكلب، مشجّع الكلاب على نهش لحوم الضعفاء من "الإرهابيين". إنّه الشّاذ المتلذّذ بوضع الأغلال وترويع الأهالي وبعثرة التجهيزات وإتلافها وسرقة الأموال وكشف العورات وهتك الحرمات وأخذ الصور الفاضحة. إنّه الحقود على الإسلام وأهله. إنّه ناصر "المستعفين" ممّن اغتصبوا الأرض وهدّموا الدّيار وأقفروا المعمار. إنّه بائع ومستعمل آلات الموت المسخّرة ضدّ "الإرهاب" وأهله. إنّه محارب الإعلام الحرّ، العامل على اغتيال رجالاته وتحطيم منشآته. إنّه الخطّاء في حقّ رواد حفلات الأعراس حيث ما كانوا، في كوسوفو أو في أفغانستان أو في العراق أو في غيرها. إنّه المُمثّل البارع والمخادع الماكر والسياسي الكاذب. إنّه المتحجّر، فاقد الرحمة، سيئ الأخلاق عديمها. إنّه راعي السّلام وراعي البقر والديمقراطيّة. إنّه حامي حمى الدّين ومراقب أهليّة المواطنين (إنّ شعبنا بلغ من الوعي والنضج ما يسمح لكل أبنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه في ظل نظام جمهوري يولي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة...). إنّه العميل المتاجر بأهله وبلده. إنّه ذلك الذي لا يستطيع الاستمرار إلاّ بمقاومة "الإرهاب والإرهابيين"...
4 – ما السبيل إلى الخروج من دوّامة الإرهاب؟
السبيل إلى ذلك هو نبذ الإرهاب أوّلا، ثمّ الأخذ - على الأقلّ - ببعض ما أخذ به محاربو الإرهاب: فلا بدّ من امتلاك القدرة العلميّة التّي تمكّن من امتلاك الأجواء والفضاءات وتُثني المستعمر الحاقد عن احتلال البلدان وامتلاك الثروات. لا بدّ أن يكون هناك قدر من الحقد، ليس على النّاس ولا على دينهم، ولكن على الأعمال التي يأتونها، حتّى وإن كانت في إطار مقاومة "الإرهاب" كي نجنّب "الإرهابيين" هذا البلاء وهذه البربريّة التي لم يشهد لها التّاريخ الحديث مثيلا. لا بدّ من التّضامن مع "الإرهابيين" ومناصرتهم ومؤازرتهم، فوالله ما فسدت الدنيا على ساكنيها إلاّ بمحاربتهم.
وفي كلمة لا بدّ من إنهاء الإرهاب، بالوقوف كلاّ في وجه من رفع شعار محاربة الإرهاب، فإنّه لا يمكن أن يتمّ الإصلاح وأن يأتي الصّلاح على أيد كتلك التّي كشفتها الصور، أو كتلك التّي ظلّت مستورة لأنّ مَنْ حولها ليسو من مروّجي الصور...
ملاحظة: نشر هذا المقال لأوّل مرّة على صفحات تونس نيوز بتاريخ 21 مايو 2004.