في أحد المرات من تاريخنا الحديد، تثاءب جلالة السلطان، وقد رصَدَت أجهزة الإعلام تثاءب معاليه أثناء تدشينه إحدى المشاريع القصديرية. فقطعت المحطات التلفزيونية والإذاعية برامجها، لتزُفَّ إلى الجماهير هذه البشرى وهذا النبأ الهام، الذي سيكون له أبعاده السياسية والتنموية والسوسيولجية، وستكون له آثاره على شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وجزر البلقان، وعلى حركات التحرّر الوطني والفصائل الثورية.. سارع رئيس الوزراء، وهو يُذيع هذا الخبر الوطني شخصياً بصوت جهوري، وبنبرة متموّجة بين التأثر والتفاؤل، موضّحا أن تثاءب جلالة السلطان، ليس حَدَثاً عابراً ولا معزولا ولا عَرَضيا،ً في هذه الظروف التاريخية الدقيقة والخطيرة التي تمرّ بها الأمة، إنه حدث هام ذو دلالات وأبعاد قيمية، تندمج ضمن السياق التاريخي لحركة التحرّر الوطني والنهوض الاجتماعي والتنمية المستدامة، وسيكون لهذا التثاؤب السابق للنوم والنعاس انعكاسات ثورية وفورية على المسيرة السلمية، وضبط النفس، والزيارات المكوكية، والمفاوضات التدريجية والجزئية والنهائية وزيارة " ميتشل " للمنطقة، والتأثير المباشر وغير المباشر على الوضع السياسي في واشنطن وتل أبيب، ومقديشيو والنجف، وكابول وبغداد، وقم، وطورة بورة...والحراك الجنوبي في اليمن.. فور الإعلان في التلفزة الناطقة باسم جلالة السلطان عن نبأ هذا التثاؤب، خرجت الجماهير إلى الشوارع، في مسيراتٍ شعبية حاشدة عفوية تلقائية كما وصفها مقدم نشرة الغبار، بأنها مسيرات الولاء والعرفان لجلالة السلطان، كان المتظاهرون يحملون صُوَرَ السلطان المتثائب، واللافتات مكتوبا عليها تثاءب كما شئت فالتدشين يؤرّق السمع ويتعب البصر والأجفان ومن تثاءب مثلك خضعت له الأمم والأمصار، وتؤكد ولاءها له ولأبنائه وأحفاده من بعده استنادا إلى نسب الجناة الوراثية التي لا تفرز إلا الملوك والسلاطين، وتطالب بدراسة الأبعاد الحضارية لهذا التثاؤب الذي يؤشر للصعود ولإقلاع. تحرّكت المسيرة تضم آلاف المواطنين، المُتلهفين لمعرفة ما سينتج عن تثاؤب سموّه، وكان على رأس المسيرة مفتي الجمهورية، وقف سماحة المفتي وألقى كلمة في الجماهير المبهورة بهذا التثاؤب، الذي قد يعيد لهم المجد الغابر، قال المفتي بعد أن حمد الله وأثنى عليه: إن جلالته حفظه الله ورعاه إنما تثاءب عن دراية ويقين، وهو لم يتثاءب في حياته إلا لأنه آمن أن التدشين والتلحين والتصفير فعلا من صنع الانسان، وبعد أن أيقن أن التثاؤب شكلا من أشكال التحدّي والمقاومة والثورة ضد تغميض العيون وإطباق الجفون وطيّ الفراش، ولو تثاءب سموّه من قبل لعلمنا بذلك فوراً من وسائل الإعلام، التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من تصرّفات سيادته التاريخية الحكيمة، إلا وتحصيها لتكون ذخراً للأجيال الصاعدة، وصفحة من تاريخنا الوطني والقومي والحضاري، ثم تدخل وزير الإعلام، فألقى في هذه المناسبة قصيدة عذراء مطلعها : تثاءبت فلم تترك لغيرك غير الصبر والسبات فكأنك خلقت للتدشين ونحن خلقنا للطاعة والهتاف وتعالت هتافات الجماهير بالروح... بالدم... نفديك يا سلطان، معبرّة عن ولائها لسموّ السلطان المتثائب، وتثمين هذه الحركة الإنسانية النبيلة، وهذا الوعي المتقدم الذي أصبحنا من خلاله نموذجا وفرجة للسوّاح والأمم. وسارعت غرفة التجارة والصناعة، فأرسلت برقية إلى جلالة السلطان مما جاء فيها : تثاءب جلالتكم، فرصة تاريخية لكي نعرب لكم عن تأييدنا وتجديد البيعة، واسمحوا لنا جلالة السلطان، أن نقول لكم تثاءبوا وسيروا على بركة الله ونحن من ورائكم على الدرب متثائبون. في اليوم التالي ، خرجت الصحف تحمل عناوين بالخط العريض: عواصم العالم تبدي ارتياحها لتثاءب جلالة السلطان أبقاه الله سراجا للإنسانية، وحفظة لقضايا الحرية ومسيرة السلام العادل والشامل- مجلس الأمن يعقد اجتماعاً استثنائياً لبحث الآثار المترتبة على تثاءب سموّه المفدى. الرئيسين لساحل العاج لوران غباغبو- وحسن وطارا يتصلان بصاحب السمو هاتفياً بعد التثاؤب مباشرة، ويقولان له كل على اتصال منفرد، أن تثاؤبك يا جلالة السلطان مؤشرا إيجابيا على تحرك صناديق الانتخابات من أماكنها في القارة الإفريقية، المستبشرة مسبقا بتثاؤبك الذي يشكل منعرجا ومنهجا نستخلص منه العبر والدروس... . الاتحاد الأوروبي يقطع جلساته لبحث تثاءب سموّ السلطان، وخصّص رئيس تحرير جريدة (المتثائبون) مقاله الافتتاحي لهذا التثاؤب العفوي، جاء فيه: إذا كانت عطسة مدير عام لدائرة حكومية ، أوحت للكاتب الروسي" أنطوان تشيخوف " بقصته الخالدة فإن تثاءب جلالة سلطاننا أطال الله في عمره، يشكل منعطفاً تاريخياً في سياسة الشرق الأوسط، والقدس الشريف وفلسطين، وسيترتب عليه بإذن الله، نتائج تغير حياة المواطن، وتلهم ملايين جديدة من شعوب الأمة العربية معاني النضال والانتفاضة ضد الاستعمار والصهيونية. وسرعان ما انعقدت جلسة طارئة لاتحاد الكتاب والأدباء والفنانين، تقرّر فيها الإعلان عن مسابقة، لأفضل دراسة، وأفضل قصة، وأفضل رواية، وأفضل أغنية، وأجمل قصيدة عن تثاءب جلاله السلطان كفعل سياسي، وكمقاربة ذات أبعاد استشرافية.. أما بلدية العاصمة، فقد دعت إلى اجتماع فوري وطارئ للمجلس البلدي، وتم اتخاذ قرارا بالإجماع حول إطلاق اسم ( شارع التثاؤب ) على أهم وأرقى شارع في المدينة. ولم تتخلف المقاهي المتراصة والمكدسة على أرصفة الطرقات والتي عبرت من خلال لافتات زرعت على نواصي الأبواب والجدران نحن حماة الوطن ضد من لا يروم التثاؤب والسهاد. وسارعت شركات الفيديو إلى توزيع ألبوم تبارى فيه المطربون، تحت عنوان : يا متثائبا زاده الخيال والحال ما يزال هو الحال.. وأخيراً عقد مجلس الشعب جلسة، اتخذ فيها تشريعاً باستحداث وزارة دولة لشؤون التثاؤب السلطاني، واعتبار يوم تثاءب جلالته عيداً قومياً.
وفيما يخصني كأحد المواطنين المنفيين منذ أعوام الغمّة، وكأحد المهجّرين منذ سنوات الغصّة، قرّرت تخصيص ما تبقى لي من عمري الذي التهمته مواكب تكرار واجترار حفلات الانجاز والتدشين ، وعطبته فصول الهتاف والصخب والتلحين، ودمّرته تنمية الأراجيف والأقاويل، قرّرت صياغة عمل في الأدب السياسي يزاوج بين التوثيق والتأريخ والاجتماع حول عهد التثاؤب السلطاني في مملكة التغيير. الطاهر العبيدي [email protected]