إزاء كثرة اللصوص الذين استغلوا أحداث الثورة أسوأ استغلال، أتحدث اليوم عن خبر طريف قديم يتعلق بهم رواه الجاحظ، وأروي خبرا جديدا جرى لي مع أحدهم: أولا: للجاحظ كتب كثيرة متعددة الأشكال والمواضيع والأساليب يعسر إحصاؤها والتعريف بها جملة وتفصيلا، وسأتحدث اليوم عن واحد منها، رغم أنه من كتبه المفقودة، عنوانه (حيل اللصوص) وهو (في تصنيف حيل لصوص النهار، وفي تفصيل حيل سُرّاق الليل) ومن هنا نفهم أن اللصوص ينشطون نهارا وأن السُّراق يسرقون ليلا، ومن حسن الحظ أنه قد بقي من هذا الكتاب نماذج قليلة في بعض الكتب القديمة التي تحدثت عن آثار الجاحظ، وللتعريف بمحتوى هذا الكتاب نختار منه هذا الخبر الطريف الذي نعتبره أنموذجا من نماذج حيل لصوص النهار. لقد كان هذا اللصَّ النهاري الذي يتحدث عنه الجاحظ طبيبًا نفسيًّا يعرف أن التثاؤب يجر التثاؤب وأن التناوُمَ يجر النوم لمن يجلس أمامه لذلك يظل يتكلف التثاؤب والتناوُمَ حتى يتثاءب وينام وترتخي يده وتُفتح قبضته عن طرف الحبل الذي يربط في طرفه الأخر دابة سيده، فيستَلُّ من يده الحبل «كما تُستَلُّ الشعرةُ من العجين»، ويمضي بتلك الدابة جهارا نهارا، وقد «بين» الجاحظ هذه الحيلة «بيانا» ما بعده من تبيين» في كتابه المذكور بقوله: «ونحن نرى كل من كان في يده كِيسٌ أو درهمٌ أو حبلٌ أو عصا، فإنه متى خالط عينيْه النومُ، استرخت يده، وانفتحت أصابعه. ولذلك يتثاءب المحتال (للعبد) الذي في يده عِنانُ دابةِ (مولاه)، ويتناوم له وهو جالس، لأنّ مِن عادة الإنسان، إذا لم يكن بحضرته من يشغله ورأى إنسانا قبالته يتثاءب وينعس، أن يتثاءب وينعس مثله، فمتى استرخت يده أو قبْضتُه عن طرف العِنان، وقد خامره سُكْرُ النومِ، ومتى صار إلى هذه الحال، ركِبَ المحتالُ الدابة َ، ومَرَّ بها.» هذه إحدى الحيل القديمة للصوص النهار التي ذكرها الجاحظ في ذلك الكتاب المفقود. ثانيا: تعرضت شخصيا منذ مدة لتحيلٍ من لص جديد فقد وصلني (S M S = س م س) من أحدهم أو إحداهن وفيه إعلام بوصول مقدار من المال إلى هاتفي الجوال، وبعد فترة قليلة وصلني (س م س) آخر من صاحب نفس ذلك الرقم يعلمني بأنه أخطأ في إرسال ذلك المقدار ويرجوني أن أعيده إليه، ففعلت، لأني كنت من أصحاب النوايا الحسنة، ومن الغد طلبت صاحب ذلك الرقم أكثر من مرة لأعرف منه هل وصله المال الذي أعدته إليه، فلم يرفع سماعته ولم يتصل بي، فداخلني الشك في أن صاحبه احتال علي فأرسلت إليه توبيخا على احتياله وسرقته، لكنه لم يتصل، ثم اتصلت بالشركة التي يملك شريحته منها وأعلمتهم برقمه فلم تحرك ساكنا. لقد أخذت درسا من تحيل هذا اللص، فإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وقد صدق من قال: «ما ضاع من مالك ما نصحك أو ما علمك»، وأحمد الله على أنني أخذت درسا بقليل من المال لكي لا أخسر أموالا كثيرة، ففي الليلة الفاصلة بين 4 و 5 مارس 2011 وصلني (س م س) مماثل لذلك الذي وصلني منذ مدة، يعلمني بوصول مقدار من المال ثم وصلني طلب رد المقدار المزعوم إرساله، وهو مُرْسَلٌ من أنثى، وقد دلني على ذلك قولها: «محتاجتهم» بالحروف اللاتينية: mi7tajithom)) فأجبتها بنفس الحروف (menich sidi teta) أي (ما نيش سيدي تاتا). وهو مضرب الأمثال في البلاهة، فقطعت المكالمة فورا. لقد تحدثْت هنا عن حيلتين من حيل اللصوص لم يعرف الجاحظ الثانية منهما لعدم وجود الهاتف الجوال في زمانه طبعا، وأخيرا أرجو أن أكون قد نبهت المعاصرين إلى أمثال هذه الحيل الجديدة لكي لا يقعوا فيها كما وقعت، وكما وقع فيها قبلي زميل جامعي الذي ظن أنه قام بعمل إنساني نبيل «بإرجاع الأمانة إلى أهلها» ولكنهم لم يكونوا بأصحاب أمانة بل لصوص محتالون، (والمؤمن غِرٌّ كريم)، ولذلك قيل قديما: (من الحزْم سوءُ الظن بالناس).